مشاركة من إعداد الأخ عقيل
بسم الله الرحمن
الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى
آله الطيبين الطاهرين.
إن الكتابة عن العظماء ضرورية ، لأن لنا في حياتهم معينا لا ينضب من الخبرة والعبرة والإيمان والأمل . فهم بمثابة المنارات التي تهدينا في دياجير الحياة المظلمة. وهم الذين يبعثون الثقة في نفوسنا ، ويجددونها كلما اعتراها شيء من الضعف والوهن، وهم الذين يجعلوننا نتغلب على مشكلات الحياة وأهوالها ، مهما كانت هذه المشكلات عنيفة وصاخبة . وهم يلقنوننا دروسا قيمة عن البطولات ، والسمو بالنفوس إلى أسمى مراتب المجد والشرف ، وهم الذين يجعلوننا نتغلب على القنوط واليأس ، ونعيث بالكسل والسأم والملل ، لنحذو
حذوهم ، وننهج نهجهم ، فهم بمثابة القمم التي نتطلع إليها بشوق ولهفة.وعلي بن أبي طالب عليه السلام هو أسمى عظماء البشرية وأنبلهم، وأقدسهم وأفضلهم ، لأن عليا جمع كل الصفات الحميدة ، والمزايا النبيلة التي تحلى بها عظماء الإنسانية. فمنهم من عظم في خُلُقه ، ومنهم من تفرد بعلمه ، ومنهم من أُشير إليه بالبنان في حلمه ، ومهم من تفوق في شجاعته ، ومنهم من سما بأدبه وسمو تفكيره وصفاء بصيرته ، ومنهم من تسامى بطهارة وجدانه وعمق إنسانيته وحرارة إيمانه ، ومنهم من اشتهر بثورته على الظلم والحرمان ، ومنهم من تفرد بعبادته وخشوعه .
وعلي بن أبي طالب عليه السلام جمع كل هذه الصفات في شخصيته الخالدة دون أن تكون به صفة سلبية ، فعلي هو الإنسان الكامل والرجل المثالي الذي تنشده الأجيال والعصور. هل يُعثر على عظيم كعلي ؟؟؟
ومهما حاول الكتاب والمؤرخون ورجال الفكر أن يأتونا بصورة كاملة عن عظيم الإنسانية ومثلها الأعلى ، فهم عاجزون تمام العجز . وكيف لا ؟! وهو سر الأسرار. وهو النقطة التي تحت الباء. وهو جنبُ الله . ويد الله وأُذنه السامعة ، وعينه الناظرة ، ولسانه الناطق ، وهو النعيم الذي ذكره الله عز وجل بقوله : ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) .. وهو الصراط المستقيم . وهو الهادي الذي ذكره الله سبحانه بقوله : ( وإنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) وهو الشاهد الذي ذكره الله عز وجل بقوله : ( أفمن كان على بينة ويتلوه شاهد). هو الإمام الذي عناه الله بقوله : ( وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ). وهو الذي عنده علم الكتاب. هو كنز أسرار النبوة. وهو المطلع على أخبار الأولين. وهو المخبر عن وقائع الآخرين . وهو أول من المسلمين. وهو أول المؤمنين. وهو حبل الله المتين. وهو سيف رسول رب العالمين . وهو الصديق الأكبر . وهو الفاروق الأعظم . وهو حجة الله في السموات والأرض. وهو الراجفة. وهو الصاعقة. وهو الصيحة بالحق. وهو الساعة لمن كذب بها. وهو الطور. وهو البحر المسجور. وهو البيت المعمور. وهو خازن السموات والأرض بأمر رب العالمين. وهو الشاهد لأعمال الخلائق في المشارق والمغارب. وهو أخو رسول الله. ووارث علمه ، ومعدن حكمته ، وصاحب سره ، وما أنزل الله حرفا في كتاب من كتبه إلا وقد صار إليه . وزاده علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة . وهو خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووصيه ووليه ، وأبو العترة الطاهرة المطهرة من الرجس . وأنه