Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

Lebanese Communist Students Web Community

Established on November, 16th 2002

   
Main Documents Gallery Links & Contacts Activities Downloads
   

بوصلتان حيال الموقف السوري
هـــــل يمـكــــن تأسيــــس "يســـــار لبــنانــــي"؟

   
رافق ظهور نص في "قضايا النهار" ممهور بتواقيع اشخاص يعملون لتأسيس حركة يسار ديموقراطي في لبنان، ثم ما تلاه من توضيح، مجموعة تساؤلات واشكالات، لا يهدف هذا المقال الى الاجابة عنها، بقدر ما يهدف الى محاورتها ومشاركتها بعض هواجسها وتمنياتها.
منذ العام 1994 والعديد من اليساريين ذوي المشارب والتجارب المختلفة يحاولون تأسيس حركات سياسية تجمع جهودهم وتتيح لهم طرح اسئلتهم جماعيا والتعبير عن مواقفهم مما جرى ويجري في لبنان والمنطقة والعالم. بحثوا في هويتهم، وكتبوا الوثائق والبرامج وناقشوها، وقام بعضهم (ولا يزال) بتقييم تجاربه، فنشر وحاضر ونشط في الكثير من الحملات واللقاءات.
غير ان اليساريين اصطدموا جميعا وباستمرار، بعقبات ثلاث لم ينجحوا في تخطيها، فتلاشت حيويتهم وترنحت:
- عقبة الحساسيات الشخصية ورواسب الماضي وتجاربه وما فيها من خصومات.
- عقبة الاستحقاقات الانتخابية الوطنية والمحلية والنقابية (من النيابية الى البلدية الى انتخابات الاتحاد العمالي والمهندسين والمحامين والاطباء والاساتذة والطلاب) والخلافات حول التحالفات والترشيحات خلالها.
- والاهم والابعد اثراً من العقبتين الاوليين، والمسببة لهما غالبا، عقبة العلاقة بمؤسسة اليسار الوحيدة القائمة والمستمرة: الحزب الشيوعي اللبناني (وبالطبع "اجنحته المتقاتلة").
وقد شخّص احد الاصدقاء منذ زمن، العقبة الثالثة على نحو دقيق حين قال ان "لا يسار ممكن من دون الحزب الشيوعي، ولا يسار ممكن معه"!
فما الذي استجد اليوم كي يقوم البعض بمحاولة جديدة؟ وهل ان هذه العقبات الثلاث، لاسيما الثالثة منها، زالت او تراجع اثرها:
في ظني ان عوامل عدة تضافرت في الفترة الاخيرة، وجعلت من اعادة التفكير بالعمل اليساري الجماعي ممكنة مرة اخرى. من هذه العوامل:
1- عدم قيام الحزب الشيوعي بأي مبادرة منظمة تجاه اليساريين (غير المنتسبين اليه)، او حتى مبادرة حوارية معهم، رغم المناشدات التي وصلت الى قيادته، والمترافقة اساسا مع رفض القيادة مبدأ القبول بتيارات داخل الحزب تتيح للمنضوين فيه، ومن ثم للراغبين في الانضواء، التشكل ضمن تيارات متنوعة تعبر عن الحساسات المختلفة لليساريين اللبنانيين. وعوض ذلك استمر تركيز اهل الحزب على صراعاتهم التنظيمية الداخلية وخلافاتهم السياسية، تحالفهم كل من جهته مع قوى وشخصيات سياسية مختلفة.
وتبع ذلك ظهور نتائج المؤتمر التاسع حيث حسم الجميع امرهم اما بالبقاء في صفوف الحزب والعمل من داخله واما بالخروج منه. وبالتالي انتهت حال الانتظار التي تمنى البعض لو تثمر عن عمل يتوجه الى جميع اليساريين بقرار الحزب ان يخط مساره لوحده، وان ينتخب قيادة له متجانسة وراغبة في العمل ذاتيا على تفعيل دوره وحضوره وفق اقتناعاتها.
2- تبلور قواسم مشتركة بين احد "تيارات" الحزب (قوى الاصلاح والديموقراطية) ومجموعات من اليساريين المستقلين (افرادا وجماعات) حول قضايا عدة فكرية وسياسية. تبدأ من ضرورة مراجعة "البديهيات" في التجارب والادبيات اليسارية السابقة وطرح الاسئلة حول معنى اليسار اليوم ودوره من جهة، وتشمل من جهة ثانية قضايا اشكالية عديدة مرتبطة بالموقف من النظام اللبناني بأكمله ومن خلفه بالنظام السوري المتحكم به وبسائر الانظمة العربية، مع ما يستتبع ذلك من علاقات بالقوى السياسية الموجودة على الساحتين اللبنانية والعربية.
