من وحي الكتاب المقدس
خلود النفس البشرية
كتب ايوب العربي
ولكنَّ في الناس روحاً ونسمة القدير تعقلهم
(
سفر ايوب7:12-12)من دراسات د . جورج رشيد خوري
بعد ان أمر الله البحار ان تفيض سكانها, والاجواء طيورها, والارضَ ان تخُرج ذواتَ انفسٍ حيةٍ كأجناسها (راجع سفرالتكوين20:1-23). نقرأ بعد ذلك قول الله "ايلوهيم" سبحانه: "نعملُ الانسانَ على صورتنا كشبهنا. فيتسلطون*على سمكِ البحرِ وعلى طيرِ السماءِ وعلى البهائمِ وعلى كلِ الارضِ وعلىجميعِ الدباباتِ التي تدبُ على الارضِ. فخلقَ اللهُ الانسانَ على صورتهِ. على صورةِ اللهِ خلقهُ. ذكرا وانثى خلقهم. وباركهم الله وقال لهم أثمروا واكثروا واملأُوا الارض وأخضعوها "(راجع تك 26:1-3).
_____________________
*
لنلاحظ هنا مع ان اللغة الاصلية, التي كتب فيها موسى رجل الله اسفاره , يوجد فيها مُثَنَّى وجمع كغيرها من اللغات السامية الاخرى, نراه هناعوضا من ان يكتب عن آدم وحواء, وهما اثنان فقط, في صيغة المثنى, يكتب في صيغة الجمع قوله : ذكرا وانثى خلقهم وباركهم الله وقال لهم : أثمروا واكثروا واملأُوا الارض واخضعوها. بينما يكتب في مكان آخر , بما يختص بشخصيهما في صيغة المثنَّى قوله: كانا كلاهما عريانين آدم وامرأته وهما لا يخجلان (تك ص25:2), وقوله ايضا: وصنع الرب الاله لآدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما (تك 21:3).هذا لان الله سبحانه, أوجد فيهما بعد ان باركهما, جميع البشر. وعندما خالفا الوصية حرما مع نسلهما من ان يأكلا من شجرة الحياة. لهذا جاء المسيح من السماء كآدمٍ ثانٍٍ وولد من نسل المرأة (راجع تك15:3وغلا4:4-).وقدحمل في جسده آدم وذريته جميعا, (راجع 1كو22:15) واكمل الطريق في حياةٍ طاهرة حافظ الوصية, التي عجز آدم عن حفطها, الى صليب الفداء . وهناك بموته ملعونا على الصليب(غل13:3و14), وقيامته بارا ( رو25:3), اصبح من جديد شجرة حياة وسبب خلاص ابدي للذين يطيعونه (راجع عب9:5ورؤ 14:22).وقد اعلنها له المجد بقوله: "فمن يأكلني يحيا بي . هذا هو الخبز الذي نزل من السماء ان اكل احد من هذا الخبز يحيا الى الابد. والخبز الذي انا اعطي هو جسدي الذي ابذله لاجل حياة العالم" (يو 47:6-58). وزاد الوحي قائلا : "طوبى للذين يصنعون وصاياه لكي يكون سلطانهم على شجرة الحياة ويدخلوا من الابواب الى المدينة . لان خارجا الكلاب والسحرة والزناة والقتلة وعبدة الاوثان وكل من يحب ويصنع كذبا" ( رؤ14:22و15).*________________________
وتابع الوحي المقدس شارحاً الكيفية التي فيها خلق الله الانسان فكتب موسى : "وجبل الرب الاله آدم ترابا من الارض.ونفخ في انفه نسمة حياة. فصار آدم نفساً حية"(تك7:2) وهذه العبارة "نسمة حياة" التي اعطيت من فم الله للانسان لم تعطى لغيره ,من ذوات الأنفس الحية الأخرى, من اسماكٍ وطيورٍ ودباباتٍ ووحوشٍ كأجناسها. فان الله سبحانه قد أمر الارض والبحار والاجواء ان تخرجها فكان كذلك" (راجع تك24:1-25). وقد ذكرت هذه العبارة "نسمة حياة " في أمكنةٍ أخرى من كلمة الله انها روح الانسان ذاتها, التي بها يحيا ويعقل .
فيكتب زكريا النبي عن هذه النسمة او الروح , وكيفية وجودها في الانسان فيقول: "وحي كلام الرب على اسرائيل يقول الرب باسط السموات ومؤسس الارض وجابل روح الانسان في داخله’ (زك1:12).
واشعيا النبي بدوره يؤكد علىان النسمة هي الروح ذاتها فيقول : "هكذا يقول الله الرب خالق السموات وناشرها باسط الارض ونتائجها معطي الشعب عليها نسمة والساكنين فيها روحاً" (اش5:42).
من جهةٍ أخرى, نقرأ في الشريعة ما كتبه موسى عن الحياة المشتركة الممثلة بالدم فيقول : "فان نفس الجسد هي في الدم فانا اعطيكم الدم على المذبح للتكفيرعن نفوسكم.لان الدم يكفر عن النفس" راجع لاويين ( 11:17-16). وكتب ايضا : "لا تأكلوا دمَ جسدٍ ما.لأن نفس كل جسد هي دمه" (لاويين14:17 ).
هذا وان الانسان علاوة على ما يملك من نفس تعتمد على دمه, ولكنَّ الله سبحانه, كما قرأنا اعلاه, قد ميزه عن حيوانات الارض, بأن جبل روحاً في داخله. بها يَعقُل ويميز الامور المتخالفة, ليكون مسؤولا امام الله والناس.
وهذه الصورة الجسدية – الروحية الكاملة التي خُلِقَ آدم عليها, قد كانت مهيأة للمسيَّا خالقه ,قبل تأسيس العالم . لذا يكتب موسى: ان الله قد خلق الانسان على صورته ومثاله. وقد اشترك المسيَّا في هذه الصورة عندما جاء ملء الزمان وأرسل لفداء آدم ونسله. ففي هذا يكتب صاحب رسالة العبرانيين نقلا عن مزمور (6:40): "لذلك عند دخوله الى العالم يقول ذبيحة وقرباناً لم ترد ولكن هيأتَ لي جسداً" راجع مزمور (6:40) وعب 5:10وغلا4:4وفي7:2).
كما ان الوحي الالهي يكتب مسبقًا في سفر العبرانيين عن دم المسيح الكفاري وقيمته في تطهير ضمائر المنجسين, بالمناظرة مع دم الذبائح التي كانت ستقدم في الهيكل الحرفي, فيقول: "فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح ازلي قدم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من اعمال ميتة لتخدموا الله الحي" (راجع عب 14:9).
وبالرجوع الى روح الانسان في داخله يكتب ايوب : "ولكنَّ في الناس روحًا ونسمة القديرتعقلهم"(اي7:12-12).فقد أبان الوحي بهذا عمل الروح في البشر. كيف انها تُعَقِّلهم وتجعلهم قياديين في خليقة الله (ص19:2).مُمَيَّزين عن حيوانات الارض, وسكان البحار, وطيور السماء. مدركين لما يدور حولهم من اعمالٍ من شأنها ان تساعدهم على معرفة الله التي اظهرها لهم. يكتب رسول المسح بولس: "لان اموره الغير منظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى انهم بلا عذر" (راجع رو18:1-23).ويكتب ايوب في هذا ايضا: " أسأل البهائم فتعلمك وطيور السماء فتخبرك. او كلم الارض فتعلمك ويحدثك سمك البحر. من لا يعلم من كل هؤلاء ان يد الرب صنعت هذا. الذي بيده نفس كل حي, وروح كل البشر" (اي7:12-12).
هذا لان بهائم الارض وطيور السماء وسمك البحار, لم تزل في طاعة خالقها ولا تحيد قيد أنملة. لذا فقد صارت معلمة الانسان بعد جنوحه عن خالقه. ونجد ايوب هنا يضع فارقا ملحوظا بين نفس كل حي وروح كل البشر..فلم يجمع ايوب روح بني البشر,مع اصحاب الانفس الحية الاخرى.بل خصها على حدة بقوله :"نفس كل حي.وروح كل البشر".ونقرأ ايضا لاشعيا قولا مماثلا يقول فيه :"هكذا يقول الله الرب خالق السموات وناشرها باسط الارض ونتائجها ومعطي الشعب عليها نسمة والساكنين فيها روحاً" (اش5:42). ففي هذه القراءات يعلن الرب بشكل واضح ان النسمة التي اعطاها للانسان هي الروح عينها.
ومن المسلَّم به ان اليهودية وهي اقدم شعوب الارض قاطبة, تؤمن الى هذا اليوم, ان الله قد خلق الانسان على صورته ومثاله,واعطاه روحاً لا تموت. وقد دُعِيَ في التوراة "اله ارواح جميع البشر". فيتكلم موسى مع الرب لاقامة رئيسا خلفا له على شعبه بعد موته, فيقول : "ليوكِّل الرب اله ارواح جميع البشر رجلا على الجماعة يخرج امامهم ويدخل (راجع سفر العدد 15:27). وكان هذا الرجل يشوع بن نون خليفة لموسى . ويكتب رسول العبرانيين ايضا : "ثم قد كان لنا آباء لأجسادنا مؤدبين وكنا نهابهم .افلا نخضع بالاولى جدا لابي الارواح فنحيا. لان أُولئك أدبونا اياما قليلة حسب استحسانهم. وأما هذا فلأجل المنفعة لكي نشترك في قداسته" (الانجيل رسالة العبرانيين (4:12-15).
وان ما اصطُلِحَ عليه من كتبة الوحي المقدس في العهد اليهودي الاول, هو ان الانسان عند موته يسلِّم الروح الساكنة في النفس والجسد. وهذان الاخيران يرقدان في تراب الارض الى قيامة الاجساد (راجع أيوب5:27و 14:34 وجا7:12) الخ. اما الانفس الحية الاخرى فلا تسلم الروح, لان ليس فيها روح . بل تباد في التراب, وينتهى أمرها الى الابد.كما يكتب الرسول بطرس ان الحيوانات جميعها هي "مولودة للصيد والهلاك" (راجع 2بط12:2). وداود بدوره يناشد الانسان, الذي قد خصه الله بالكرامة, ان لا يشابه بافعاله "البهائم التي تباد" (راجع مز 49: 20).
