تَرْيَمْ .. في سطور
الاسم : تريم عمران تريم
سنة الميلاد : 1942
مكان الميلاد : الشارقة ـ الإمارات العربية المتحدة
الدراسة : مدرسة القاسمية ـ الشارقة
مدرسة الشويخ ـ الكويت
جامعة القاهرة ـ جمهورية مصر العربية.
المناصب
السياسية:
عضو مشارك في مفاوضات تشكيل اتحاد الإمارات العربية المتحدة.
سفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى جمهورية مصر العربية .
رئيس وفد دولة الإمارات العربية المتحدة لدى جامعة الدول العربية
رئيس المجلس الوطني الاتحادي .
المهام
الصحفية:
مؤسس دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر.
رئيس مجلس إدارة دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر.
رئيس تحرير مجلة "الشروق"
رئيس تحرير جريدة "الخليج"
عضوية
اللجان:
عضو مؤسس في منتدى التنمية لدول مجلس التعاون الخليجي.
نائب رئيس مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافة.
رئيس لجنة الإمارات للتكافل العربي .
عضو مجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية.
بعض الرجال من إذا غاب بجسده حضر أكثر بروحه وتحول مع مرور الوقت إلى
رمز وطني وقومي يزداد حضوراً وتألقاً ما حيينا، وكذلك ما حييت الأجيال من
بعدنا.
تريم عمران تريم هو واحد من هذه الرموز الذين فقدتهم الأمة العربية
مؤخراً. جاء الرحيل مبكراً لتريم عمران الذي وافته المنية في أحد
مستشفيات لندن يوم الخميس السادس عشر من مايو 2002، كان تريم في عز
العطاء عندما دهمه مرض استمر معه لأكثر من سنة. توقف قلب تريم بعد أن قدم
لوطنه الإمارات ولأمته العربية كل عمره. وبرحيل تريم فقد الوسطان السياسي
والإعلامي العربي شخصية وطنية رائدة وملتزمة ورمزاً من رموز التيار
القومي والوحدوي العربي في منطقة الخليج العربي وفي الإمارات العربية
المتحدة. لعب تريم عمران دوراً فاعلاً في جميع مراحل تأسيس وتطور دولة
الإمارات العربية المتحدة. وكان أحد دعاة " الاتحاد التساعي " الذين
طالبوا بتوحيد إمارات الخليج التسع عقب خروج الاحتلال البريطاني في مطلع
عقد السبعينات من القرن الماضي، وحينما بدا أنه من العسير قيام الاتحاد
التساعي ، كان تريم في مقدمة المنادين لإقامة الاتحاد السباعي الذي هو
اليوم دولة الإمارات العربية المتحدة.
لم يكن دور تريم ينحصر في الرسالة التي أداها عبر تأسيسه لدار الخليج
للصحافة والطباعة والنشر، بل تعداه إلى المشاركة الفاعلة في الحياة
السياسية في الإمارات بما في ذلك المشاركة في مفاوضات التأسيس الأولى
لتكوين دولة الإمارات العربية المتحدة وهي التجربة الاتحادية الوحيدة
التي أثبتت نجاحها واستمرارها في الوطن العربي.
"صوت تريم" كان واضحاً منذ بداية انخراطه في العمل العام في ستينات
القرن الماضي بإصداره لمجلة "الشروق" في عام 1970 لنشر الوعي الوطني
والوحدوي ومقاومة الاستعمار والرد على أكاذيب شاه إيران فيما يتعلق بزعم
ملكية إيران للجزر الإماراتية الثلاث: أبو موسى، طنب الكبرى وطنب الصغرى.
ولم تكن دعوة تريم للوحدة مثالية حالمة بقدر ما كانت تمزج الحلم
بالحقيقة وكلما تحققت على الأرض خطوة تواصلت الدعوة إلى تحقيق أخرى، فلم
تتكلس الأحلام باسم "الواقعية" ولم تترهل باسم "الرومانسية الثورية" بل
ظلت دائماً مزيجاً من جدلية الحلم والواقع. وقد برز ذلك واضحاً أثناء
عمله السياسي عندما تولى رئاسة المجلس الوطني الاتحادي في الإمارات عام
1977، حيث انصبت جهوده في اتجاه السعي لتطوير الدستور المؤقت والدعوة إلى
الديمقراطية، ونزوعه الدائم نحو حلم الوحده العربية مع احترامه لخصوصية
وطنه ودولته الإمارات، وهو الاحترام الذي كان كثير من الوحدويين يضمرونه
ولا يعلنونه.