خير أمته . وأفضلهم وأعلمهم وأقضاهم وأحكمهم وأشجعهم وأعدلهم وأزهدهم وأحلمهم وأعبدهم وأصبرهم . وأنه باب مدينة علمه . وأنه مع الحق والحق معه . وأنه مع القرآن والقرآن معه. وأن حبه إيمان ، وبغضه نفاق . وأنه رباني هذه الأمة . وأنه والعترة سفينة نجاة هذه الأمة ، وباب حطتها ، وأمانها من الغرق . وأنهم الثقل الأصغر ، والقرآن هو الثقل الأكبر . وأنه والنبي صلى الله عليه وآله وسلم من نور واحد هو نور الله ، وأن لحمه لحمه ، ودمه دمه ، وأنه كنفسه صلى الله عليه وآله وسلم ، وأن حربه حربه ، وسلمه سلمه ، وحبه حبه ، وبغضه بغضه ، وأذاه أذاه ، وسبه سبه . وأنه منه بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة . وأنه من ذوي قرباه التي وجبت على المسلمين مودتهم . وأنه من الذين لم تقبل صلاة المسلم إلا بالصلاة عليهم . وأنه ممن باهل بهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفد نجران . وأنه حجته على أمته . وأنه حامل لوائه في الدنيا ، وحامل لواء الحمد يوم القيامة . والذائد عن حوضه المنافقين . وأنه سيد المسلمين ، وإمام المتقين ، وقائد الغر المحجلين ، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين
. وأنه قسيم الجنة والنار . وأنه المؤدي عنه صلى الله عليه وآله وسلم ولا يؤدي عنه إلا من كان منه . وأنه نجيه وصفيه ووليه ووزيره ، وخير من يترك بعده . وأنه النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون . وأنه خاتم الأوصياء وأفضلهم . كما أن النبي صلى الله عليه وآله خاتم الأنبياء وأفضلهم . وأنه ولي كل مؤمن ، ومن لم يكن وليه فليس بمؤمن . وأن الله سبحانه خاطب نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بلغته . وأنه أمير البررة ، وقاتل الفجرة . وأنه زوج سيدة نساء العالمين . وأنه صاحب الغدير الذي أكمل الله بولايته الدين ، وأتم النعمة ، ورضي سبحانه برسالة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم.
هذا بعض ما ورد عن علي بن أبي طالب عليه السلام. فهل يستطيع كاتب أن يؤدي حقه ؟؟ أو ينقل لنا صورة كاملة عن هذا العظيم ؟؟ وهل يقاس به أحد ؟؟ فإن عثر كاتب على عظيم كعلي فمن هو ؟؟ ونلح عليه أن يحدثنا عن فضائله وكراماته وشجاعته وعلمه وحلمه وعفته وزهده وعدله وتقواه وصفاء قلبه ونقاء وجدانه وعبادته وكرمه وقضائه وخلقه لنقارنه بأبي تراب ؟؟ لكن هذا العظيم لم يولد حتى الآن …
ولادته عليه السلام
يظن الكثير من الناس أن ولادة علي بن أبي طالب عليه السلام أمر عادي لا يستحق الذكر ، كبقية ولادات الأطفال . لكن الأمر على عكس ذلك . فولادة علي عليه السلام في بيت الله الذي هو قبلة المسلمين في جميع بقاع العالم من المزايا الكبرى التي امتاز بها هذا المولود ، ولم يشاركه في هذه الميزة مولود قبله ولا بعده ، لأنه هو الوحيد الذي ولد في بيت الله . هذه الولادة مكرمة جليلة خصه الله بها دون غيره من الأنبياء والمرسلين والناس أجمعين .فإذا اعتراك أيها القارئ شك في ذلك ، فهذه هي الأدلة من كتب الفريقين . ففي مستدرك الصحيحين ج3 ص 483 قال : تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في جوف الكعبة .
وفي نور الأبصار للشبلنجي ص 76 ط 5 عام 1951 قال : ولد رضي الله عنه بمكة داخل البيت الحرام .