روح الانسان الذي فيه
وللتأكد من ان الانسانَ يفهم بروحهِ وليس بنفسه وجسده, يكتب الرسول في العهد الجديد : "لان مَنْ مِنَ الناس يعرف امور الانسان إلا روح الانسان الذي فيه. هكذا ايضا امور الله لا يعرفها احد الا روح الله"(1كو20:6). ويقول ايضا: "الروح نفسه يشهد لارواحنا اننا اولاد الله" (راجع رو16:8). ويكتبُ ايضا ان الانسان مؤلف من ثلاثة عناصر فيقول:"لتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح" (1تس 22:5 ). ويكتب ايضا: "لان كلمة الله حية وفعالة وامضى من كل سيف ذي حدين وخارقة الى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميزة افكار القلب ونياته" (عب12:).
ان هذه القراءات القليلة من كتاب الله تبين لنا ان في الانسانِ روحا, وفارقٌ كبيرٌ بينها وبين النفس والجسد ,هذه العناصر الثلاثة التي تؤلف الانسان بكامله. وليس كما يدَّعي البعض من ان روحَ الانسان هي نفسه, وهي دمه, ولا فارق بينهما, وسيهلكان مع الجسد بالموت الى قيامة الاجساد والدينونة. من ثم يختفي الشرير كله الى الابد.
الا ان كلمة الله تخبرنا ان الامرعلى نقيضٍ من ذلك . ويتبين لنا هذا في آياتٍ بيِّناتٍ كثيرات ان في الإنسان روحاً عاقلة لا تموت. وهي النَسَمَة التي نفخها الرب الاله في انفه, فصار الانسان نفسا حية.فكما هو ظاهر مما نقرأ في الكتاب المقدس, ان مدى محبة الله للمؤمنين وغضبه على الاشرار, بالنسبة الى البقاء الابدي,هما واحد. ويتأكد لنا هذا من قول الرب في كلمته الاخيرة بعد الدينونة : "فيمضي هؤلاء الى عذاب ابدي وهؤلاء الى حياة ابدية" (مت 46:25).
هذا. ولا يفوتنا ان عبارة نفس في كلمة الله تشيرحيناً الى روح الانسان , وحينا آخر الى الدمِ الذي فيه, واحياناً اخرى الى ذات الانسان بكليته (راجع لا 11:17-16).
فنقرأ من قول الرب: "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون ان يقتلوها.بل خافوا بالحري من الذي يقدر ان يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم" (مت28:10).وقال ايضا: ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه.
فنرى في كلمات الرب هنا, ان نفس الانسان هي روحه وهي ذاته . ولا يمكن لاحد ان يقتل روحه التي فيه.
ان الانسان الذي جبله الله من تراب الارض, قد خصه بروح تسكن فيه الى الابد. فهي شخصيته, التي ينفرد بها عن كل ما حوله من مخلوقاتٍ يسودها. ويستطيع بكونه حرا ان يخلق لنفسه مصيرا يعيش فيه مع الله الى الابد. فقد صرح المسيح بقوله: من يؤمن بي لا يموت. أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء.إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الابد. والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله لأجل حياة العالم (يو22:6-51).
الانسان يسلِّم الروح فاين هو
كنا حتى الآن نحاول اثبات ان في الانسان روحا, وانها روح واعية لكل ما يدور حولها, وليست مجرد نفس يحيا بها كل ذي نفس حية خلقت مع الانسان .
اما الآن نود الانتقال الى موضوع آخر هو: ماذا يحدث للانسان بعد انفصال هذه الروح عن النفس والجسد ؟.
لقد سأل ايوب رفاقه الثلاثة هذا السؤال : "الانسان يسلِّم الروح فاين هو" ؟ (أي 10:14).وان هذا السؤال ليس ببعيد عن عقول البشر جميعا.فهو يدور في خلد كل انسان في كل مكان وكل عصر. به يتساءلون عن مصيرهم الابدي والى أين هم ذاهبون بعد موتهم.
وايوب كاحد هؤلاء الناس, يسأل بدوره مزيداً لتعليمنا وانذارنا (راجع رو4:15و1كو11:10) فيقول : "ان مات انسان أفيحيا"؟. وقوله ايضا : "اما الرجل فيموت ويبلى. الانسان يسلم الروح فاين هو"؟ . ويتابع ايوب متوغل في الشكوك بسبب مصيبته وآلامه الجسدية والنفسية المبرِّحة فيقول : "قد تنفذ المياه من البحيرة والنهر ينشف ويجف والانسان يضطجع ولا يقوم. لا يستيقظون حتى لا تبقى السموات ولا ينتبهون من نومهم" (أي ص10:14-12).
وقال ايضا موجه ملامته الى الله سبحانه: "فلماذا اخرجتني من الرحم ؟.كنتُ قد اسلمتُ الروحَ ولم ترَني عينٌ. فكنت كأني لم اكن. فأُقادَ من الرحم الى القبر.أليست ايامي قليلةً. اترك.كفَّ عني فأتبلَّجَ قليلا قبلَ ان اذهبَ ولا اعود. الى ارضِ ظلمةٍ وظلِ الموت. ارض ظلامٍ مثل دجى ظلِ الموت وبلا ترتيبٍ واشراقها كالدجى" (أي 18:10-22).
لانك يوم تاكل موتا تموت
ان هذه العبارة التي نطق بها الله لآدم يوم خلقه: "لانك يوم تاكل موتا تموت". لم يقصد بها الاختفاء الابدي,كما يفكر البعض. فان الله الذي خلق الانسان على صورته ومثاله لا يفشل في عمله, ويدعه يختفي من الوجود. بل الموت هنا هو الطرد من امام حضرته, والانتقال الى مكان آخر. هذه هي حقيقة الموت في كلمة الله. وهذا ما حدث لأبينا آدمَ وأمنا حواء في جنة عدن بعد ان خالفا الوصية (راجع تك17:2). نقرأ انهما لم يختفيا, بل انتقلا الى مكان آخر خارج جنة عدن. فيه شقاء وعذاب ممثلا بالموت. بعيدين فيه عن الشركة الصحيحة مع الرب الههم. وقد دام ذلك الى عمرٍ طالَ مئات السنين كما نقرأُ في سفر التكوين (راجع تك ص3:5). من ثم انتقلا من جديد بواسطة الموت الجسدي الى مكان آخر ايضا هو "شيول" الهاوية, او كما دعيت فيما بعد حضن ابراهيم او الفردوس, ولم يختفيا**.
وقد عبَّرَ الرب عن هذه الحالة,التي ندعوها موتا, عندما جاء في الجسد, بقوله: "فمات المسكين, وهو العازر"المسكين بالروح" (راجع مت3:5),- "فحملته الملائكة الى حضن ابراهيم . ومات الغني "الغبي" ايضا ودفن .فرفع عينيه في الهاوية وهو في العذاب" (راجع لو22:16).فقد انتقلا هؤلاء ايضا,بواسطة الذي ندعوه موتا, من الحياة الدنيا على الارض ,
___________________
**
صار لأبوينا الاولين امتياز جديد بعد الخطيئة في جنة عدن , اذ جاء نسل المرأة. وسحق رأس العدو. والبسهما الخلاص من جديد مرموزا اليه في جلد الذبيحة الاولى, التي ذبحها الرب الاله بعد خطيئتهما في جنة عدن. ومما لا شك فيه انهما قد علماها بدورهما لاولادهما بعد خروجهما من جنة عدن. لذا نرى قايين وهابيل يقدمان لله ذبائح خارج جنة عدن .ونقرأ ان ذبيحة قايين لم تكن مقبولة لدى الله لانها لم تكن تقدمة دموية. اما ذبيحة هابيل فقد قدمها لله من ابكار غنمه فقبلت لديه ( راجع التكوين 20:3وص 4) **.__________________________________
الى حياةٍ أخرى في مكان آخر. هو المكان اللذان كانا قد اعداه لنفسيهما في حياتهما على الارض
ويتوضح لنا هذا من قول الرب الى اللص التائب.الذي كان قد اعترف به رباً ومخلصاً وهما على الصليب بقوله له : "الحق اقول لك انك اليوم تكون معي في الفردوس" (لو22:16و43:23).
فقد انتقل ايضا هذا اللص الكبير الحظ من الموت الىحياة أخرى مع المسيح في الفردوس . فان هذا الذي ندعوه موتا, هو, بالنسبة الى كلمة الله وانبيائه, انفصال الروح عن النفس والجسد, وانتقالها الى مكان آخرَ تعيش فيه الى القيامة والدينونة الاخيرة. فانه مكتوب: "كما وضع للناس ان يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة هكذا المسيح ايضا بعدما قدم مرة لكي يحمل خطايا كثيرين سيظهر ثانية للخلاص للذين ينتظرونه" (عب27:9). وليس الاختفاء. من ثم تعيش هذه الروح مع جسدها المقام من الموت الى الابد.
هذا. وان ايوب بعدكل هذه التسائلات التي كتُبت لاجل تعليمنا وانذارنا, نسمعه اخيرا يقول: "أما انا فقد علمت ان ولييَّ حيٌّ والآخِرَ على الارض يقوم وبعد ان يفنى جلدي هذا وبدونِ جسدي ارى الله***.الذي اراه انا لنفسي وعينايَ تنظران وليس آخر الى ذلك تتوقُ كليتاي في جوفي "(أيوب 23:19-27)
***
او كما جاءت في ترجمات أخرى, "في جسدي هذا أرى الله". وفي كلا الحالتين نجد, بعد مقارنتنا هذا العدد باعداد أخرى كتبت في سفر ايوب, ان رجاء ايوب كان قويا في انه سوف لا يختفي بعد موته من الوجود بل انه سيعاين الله, كما قرأنا اعلاه . وان كل ماكتب في كتاب الله فقد كتب لاجل انذارنا وتعليمنا (راجع رو4:15و1كو11:10).***___________________________
ونسمعه ايضا يلتمس من الرب قائلا: "ليتك تواريني في الهاوية وتخفيني الى ان ينصرف غضبك وتعيِّن لي اجلا فتذكرني"(أي ص13:14).
فقد ادرك ايوب اخيرا بوحي من روح الله, ان هناك قيامة من الموت فتابع قائلا:"كل ايام جهادي اصبر الى ان يأتي بدلي تدعو فأنا أجيبك.تشتاق الى عمل يديك"(اقرأ أي 14 : 7-15).