وكان للعدوان الاميركي الاخير على المنطقة من خلال الحرب على العراق ان حدد بالضبط الفارق بين بوصلتين يساريتين: احداهما، التي عبرت عنها قيادة الحزب الشيوعي وحلفاؤها، تدعو الى رص الصفوف والتحالف مع جميع القوى "المقاومة" في وجه الاميركيين (اي ضمنا التحالف مع بعض الانظمة العربية والقوى السابحة في فلكها) كأولوية في الحقبة الراهنة تتراجع امامها سائر الاولويات. وثانيهما، التي عبّر عنها مثقفون وطلاب مستقلون وهيئات مدنية وتيار الشيوعيين المعارضين ترى ان مواجهة العدوان الاميركي وسياساته تجاه الوطن العربي تبدأ من خلال تحصين الساحة الداخلية التي انتهكتها وشوهتها الانظمة العربية، وعلى رأسها نظاما البعث في العراق وسوريا، وأفقدتها مناعتها وقدرتها على التصدي للتحديات الخارجية، وحوّلتها بالتالي الى ساحة هزائم مستمرة. وعليه، فلا بديل من ثورة ديموقراطية تنويرية على مساحة الخريطة العربية للتمكن من مقاومة العدوان الخارجي وتحقيق التنمية الداخلية، واعتبر اصحاب البوصلة الثانية هذه انه من غير المصادفة كون المجتمعين العربيين، اللبناني والفلسطيني، حيث التشوهات اقل من سائر المجتمعات العربية نتيجة الحريات النسبية المتوافرة فيهما، كانا الاكثر حيوية ومقاومة لاسرائيل وللمشاريع الاميركية الداعمة لها.
واذا كان هذا الموقف المشترك بين اليساريين المستقلين المذكورين، وشيوعيي "قوى الاصلاح والديموقراطية في الحزب" قد عمّق الحوار والتفاهم بينهم حول ضرورة التحالف في هذه المرحلة الصعبة، الا انه لم ينسحب على قضايا الخلاف الحزبي الداخلي حول المسائل التنظيمية التي لا اطلاع كافيا لغير الحزبيين عليها. بل اقتصرت الحوارات في شقها "الشيوعي" حول الخطاب السياسي الذي تعتمده قيادة الحزب المرتبط بالبوصلة اليسارية الاولى والمختلف معها على وجهتها.
3- تراجع دور التجمعين اللذين "لجأ" اليهما الشيوعيون ومعهم يساريون آخرون، عنيت "التجمع الوطني للانقاذ والتغيير" و"المنبر الديموقراطي" ووصول دورهما الى مفترق طرق نتيجة ارتباطات الاطراف غير اليسارية فيهما بمصالح لا تلتقي دوما ومصلحة اليساريين، بعضها مرتبط بأحد اجنحة النظام اللبناني، واستطرادا برعاته السوريين، وبعضها الآخر مرتبط بقوى طائفية ومراكز ثقل لا علاقة لها بهموم اليسار.
4- التيقن من اهمية بلورة شخصية يسارية جماعية لا تنغلق على ذاتها، بل تحاور الآخرين، ولكن من موقعها وهويتها ومصالح من تدّعي الدفاع عنهم وتمثيلهم. وترافق ذلك مع شعور متعاظم نتيجة اللقاءات والاجتماعات وردود الفعل على المقالات والتحركات المتناثرة بوجود "جمهور" واسع راغب اكثر من اي وقت مضى في مراكمة الجهود والعمل من اجل تأسيس حركة جديدة تتواصل مع حركات عربية ودولية تبحث عن التغيير وتناضل في سبيله. من هنا كان قرار ربط الافراد والمجموعات ببعضهم وطرحهم سوية الاسئلة حول معنى اليسار اليوم وبرنامج اليسار ومواقفه من العدالة الاجتماعية والمساواة والعلمنة والاستقلال الوطني والديموقراطية وحقوق الانسان والعروبة والاسلام السياسي والصراع مع اسرائيل والاحتلال في العراق والعولمة البديلة، وصولا الى شكل النشاط الذي يمكن لهكذا يسار ان يعتمده ليعبر عن مواقفه.
