شهادة الكتاب المقدس عن السيد المسيح
اختلف الناس في تفاسيرهم وتعاليمهم حول شخصية السيد المسيح. فمنهم من اعتبره مجرد انسان ، أو نبياً عظيماً، أو اعظم رسول ، أو رئيس ملائكة ، أو حتى إلهاً صغيراً . لكن مهما يظن هذا أو ذاك ، إلاّ أنّ الحقيقة الكاملة حول شخصية السيد المسيح تبقى لما يشهد به الكتاب المقدس
لا سواه .
لقد اراد الله أن يعلن محبّته وحقه ، فكان يوحي الى الانبياء والرسل ، أو كان يأمر الملائكة ليحملوا رسالة معيّنة للبشر . لكنّ أحداً من هؤلاء المخلوقات لم يكن قادراً على إعلان الله بالحق والكمال . كما أراد الله أن يقدّم خلاصه للانسان الخاطئ . من الشيطان وجهنّم والخطيئة ؛ لكن لم يكن هناك أي مخلوق قادر أن يحتمل عقاب الخطيئة أو ينتصر عليها وعلى الشيطان والموت ، أو أن يعطي الانسان الهالك الخلاص والحياة الابدية . لذلك رأى الله بفكره الأزلي أن يُجسّد محبّته وحقّه وخلاصه في هيئة مفهومة من البشر . فجاء الله في المسيح ؛ وهو الباقي في عرش السماء كان ايضاً على الارض ، تماماً كما هي الشمس في كبد السماء ، ونورها يملأ الأرض ضياءً وحياة . وقد جاء في الانجيل يوحنا1:1-10 و14 و 18 : في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله ، هذا كان في البدء عند الله . كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان . فيه كانت الحياة ، والحياة كانت نور الناس والنور يضيء في الظلمة ، والظلمة لم تدركه . كان انسان مرسل من الله اسمه يوحنا (المعمدان) هذا جاء ليشهد للنور لكي يؤمن الكل بواسطته . لم يكن هو النور، بل ليشهد للنور. كان النور الحقيقي (المسيح) آتياً الى العالم . كان في العالم وكُوّن العالم به ولم يعرفه العالم... والكلمة صار جسداً وحلّ بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءً نعمة وحقاً. يوحنا (المعمدان) شهد له ونادى قائلاً: هذا هو الذي قلت عنه إن الذي يأتي بعدي ، صار قدّامي لأنه كان قبلي . ومن ملئه نحن جميعاً أخذنا ، ونعمةً فوق نعمة . لأن الناموس بموسى اُعطي ؛ أمّا النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا . ألله لم يره أحد قط . الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب ، هو خبّر . "
من خلال هذه الآيات الكريمة ، يوضّح لنا الانجيل أنّ بداية المسيح لم تكن بولادته من مريم العذراء ، ولا من زمان هذا العالم بل من حضن الآب فهو كلمة الله المعبّرة عن ذاته وفكره وقلبه ، أي أنه تعبير الله الأزلي عن ذاته والكائن فيه منذ البدء وقبل كون العالم ، بزمانه ومكانه ومادّته . فالله بذاته هو الآب ، وبتعبيره أو بكلمته هو الابن ، تماتاً كما أن الكلمة منبثقة من العقل ، فهي ليست العقل بذاته ، لكنها ليست شيئاً غيره ، لأن كل ما في العقل يظهر بالكلمة ، وكل ما تُظهره الكلمة كائن في العقل . وهذه الحقيقة واضحة من تصريح المسيح نفسه ، حيث نقرأ في الانجيل . "ليس أحد يعرف الابن إلاّ الآب ولا أحد يعرف الآب إلاّ الابن ، ومَن ارارد الابن أن يعلن له" (متى 27:11 ) اي أنّ الله اراد ان يعرّفنا عمّا في ذاته وقلبه وحضنه ، فجسّد كلمته في المسيح ، الذي هو في حضن الآب (في السماء) كان على الارض يخبّرنا ويعلن لنا إرادة الله ومحبّته وحقه وخلاصه . فالله بذاته هو الخالق ، وبكلمته أمر فتمّ الخلق . فالكلمة الإلهي هو الذي به كان كل شيء وبغيره لم يكن شيء مما كان ، وبه كوّن العالم ، كما سبقت القراءة من الانجيل . وفي الكلمة كانت الحياة ، فهو نور الحياة ، وهو النور الحقيقي الذي ينير كل انسان ، وهو الذي لم تدركه الظلمة ، تماماً كما جاء في وحي الانجيل: "الله نور وليس فيه ظلمة البتة... المبارك العزيز الوحيد ملك الملوك ورب الارباب الذي وحده له عدم الموت ، ساكناً في نور لا يدنى منه الذي لم يره احد من الناس ولا يقدر أن يراه، له الكرامة والقدرة الأبدية آمين ... الخروف (الابن) يغلب (الوحش) لأنه رب الارباب وملك الملوك ...
وهو متسربل بثوب مغموس بدم ويُدعى اسمه كلمة الله... وله على ثوبه وعلى فخذه اسم مكتوب ملك الملوك ورب الارباب 1 يوحنا5:1؛ 1تيموثاوس15:6و16؛ رؤيا 14:17 و13:19و16 .