هذا وان هذه العبارة " بَدَلي "في نور كلمة الله, هي الجسد الممجد العديم الفساد عينه, الذي سيُلبِسَهُ الرب لأيوب في قيامة الاجساد مع جميع منتظريه الذين يؤمنون بفدائه ووساطته . إقرأ ايضا عن الوساطة المتواضعة التي كان يحلم بها ايوب واصحابه الثلاثة (أي ص23:33-28), ويكتب الرسول بولس مشير الى هذه القيامة والجسم البديل الممجد : "يُزرع في فسادٍ ويُقامُ في عدمِ فساد.يزرع في هَوانٍ ويقام في مجد.يزرع في ضعف ويقام في قوة. يزرع جسمًا حيوانيُا ويقام جسمًا روحانيا.يوجدُ جسمٌ حيواني ويوجد جسمٌ روحاني.
ويتابع الرسول قائلا : هكذا مكتوب ايضًا. "صار آدم الانسان الاول نفسًا حيةً وآدم الاخير"-المسيح-"روحًا محييًا.لكن ليس الروحاني اولا بل الحيواني وبعد ذلك الروحاني .الانسان الاول من الارض ترابي. الانسان الثاني الرب من السماء وكما لبسنا صورة الترابي سنلبس ايضا صورة السماوي" .
وتابع الرسول في العدد ( 52و53) : "فانه سيبوق فيقام الاموات عديمي فساد ونحن نتغير. لان هذا الفاسد لا بد ان يلبس عدم فساد وهذا المائت يلبس عدم موت" (راجع 1كو42:15-49).
هذا هو الجسم البديل, لجسد ايوب المتألم, الذي كان يحلم به حين قال لاصحابه الثلاثة "اصبرُ الى ان يأتي بدَلي تدعو فأنا أجيبك". وهو حلمُ يقظةٍ للمؤمنين جميعاً الى ان يأتيَ الرب ويعطينا بدل اجسادنا, جسدا ممجدا نظير جسده المقام من القبر. فان المسيح كان باكورة الراقدين, واما الذين للمسيح فعند مجيئه (راجع 1كو20:15-23).
هنا يبرز السؤال التالي المعروض من الكثيرين اليوم : هل تموت الروح بعد انفصالها عن النفس والجسد ولا تعود تعي نفسها, ولا ما يدور حولها كما نقرأ لبعض كتبة هذا العصر اليوم . ام انها تستمر في حياة واعية أمينة في مكان آخر؟. الجواب من كلمة الله هو نعم .فان الروح لا تموت بل تستمر في حياة واعية, لكل ما يدورحولها في مكان آخر. ولنا في كلمة الله وضوح كامل لمثل هذا الموضوع. وقبل ان نأتي ببعض الشواهد الكتابية ,التي لا تدع مجالا للشك في هذا, أرى من الضروري ان اورد بعضا من الاعداد, التي يرى فيها البعض معارضة لهذا الرأي ويتخذونها حجة لموت الروح, يكتب داود: "ليس الاموات يسبحون الرب ولا من ينحدر الى ارض السكوت" (مز17:115).
فان الذين باتوا يؤمنون بموت الروح مع النفس والجسد, يكتفون من هذه الآية, وغيرها من الآيات الكتابية الواضحة لاغراضهم الخاصة, بقراءة النصف فقط. ولكنناّ نرى ان داود لم يكتفِ بذلك. بل تابع قوله : "اما نحن فنبارك الرب من الآن الى الدهر" (راجع مز18:115).
نفهم من هذه القراءة : ان المؤمن بالله وكتابه, بعد انتقاله من هذه الحياة الدنيا,الى امجاد الفردوس, سيستمر مع القديسين في تسبيح الرب الى الدهر,كما قرأنا. فان داود الان يتكلم بروحه وليس بجسده الذي سينحدر الى ارض السكوت. وقد اوضح رسول المسيح بولس ذلك بقوله: " لأننا ان عشنا فللرب نعيش وان متنا فللرب نموت.فان عشنا وان متنا فللرب نحن" لانه لهذا مات المسيح وقام لكي يسود على الاحياء والاموات (راجع رو 7:14-9).
لقد كان الشعب اليهودي في القديم لا يضع فارقاكبيرا بين الروح والنفس والجسد, هذه العناصر الثلاثة التي يتألف منها الانسان بكامله, وبين الحي والميت الا ما ندر. فكانوا يكتفون بمشاهدة ما يحدث تحت الشمس وليس فوقها. وهذا الأمر بالنسبة لطفولتهم وتلك العصور المتأخرة كان امرا طبيعيا . يكتب الرسول بولس بالنيابة عن بني جنسه اليهود في القديم: "لما كنت طفلا كطفل كنت اتكلم وكطفل كنت افطن وكطفل كنت افتكر.ولكن لم صرت رجلا ابطلت ما للطفل"(1كو 11:13).
وعلينا ان نلاحظ ان الانبياء قديما كانوا يكتبون الحقائق المعلنة لهم من الله , دون سؤال او احتجاج, وهي ان في الانسان روحًا تعقل. يسلمها في النهاية الى الله الذي اعطاها. وما دامت هذه الروح في الجسد تستطيع معه ان تسبِّح الرب (راجع رؤ5:4 و9:5و9:7و3:14).اما عندما تنطلق الروح من الجسد يصمت الجسد.
الى هنا كان ينتهي المشهد الذي كانوا يشاهدونه يجري تحت الشمس . اما ما يجري فوق الشمس, فهذا بالنسبة لهم كان أمر آخر لا يعنيهم مباشرة. فهو متروك لانبياء آخرين لم يأتي دورهم بعد. فقدكان على القدماء الطاعة , بسبب طفولتهم, الى ان يأتي المسيَّا في الجسد (راجع يو25:4). لهذا نرى داود كما قرأنا اعلاه يكتب: "ليس الاموات يسبحون الرب ولا من ينحدر الى ارض السكوت". يقصد بها داود, الاموات الذين ذهبت ارواحهم الى مكان آخر, لا يستطيعون فيه سوى البكاء وصرير الاسنان. وهذا ما صرح به الرب في قصة العازر المسكين, والغني الغبي. إذ قال الرب: "مات المسكين فحملته الملائكة الى حضن ابراهيم. ومات الغني ودفن فوجد في الهاوية في العذاب". وهذا ما فاه به الرب ايضا: "كل من كان حيا وآمن بي فلن يموتَ.بل قد انتقل من الموت الى الحياة" ( راجع يو 24:5و 26:11).
ونقرأ ايضا في سفر ايوب قوله: "حيٌّ هو الله الذي نزع حقي والقدير الذي أمرَّ نفسي انه ما دامت نَسَمَتي فيَّ ونفخة الله في انفي لن تتكلم شفتايا اثماً ولا يلفظ لساني بغش" (أي 4:2).
وها سليمان الحكيم بدوره يكتب كلمات صعبة الفهم فيقول: "قلت في قلبي من جهة امور بني البشر ان الله يمتحنهم ليريهم انه كما البهيمة هكذا هم. وان ما يحدث لبني البشر يحدث للبهيمة وحادثة واحدة لهم. موت هذه كموت ذاك ونسمة واحدة للكل. فليس للانسان مزية على البهيمة لأن كلاهما باطل. يذهب كلاهما الى مكان واحد .كان كلاهما من التراب والى التراب يعود كلاهما"(راجع جا19:3-21). ويكتب ايضا: "لأن الاحياء يعلمون انهم سيموتون. اما الموتى فلا يعلمون شيئاً"(جا5:9). "وكل ما تجده يدك لتفعله فافعله بقوتك لانه ليس من عمل ولا اختراع ولا معرفة ولا حكمة في الهاوية التي انت ذاهب اليها" (جا10:9).
وهذه كانت منهم وصفا للجسد بعد ان تفارقه الروح .وتنتقل الى مكان آخر. فمن المؤكد ان الملك سليمان, وقد لقب بالحكيم, لم يكن مشككاً بالله واعماله فيما كتب وقد كتب كغيره من كتبة الوحي المقدس . يكتب الرسول بولس, بخصوص ما كتبه انبياء الله في العهد القديم :"كل الكتاب هو موحىً به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر لكي يكون انسان الله كاملا متأهبا لكل عمل صالح" (2تي16:3).وكتب ايضا:لأن كل ما سبق فكتب كتب لاجل تعليمنا.حتى بالصبر والتعزية بما في الكتب يكون لنا رجاء" (رو 4:15).
فان سليمان كونه ملكا لاسرائيل وحبره الاعظم. وقد طلب من الرب حكمة ومعرفة وأخذ سؤال قلبه. فقد ارشده روح الرب, الى ان يكتب عما اختبره من الحياة وافكار البشر. فكتب بعضا من المزامير, وسفر الامثال, ونشيد الاناشيد, وسفر الجامعة.
وهذه الاسئلة التي سألها سليمان وايوب وغيرهم من رجال الله , يسألها عادة كل انسان طبيعي في كل زمان ومكان, ولا جواب لها سوى الصمت والبعد عن الله, وربما الالحاد ايضا. اما سليمان فقد اجاب عليها بوحيٍ الروح القدس كردٍّ مفعمٍِ على تسائلاتِ البشر جميعًا في كل زمان ومكان. بها يساعد الذين يريدون ان يسيروا في طريق الايمان وحفظ وصايا الرب. كما سنرى من قراءة بعض المقاطع من هذا السفر نفسه.
انا الجامعة كنتُ ملكا على اسرائيل
يكتب سليمان في بداءة سفره الجليل هذا, سفر الجامعة, ومن المرجح انه قد كتب هذا السفر بعد ان شاخَ وترك مملكته لابنه فيبدأ بالقول**** :
_____________________________
****
يلاحظ من كتابات سليمان وما ذكر عنه في العهد الجديد , انه كالكثيرين من ملوك اسرائيل الذين جاءت اسمائهم في كتاب الله,قد تاب اخيرا. وقد كتب معظم كتاباته, ان لم تكن كلها, بعد ان اعطى المملكة الى ابنه رحبعام. فكتب : كنت ملكا على اسرائيل في اورشليم . . وقد قارن الرب يسوع المسيح نفسه في العهد الجديد في سليمان, سوى انه اعطم منه . فلم يأتي على ذكره انه قد مات هالكا كما أتى على ذكر بلعام وغيره من الانبياء الذين ماتوا هالكين."