وحكى الحافظ الكنجي الشافعي في (( الكفاية )) عن طريق ابن النجار عن الحكيم النيسابوري أنه قال : ولد أمير المؤمنين علي بمكة في بيت الله الحرام ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل . ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله الحرام سواه ، إكراما له بذلك ، وإجلالا لمحله في التعظيم .
وروى الوزير السعيد الأربلي في (( كشف الغمة )) ص 19 عن كتاب (( بشائر المصطفى )) مرفوعا إلى يزيد بن قنعب . قال : كنت جالسا مع العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه ، وفريق من بني عبدالعزى بإزار بيت الله الحرام ، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين عليه السلام . وكانت حاملا به لتسعة أشهر ، وقد أخذها الطلق ، فقالت : يارب إني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب ، وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل ، وأنه بنى البيت العتيق ، فبحق الذي بنى هذا البيت ، وبحق المولود الذي في بطني ، إلا ما يسرت عليَ ولادتي . قال يزيد بن قنعب : فرأيت االبيت قد انشق عن ظهره ، ودخلت فاطمة فيه، وغابت عن أبصارنا ، وعاد إلى حاله ، فرمنا أن ينفتح لنا قفل البيت فلم يفتح ، فعلمنا أن ذلك أمر من أملا الله تعالى ، ثم خرجت في اليوم الرابع ، وعلى يدها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، ثم قالت : إني فضلت على من تقدمني من النساء ، لأن آسية بنت مزاحم عبدت الله سراً في موضع لا يحب الله أن يعبد فيه إلا اضطراراً ، وأن مريم بنت عمران هزت النخلة اليابسة بيدها حتى أكلت منها رطبا جنياً ، وإني دخلت بيت الله الحرام فأكلت من ثمار الجنة وأوراقها ، فلما أردت أن أخرج هتف بي هاتف وقال : يا فاطمة، سميه علياً فهو علي ، والله العلي الأعلى يقول : شققت إسمه من إسمي ، وأدبته بأدبي ، وأوقفته على غامض علمي ، وهو الذي يكسر الأصنام في بيتي . وهو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي ، ويقدسني ويمجدني . فطوبى لمن أحبه وأطاعه ، وويل لمن أبغضه وعصاه . قالت : فولدت عليا ، ولرسول الله ثلاثون سنة . وأحبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حبا شديداً وقال لها : اجعلي مهده بقرب فراشي . وكان صلى الله عليه وآله وسلم يلي أكثر تربيته ، وكان يطهر علياً في وقت غسله ، ويوجره اللبن عند شربه ، ويحرك مهده عند نومه ، ويناغيه في يقظته ، ويحمله على صدره ورقبته ، ويقول : هذا أخي ووليي وناصري وصفيي وذخري وكهفي وصهري وزوج كريمتي وأميني على وصيتي وخليفتي . وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحمله دائما ويطوف به جبال مكة وشعابها وأوديتها وفجاجها …..روى هذا الحديث صاحب (( إرشاد القلوب )) للديلمي ج 2 ص 5-6 .
وقد ذكر الولادة الشريفة في البيت واعتبرها من الفضائل كل من :
1- المسعودي في كتاب (( مروج الذهب )) ج 1 ص 2 .
2- ابن الجوزي في (( تذكرة خواص الأمة )) ص 7 .
3- ابن الصباغ المالكي في (( الفصول المهمة )) ص 14 .
4- الحلبي في كتاب (( السيرة النبوية )) ج1 ص 150 .
5- الشيخ علي القاري الحنفي في (( شرح الشفا )) ج1 ص 151 .
6- أبي سالم الشافعي في كتاب (( مطالب السؤل )) ص 11 .
7- الشيخ علاء الدين السكتواري في(( محاضرة الأوائل)) ص 120 .