فالله بذاته وكلمته وروحه لا يُرى ولا يُدرك وليس لنا علم به تعالى ، لكنّه شاء أن يعلن لنا عن ذاته ، فجسّد كلمته الأزلية في هيئة بشرية وشخصية كاملة ، لكي نراه ونعرفه وندرك محبّته وحقه ، فجاء يسوع المسيح الذي قال: " انا هو الطريق والحق والحياة . ليس أحد يأتي الى الآب إلاّ بي . لو كنتم قد عرفموني لعرفتم ابي أيضاً ، ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه... الذي رآني فقد رأى الآب... أنا في الآب والآب فيّ . الكلام الذي اُكلّمكم به لست أتكلم به من نفسي لكن الآب الحالّ فيّ هو يعمل الأعمال . صدّقوني أني في الآب والآب فيّ . يوحنا6:14-11.
فالمسيح الكلمة لم يكن يتكلّم عن ذات الله الآب فحسب بل اظهر ذات الله ، تماماً كما يَظهر العقل بالتعبير أو بالكلمة . فالسامع لا يمكن أن يرى عقل المتكلّم لكنه يستطيع أن يسمع كلمة العقل وأن يرى عمل العقل . ونحن الذين نسمع تعبير الله في المسيح ، سواء بكلامه أو بأعماله ، يمكننا أن نعرف من خلال المسيح ما هو في ارادة الله وعقله وقلبه من محبة وحق وخلاص .
لقد جسّد الله حقه في المسيح , لذلك صرّح علناً: "أنا هو الحق!" كما جسّد الله في المسيح محبّته الكاملة ، لذلك قال المسيح: "ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبّائه... أمّا أنا فإني الراعي الصالح ... وأنا أضع نفسي عن الخراف ... ألله بيّن محبّته لنا لأنه ونحن بعد خطاة ، مات المسيح لأجلنا... وهو مات لأجل الجميع كي يعيش للاحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام ." (يوحنا 13:15؛14:10و15؛ رومية8:5؛ كورنثوس 15:5). فالمحبة الإلهية العظمى ظهرت عندما ضحّى المسيح بنفسه البارّة نيابة عن الخطاة ، كي ينال الخلاص كل مَن آمن به حقاً وعاش في رضى ابن الله لأنه إعلان الله الكامل . ليس الله شخصاً كما البشر ، لكنه ظهر بمظهر الانسان في المسيح لكي يبيّن للانسان صورة الانسانية الكاملة ، وكيف على الانسان ان يحيا في رضى الله ، كيف يصلّي ، وكيف ينمو وكيف يتعلّم ، وكيف يطيع ، وكيف يُظهر الصفات النبيلة الكاملة ، وكيف يعلن الحق ويعمل الحق ، يصنع الخير ويحب حتى الاعداء ، وكيف يضحّي بنفسه لأجل خلاص الآخرين ، بل وكيف ينتصر على الشر والتجربة والشيطان والموت !
لقد اراد الله بكلمته المشخّصة في المسيح أن يستجيب صلوات عبيده ، وينميهم ، ويعلّمهم ، ويطيّعهم ، ويظهر صورة النبل فيهم ، ويعلن لهم قول الحق وعمل الحق ، ويمنحهم الخير والمحبّة للجميع ، ويعطيهم الخلاص العظيم والانتصار على الشر والتجربة والشيطان وجهنم! لذلك كان المسيح انساناً كاملاً بكل معنى الكلمة ، بل صورة للانسانية الكاملة والتي اراردها الله للبشر ، لكنهم أخطأوا اليه وشوّهوا صورتهم . لذلك جسّد الله صورته الكاملة في المسيح لكي يعيد صياغة صورة كل من يؤمن به ، فيخلقه من جديد، ويعطيه روحاً جديداً بحسب رضى الله . وهذه الحقيقة اعلنها لنا الوحي ، حيث نقرأ: "فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسةً ان يكون معادلاً لله ، لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس ، وإذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت ، موت الصليب... الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا الذي هو صورة الله غير المنظور ، بكر كل خليقة فإنه فيه خُلِق الكل ما في السماوات وما على الأرض الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل ، ألذي هو البداءة بكر من الأموات لكي يكون هو متقدّماً في كل شيء، لأنه فيه سُرّ ان يحل كل الملء ، كل ملء اللاهوت جسدياً... الذي وهو بهاء مجد الله ورسم جوهره وحامل كل الاشياء بكلمة قدرته ، بعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس في يمين العظمة في الأعال ي."
(فيليبي5:2-8 ؛ كولوسي 14 :1و19و9:2؛ عبرانيين 3:1 ).
فالله الذي ليس لنا علم به ، أخذ مظهر الشخصية والهيئة البشرية ، الخالق عاش في المسيح حياة الانسانية الكاملة المضحّية حتى الموت لأجل البشر وخلاصهم . والله بذاته وبكلمته
(أو صورته في المسيح) وبروحه القدّوس هو صانع الخلاص وحدَه ، تماماً كما يقول تعالى في الوحي: "أنا أنا الرب وليس غيري مخلّص؛ أنا الله وليس آخر ، إله بار ومخلّص ليس سواي" (اشعياء 11:43و9:46 و21:45 ).
هذه خلاصة التعليم في الكتاب المقدس عن شخصية المسيح ، فالموضوع واسع جداً ولا مجال هنا لكل الحقيقة العظيمة . ولكن ، لا بدّ من سؤال: ما هو موقفك ايها القارئ بخطة الله لخلاصك في المسيح ؟ يقول الوحي ان ليس اسم آخر تحت السماء (غير اسم يسوع) قد اُعطي بين الناس، به ينبغي ان نخلص (اعمال12:4)، فماذا ستفعل بدون خلاص المسيح؟ "
ندعوك للتوبة الى الله ولقبول هديته المجانية العظيمة بفداء المسيح عنك، ليحيا روحه الصالح فيك ، فتصير خليقة جديدة ترضي الله وتعمل مشيئته.