انا الجامعة كنتُ ملكا على اسرائيل في اورشليم. ووجهتُ قلبي للسؤال والتفتيش بالحكمةِ عن كل ما عُمل تحت السموات. ويقول ايضا : "وجهتُ قلبي لمعرفةِ الحكمةِ ومعرفة الحماقةِ والجهل. فعرفتُ ان هذا ايضا باطلٌ وقبض الريح" (راجع جا17:1).كان بذلك سليمان , دون شك, واضعا نفسه بين هؤلاء الحمقى والجهال المشككين , الذين لا يرون في حاضرهم سوى السير في طريق قلوبهم .فلا يلتفتون الى اعمال الله ويمجدونه. ففي هذا. يكون الملك سليمان قد فعل ما فعله الرسول بولس من بعد. إذ وضع ايضا نفسه بين الضعفاء والمزدرى بهم بقوله : صرت للضعفاء كضعيف لأربح الضعفاء.صرت لليهود كيهودي لاربح اليهود. وللذين بلا ناموس كأني بلا ناموس مع اني لست بلا ناموس بل تحت ناموس المسيح لاربح الذين بلا ناموس. صرت للكل كل شيء لأخلص علىكل حال قوما. وهذا انا افعله لاجل الانجيل لأكون شريكا فيه(راجع1كو19:9-22).
يتابع سليمان لهؤلاء : "قد رأيت الشغل الذي اعطاه الله لبني البشر ليشتغلوا به. صنع الكل حسنًا وفي وقته وايضا جعل الابدية في قلبهم التي بلاها لا يدرك الانسان العمل الذي يعمله الله من البداية الى النهاية. وعرفت ان ليس لهم خير الا ان يفرحوا ويفعلوا خيرا في حياتهم. وايضا ان يأكل الانسان ويشرب ويرى خيرا من كل تعبه فهو عطية الله"(جا9:3-15).
من ثم نقرأ ان الملك سليمان, بعد ان رجع من هذه الجولة الطويلة في العالم التي قضى فيها طيلت اربعين سنة ملكا في اورشليم, نراه الآن يفعل ما فعله زميله ايوب من قبل. فيكتب بارشاد الروح القدس نصائحه لشعبه والعالم .فيقول :"ثم التفت لانظر الحكمة والحماقة والجهل
… فرأيت ان للحكمة منفعة اكثر من الجهل كما ان للنور منفعة اكثر من الظلمة. الحكيم عيناه في رأسه.اما الجاهل فيسلك في الظلام" (جا13:2و14) "واحفظ قدمك حين تذهبُ الى بيت الله فالاستماع افضل من تقديم ذبيحة الجهال لانهم لايبالون"(ص1:) ويقول ايضا: "لا تدع فمك يجعل جسدك يخطيء. ولا تقل قدام الملاك***** انه سهو لماذا يغضب الله على قولك ويفسد عمل يديك… اخشى الله (جا6:5و7).من ثم يلتفت ناصح الشباب ومنذر بآنٍ فيقول: "افرح ايها الشاب في حداثتك وليسرَّكَ قلبُك في ايام شبابِك واسلكْ في طرقِ قلبك وبمرأى عينيك واعلم انه على هذه الاموركلها يأتي بك الله الى الدينونة" (جا9:11).
ويكتب في الاصحاح الثاني عشر شارحا المراحل التي فيها يمر الانسان, قبل ان يسلم الروح, فيقول :"اذكر خالقك في ايام شبابك قبل ان تأتي ايام الشر وتجيء السنون اذ تقول ليس لي فيها سرور.قبل ان تظلم الشمس والنور والقمر والنجوم وترجع السحب بعد المطر".-
هذا يشير ان على الانسان ان يطلب الرب في وقت مبكر من الحياة قبل ان تضعف حواسه ولا يعود يرى الاشياء على حقيقتها لكي يتوب عنها.ويتابع سليمان: "في يوم يتزعزع فيه حفظة البيت وتتلوى رجال القوة". هنا ايضا يشير الى ان الانسان قد تضعف مقوماته, بسبب تقدمه في السن فتلتوي رجلاه ويداه, ولا تعود تصلح للقيام في عملها والمحافظة على اتزان جسمه في حياته.
ويتابع سليمان قائلا: "وتظلم النواظر من الشبابيك".-وهذا يعني ايضا ان نظره يضعف وعيناه تظلم -."وتبطل الطواحن لانها قلت. وتغلق الابواب في السوق. قبل ان ينخفض صوت المطحنة ويقوم لصوت العصفور"- وهذا وصف لما تفعله الاسنان والاضراس عندما تقل او تختفي من فم الانسان.فيقوم مكانها حفيف النيرة, المعبَّر عنه هنا بصوت العصفور. "وتحط كل بنات الغناء"-أي تضمر اوتار الحلق فيضعف عملها فيصبح الانسان ثقيل اللسان والسمع - "وايضا يخافون من العالي وفي الطريق اهوال"-وهذا تعبيرٌ لما يحدث للمسنين من
_________________________________
*****
الملاك, كما يكتب سليمان, هو المسيح نفسه ملاك الظهور في العهد القديم .وهو نفسه رب الجنود الذي اتى الى هيكله في الجسد-(راجع ملا1:3واش 3:40 راجع ايضا مز 72 لسليمان). هذا لانه كان يظهر لشعبه في هيئة ملائكة او بشر في القديم ,ويتكلم معهم . لذا دعي المسيح الله الكلمة (يو1:1).اهوال وهزهزات في الصعود والهبوط في مسيرهم, والى ما هنالك من صعوبات في الحياة . "واللوز يزهر" أي يأتي المشيب ويبيض الشعر "والجندب يستثقل"-وهي ان ركب الانسان فلا تعود قادرة على عملها,بل تستثقل اعصابها فلا يعود يستطيع القفز ولو قليلا . "والشهوة تبطل"-أي لا تعود هناك لذة في الطعام ولا في الحياة الطبيعية."لان الانسان ذاهب الى بيته الابدي. والنادبون يطوفون في السوق. قبل ما ينفصم حبل الفضة-ان عمر الانسان مشبه بخيط من المعادن الثمينة الطرية ."او ينسحق كوز الذهب"-والذهب هو معدن ثمين وطري فينقطع سريعا وهكذا عمر الانسان- او تنكسر الجرة على العين- او تنقصف البكرة عند البئر"-هذا كان وصفا لحالة الانسان عندما يسلم الروح_."فيرجع التراب الى الارض كما كان وترجع الروح الى الله الذي اعطاها" (راجع جا7:12).
فيكون هذا جوابا لتسائلاته وتسائلات ايوب والبشر جميعا. وقد اختتمها سليمان الحكيم بقوله: "فلنسمع ختام الامركله. اتق الله واحفظ وصاياه لان هذا هو الانسان كله.لان الله يحضر كل عمل الى الدينونة على كلِ خفيٍّ إن كان خيرا أو شرا" (راجع سفر الجامعة 12).
و يقدم لنا الوحي في النهاية سليمان فيكتب: "بقي ان الجامعة كان حكيماً وايضا علَّمَ الشعب علماً ووزن وبحث واتقن امثالا كثيرة. الجامعة طلب ان يجد كلمات مسرة مكتوبة بالاستقامة.كلمات حق. وكلام الحكماء كالمناسيس وكأوتاد منغرسة قد أعطيت من راعٍ واحد. وهو المسيح الراعي الصالح لا سواه (راجع سفر الجامعة 1:12-14).
هذا قليلا مما اختبره سليمان الملك في حياته, التي كانت من نوع خاص. ومن نواحٍ عديدة كانت تمثل حياة المسيح الملك عندما جاء في الجسد (راجع مز72 لسليمان). فيكتب الرسول بولس : "لان كل ما سبق فكتب كتب لاجل تعليمنا,حتى بالصبر والتعزية بما في الكتب يكون لنا رجاء" (الانجيل رومية 4:15). وكتب الرسول ايضا: " وهذه الامور حدثت مثالا لنا حتى لا نكون نحن مشتهين شرورا كما اشتهى اولئك (1كورنثس6:10).
هذا . وان الانسان كما سبق وكتبنا,لم يخلق على صورة الله ليموت ويختفي الى الابد. كما يرى البعض من "صدوقييِّ عصرنا. الذين باتوا يؤمنون ,في هذه الايام الاخيرة, بموت الروح الابدي. وقد وبخ الرب ذات يوم صدوقيي اليهودية بقوله : "ان الله ليس هو اله اموات بل اله احياء لان الجميع عنده احياء"وكان موضوعه ابراهيم واسحق ويعقوب (راجع انجيل لوقا38:20). وهؤلاء الصدوقيون كانوا فئة من اليهود الذين لا يؤمنون بروحٍ او بملاك. (راجع الانجيل سفر اعمال الرسل 8:23).
فان الانسان بواسطة هذا الذي ندعوه موتا وهو ليس كذلك, يكون قد انتقل من مكانٍ الى مكانٍ آخرَ يكون قد اختاره لنفسه في حياته. يكتب داود مخاطب الرب بقوله "اين اذهب من روحك ومن وجهك اين اهرب . ان صعدتُ الى السموات فانت هناك. وان فرشتُ في الهاوية"-اي ان دفنت في القبر- "فها انت. ان اخذتُ جناحي الصبح وسكنتُ في اقاصي البحر فهناك ايضا تهديني يدُك وتمسكني يمينُك" (راجع مز7:139-12). ويكتب الرسول بولس : " في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي احبنا. فاني متيقن انه لا موت ولا حياة ولا ملائكة
…ولا امور حاضرة او مستقبلة ولا علو ولا عمق ولا خليقة اخرى تقدر ان تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا" (راجع رو38:8).مسئولية الروح في الانسان
هذا وان مسؤولية الروح في الانسان هي ليعقل بها ويفكر فيها. والاَّ لما كان هناك مطالبة في عقاب او ثواب بعد الموت. فانه مكتوب: "كما وضع للناس ان يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة" (راجع جا 12: 13وعب27:9).
ويكتب الرسول ايضا : ان الرب, في مجيئه الثاني, "سينير خفايا الظلام ويظهر خفايا القلوب" (1كو 5:4). وهذه جميعها تتطلب مسؤلية من الانسان امام الله. لايقوم بها سوى اصحاب الروح العاقلة .لذا نقرأ ان "في الناس روحاً ونسمة القدير تعقلهم " (اي8:32).