وغيرهم كثير ..لذلك فولادة الإمام في بيت الله فضيلة فضله الله بها على سائر خلقه . يؤيد ذلك ما رواه صاحب كتاب (( المناقب )) مسندا إلى صعصعة بن صولجان أنه دخل على أمير المؤمنين عليه السلام لما ضُرب فقال : يا أمير المؤمنين أنت أفضل أم آدم أبو البشر ؟ قال علي عليه السلام : تزكية المرء نفسه قبيح . لكن قال الله تعالى لآدم (( يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين )) ، وأنا أكثر الأشياء أباحها لي وما قاربتها . ثم قال : أنت أفضل يا أمير المؤمنين أم نوح ؟ فقال علي عليه السلام : إن نوحا دعا على قومه ، وأنا ما دعوت على ظالمي حقي ، وابن نوح كان كافرا ، وابناي سيدا شباب أهل الجنة . قال : أنت أفضل أم موسى ؟ . قال عليه السلام : إن الله أرسل موسى إلى فرعون فقال : (( ولهم عليَ ذنب فأخاف لدي المرسلون )) . وقال : (( رب إني قتلتُ منهم نفسا فأخاف أن يقتلون )) ، وأنا ما خفت حين أرسلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتبليغ سورة براءة أن أقرأها على قريش في الموسم ، ومع أني كنت قتلت كثيرا من صناديدهم ، فذهبت بها إليهم ، وقرأتها عليهم وما خفتهم . ثم قال : أنت أفضل أم عيسى بن مريم ؟ قال : عيسى بن مريم كانت أمه في بيت المقدس ، فلما جاء وقت ولادتها سمعت قائلا يقول : أخرجي هذا البيت العبادة لا بيت الولادة . وأنا أمي فاطمة بنت أسد لما قرب وضع حملها كانت في الحرم ، فانشق حائط الكعبة وسمعت قائلا يقول : إدخلي ، فدخلت في وسط البيت ، وأنا ولدت به . وليس لأحد هذه الفضيلة لا قبلي ولا بعدي ..
وكما أن بعض الرهبان بشر بولادة نبي هذه الأمة ، كذلك بشر بعضهم بولادة وصيه ووليه .
فعن جابر بن عبدالله قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ميلاد علي بن أبي طالب ، فقال : لقد سألتني عن خير مولود في شبيه المسيح عليه السلام . إن الله تبارك وتعالى خلق عليا من نوري ، وخلقني من نوره ، وكلانا من نور واحد . ثم إن الله عز وجل نقلنا من صلب آدم عليه السلام في أصلاب طاهرة إلى أرحام زكية . فما نقلت من صلب إلا ونقل علي معي . فلم نزل كذلك حتى استودعني خير رحم وهي آمنة ، واستودع علي خير رحم وهي فاطمة بنت أسد . وكان في زماننا رجل زاهد عابد يقال له المبرم بن دعيب بن الشقبان قد عبد الله تعالى مائتين وسبعين سنة ، لن يسأل الله حاجة ، فبعث الله أبا طالب فلما أبصره المبرم قام إليه وقبل رأسه ، وأجلسه بين يديه . ثم قال له : من أنت ؟ فقال : رجل من تهامة . فقال : من أي تهامة ؟ فقال : من بني هاشم . فوثب العابد ، فقبل رأسه ، ثم قال : يا هذا ، إن العلي الأعلى ألهمني إلهاما . قال أبو طالب : وما هو ؟ قال : ولد يولد من ظهرك ، وهو ولي الله عز وجل . فلما كانت الليلة التي ولد فيها علي أشرقت الأرض ، فخرج أبو طالب وهو يقول : أيها الناس ، ولد في الكعبة ولي الله . فلما أصبح دخل الكعبة وهو يقول :
يــا رب هــذا الغســـق الدجـي * والقمـــــــر المنبلــج المضـــــي
بيـــن لنــــا مـن أمـرك الخفـي * مـاذا تــرى فــي إسـم ذا الصبـي
قال : فسمع صوت هاتف يقول:
يـا أهـل بيـت المصطفــى النبــي * خصصتـــم بالـــولد الــزكـي
إن اسمــه من شــــــامــخ العلـــي * علـــــي اشتـــق مــن العلــي
أخرجه الحافظ الكنجي الشافعي في كتاب (( كفاية الطالب )) ص 260 وقال : تفرد به مسلم بن خالد الزنجي ، وهو شيخ الشافعي ، وتفرد به عن الزنجي عبدالعزيز بن عبدالصمد ، وهو معروف عندنا .أما أصل علي عليه السلام وحقيقته ومعدنه ، فمن نور ذات الباري عز وجل ، لأن أول مبدع أبدعه الله هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وإليه الإشارة بقول القائل : (( الصلاة والسلام عليك يا أول خلق الله )). فمحمد هو الواحد الذي صدر عن الأحد ، وهو النور الأول الذي أشار إليه بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( أول ما خلق الله نوري ، ثم فتق منه نور علي ، فلم نول نتردد في النور حتى وصلنا إلى حجاب العظمة في ثمانين ألف سنة ، ثم خلق الخلائق من نورنا. فنحن صنائع الله ، والخلق مصنوعون لأجلنا . فمحمد وعلي خلقا من جلال ذي الجلال ، فهما صفة الله وكلمة الله وأمر الله ، وجميع الملائكة خلقوا من شعاع نور محمد وعلي )) .