الوعي
...
تأثر بالرؤى الناصرية التي كانت تنادي بالاستقلال والوحدة ، وعمل من أجل
تحقيق ذلك على أرض الواقع في بلده الإمارات .
في العام 1942 ـ وبينما كان العالم منشغلاً بحدة في حرب عالمية ثانية ،
وجنوب الجزيرة العربية واقعاً تحت الاحتلال البريطاني ـ ولد تريم عمران
في مدينة الشارقة .. في هذا المناخ الملتهب سياسياً نشأ فوجد الاحتلال
يمارس التجزئة والإهمال الفاضح للمنطقة وأبنائها، في الوقت الذي يستغل
فيه ثرواتها وأراضيها وبحرها. لم يكن الاستعمار معنياً بتطوير المجتمع أو
تقديم الرعاية الثقافية أو الاجتماعية أو الصحية التنموية له، فلم يقم
مدرسة أو مستشفى، كانت الحياة قاسية ومليئة بالحرمان حيث السكن في أغلبه
من بيوت السعف والطين، وكان متوسط عمر الإنسان حتى نهاية الخمسينات من
القرن الماضي لا يزيد على 53 عاماً، والأمية تضرب بجذورها في المجتمع كله
ولم يبدأ التعليم النظامي إلا في مطلع الخمسينات. وهنا التحق تريم عمران
بالمدرسة القاسمية الابتدائية كما درس في مدرسة إعدادية في الشارقة قبل
أن يرحل مع شقيقه عبدالله عمران إلى دولة الكويت حيث درسا لفترة في
ثانوية الشويخ قبل العودة مرة أخرى مع مجموعة من طلاب العلم في إمارة
الشارقة إلى مدرسة القاسمية الثانوية التي صارت منارة للعلم والحركة
الطلابية في ذلك الوقت.
ويقول أستاذه في ذلك الوقت محمد دياب الموسى: "بدأت علاقتي مع الراحل
حين كان تلميذاً في المدرسة القاسمية في الشارقة، وكان زملاؤه في الدراسة
من الذين صاروا فيما بعد النخبة في السياسة والفكر والاقتصاد في
الإمارات. وفي هذه الفترة برزت ملامح هؤلاء الطلبة، وقد تمتع تريم على
حداثة سنه بقوة
الشخصية،
وحسن التصرف في كل المواقف التي كان يتعرض لها. كما كان متفاعلاً مع
الأحداث الجارية سواء كانت محلية أو عربية. وقد كانت المدرسة القاسمية في
خمسينات القرن الماضي مركزاً حضارياً واجتماعياً قبل أن تكون مدرسة
تعليمية، تعلم طلابها حب الوطن وتعلقهم بقيم دينهم، ودرسوا تاريخهم
المجيد، وقد حاول الاستعمار كثيراً ترويض هذه المدرسة وتصدى مدرسو
المدرسة وطلبتها لهذه المحاولات".
ويضيف محمد دياب الموسى:" كانت المدرسة تنظم مهرجانها السنوي الذي يضم
فعاليات رياضية وفنية، وجاءني تريم عمران وقال لي: عندي تمثيلية ستعجبك
ونريد أن نقدمها في المهرجان، وعندما اطلعت عليها ذهلت فقد كانت تمثيلية
سياسية من النوع الثقيل وان اتخذت شكلاً أو قالباً ساخراً. وكانت
المسرحية – التي كتبها تريم وبعض زملائه – تتحدث عن الاستعمار والتخلف
والهيمنة الأجنبية على المنطقة ومخاطرها. ومع حرج الوضع الإقليمي في
المنطقة خاصة بعد العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956 الذي شاركت فيه
بريطانيا التي تحتل الإمارات، وافقت على عرض المسرحية. وعندما عرضت
المسرحية السياسية حضر المعتمد البريطاني العرض، وبينما تعاملت الغالبية
مع المسرحية باعتبارها عملاً ساخراً فهم المعتمد البريطاني المغزى من
عرضها، ومن أنها تبرز تعاطف الطلبة مع إخوانهم في مصر، ورفض للاحتلال،
فانسحب من مشاهدة العرض قبل أن ينتهي، واستدعاني للتحقيق في دار الاعتماد
وطلب مني معاقبة الذين قاموا بهذا العمل "العدواني" على حد قوله، ولكني
رفضت ذلك بإصرار". ولاشك في أن هذه الإشارة بالغة الدلالة على الوعي
المبكر للراحل بقضايا وطنه وأمته، وبأن ما يحدث في أي قطر عربي كان يهم
كل العرب – وربما أسهم في ذلك الوعي العربي في بداية سنوات التكوين أن
المدرسين الأوائل الذين قدموا إلى منطقة الخليج العربي جاؤوا من أقطار
عربية عدة ينشرون الوعي القومي والوحدوي بين طلبتها فانطبعت في الذاكرة
الغضة ومساحات الوعي الأولى تلك الأفكار البسيطة عن المساواة، والحرية
والعدالة الاجتماعية، والاستقلال وعن حتمية الوحدة العربية.