ويكتب الرسول مشير الى ان روح الانسان تعقل امورها كما روح الله فيقول : "لان مَنْ مِنَ الناس يعرف امور الانسان إلا روح الانسان الذي فيه. هكذا ايضا امور الله لا يعرفها احد الا روح الله" (1كو20:6).
وقوله ايضا: "لاننا نعلم انه ان نقض بيت خيمتنا الارضي"-وما هو بيت خيمتنا الارضي هذا سوى جسدنا- "فلنا في السموات بناء من الله بيت غير مصنوع بيد ابدي
…”"واننا نحن الذين في الخيمة نئن مثقلين اذ لسنا نريد ان نخلعها بل ان نلبس فوقها لكي يبتلع المائت من الحياة …فاذ نحن واثقون كل حين وعالمون اننا ونحن مستوطنون في الجسد فنحن متغربون عن الرب.لاننا بالايمان نسلك لا بالعيان.فنثق ونسر بالاولى ان نتغرب عن الجسد ونستوطن عند الرب. لذلك نحترص ايضا مستوطنين كنا ام متغربين ان نكون مرضيين عنده" (راجع2كو1:5-10).وكتب ايضا" الآن يتعظم المسيح في جسدي سواء أكان بحياة أم بموت. لأن لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح". ولكن ان كانت الحياة في الجسد هي لي ثمر عملي فماذا اختار لست ادري.فاني محصور بين الاثنين. "لي اشتهاء ان انطلق واكون مع المسيح ذاك افضل جدا ولكن ان ابقى في الجسد ألّزم من اجلكم" (في20:1-24).
هنا يأتينا بالضرورة اكثر من سؤال واحد. ماذا قصد الرسول بقوله: "لي اشتهاء ان انطلق واكون مع المسيح ذاك افضل جدا". او ما معنى قوله:"ونحن مستوطنون في الجسد, نحن متغربون عن الرب ونثق ونسر بالاولى ان نتغرب عن الجسد ونستوطن عند الرب. سوى ان يكون الرسول هنا يتكلم بروحه, التي بينما هي في الجسد فهو متغرب عن الرب. ويشتهي ان ينطلق من الجسد ليكون مع الرب .
هل كانت شهوة الرسول بطلبه هذا, ان يذهب نصفه الى القبر, ونصفه الآخر يختفي في الهواء الى يوم قيامة الاجساد كما يدَّعون . وان كان هذا هو الصحيح , اين نذهب بهذه الآيات البينات التي تتكلم عن الروح اليَقِظَة, بكلمات ليس فيها غموض البتة. اوما هو عمل الفردوس؟ او حضن ابراهيم , او السماء الثالثة , هذه الاماكن الثلاثة التي تكلم عنها الرب ورسله القديسون .وليس لها عمل سوى في عصركنيسة المسيح على الارض. قبل مجيئه وانتقالنا معه الى بيت الآب حسبما وعد (راجع يو2:14).
فان الرسول لم يعن,ِ ان بعد انطلاقه من الجسد,سوف يذهب الى بيت الآب. فانه يعلم جيدا ان الذهاب الى بيت الآب ليس الآن , بل عنى دون شكٍ الى مكان آخر, الى السماء الثالثة وهي الفردوس, او كما دعاها الرب حضن ابراهيم . وقد زاره بولس يوما عندما كان في الروح خارج الجسد, "وقد سمع كلمات لا ينطق بها ولا يسوغ لانسان ان يتكلم بها" (راجع 2كو1:12-4).
ويكتب الرسول بطرس بدوره : ولكنني احسب حقا ما دمت في هذا المسكن ان انهضكم بالتذكرة عالما ان خلع مسكني قريب كما اعلن لي ربنا يسوع المسيح ايضا. فاجتهدوا ايضا ان تكونوا بعد خروجي تتذكرون كل حين بهذه الامور 2(يط13:1-14).
من هنا نعلم ان الخيمة ستخلع او تنقض وان الساكنين فيها هم متميزين عنها كما تتميز الخيمة او المنزل عن الساكنين فيه. ومن الواضح ان الرسول عندما يكتب ان خلع مسكنه قريب كما اعلن له الرب يسوع المسيح,كان يعني ما يقوله.
فنحن اذاً, ساكنون في خيام ارضية (2كو1:5).او بتعبير رسوليٍّ آخرَ, في أواني خزفية (2كو7:4).والموت هو مفارقة الروح لهذه الخيمة السريعة الانهيار, والخزف السريعة الانكسار. والصعود دونها الى تلك الديار, حيث هناك الانتظار الى مجيء البار. وهناك شواهد عديدة في كلمة الله تحدثنا عن هذا الموضوع.
ويتعامل الرب مع ابنائه المفديين ,كما يتعامل جواهِريٍّ امينٍ مع جواهره الثمينة وهي موضوعة في اوانٍ خزفية , وفي صالات معينة لعرضها. فان انكسرت احداها, فلا تُترك الجوهرة عارية دون آنيتها. بل نرى صاحبها ياخذها بكل عناية ويضعها في مكان معين في اعلى الصالة لحفظها الى الوقت المناسب.
وهذا ما يحدث لكنيسة المسيح بعد ان يرقد احد ابنائها بالموت الجسدي. تحمله الملائكة كجوهرةٍ ثمينة تضعه في حضن ابراهيم ,كما حدث لأليعازر, المسكين في الروح. او في الفردوس, وهما مكان واحد,كما حدث للص المحتضر على الصليب اذ آمن بالرب يسوع وقال له :" اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك. عندها قال له الرب: الحق اقول لك انك اليوم تكون معي في الفردوس"(راجع لو22:16و43:23).وهو مكان علوي في ذات الكنيسة الواحدة .لذا يكتب يوحنا انه قد رآى الكنيسة نازلة من السماء,ممثلة بمدينة مكعبة وهائلة جدا. وان مشيئة الله كانت منذ القديم ولم تزل, لتدبير ملء الازمنة وليجمع كل شيء في المسيح ما في السموات وما على الارض "( راجع افس10:1) . وفي هذا قال الرب ايضا الحق الحق اقول لكم من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الانسان (يو51:1).
وان هذا القطيع الصغير من جسد الرب الموجود حاليا في الكنائس المحلية على الارض , لا يزال يرسل كل يوم ارواحا جديدة من اعضاءه بواسطة الموت الجسدي الى الفردوس . وهم هناك احياء مستريحون. يكتب الرسول يوحنا: "وسمعت صوتا من السماء قائلا لي اكتب طوبى للاموات الذين يموتون في الرب منذ الآن . نعم يقول الروح لكي يستريحوا من اتعابهم وأعمالهم تتبعهم (رؤ14 :13). وهم منتظرون تلك الساعة التي فيها سيحضرهم الرب معه في مجيئه ثانية للقيامة الاخيرة والمجد الأبدي (راجع 1تس 13:4-18).
وكأني بصوت الرب لم يزل الى الآن يطمئن النفوس المؤمنة الراحلة كل يوم من الارض الى الفردوس. بقوله ان يستريحوا زمانا يسيرا حتى يكمل الاحباء هذه المرة, وليس العبيد, رفقائهم (راجع رؤ9:6وعب39:11-40).
الموت في المنظور المسيحي
يصف الوحي الالهي الموت الجسدي, انه حادثة طارءة تحدث للمسيحي الحي فتفصله عن جسده.عندها تحمله الملائكة الى مكان آخر, دعاه الرب,كما مر معنا, حضن ابراهيم او الفردوس (راجع لو22:16و43:23). اوكما دعاه الرسول بولس السماء الثالثة والفردوس (راجع2كو1:12-4). فيرجع الجسد بعد ذلك الى الارض الذي اخد منها الى يوم قيامة الاجساد (راجع لو22:16و43:23).
هذا, وان الموت في المنظور المسيحي هو تسليم الروح وليس فنائها, وإلا سوف لا يكون هناك دور للملائكة القديسين, بالنسبة الى موت المؤمن المسيحي في هذا الامر,كما صرح بذلك الرب عن احد المساكين بالروح إذ قال: "فمات المسكين وحملته الملائكة الى حضن ابراهيم". وعن الدور الآخر لغير المؤمنين قال الرب: "ومات الغني ايضا ودفن فرفع عينيه في الهاوية وهو في العذاب"(لو19:16).
وقد ادَّعى قوم من اليهود الصدوقيين قديما بقولهم "لا يوجد قيامة اجساد ولاملاك ولا روح" فوبخهم الرب بقوله: "تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولاقوة الله"..وتابع الرب قوله: "الله إله ابراهيم وإله اسحق وإله يعقوب.ليس الله إله اموات بل إله احياء لان الجيع عنده احياء" (راجع مت 22:22ولو38:20و اع 8:23).
ونفهم من كلمة الله ان الراقدين في تراب الارض سوف لا يعودون الى الحياة دون ارواحهم الحية,التي ستأتي مع الرب في مجيئه لقيامة اجسادهم المائتة يكتب الرسول: ثم لا اريد ان تجهلوا ايها الاخوة من جهة الراقدين لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم. لانه ان كنا نؤمن ان المسيح مات وقام فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الله ايضا معه (راجع1تس14:4) وسوف لا تمنح لهم ارواح جديدة ساعة قيامتهم من القبور.
الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام
نقرأ في انجيل لوقا عن رجل اسمه سمعان. وقد اعلن له بالروح القدس انه سوف لا يرى الموت حتى يرى مسيح الرب. وعند روئيته المسيح أخذه على ذراعيه وبارك الله وقال "الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام. لأن عينيَّ قد ابصرتا خلاصك الذي اعددته قدام وجه جميع الشعوب. نور إعلان للامم ومجدا لشعبك إسرائيل" (راجع لو25:2-32).
يبرز السؤال هنا من جديد . ماذا عنى سمعان الشيخ , وقدكان عليه روح الرب,كما قرأنا اعلاه, بقوله يا ترى : "الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام". او من هو عبده هذا حتى يطلقه السيد بسلام ؟, هل هو انسانه الخارجي, وسيوارى بعد قليل في الثراء ؟, ام انه روحه وهي انسانه الداخلي, التي ستذهب هدرا في الهواء, عوضا عن ان تحمله الملائكة الى السماء , كما بات يعتقد بعض الجهلاء, ومن به داء. فاننا نترك تقديرها الى العقلاء والحكماء .