وإذا كبر عليك أيها القارئ هذا الأمر فهذا دليل على أنك لم تسمُ إلى الحقيقة التي هي ضالة المؤمن . فمتى عرفتها زال عنك الكثير مما كنت تستكبره على علي عليه السلام ، مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي : (( بأن حبه حبه ، وبغضه بغضه ، وأذاه أذاه ، وحربه حربه ، وسلمه سلمه ، وطاعته طاعته )) .
وعندئذ تعرف الخطأ الكبير الذي وقع به الكثير في شأن علي عليه السلام ، حيث أخذ بعضهم ينظرون إلى علي عليه السلام نظرتهم إلى الآخرين . فما علي بنظرهم إلا مثل أبوبكر وعمر وعثمان . وهذا هو الخطأ الكبير والجهل الفاضح في معرفتهم لعلي ، لأن علياً نور من نور الله ، فمن قاسه بغيره فقد وضع من رفعه الله ، و رفع من وضعه الله ، فعلي عليه السلام بعد نبيه لا يقاس بأحد من الناس ، فالأصل واحد والنور واحد .
وهذه بعض الأدلة من الفريقين : ففي المناقب للخوارزمي المكي الحنفي يقول : وأخبرني شهردار هذا إجازة ، أخبرني عبدوس بن عبدالله بن عبدوس الهمداني كتابة ، حدثني أبو الحسن علي بن عبدالله ، حدثني أبو علي محمد بن أحمد العطشي ، حدثني أبو سعيد العدوي ، حدثني الحسن بن علي ، حدثني أحمد بن المقدم العجلي ، حدثني أبو الأشعث ، حدثني الفضيل بن عياض ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن زادان عن سلمان قال : سمعت حبيبي المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (( كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله عز وجل مطبقا يسبح الله ذلك النور ويقدسه ، قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام . فلما خلق الله آدم ركب ذلك النور في صلبه. فلم يزل في شيء واحد حتى افترقا في صلب عبدالمطلب ، فجزء أنا وجزء علي بن أبي طالب )) ….. كتاب المناقب للخوارزمي ص 88 ط 1965 المطبعة الحيدرية .