ويشير تريم إلى أهمية مدرسيه في مرحلة التكوين الأولى في خطاب ألقاه
بمناسبة تكريم رواد التعليم قائلاً " كانت هناك قفزة في التعليم جاءت مع
الصحوة القومية الكبرى على امتداد الوطن العربي كله في مطلع الخمسينات من
القرن الماضي. وكانت المدرسة شعلة من الحماسة لهذه الصحوة، وعندما فتحت
المدارس وجاء المدرسون بجهود أشقاء عرب كانت هذه شهادة على تقصير
المستعمر وإمعانه في إهمال المنطقة، كما كانت شاهداً على الارتباط بين
العلم والتحرر. وقد دفعت منطقتنا الثمن مضاعفاً ، فلم يكتف البريطانيون
في إرساء قاعدة "فرق تسد"، وفي وضع الألغام الحدودية الموقوتة في المنطقة
فحسب، إنما كان لهم في جنوب الخليج كله سياسة مضادة للتعليم والثقافة"
منسجمة مع موقفهم في سد كافة سبل التطور التنموي. وكان المعتمد البريطاني
هو المشرف على تنفيذ هذه السياسة".
كان تريم عمران في أوائل عقد الستينات طالباً في كلية الآداب في جامعة
القاهرة، ولم يكن ينظر إلى قاهرة المعز على أساس أنها مكان لتلقي العلم
فقط، ولكنه كان يتعامل معها باعتبارها صاحبة مشروع حضاري تنويري عربي
دشنه الزعيم عبدالناصر مع بداية ثورة يوليو، ولذلك لم يكتف تريم بوضعه
كطالب علم يحصل الدرس في قاعاته الجامعية بل مد نشاطه إلى المنتديات
الفكرية والسياسية التي كانت تموج بها الحياة في قاهرة الستينات، واحتك
بالمنظمات الطلابية المصرية والعربية، خاصة أنه كان رئيساً لاتحاد طلبة
عمان الذي يضم في عضويته معظم طلبة دول الخليج العربي.
وفي القاهرة انحاز تريم وربما انحاز أغلب الطلبة العرب تلقائياً للتيار
القومي، الذي كان أحد عناوين مرحلة الناصرية من دون أن يتورط في "تحزب
ضيق الأفق" أو ينضوي تحت لواء فصيل بعينه، بل كان منحازاً للخط القومي
العربي الذي يرى الزعيم عبدالناصر صاحب مشروع وحدوي وتحرري واستقلالي
صالح للوطن العربي وبخاصة منطقة الخليج التي كان تريم عمران ينتمي إليها.
وتأثر الطالب آنذاك بالرؤى الناصرية التي كانت تنادي بالاستقلال
والوحدة وكان له أن يرى ذلك على أرض الواقع في بلده الإمارات، فيراها وقد
استقلت من الاستعمار البريطاني إلا أنها أصبحت على وشك أن تواجه تهديدات
إيران الشاه وبدايات التسلل الآسيوي إلى المنطقة.
وكان تريم في المقابل ناشطاً رئيساً في تعريف المجتمع الطلابي المصري
بمنطقة الخليج حيث كان منخرطاً في النشاط الثقافي والاجتماعي في الجامعة
ولعب دو السفير قبل السفارة، وهو الدور الذي قام به بعد ذلك .
الانطلاق..
كنا محلياً حريصين على وحدة المنطقة ، وكانت هذه دعوتنا أمس واليوم وغداً
. وعقب عودة تريم عمران من القاهرة عام 1968 كان مع شقيقه عبدالله عمران
من ضمن الوفد الرسمي لإمارة الشارقة في المفاوضات التي سبقت الاتحاد
السباعي لدولة الإمارات في الوقت الذي اتجه فيه بالتفكير في العمل
الصحفي.