هل تعني اذن الدعوة لقيام حركة يسار ديموقراطي تلقائيا خصومة بين حركة كهذه والحزب الشيوعي؟ وكيف يمكن للعلاقة مع الحزب ان لا تكون خصومة؟ أبرفض الحركة العمل مع كل من كان فيه او مرّ فيه لتجنب الحساسيات؟ الا يحق للمرء تغيير مواقعه ان ارتأى ذلك مناسباً له وتعبيراً عن تبدل في آرائه دون اعتبار ذلك فعل مؤامرة وارتداد او انشقاق؟ الا يمكن لأحد انتقاد تجربة كان فيها شاهداً او هامشياً او في موقع المسؤولية؟ ألا يمكن لأحد اعادة قراءة تاريخه؟ وكيف يمكن لحركة يسارية تدعي الديموقراطية ان تنشأ إن وضعت منذ البداية "فيتو" على اليساريين الراغبين في الانضواء فيها، الذين تلتقي واياهم في السياسة؟
قد يقول البعض ان في هذه الاسئلة سذاجة من لا يعرف واقع الامور، او خبث من يعرف الواقع ويريد تجاهله. لكن الحقيقة، ان هذه الاسئلة هي محصلة افكار وعواطف متداخلة منذ فترة غير قصيرة، ومتعرضة لابتزاز الواقع، وقد آن الاوان لها كي تتمرد على هذا الابتزاز... بالعودة الى النص المنشور في "قضايا النهار" بتاريخ 6 شباط 2004 (في صيغة لم تكن هي التي اعتمدت بعد الحوار والسجال)، وفي اطلالة جماعية اولى للمبادرين من اجل تأسيس الحركة الجديدة ينبغي توضيح بعض الامور.
لقد قيل ان النص (في صيغته المنشورة) يعبر عن عقل ما زال في حالة صراعية تحاسب الماضي اكثر مما تؤسس للمستقبل. وقيل، انه حتى ولو لم يتطرق النص الى اية رواسب صراعية ونشر في صيغته "الجديدة" فمجرد وجود بعض الاسماء فيه كافٍ لجعله في موقع "معاد" للحزب الشيوعي. وقال آخرون ان وجود حركة يسارية خارج الحزب، حتى ولو كان المنضوون فيها لم ينتسبوا مرة اليه، سيؤدي حكما الى خصومة معه. وقيل ايضا وايضا انه، مع صحة المضمون الوارد في النص، من الضروري الا تقتصر اول اطلالة على قضية واحدة، هي قضية المقاومة وتشعباتها السورية.
"ما العمل" اذن، والحال على ما هي عليه من تشنج دائم؟ هل نبقى أسرى لنظرية "لا يسار ممكن من دون الحزب الشيوعي، ولا يسار ممكن معه" وما تفرضه من عجز؟
الا تستحق المغامرة اليسارية ان تخاض حتى ولو شابتها في بداياتها بعض النواقص؟ الا يمكن مزاوجة العمل النظري حول الهوية الذي لن يكتمل قريبا بل سيبقى حاملا للاسئلة والاحتمالات، بالعمل السياسي المباشر على قضايا محددة واتخاذ مواقف من الاستحقاقات تعبّر عن الحيوية السياسية للمجموعة؟ وكيف العمل للتواصل مع القوى الطالبية والشبابية والنسائية الوافدة من جيل لا علاقة له بصراعات الماضي، ويود فعلا الانفتاح على الجميع وفق مبادئ وثوابت يسارية "واضحة"؟
اعتقد ان العمل اليساري الجماعي الديموقراطي والمستقل، بات اليوم حاجة ملحة لاستنهاض اليسار او بعضه بمعزل عن اوضاع الحزب الشيوعي، والبدء بهذا العمل لا يعني ان هناك فضلا للبادئين على احد. فمن يود الانضمام مكانه وموقعه محفوظان ومساويان تماما لمن بدأ قبله. ولا بد لحركة يسارية كهذه ان تتحاور لاحقا مع الحزب الشيوعي بالقضايا السياسية والاجتماعية، وان تلتقي معه حول قضايا معينة، وتختلف معه حول قضايا اخرى، وربما تحاول معه ايضا تجارب شارك فيها كثر فأخفقوا حينا ونجحوا احيانا. ولا بد لهذه الحركة كذلك من اللقاء مع منظمة العمل الشيوعي وجميع المناضلين الذين خرجوا منها لأسباب مختلفة (وبقوا يساريين) ومع المثقفين والقادة السياسيين ذوي الصدقية والتراث النضالي. ولا بد ايضا، وهذا التحدي الاهم من التواصل الدائم مع القوى الشبابية الحية، تلك التي تعمل منذ فترة، من خلال الانشطة الثقافية واللقاءات والنشرات والتظاهرات والاعتصامات، لبلورة كيانها و شخصيتها.
ان حركة يسارية ديموقراطية هي اليوم ضرورة سياسية واخلاقية في ظل التصحر والانحدار الذي نعيشه في لبنان والوطن العربي. واطلاقها هو دعوة لجميع المعنيين والمعنيات ببناء يسار فاعل للتفكير والعمل سويا خدمة لقضايا الناس ومصالحهم.
   
12/02/2004 Annahar
   

Back To HYD Main