وأخرج أبو الحسن علي بن محمد المعروف بابن المغازلي الواسطي الشافعي في كتابه المناقب بسنده عن سلمان الفارسي قال : سمعت حبيبي محمدا صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (( كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله عز وجل يسبح الله ذلك النور ويقدسه ، قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلما خلق آدم أودع ذلك النور في صلبه . فلم نول أنا وعلي شيئا واحدا حتى افترقنا في صلب عبدالمطلب . ففيَ النبوة ، وفي علي الإمامة )) …..راجع ينابيع المودة للقندوزي ج1 ص 10 …. وأخرجه أيضا الديلمي في كتابه الفردوس عن سلمان …
ومن ذلك ما روي عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الله نصب علياً علماً بينه وبين خلقه ، فمن عرفه كان مؤمنا ، ومن أنكره كان كافرا ، ومن جهله كان ضالا ، ومن ساواه بغيره كان مشركا ، ومن جاء بولايته كان فائزا ودخل الجنة آمنا ، ومن جاء بعداوته دخل النار صاغراً فكيف يساويه أحد من الناس ؟؟؟؟ وهو النور القديم المبتدع قبل الأكوان والأزمان ، المسبح لله ولا فم هناك ولا لسان . أليس كان في عالم الأرواح قبل خلق الأجسام ؟؟ هذا هو علي بن أبي طالب عليه السلام . فإذا ولد في بيت الله الحرام ، فهو من نور الله ، وهل ينكر هذه الولادة وهذا النور إلا كل شقي ؟؟؟
تعال معي واقرأ ما ذكره الشيخ الإمام كمال الدين أبو سالم محمد بن طلحة الحلبي الشافعي في كتابه (( الدر النظيم )) ونقله القندوزي عنه في ينابيعه ما يلي :
(( وقد ثبت عند علماء الطريقة ومشايخ الحقيقة بالنقل الصحيح والكشف الصريح أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - كرم الله وجهه ، قام على المنبر بالكوفة وهو يخطب ، فقال :
بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله بديع السموات والأرض وفاطرها …. إلى قوله : أيها الناس ، سار المثل ، وحقق العمل ، وتسلمت الخصيان وحكمت النسوان ، واختلفت الأهواء ، وعظمت البلوى ، واشتدت الشكوى ، واستمرت الدعوى ، وزلزلت الأرض ، وضيع الفرض ، وكتمت الأمانة ، وبدت الخيانة ، وقام الأدعياء ، ونال الأشقياء ، وتقدمت السفهاء ، وتأخرت الصلحاء ، وازور القرآن ، واحمر الدبران ، وكملت الفترة ، وسدست الهجرة ، وظهرت الأفاطس ، فحسمت الملابس ، يملكون السرائر ، ويهتكون الحرائر ، ويجيئون كيسان ، ويخربون خراسان ، فيهدمون الحصون ، ويظهرون المصون ، ويفتحون العراق بدم يراق ، فـآه آه ثم آآآآآآآه لعريض الأفواه ، وذبول الشفاه . ثم التفت يمينا وشمالا . وتنفس الصعداء ، لا إملالا ، وتأوه خضوعا ، فقام إليه سويد بن نوفل الهلالي ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أنت حاضر بما ذكرت ، وعالم به ؟فالتفت إليه بعين الغضب وقال له : (( ثكلتك الثواكل ، ونزلت بك النوازل ، يابن الجبان الخبيث ، والمكذب الناكث ، سيقصر بك الطول ، ويغلبك الغول ، أنا سر الأسرار ، أنا شجرة الأنوار ، أنا دليل السموات ، أنا أنيس المسبحات ، أنا خليل جبرئيل ، أنا صفي ميكائيل ، أنا قائد الأملاك ، أنا سمندل الأفلاك ، أنا سرير الصراح ، أنا حفيظ الألواح ، أنا قطب الديجور ، أنا البيت المعمور ، أنا مزن السحاب ، أنا نور الغياهب ، أنا فلك الحجج ، أنا حجة الحجج ، أنا مسدد الخلائق ، أنا مؤول التأويل ، أنا مفسر الإنجيل ، أنا خامس الكساء ، أنا تبيان النساء ، أنا إلفة الإيلاف ، أنا رجال الأعراف ، أنا سر إبراهيم ، أنا ثعبان الكليم ، أنا ولي