كان إصدار مجلة "الشروق" وصحيفة "الخليج" محاولة جريئة تتكئ على وعي
عميق بضرورة نشر الحقيقة للمواطن على أساس أن هذا هو أبسط حقوق المواطنة،
كما ارتكزت هذه المحاولة على وعي بالتحولات السياسية الهائلة في منطقة
الخليج العربي في نهاية عقد الستينات من القرن الماضي وبداية السبعينات،
وقد كان الإصدار الأول لـ"الشروق" ومن ثم "الخليج" تجسيداً لوعي تريم
عمران بالوحدة الإماراتية وضرورة ترسيخها للوحدة الخليجية في إطار الوحدة
العربية الشاملة.
ويقول د. يوسف الحسن في كتابه سيرة البدء التي يؤرخ فيها لبدايات صحيفة
"الخليج": " أشهد أن تريم وعبدالله عمران كانا لا يعرفان الكسل في
التفكير، وبعد أن عشنا معاً هزيمة يونيو 1967، التي أمسكت بأعصابنا،
وخنقت أنفاسنا، كنا أكثر إصراراً على التفاعل معاً على أرض الشارقة، مع
كل أفكار النهوض والهوية وتوحيد المنطقة".
كان هذا هو إجمالاً المشهد على أرض الشارقة أما المشهد من حولها فقد
كان هناك "الشاهنشاه محمد رضا بهلوي" مدعوماً بسياسة العمودين التي أقرها
نيكسون لدى زيارته لجزيرة جوام في المحيط الهادي في العام 1969 وتقوم على
تفويض إيران بالقيام بحماية المصالح الحيوية الأمريكية في المنطقة .
وقامت أمريكا في هذا الصدد بتطوير الجيش الإيراني على أساس أن استخدام
الشاة للتقنيات الحديثة عسكرياً سيكون درعاً آمنة للمصالح الأمريكية..
وتحت هذه المظلة الأمريكية (التي أرادت أن تحل محل المظلة الإنجليزية)
بدأت إيران في التسلل اقتصادياً إلى المنطقة والتغلغل فيها وبدأ أبناء
الإمارات يستشعرون ذلك، واستكمالاً للمشهد فإن هناك غياباً لعنصر مهم هو
الدور العربي أو الصحف العربية، فقد كان العرب مشغولين عن تلك المنطقة
المهمة، ربما بسبب هزيمة يونيو 1967 المريرة، ثم رحيل جمال عبدالناصر .
فصار المشهد السياسي الذي تحرك فيه تريم عمران وشقيقه ورفيق رحلته الأولى
عبدالله عمران في الخليج على النحو التالي: مظلة إنجليزية تنسحب تدريجياً
من المنطقة تاركة وراءها أسئلة الفوضى والحدود والخلافات التي قامت
بزراعتها لسنوات طويلة، ثم هناك مظلة أمريكية تستشعر رائحة النفط الذي
بدأ يظهر في خلفية المشهد السياسي منذ بداية عقد الستينات مشكلاً عامل
جذب جديداً للمنطقة. وتحاول هذه المظلة أن تفرض أولويات أجندتها السياسية
ومصالحها على أبناء الخليج. وهناك على الطرف الثاني من الخليج "شاه" طموح
يريد أن يكون "حرس مصالح الغرب" ويسعى بكل قواه لاستثمار حالة الفراغ
السياسي والفوضى التي خلفها الإنجليز وراءهم".
ويقول تريم في هذا الصدد:" كان الوضع السياسي حينذاك مقلقاً جداً،
وينذر بمخاطر جمة وصعوبات ستواجهها الإمارات، إذا استمر وضعها السياسي
المتصف بالتجزئة والتفتت. الإنجليز قرروا الانسحاب والمنطقة مجزأة، وليس
هناك كيان سياسي واحد يستطيع التعامل مع احتمالات المستقبل. بينما شاه
إيران لديه مطامع أعلن عنها. فكانت الدعوة إلى إقامة كيان قادر على
مواجهة التحديات والعمل على تحقيق وحدة المنطقة. كانت الأخطار كبيرة،
والعمل المنظم شبه معدوم في منطقة تزداد أهميتها الاستراتيجية بعد تدفق
النفط في أراضيها ".
هنا تم التفكير في إصدار أول جريدة سياسية لكشف هذا المشهد الذي قد
يبدو واضحاً الآن بعد مرور كل هذه السنوات، إلا أنه كان غامضاً تماماً
على مواطني المنطقة، نظراً لأن التعليم لم يكن متاحاً للجميع، كما أن
الصحافة لم تكن أمراً ميسوراً في هذا الزمان .