ان كان انساننا الخارجي يفنى فالداخلي يتجدد يوما فيوما
ما يفيدنا في هذه الحادثة لموضوع الروح, بكل بساطةٍ ووضوح .هو ان سمعان الشيخ, وقد كان عليه روح الرب, قد تكلم كغيره من رجال الله عن الانسان الداخلي فينا وليس الخارجي. فيكتب الرسول بولس : ان كان انساننا الخارجي يفنى فالداخلي يتجدد يوما فيوما (2كو16:4). وبطلب سمعان الشيخ هذا كان مشابها, الى حد بعيد, الرسول بولس الذي اشتهى يوما ايضا ان ينطلق بسلام من انسانه الخارجي, ليكون مع المسيح. وقد زاد قائلا: "ذاك افضل جدا. ولكن ان ابقى في الجسد ألّزم من اجلكم" (راجع في23:1).
وكان في هذا ايضا مشابها الرسول بطرس . الذي كتب: ولكنني احسبه حقا ما دمت في هذا المسكن ان انهضكم بالتدكرة عالما ان خلع مسكني قريب كما اعلن لي ربنا يسوع المسيح ايضا. فاجتهد ايضا ان تكونوا بعد خروجي تتذكرون كل حين بهذه الامور (2بط13:1و14).
لم يكن طلب هؤلاء القديسون الموت, او الهروب من الخدمة وهي هدف كل مؤمن حقيقي في هده الحياة, فان الموت هو عدو, فانه مكتوب: "آخر عدو يبطل هو الموت" (1كو26:15). ويكتب داود ايضا معبِّر عن مشاعره نحو الموت فيقول: "لا اموت بل احيا واحدث باعمال الرب" (مزمور17:118).
بل كانوا في طلبهم هذا الذهاب الى مكان افضل, دعاه الرب حضن ابراهيم. او الفردوس كما مر معنا. منتظرين هناك مجيء الرب والتبني فداء اجسادهم (راجع رو23:8). فانه من المستبعد جدا ان يكونوا بطلبهم الانطلاق من الجسد هو الذهاب الى القبر. كما بات يعتقد البعض في هذه الايام الاخيرة.
نستنتج من هذا ان شهوة رجال الله على الدوام, هي ليست هربا من الحياة ومسؤلياتها كما يفعل الذين لا رجاء لهم, بل هي رغبة مقدسة للوصول سريعا الى ما يكون الرب قد اعلنه لهم. وان يقين الرجاء بالدخول الى حياة افضل بعد الموت,هو مصدر تعزية للمسيحي في غربته لا يقدر بثمن. كتب الرسول بولس: "ما لم ترَ عين ولم تسمع به اذن ولم يخطر على بال انسان ما اعده الله للذين يحبونه فأعلنه الله لنا نحن بروحه" (1كو9:2).
ويكتب ايضا محذر مِن مَن ينكرون قيامة الاموات, لانه في ذلك يكونون قد انكروا ايضا قيامة الارواح فيقول الرسول: "لانه ان كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح فاننا اشقى جميع الناس"(افس1كو19:15).
وهذه العبارة "رجاء في المسيح" لا تشير فقط الى قيامة اجساد المؤمنين في القيامة الاخيرة. فان هذه الاجساد الراقدة في قبورها الآن الى مجيء الرب , لا تستطيع القيام من الموت دون ارواحها المقامة اولا من موت الذنوب والخطايا (راجع يو25:5), التي سيحضرها الرب معه في مجيئه كما قرأنا في الآية إعلاه (راجع 1تس14:4وافس 5:2).وقد اوضحها الرب في انجيل يوحنا بقوله: "الحق الحق اقول لكم : "تأتي ساعة وهي الان حين يسمع الاموات (في الخطايا) صوت ابن الله والسامعون يحيون" وقد دعاها الرسول القيامة الاولى بقوله: : "مبارك ومقدس من له نصيب في القيامة الاولى. هؤلاء ليس للموت الثاني سلطان عليهم (رؤ6:20).من ثم تابع الرب في قيامة الاجساد قوله: "لا تتعجبوا من هذا. فانه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته. فيخرج الذين فعلوا الصالحات الى قيامة الحياة والذين عملوا السيئآت الى قيامة الدينونة" (يو28:5وافس6:2).
وان الرسول يوحنا في سفر الرؤيا قد رأى اقنوم المسيح جالسا في عرش الدينونة فيقول : "ثم رأيت عرشاً عظيماً أبيض , والجالس عليه الذي من وجهه هربت الارض والسماء ولم يوجد لهما موضع" . "ورأيت الاموات صغارا وكبارا واقفين أمام الله" (رؤ ص20 :5و11). وهذه العبارة "صغارا وكبارا" بدورها تعني الاختطاف ذاته (راجع مت 38:24-40و1تس17:4) ومن ثم الدينونة. فان الرسول يتبعها بعبارة: وانفتحت اسفار, وانفتح سفر آخر هو سفر الحياة ودينَ الاموات.. (راجع مت31:25)الخ.
فهاتان القيامتان في انجيل يوحنا (يو25:5و28),هما تفسير حي لما كتبه لنا في سفر الرؤيا من قبل. حيث كتب في القيامة الاولى: "مبارك ومفدس من له نصيب في القيامة الاولى. هؤلاء ليس للموت الثاني سلطان عليهم: بل سيكونون كهنة لله والمسيح وسيملكون معه الف سنة"(رؤ ص20 :5و11).
توضيح- بينما الانبياء والرسل يتكلمون عن قيامة الاجساد . يكونون قد تكلموا اولا عن قيامة الارواح في قيامة افضل, تدعى القيامة الاولى . وقيامة الارواح هذه تبتديء منذ الساعة التي فيها يسمع الانسان صوت ابن الله, ويبتديء في الحياة مع المسيح. عندها يكون هذا السعيد الحظ,قد دخل بقيامته الاولى هذه الالف سنة الرمزية, واصبح مَلِكاَ وكاهنا لله والمسيح. هذه هي القيامة الاولى. يكتب الرسول يوحنا: مبارك ومقدس من له نصيب في القيامة الاولى. هؤلاء ليس للموت الثاني سلطان عليهم: بل سيكونون كهنة** لله والمسيح وسيملكون معه الف سنة" (راجع رؤ6:1و20 :6 ).
________________________
**
لان بذبائح مثل هذه يسر الله"- حيث ان الروح القدس بات يعتبر ان المؤمنين بالمسيح قد اصبحوا ملوكا وكهنة لله والمسيح, نراه يبتديء المطالبة بممارسة هذا الكهنوت الملوكي مند البداية, بتقديم ذبائح روحية تكون مقبولة عند الله بيسوع المسيح ربنا. والذبيحة الاولى التي يطالبنا الروح القدس بتقديمها على مذبح هيكله الروحي الجديد, هي اجسادنا. لذا يكتب الرسول للذين قد آمنوا بالمسيح: "قدموا اجسادكم ذبيحة حيَّة مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية" (راجع روميه 1:12). وفي هذا ايضا, يكتب لنا صاحب رسالة العبرانيين : "فالنقدم به في كل حين لله ذبيحة التسبيح اي ثمر شفاه معترفة باسمه. ويقول ايضا:لا تنسوا فعل الخير والتوزيع لان بذبائح مثل هذه يسرّ الله" (عب ص15:13). ويكتب لنا الرسول بطرس بدوره "كونوا انتم ايضا مبنيين كحجارة حية بيتا روحيا كهنوتا مقدسا لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح"(راجع1بط5:2). ويكتب الرسول الى كنيسة فيلبي مشجعا على سخاء عطائها لخدمة الرب : قد امتلأت اذ قبلت من ابوفرودتس الاشياء التي من عندكم نسيم رائحة طيبة ذبيحة مقبولة مرضية عند الله (في18:4) .------------------------------
فانه بدون هذه القيامة الروحية الاولى, وهي الولادة الثانية الروحية من فوق, سوف لا يكون هناك نصيب لخاطيء واحد, بالقيامة من الموت الجسدي في مجيء الرب ثانية والاختطاف. وقد تحدر الينا من الآباء قول مأثور مفاده :ان من ولد مرتين فسيموت مرة واحدة ومن ولد مرة واحدة سيموت مرتين". وهذا قول حق . فانه دون ولادة لا وجود لاحد البتة في أي عالم. انطلاقا من هنا نستطيع ان نفهم قول الرسول "ان هناك آدمين. آدم الانسان الاول من الارض ترابى . وآدم الانسان الثاني الرب من السماء" (1راجع كو47:15). وهذا الامر واضح وجلي في كلمة الله وهي ان المسيح بفدائه على الصليب قد ابطل الموت وانار لنا الحياة والخلود . فقد فسر لنا الرسول يوحنا في انجيله الكثير مما غمض في سفر الرؤيا**. فإذ نأتي الى انجيله الذي كُتب بعد سفر الرؤيا, نقرأ ان الرب قال ذات يوم لليهود الحرفيين الذين تبعوه ليأكلوا مزيدا من الخبز: "انا هو الخبز الحي النازل من السماء لكي ياكل منه الانسان ولا يموت. بل يحيا الى الابد "(راجع يو 50:6-52). وقال ايضا لمرثا اخت العازر الميت:"كل من كان حيا وآمن بي فلن يموت الى الابد اتؤمنين بهذا فقالت له مرثا "نعم يا سيد" "(يو26:1). فيا ليتنا جميعا نكون نظيرها مصدقين الله وكتبه. فانه مكتوبٌ من لا يصدق الله فقد جعله كاذبا (1يو10:5).
-------------------
**
لقد اجمع آباء الكنيسة وعلمائها : ان كتابات يوحنا الرسول, هي آخر ما كُتِب في العهد الجديد, وان سفر الرؤيا اولها. وقد تم ذلك في افسس بعد خروج الرسول من جزيرة بطمس,حيث كان منفيا هناك لاجل كلمة الله, ومن اجل شهادة يسوع المسيح. وان يوحنا قد عاد من جزيرة بطمس بعد موت دومسيانوس, وقد خفت وطأة الاضطهاد ليستقر به المقام في افسس الى ان وافته المنية هناك.-------------------
ان يوم النعمة هذا, المقيمون فيه كمسيحيين اليوم, (رو2:5). لا يراه ويعيشه سوى الروحيون فقط. فهو الوجه الآخر الروحي لملكوت السموات. اما المؤمنين الحرفيُّين انفسهم, وان كانوا ابناء ملكوت السموات, فليس لهم على ما يبدوا نصيب في بهجة هذا الملكوت والشركة الروحية العميقة مع صاحبه. فانهم لا يزالون انصاف مبصرين كما حدث للاعمى, الذي بعد ان شفاه الرب سأله : "هل تبصر شيئًا ؟ فتطلع وقال ابصر الناس كاشجار يمشون. ثم وضع الرب يده على عينيه ثانية وجعله يتطلع فعاد صحيحا, وابصر جليا" (راجع مر 22:8-25).