الأولياء ، أنا ورثة الأنبياء ، أنا أوريا الزبور ـ أنا حجاب الغفور ، أنا صفوة الجليل ، أنا إيليا الإنجيل ، أنا شديد القوى ، أنا حامل اللواء ، أنا أمام المحشر ، أنا ساقي الكوثر ، أنا قسيم الجنان ، أنا مشاطر النيران ، أنا يعسوب الدين ، أنا إمام المتقين ، أنا وارث المختار ، أنا مبيد الكفرة ، أنا أبو الأئمة البررة ، أنا قالع الباب ، أنا مفرق الأحزاب ، أنا الجوهرة الثمينة ، أنا باب المدينة ، أنا البينات ، أنا مبين المشكلات ، أنا النون والقلم ، أنا مصباح الظلم ، أنا سؤال متى ، أنا ممدوح هل أتى ، أنا النبأ العظيم ، أنا الصراط المستقيم ، أنا لؤلؤ الأصداف ، أنا جبل قاف ، أنا سر الحروف ، أنا نور الظروف ، أنا الحبل الراسخ ، أنا العلم الشامل ، أنا مفتاح الغيوب ، أنا مصباح القلوب ، أنا نور الأرواح ، أنا روح الأشباح ، أنا الفارس الكرار ، أنا نصرة لأنصار ، أنا السيف المسلول ، أنا الشهيد المقتول ، أنا جامع القرآن ، أنا بنيان البيان ، أنا شقيق الرسول ، أنا بعل البتول ، أنا عمود الإسلام ، أنا مكسر الأصنام ، أنا صاحب الأذن ، أنا قاتل الجن ، أنا صالح المؤمنين ، أنا إمام المفلحين ، أنا إمام أرباب الفتوة ، أنا كنز أسرار النبوة ، أنا المطلع على أخبار الأولين ، أنا المخبر عن وقائع الآخرين ، أنا قطب الأقطاب ، أنا حبيب الأحباب ، أنا مهدي الأوان ، أنا عيسى لزمان ، أنا والله وجه الله ، أنا والله أسد الله ، أنا سيد العرب ، أنا كاشف الكرب ، أنا الذي قيل في حقه لا فتى إلا علي ، أنا الذي قال في شأنه : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، أنا ليث بني غالب ، أنا علي بن أبي طالب ))قال : فصاح السائل صيحة عظيمة ، وخر ميتا ، فعقب أمير المؤمنين - عليه السلام - كرم الله وجهه بأن قال : (( الحمد لله بارئ النسم ، وزارىء الأمم ، والصلاة على الإسم الأعظم والنور الأقدم محمد وآله وسلم ، ثم قال : سلوني عن طرق السماء ، فإني أعلم بها من طرق الأرض ، سلوني قبل أن تفقدوني ، فإني بين جنبي علوما كثيرة كالبحار الزواخر.فنهض إليه الرسخ من العلماء ، والمهرة من الحكماء ، وأحدق به الكمل من الأولياء ، والندر من الأصفياء يقبلون مواطئ قدميه ، ويقسمون بالإسم الأعظم عليه بأن يتم كلامه ، ويكمل نظامه ، فقال بحر الراسخين ، وحبر العارفين ، الإمام الغالب علي بن أبي طالب - عليه السلام - كرم الله وجهه :أيها المحجوب عن شأني ، الغافل عن حالي ، إن العجائب أثار خواطري ، والغرائب أسرار ضمائري ، لأني قد خرقت الحجاب ، وأظهرت العجائب ، وأتيت بالباب ، ونطقت بالصواب ، وفتح خزائن الغيوب ، وفتقت القلوب ، وكنزت لطائف المعارف ، ورمزت عوارف اللطائف ، فطوبى لمن استمسك بعروة هذا الكلام ، وصلى خلف هذا الإمام ، فإنه يقف على معاني الكتاب المسطور ، والرق المنشور ، ثم يدخل إلى البيت المعمور ، والبحر المسجور ، ثم أنشد يقول :
لقد حـــزت علــم الأولـين وإنــني * ضنـين بعلـــم الآخريـن كتـوم
وكاشفت أسرار الغيـوب بأســرها * وعنـدي حـديث حـادث وقديـم
وإني لقيــوم علـى كــــــــــل قيــم * محيـــط بكــل العالمـين عليــمثم قال : لو شئت لأوقرت من تفسير الفاتحة سبعين بعيرا ….هذا هو إمامنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فهل هناك من هو أعظم منه ؟؟ بل هل هناك من يساوي ظفره ، كي يأتي البعض ويفضل من يشاء عليه ؟؟؟
المصادر:
1- "بغية الطالب في معرفة علي بن أبي طالب" عليه السلام،
2- "الغدير"، للأميني