وكانت الخطوة الأولى إصدار مجلة سياسية شهرية هي " الشروق" ثم اتجه
الجهد نحو إصدار "الخليج" كأول جريدة سياسية. وعندما فكر هؤلاء في إصدار
المطبوعة واجهتهم مشكلات عدة فلم يكونوا "أثرياء" يستطيعون تكبد خسائر
مادية أو كلفة إصدار مطبوعة صحافية، ولم يكن يملك الواحد
منهم سوى راتبه وهو لم يكن يزيد على ألف وخمسمائة درهم. ومع ذلك
قرر الرفاق الثلاثة تريم وعبدالله عمران ويوسف الحسن خوض التجربة حتى
آخر مدى.
وخلال دراسة الأمر من وجوهه كافة أتضح أن الشارقة والإمارات المتصالحة
لا يوجد فيها مطابع مؤهلة لمثل هذه التجربة فقرروا التوجه إلى الكويت،
وتم اختيار ناشر يؤمن مثلهم بالأفكار القومية العروبية هو " فجحان هلال
المطيري " الذي كان يصدر مع زوجته غنيمة المرزوق مجلة أسرية تدعى " أسرتي
" ، وكانا يمتلكان مطبعة حديثة. وقد تعهد بطباعة المجلة ( وجريدة الخليج
بعد ذلك ) تحت الحساب، لأن أصحاب الجريدة كانوا أصحاب رسالة.
وتعاون مع المجلة في إصدارها الأول عدد من الصحافيين العرب في الكويت –
وكانت المادة الصحافية تكتب في الشارقة وفي الأسبوع الأخير من كل شهر
يحملها تريم عمران ويوسف الحسن إلى الكويت ويعودان بها مجلة مطبوعة وجدت
صدى طيباً من القراء لدى صدورها.
يقول تريم عمران عن ظروف النشأة : " كنا جميعاً نعيش نكسة العام 1967،
ويعتمل في نفوسنا شعور عام معاد للغرب الاستعماري وأمريكا التي وضح
انحيازها التام لـ"إسرائيل" ورغم طوق العزلة الذي ضرب حول المنطقة فإن
الشعور بالانتماء القومي كان يقوى ويكبر، وآنذاك انحصر تفكيرنا في إيجاد
منبر صحافي ينهي الفراغ الإعلامي الرهيب الذي كنا نعيشه ويضطلع بدور وطني
في التعبير عن آراء الناس ومطالبهم .
كنا محلياً حريصين على وحدة المنطقة، وكانت هذه دعوتنا أمس واليوم وغداً،
وكان مطروحاً بعد انسحاب الإنجليز قيام اتحاد إمارات الخليج وأقطاره
التسعة والذي كان مفروضاً أن يضم مع الإمارات كلا من قطر والبحرين، وكانت
الاجتماعات تعقد على مستويين: أحدهما على مستوى القمة والآخر على مستوى
الوزراء. وكنا نلح على الاستعجال ، واختصار المشوار والبت في الأمر،
واتخاذ خطوات عملية بقيام مثل هذا الاتحاد أو الكيان، ولكن بدا لنا أن
هناك اتجاهاً مختلفاً، وعندما شعرنا بأنه لن يتم الاتفاق على اتحاد تساعي
طلبنا أن يضم الاتحاد الإمارات السبع، وقلنا فليكن سباعياً، لأن المنطق
والواقع يشيران إلى أن إمارات المنطقة كلها عبارة عن بيوت متجاورة".
ويستطيع أي باحث عبر قراءة عاجلة في الإصدار الأول لمجلة "الشروق" أن
يلمس بسهولة ذلك الحس الوطني والعروبي في المعالجة الصحافية، ففي العدد
الأول على سبيل المثال نجد اهتماماً واضحاً بالأخبار العربية والتعليقات
على الأحداث العربية حيث كتب عبدالله عمران "نعم لعروبة البحرين" بينما
كتب تريم تحت عنوان "أقول لكم" إلى روح الشهيد مازن أبو غزالة: "كنت تعرف
أنك تقاتل مع تيار التاريخ الصاعد .. فهدمت الجدار القائم بين ذاتك
ومجتمعك، والتحمت بقضية شعبك .. كنت ترى انتصارك ممزوجاً مزجاً رائعاً
بمصير وطنك. كنت تعرف أنك ستموت بعد ساعات لكنك ترى العالم والمستقبل كله
بعيون رفاقك وأطفال بلادنا.