لا ازال ذاكرا اياكم في صلواتي
وان الرسول بولس كان لايزال يصلي لاجل هؤلاء القديسين في افسس . اذ كان قد سمع بخبر ايمانهم بالرب يسوع , ومحبتهم لجميع القديسين. ولكنهم كانوا كالكثيرين اليوم , في حاجة ماسة الى لمسة اخرى من الرب لكي يبصروا جيدا. يكتب الرسول لهؤلاء القديسين :"لا ازال ذاكرا اياكم في صلواتي
…كي تستنير عيون اذهانكم لتعلموا ما هو رجاء دعوته وما هو مجذ ميراثه في القديسين"( راجع افس15:1-23)وصاحب رسالة العبرانيين يكتب الى هؤلاء المسيحيين ايضا , الضائعين عن معرفة اقامتهم الروحية بعد ان قبلوا المسيح مخلصا. كتب لهم معرِّفا اياهم بقوله : "بل قد اتيتم الى جبل صهيون, والى مدينة الله الحي اورشليم السماوية, والى ربوات هم محفل ملائكة, وكنيسة ابكار مكتوبين في السموات, والى الله ديان الجميع ,والى ارواح ابرار مكملين",-هم سكان الفردوس المنتظرين الى مجيء الرب- "والى وسيط العهد الجديد يسوع. والى دم رش افضل من هابيل" (عب22:12-2).
ولمثل هؤلاء ايضا يكتب الرسول : "واما اورشليم العليا التي هي امنا جميعا فهي حرة".لم يكتب الرسول انها ستصير امنا في العصر الالفي او بعده , بل هي امنا الحرة منذ الان,حين ولدتنا يقول: "افرحي ايتها العاقر التي لم تلد. اهتفي واصرخي ايتها التي لم تتمخض. فان اولاد الموحشة اكثر من التي لها زوج"(راجع غلا26:4-27 واش54). ويتابع الرسول : اذا ايها الاخوة لسنا اولاد جارية بل اولاد الحرة" (العدد31).
بعد ان رأى الرب بعض التلاميذ الجدد يعثرون به, مع من عثر من اليهود, بعدم فهمهم (راجع يو60:6). ابتدأ يدربهم على الفهم الروحي والخروج من الجسد أحيانا . فقال لهم ذات يوم في عبارات صعبة الفهم : لا اترككم يتامى اني آتي اليكم. بعد قليل لا يراني العالم ايضا واما انتم فترونني اني انا حي فانتم ستحيون. في ذلك اليوم تعلمون اني انا في ابي وانتم فيَّ وانا فيكم. "
وعندما سأله يهوذا ليس الاسخريوطي :يا سيد ماذا حدث حتى انك مزمع ان تظهر ذاتك لنا وليس للعالم اجابه الرب: "إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلا "وفي مناسبة اخرى قال لهم :"شهوة اشتهيت ان آكل هذا الفصح معكم قبل ان اتألم. لاني اقول لكم اني لا آكل منه بعد حتى يكمل في ملكوت الله."وقال لهم ايضا: لانه حيثما اجتمع اثنان او ثلاثة باسمي فهناك اكون انا ايضا في وسطهم .(مت 20:18) وها انا واقف على الباب واقرع ان سمع احد صوتي وفتح الباب ادخل اليه اتعشى معه وهو معي.
لقد صدَّق التلاميذ كلمات الرب, ووعوده الثمينة التي لا ترى بالعين المجردة, وفرحوا بها. هل نصدقها نحن بدورنا ونفرح نظيرهم ؟. ام ننتظر الالف سنة السرابية العتيدة ونتناسى كل هذه البركات الروحية التي لنا اليوم والى الابد. يكتب الرسول :فاني اقول بالنعمة المعطات لي لكل من هو بينكم ان لا يرتئي فوق ما ينبغي ان يرتئي بل يرتئي الى التعقل كما قسم الله لكل واحد مقدارا من الايمان (رومية3:12).
خاتمة - الواقع هو ان تصديق بقاء الروح بعد الموت,كما قرأنا اعلاه, ليس أمرا سهلاً. فلوكان الامر كذلك لآمن به جميع البشر وازدادت اهتماماتهم الروحية اكثر. عندها يصبح الموت,كما رأى بعض علماء النفس ايضا, أقل مأساوية. لما للموت والأبدية , من مخاوف وتأثير في اعصاب الناس.
فان فلاسفة الإلحاد والمقاومين في كل العصور, يحاولون ان يُبَسِّطوا الامور بقولهم ان الموت هو موت كل شيء وليس من يطالب. ولكن مما هو ظاهر, لا فلسفة ولا علم قادر ان يقنع ضمائر الناس ان الموت هو موت كل شيء. فان الخوف من الابدية والدينونة الاخيرة,كما يكتب الوحي المقدس, هو في طبيعة الناس وافكار قلوبهم وضمائرهم (راجع سفرجامعة 9:3 وعبرانيين27:9ورومية15:2)الخ .وعلى العكس, لا علم ولا فلسفة ايضا, قادرة ان تبرهن للناس ,بطريقة قاطعة, على عدم موت الروح مع الجسد, دون اللجوء الى كلمة الله.
فان الانسان اليهودي والمسيحي يؤمنان منذ القديم, ان الله قد خلق الانسان واعطاه الوصية ليعيش طويلا, بالرغم من المصاعب التي تحيط به. راجع سفر التكوين (ص5.وخر26:15وام 6:9وعا14:5) ووعده قائلا "قد جعلت قدامك الحياة والموت. البركة واللعنة. فاختر الحياة لكي تحيا انت ونسلك (تثنية19:30).وقال ايضا: "انا الرب شافيك"اطلب الخير لا الشر فتحيا" .
كما ان علم الاعصاب وعلمائه قد جاءوا اخيرا مصادقين على ذلك بقولهم: "قد يحدِثُ نشاط روحيٍّ معيَّن , في حالات العبادة والصلاة والثقة باله يعبده البشر, تعديلا تشريحياً ووظيفياً في الانسجة والاعضاء". الا ان البعض من هؤلاء العلماء يدَّعون أن الايمان الشافي والثقة المريحة للاعصاب, لا تأتي من الايمان بإله الكتاب المقدس فقط . فلوكان الامركذلك كما يدَّعون, لحسبنا ان اليهود والمسيحيين وحدهم تطول اعمارهم , الا ان هذا الايمان الشافي والمطيل الاعمار يأتي لجميع البشر. نتيجة الثقة والإتكال على اله او نبيٍّ يرتاحون اليه ويعبدونه بإخلاص
ففيما توصل اليه العلماء الاخصائيون اليوم, وهو كما نرى ليس ببعيد عن كلمة الله, هو ان الانسان مبرمج اصلا على ان يحيا حياة سعيدة طويلة الامد, بعيدا عن كل ما يزعجه. ففي اعصابه كل الكفاية لذلك. فهي مخلوقة لتستطيع ان تكيف نفسها على الدوام. وقد دلت نتائج التصوير الالكتروني الشديد الحساسية لدماغ الانسان, الى ان مجموعات من الخلايا الأبيثيلية النبيلة تنموا الى حد ملحوظ, في ادمغة الذين يؤمنون من كل قلوبهم, بمقدساتٍ يعبدونها ويلقون همهم وإتكال قلوبهم عليها. فهم,كما يدَّعون, إذ يصبحون مميزين في وضعهم النفسي هذا, يكونون بذلك قد اصبحوا مهيئين للتغيير العضوي ايضا. فيشفون من آلامهم ومن امراضهم المستعصية.كما ان علاقاتهم الاجتماعية تصبح نشيطة بشكل ملحوظ. هذا وقد ظهر هذا التمييز على شاشة التلفزيون بترتيب عجيب. في عناقيد لخلايا عصبية تنموا وتكثر في أدمغة هؤلاء العابدين والمصلين, وتبقى قليلة وضامرة في غيرهم من البشر.
ولا عجب, فإن الله سبحانه قد خلق الانسان كاملا وابنا له مطيعا. ليعيش بالشركة معه الى الابد. وإذ حرم بسبب شرِّهِ من هذا الامتياز جاء المسيح نفسه كآدم ثانٍ في الجسد, ليمنح المؤمنين به الحياة من جديد.
وقد وجدوا ايضا ان هذه الخلايا العصبية, هي حاضرة في الانسان من يوم خلقته. وما كان عليه سوى احترامها لتأخذه الى السعادة وطول العمر.
فيكتب الدكتور الجراح الكسيس كاريل, الحائز على جائزة نوبل (1939) لابحاثه الطبية الفذة المتعلقة بالقلب الميكانيكي , وقد قضى ايامه رئيسا لجمعيات علمية كبيرة في باريس ونيويورك , يكتب في كتابه "الانسان ذلك المجهول" ما خلاصته : ان عواطف الانسان, عن طريق الاعصاب, هي التي تقرر تمدد او تقلص الاوردة الصغيرة التي تقترن بتغييرات في الخلايا والاعضاء. فالفَرَح مثلا يجعل جلد الوجه يتورد, بينما يكسبه الغضب والخوف لونا ابيض يميل الى الاصفرار. والانباء السيئة قد تحدث تقلصا في الاوردة الجوفاء او أنيما القلب والموت المفاجيء في بعض الاشخاص.كما ان الحالات العاطفية تؤثر في الغدد كلها. فانها تنبه او توقف الافرازات او تُحدث تعديلا في تركيبها الكيميائي. فالتفكير في الطعام يثير اللعاب حتى دون ان يكون هناك أي طعام...وقد تؤدي العاطفة الى اثارة نشاط عمليات معقدة. فعندما يثير الانسان عاطفة الخوف يؤدي ذلك الى تمدد الاوعية فتفرز الغدد الادرينالين فيزداد ضغط الدم وخطر الموت...وهكذا عندما تصبح عواطف الحسد والكراهية والانانية, مألوفة عند الانسان, فانها تصبح قادرة على احداث تغييرات عضوية جسيمة, وامراض حقيقية . وتأتي الآلام الادبية كسموم تدخل على الخلايا فتفسد الصحة فسادًا عظيمًا. وان الاحزان الطويلة الامد والقلق المستمر تعبِّد الطريق لاصابة السرطان. فان العواطف تُحدث تعديلات عظيمة في جسم الانسان.
