سريناد أمام زنزانة محسن الخفاجي

يرمي محسن الخفاجيّ بنظراتِهِ في أعماقِ الليلِ

لعلّ وعسى َان يرى نجما أو نيزكا يرشدُه الى اتجاهِ الوطنِ

كثيرا ما نام محملقا في الفراغ الأسود

كثيرا ما صحا على اللاشئ يخطو أمامه بأبهة طاووس

كثيرا ما تحسر محسن لأنه لا يستطيع ان ينام على الجنب الذي يريد!

في أطارِ الصورةِ المذهب:

رجل يقتعد كرسيا مذهبا أيضا

وأمامَ الرجلِ رجلٌ آخر يقدم له شيئا على طبق من ذهب

بينما الرجل الأول مستغرق للغاية

في تدوير الخاتم الجديد في اصبعه

خاتم الذهب المرصع بالجواهر طبعا.

لكن محسن الخفاجي جائع

وبوده ان يقضم رغيف خبز ساخن

وكادت يده ان تنغمس في فوهة التنور

حين أوقفه صوت أجش

قبل عبور جسر الناصرية بشهقة واحدة.

من يومها والشائعات لا تتوقف عند عتبة بيت واحد

قيل ان جنية وقعت في حب الفتى السومري الأسمر

فطارت به الى بلادها البعيدة كالحرية

وقيل بل طلبه ملك جزائر قوس قزح

ليسليه بفنه القصصي الرائع

وقال آخرون بل ان محسن فر بطاقية الاخفاء

وقد شاهده أحدهم يتبضع من متجر في نيويورك ستي

كثيرة هي الشائعات بخصوص غيابك يا محسن

لكن أغربها شائعة تقول

انك الى اليوم معتقل في سجن يدعى "بوكا"!

وقد تحير العلماء في تفسير ظاهرة "بوكا" هذه

فقيل انها طفح يظهر على جسم المصاب بجذام الاحتلال

وقيل بل انه كوكب قزم من سلالة منقرضة من النجوم

وذهب آخرون الى ان بوكا تعني بالعربية: الله بالخير يا عراق

ويرادفها بالانجليزية: انسوه، والى الأبد!

لكن عالم أحياء يرى ان "بوكا" تعني: درب الصد ما رد!

وذكر أحد المؤرخين ان "بوكا" هذا كان غلاما فارسيا

بل قيل انه كان مرتزقا هنديا يعمل في خدمة الانجليز إبان احتلال العراق الأول

وقد صرح الحاكم بأمرهم مؤخرا انه سيتم تغيير اسم العراق الى:

بوكا!

فما هي بوكا حقا!

هل هي كلمة في قاموس؟

أم فعل في سياق زمني؟

أم دين في الروحانيات؟

أم فلسفة في الوجود؟

أم وجود في الآخر؟

أم أن بوكا هي طقوس ما بعد النيرفانا؟

..وانهم اتفقوا على..

...وقد قامت القوات متعددة الجنسيات...

....والقضاء على الارهابيين...

......وقوات التحالف...

وقيل ان الزرقاوي...

...وصرح وزير الخارجية..

وعقدت الجمعية الوطنية...

..والقت قوات الأمن...

..والشرطة العراقية..

..وجثث الأطفال تتطاير في كل الاتجاهات

ولثغاتهم تظل معلّقة على كتف الفضاء القاني

وعويل العراقيات يتخثر وينعقد فصولا طويلة من الحزن

ويطول، يطول الليل العراقي

خارج توقيت البنتاغون

خارج أروقة المزادات السرية

خارج سرادق العزاءات وأوكار الجريمة المنظمة

خارج مبنى السفارة الأمريكية وتصريحات رمسفيلد

يطول الليل العراقي

المشبع بالنظائر المشعة ومخلفات الديمقراطية

حيث تتزاحم الجثث بحثا عن قبر آمن

في وطن تمطر سماؤه قططا وكلابا وضباعا وبنات آوى!

فان تمكنت من النوم عميقا

فنم يا محسن

نم كما لم ينم أحد من قبل

نم طويلا وعميقا وعاليا وفسيحا

نم دون ان تكترث لزعيق أو صفير

ولا تأبه باللاشئ حين يخطو أمامك بخيلاء طاووس

نم يا محسن، نم

فثمة ليل لم يخطر على بال امرئ القيس

ولا حضيري ابو عزيز

ليل يمسك الآن بالعراقيين

ويعلقهم على جدران الخوف

من أهداب عيونهم!