وفي العدد الثاني تناول تريم قضيته الأولى الأساسية وهي اتحاد الإمارات
تحت عنوان "وجهة نظر" حيث أشار في ذلك الوقت المبكر من مسيرته الصحافية
والسياسية إلى أن :" في الاتحاد قوتنا وقدرتنا على البناء المشترك
والمشاركة الفعالة في الأسرة العربية والدولية".
وقد دعا تريم في مقال بالغ الدلالة في مايو من العام 1971، أي قبل شهور
فقط من إعلان دولة الاتحاد في الإمارات إلى ما سماه وقتها "النادي
الخليجي المتكافئ" حيث كتب :" وبرغم كل شيء، فإننا نؤمن أن الوحدة
الكبرى، هي المصير وهي الملتقى، لا على المستوى الخليجي فقط، ولكن على
مستوى الأمة العربية العظيمة التي تمزقت. ولذلك، فإننا نكون منطقيين مع
أنفسنا، ومع الواقع الموجود، إذا عملنا لاتحاد آخر يلائم الأوضاع
الجديدة. وهنا، يبدو الاتحاد السباعي، هو الضرورة الحتمية، والخطوة
الواجب اتخاذها بلا إبطاء.
ولكن، هناك بعض الملاحظات المهمة، التي يجب أن تكونّ أسس هذا الاتحاد
ودستوره وأولها هو أنه اتحاد مفتوح، أي، يحق لأية دولة خليجية أن تنضم
إليه، بأقل ما يمكن من الشكليات والعراقيل.. وإلا، حكمنا عليه بالاختناق
الإقليمي، والعزلة القومية. وحتى نعيش على أمل، ولو بعيد، بأن الذين
خرجوا تركونا ليعودوا إلينا. والأساس الثاني: هو أن دولة الاتحاد تؤمن
بجماعية السياسة في النادي الخليجي، وإذا كانت الدول المطلة على الأطلسي،
وهو محيط ما أوسعه ، جمعت النادي الأطلسي في نظرة موحدة للأمور، والأسرة
المتوسطية تنحى هذا المنحى، فإن الدول الخليجية يجب أن تعي حقائق
الجغرافيا والتاريخ، والدائرة العربية خليجياً هي ما نعني. فالعلاقات مع
الكويت يجب أن تتحول إلى تحالفات مع الكويت. والكويت بدورها تكمل الحلقة
مع باقي الدول والإمارات العربية، والكويت بالتحديد، هي صاحبة هذا الدور،
لأنها الشريك غير المشتبك مع أي طرف في أي نوع من الارتباطات السياسية
المتباينة .. وباكتمال الدائرة عربياً، ووجود صف عربي يشمل الضفة الغربية
من الخليج شمالاً وجنوباً، يمكن للنادي الخليجي أن يقوم على التكافؤ بين
طرفيه.
وبوضوح أكثر، فإن الكفة العربية ستظل مهزوزة في ميزان العلاقات بينها
وبين الكفة الإيرانية، حتى يتم التنسيق ولو في حده الأدنى بين أصحابها..
فإيران، وحتى الآن، لا ترى ندية بينها وبين الكيانات الكثيرة والمتضاربة
أمامها على الضفة المقابلة، وهي تتصرف تماماً على هذا الأساس ومن هذا
المنطلق؛ والذي يطلب منها غير ذلك واهم وغير مدرك لواقع العلاقات
الدولية.. ولهذا ،فإننا نعتبر أن الاتحاد، ولو كان مصغراً، يمكن أن يكون
نواة لعلاقات طبيعية في النادي الخليجي، على شرط واحد، هو الانفتاح على
تنسيق عربي عقلاني واضح".
هذا المقال لتريم عمران يكشف "واقعية" الفكر الوحدوي لدى مؤسس
"الخليج" فلم يكن على الإطلاق حالماً رومانسياً بوحدة تقوم على الأماني،
بل كان يضع يده على الخارطة مثلما يفعل أي سياسي، ثم يطلق العنان
لأفكاره، لأن الخارطة هي مفتاح الأحلام الممكنة.
وقد ظلت مسألة الاتحاد الإماراتي متضافرة مع قضية الجزر ربما بسبب
ارتباطهما بالخوف من النزوع الإيراني نحو مد النظر واليد إلى المنطقة في
ظل حالة الفراغ السياسي في بداية السبعينات.