وكتب ايضا: "قد يُحدِث نشاط روحي معيَّن تعديلا تشريحياً ووظيفياً في الانسجة والاعضاء. وتُلاحظُ هذه الظواهر العضوية في ظروفٍ مختلفة من بينها حالة العبادة والثقة . والصلاة كما يجب ان تفهم, هي ليست مجرد ترديد آلي, ولكنها ارتفاع كلي لا يدركه العقل البشري. انها استغراق الشعور في تأمل مبدأ يخترق عالمنا ويسمو عليه. ومثل هذه الحالة السايكولوجية ليست عقلية. ويزيد قائلا: ان الفلاسفة والعلماء لا يفهمونها.كما انها صعبة عليهم. ولكن يبدو ان الشخص المتجرد يشعر بالله بمثل السهولة التي يشعر بها بحرارة الشمس او بعطف احد اصدقائه".وهذا النوع من الايمان هو المطلوب
ونزيد نحن بدورنا موافقين على ما يكتشفه العلم الصحيح منسجما مع كلمة الله (راجع دا4:12-13), فنقول : ان الايمان وحده, في هذا الإله الحي يسوع المسيح , هو الشفاء وغفران الخطايا (راجع مر16:16ويع14:5)الخ. فان الحياة وحب الحياة منه يخرجان فهو نبعها وبقائها. "فاننا به نحيا ونتحرك ونوجد. وفيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس" .وقد صرح ذات يوم مشير الى نفسه: "انا هو الطريق والحق والحياة". هذه هي حقيقة المسيح والعالم. فان هذه الشعلة الالهية في قلب الانسان التي ندعوها حب الحياة وبقاءها, يؤكدها الواقع الكتابي في كلا العهدين.
انناكمؤمنين مسيحيين مولودين ثانية"من فوق" كما قال ربنا: اصبحنا لا نهاب الموت عندما نفكر فيه. فانه طريقنا الى الحياة. فاننا نشعر بالحياة تتفجر في قلوبنا والرجاء يملأنا, قبل الموت وبعده. فيكتب الرسول بولس بعد ان تعرف على الحياة الجديدة ومعطيها: "لان لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح".
هذه هي الحياة التي تملك في قلوبنا منذ الآن. هي يسوع المسيح الحي ذاته. ويمر فينا الى الذين يحبون الحياة نظيرنا.ومن هؤلاء الى أولئك. ومن أولئك الى الآخرين. وهكذا دواليكم. هذا هو يسوع الذي من الناصرة . هو الكنيسة في حلتها الجديدة. فهو رأسها وابوها وابنها واخوها وخطيبها وعريسها. وقد رآها إشعيا مخصبة فتتزوج بنيها وتلد بنين وبنات لله, فيناديها بقوله: "من اجل صهيون لا اسكت ومن اجل اورشليم لا اهدأ حتى يخرج برها كضياء. وخلاصها كمصباح يتقد. فترى الامم برك وكل الملوك مجدك وتسمين باسم جديد يعينه فم الرب"- وكان هذا الاسم أحباء الرب- راجع (يو15:15), "وتكونين اكليل جمال بيد الرب وتاجا ملكيا بكف الهك. لا يقال بعد لك مهجورة ولا يقال بعد لارضك موحشة بل تدعين حفصيبة وارضك تدعى بعولة.لان الرب يسرّ بك وارضك تصير ذات بعل.لانه كما يتزوج الشاب عذراء يتزوجك بنوك.وكفرح العريس بالعروس يفرح بك إلهك" (اش1:62-5).
ويكتب لها ايضا: "ترنمي ايتها العاقر التي لم تلد اشيدي بالترنم ايتها التي لم تتمخض.اوسعي مكان خيمتك ولتبسط شقق مساكنك. لا تمسكي أطيلي أطنابك وشددي أوتادك. لأنك تمتدين الى اليمين والى اليسار ويرث نسلك أمما ويعمر مدنا خربة. لا تخافي لانك لا تخزين . ولا تخجلي لانك لا تستحين. فانك تنسين خزي صباك وعار ترملك لا تذكرينه بعد. لأن بعلك هو صانعك رب الجنود اسمه ووليك قدوس اسرائيل إله كل الارض يدعى.لانه كإمرأة مهجورة ومحزونة الروح دعاك الرب ‘وكزوجة الصبا إذا رذلت قال إلهك.لحيظة تركتك وبمراحم عظيمة سأجمعك. بفيضان الغضب حجبت وجهي عنك لحظة وبإحسان أبدي أرحمك قال وليك الرب. لأنه كإيام نوح هذه لي.كما حلفت ان لا تعبر بعد مياه نوح على الارض هكذا حلفت ان لا اغضب عليك ولا ازجرك.فان الجبال تزول والآكام تتزعزع أماإحساني فلا يزول عنك وعهد سلامي لا يتزعزع قال راحمك الرب".
ويتابع الرب في اشعيا:"ايتها الذليلة المضطربة غير المتعزية هائنذا أبني بالإثمد حجارتك وبالياقوت الازرق أؤسسك وأجعل شرفك ياقوتا وأبوابك حجارة بهرمانية وكل تخومك حجارة كريمة وكل بنيك تلاميذ الرب وسلام بنيك كثيرا. بالبر تثبتين بعيدة عن الظلم فلا تخافين وعن الارتعاب فلا يدنوا منك. ها انهم يجتمعون اجتماعا ليس من عندي. من اجتمع عليك فاليك يسقط...كل آلة صورت ضدك لا تنجح وكل لسان يقوم عليك في القضاء تحكمين عليه. هذا هو ميراث عبيد الرب وبرهم من عندي يقول الرب" (راجع اش54).
فان هذه الكنيسة الحية هي جسد المسيح الحي. الذي بموته وقيامته غلب الموت ووهب لها الحياة والخلود. فقد قال له المجد: "انا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا.وكل من كان حيا وآمن بي فلن يموت الى الابد" (يو25:11).
ويكتب الرسول يوحنا: "من له الابن له الحياة" وزاد قائلا: "أكتب اليكم بهذا لتعلموا ان لكم حياة ابدية" (1يو1:5-13) وهذا ما اكده الرب عندما سأله توما عن الطريق قال له يسوع :"انا هو الطريق والحق والحياة" (يو6:14).وقال ايضا:"خرافي تسمع صوتي وانا اعرفها فتتبعني. وانا اعطيها حياة ابدية ولن تهلك الى الابد ولا يخطفها احد من يدي" (يو28:10).
فان انجيل يوحنا, مع رسائله الثلاثة وسفر الرؤيا, يندفع في كنيسة المسيح كباقة حياة عظيمة تدعى يسوع المسيح. فهو الحياة ونبع الحياة, ومعطي الحياة, وخبز الحياة, وماء الحياة, ونور الحياة, وشجرة الحياة. وهو الحياة ذاتها التي نعيش بها فيه. يكتب الرسول "متى أُظهر المسيح حياتنا حينئذ تظهرون انتم ايضا معه في المجد"( كو3:3و4) الخ.
ويقول لها الرب ايضا : قومي استنيري لانه قد جاء نورك ومجد الرب اشرق عليك. لانه ها هي الظلمة تغطي الارض والظلام الدامس الامم. اما عليك فيشرق الرب ومجده عليك يرى. فتسير الامم في نورك والملوك في ضياء اشراقك(اش1:60-3).
ويتابع النبي مخاطب الكنيسة بقوله: وتُنفتح ابوابكِ دائما
. نهارا وليلا لا تُغلق. ليؤتى اليك بغنى الامم وتقاد ملوكهم" لان الامة والمملكة التي لا تخدمك تبيد وخرابا تخرب الامم .لا تكون لك بعد الشمس نورا في النهار ولا القمر ينير لك مضيئا في الليل بل الرب يكون لك نورا ابديا والهك زينتك (اش11:60و12) ويقول اشعيا مهنئا الكنيسة ايضا :". لا تغيب بعد شمسك وقمرك لا ينقص لان الرب يكون لك نورا ابديا وتكمل ايام نوحك. وشعبك كلهم ابرار. الى الابد يرثون الارض" وليس الى الف سنة فقط (راجع اش 6:9ولو33:1), بل من الآن والى الابد. "غصن غرسي عمل يديَّ لاتمجد "(راجع اش 19:60-22)أخيرا وليس آخرا يكتب الرسول يوحنا : "ايها الاحباء الآن نحن أولاد الله ولم يظهر بعد ماذا سيكون. ولكن نعلم انه إذا أُظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو" (1يو2:3). هذا بدوره تأكيد يضاف الى تأكيدات هذا عددها ,على ان الحياة الابدية تبتديء فينا, منذ اللحظة التي فيها نولد من فوق, وسوف لا تنتهي. وسننتقل بعدها من مجد الحياة مع المسيح هنا, الى مجد الحياة مع المسيح هناك. يكتب الرسول: "فاننا جميعا الآن ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة. نتغير إلى تلك الصورة عينها, من مجد الى مجد كما من الرب الروح" (2كو18:3). فالحياة الأبدية التي ابتدأت فينا,هي عرس دائم وسوف لا ينتهي ابدا. قال الرب: "ايستطيع بنوا العرس ان ينوحوا ما دام العريس معهم" .وعريسنا هو معنا من الآن والى ما لا نهاية. فقد طمأننا بقوله: "ها انا معكم كل الايام الى انقضاء الدهر".وبعد انقضاء هذا الدهر,سيأتي الرب, بناء على وعده الصادق الامين, ويأخذنا معه الى بيت الآب. "وهكذا نكون مع الرب دائما",من الآن والى الابد. فقد قال الرب ايضا وايضا : من آمن بي وان مات فسيحيا. وكل من كان حيا وآمن بي فلن يموت الى الابد. آمين ثم آمين ثم آمين.
د. جورج ر خوريالى الكتاب المقدس | الى مجلة النعمة | الى صفحة البداية | للمراسلة