ويبدو أن مجلة "الشروق" لم تلب طموح أصحابها في تكوين منبر سياسي أكثر
تأثيراً على الرغم من أهمية الدور الذي لعبته . وهنا جاء دور "الخليج"
كأول مطبوعة سياسية يومية تتصدى للمستجدات والتحديات بالرسالة الوطنية
ذاتها. وقد صدرت يوم الاثنين التاسع عشر من شهر أكتوبر العام 1970. وكانت
المسألة أشبه بالمغامرة، مثلها مثل "الشروق" تصدر بين الشارقة والكويت،
حيث يتولى الصحافيون في الشارقة جمع الأخبار وتلقيها عبر الهاتف ثم
كتابتها وتجهيز المادة في ظروف بالغة الصعوبة وإرسالها إلى الكويت
وانتظارها صباح اليوم التالي حيث كانت هناك رحلة طيران يومية بين الكويت
والشارقة.
ومنذ يوم صدورها الأول خاضت الخليج حروباً مهنية وسياسية فقد شعر أصحاب
الصحف في الكويت بذلك "الوافد" والمنافس الجريء الذي رأوا فيه غزوا
فطالبوا الحكومة الكويتية بوقف إصداره في بلادهم، كما خاضت الجريدة حرباً
شرسة مع وكلاء شاه إيران في المنطقة، وتعرضت لضغوطات عنيفة بسبب إصرارها
على عروبة الخليج والجزر الإماراتية التي احتلت "العنوان الرئيسي للجريدة
غير مرة" وهو "لا تفريط في الجزر .. لا استثمار، لا مشاركة، لا تنازل"
وهي اللاءات الثلاث التي أزعجت الشاه ودفعته إلى محاولة إغراء أصحاب
الخليج بالمال حيث كان يعلم بالمصاعب المادية التي يواجهونها بسبب كلفة
الإصدار في الكويت، وشحن الجريدة بالطائرة يومياً.
ولكن مؤسسي "الخليج" رفضوا العرض الإيراني السخي وأصروا على
استقلاليتها التي بدأت بها. ويبدو أيضاً أن جرأة "الخليج" لم تكن ترضي
المعتمد البريطاني في الإمارات المتصالحة الذي ألح أكثر مرة لإغلاق
الجريدة على أساس أنها تفسد الجهود التي تبذلها بريطانيا آنذاك (على حد
زعمه
المعتمد البريطاني) لحل مشكلة الجزر. والحقيقة أن المعتمد البريطاني كان
منزعجاً من خطاب "الخليج" القومي الذي يذهب أبعد بكثير من حدود الشارقة
إلى جميع الإمارات في الاتحاد والخليج. وكان يعي تماماً كل كلمة صدرت في
افتتاحية العدد الأول من الجريدة، فقد كان الخطاب المعلم والواضح أن
"الخليج" صدرت من أجل الخليج الموحد. وتلك رسالة خطرة لا تقبلها بريطانيا
حتى لو كانت تجر أقدامها الثقيلة وترحل في لحظات الإمبراطورية الأخيرة .
كما حمل السير وليم لوس الوزير البريطاني والوسيط بين إمارتي الشارقة
ورأس الخيمة وإيران حول الجزر التهديد والوعيد الإيراني لأصحاب " الخليج
". وطلب السير وليم في اجتماعه بالدكتور عبدالله عمران إغلاق الصحيفة
والتوقف نهائياً عن الكتابة عن مفاوضات الجزر، فكان رد أصحاب "الخليج" أن
بريطانيا احتلت المنطقة زهاء 150 عاماً وجعلتها في طي النسيان، لا تعليم
ولا صحة ولا أية خدمات .. في متناثرة فقط يغمرها الفقر والتخلف، والآن
عندما قررت بريطانيا الانسحاب تطلب أيضاً من أهلها السكوت عن جريمة
ترتكبها من خلال تسليم جزء من أراضيها إلى شاه إيران .
من كلمات تريم عمران عند وضع اللبنة الأولى لرسالة"الخليج": من أجل
الخليج.. كانت "الخليج". يقول تريم: "الذين يتجاهلون الجغرافيا ويتصورون
الخليج كما تدل ظواهره، مجموعات بشرية لا روابط بينها – مخطئون .. ونظرة
واحدة على هذا السطح المائي نرى أنه ربط بين كل المطلين عليه بتاريخ
مشترك، وعادات مشتركة، ومآسٍ مشتركة، وأفراح مشتركة .. حتى الأمراض التي
أورثتنا إياها أهوال الفاقة، نجدها متشابهة .. وكل بشرة هنا دبغتها
الأملاح، وكل القلوب عرفت لوعة الذاهبين بلا عودة .. ولهذا كانت هذه
التجربة .. إنها حنين للعودة إلى المخاض المشترك والميلاد المشترك
و"الخليج" جاءت ليقرأها عرب الخليج على الامتداد نفسه في اللحظة نفسها..
الفكرة صعبة جداً، ولكنها جديرة بالمشقة، لأنها حنين للارتباط القديم
الجديد الأبدي .. إنها جريدة لخليج موحد، رغم الحدود والمسافات ".
ويضيف تريم:" سنحرث الأرض لنبدأ من تحت، من الجذور العميقة، تتحاور
نتجادل، نختلف، ولا مانع، ولكن لنسلم بأننا جميعاً كيان واحد كان، ولابد
له أن يكون، وأن وحدتنا، ولا شيء غير وحدتنا هي ضمان بقائنا، وبقاء الأرض
راسخة تحت أقدامنا وغير قابلة للانسحاب .. وهي ليست وحدة غاية لذاتها بل
هي وحدة الجدار، حتى يتكامل البيت، الأمل، في وحدة أشمل".
وبسبب الكلفة الاقتصادية العالية لإصدار الشروق والخليج معاً من الكويت
وبسبب إصرار تريم عمران وشقيقه على ضرورة الاستقلال التام بمشروعهما
الصحافي عن شبهات التمويل غير المعروف، كان من الصعب الاستمرار في ظل
الضغوط السياسية العنيفة فجاء توقف "الخليج" و"الشروق" بعد نيف وعام من
المغامرة وإعلان الصوت الخليجي الواعي إلى الوحدة.
وقد توقفت "الخليج" عند نقطة مفصلية هي بداية دولة الاتحاد التي ظل
يدعو إليها – وربما لأن تحقيق الحلم كان في حاجة إلى جهود أبناء الإمارات
المؤهلين في أماكن أخرى لتثبيت دعائم الحلم وترسيخه، فقد وقع الاختيار من
قائد دولة الاتحاد، صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان على عبدالله
عمران لتولي وزارة العدل ثم التربية بعد ذلك بينما كان شقيقه تريم أول
سفير لدولة الإمارات في مصر، وأول مندوب لها في جامعة الدول العربية حتى
العام 1976 وهنا يبدأ فصل جديد من خلال العمل السياسي والدبلوماسي للراحل
الكبير .
وعاد المرحوم تريم عمران مرة ثانية إلى القاهرة التي يحب. لكن هذه
المرة عاد سفيراً دبلوماسياً لبلاده. ليؤسس أول سفارة للإمارات في أرض
الكنانة، وليكون أول مندوب دائم لها في جامعة الدول العربية.. وليرفع علم
الدولة الاتحادية الوليدة بين أعلام الدول العربية معبراً عن بدء صياغة
"مدرسة في السياسة والعمل المشترك"، وهي المدرسة التي أثبتت صدقها
وفعاليتها والتزمت بمبادئها على مدى أكثر من عقود ثلاثة مضت.
وفي القاهرة، ومعه مجموعة صغيرة من الدبلوماسيين الإماراتيين. بدأ
مسيرة عمل جديدة. تمزج ما بين النظرية والتطبيق، ما بين المبادئ والمثل
والواقع العربي. في محاولة لتطويره نحو صلابة في الموقف، وفعالية في
الأداء.
ويقول سيف سعيد بن ساعد وكيل وزارة الخارجية:" لقد عرفت المرحوم تريم
عمران عن قرب عندما عملت إلى جانبه وكان سفيراً للدولة في جمهورية مصر
العربية إبان قيام الدولة في العام 1972... عرفته كزميل وأخ وأستاذ،
تعلمت منه الكثير في مجالات السياسة والدبلوماسية والعلاقات الاجتماعية
وفن إتقان الحياة . وأتذكر أنه كان لا يفوت أياً من اجتماعات الجامعة في
مختلف أنشطتها. وكان من الديبلوماسيين الذي يتركون بصماتهم في كل مقترح
أو توصية أو قرار يسهم في العمل العربي المشترك، أو يدعم التضامن العربي،
أو يعزز من تقوية العلاقات العربية في إطار الجامعة ".
... الرجوع ...