Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

 

موقـع المبدع و النــاقد خليفــة بباهـــــواري

موقــع متنــوع و شـــــــامل


 

 
 

الرئيسية

 صاحب الموقع

الإسلامي

FRANCAIS

واحة الأصدقاء

 


شعر

قصة

رواية
نــقد
دراسات
فلسفة
حوارات
مقالة
مسرح
دين

فنون

تراث









 



 

القصة و لغاتها


 

    يمكن اعتبار القرن العشرين قرن اللغة بامتياز, فخلاله انكب الإنسان انكبابا عميقا على معرفة أسرار اللغة التي يتكلم و بها يتواصل . وبذلك تطورت اللسانيات و تطور استغلالها في الدراسات الأدبية. وإذا كانت  الكتابة الشعرية قد حازت النصيب الأوفر في كمية التعامل مع اللغة و تطويعها لصالح الفكر من جهة, و لصالح القول من جهة أخرى, فإن نصيب السرد من امتلاك حق استغلال اللغة  و تطويع أساليبها وصيغها لم  يكن هينا. وتبقى القصة أهم الأجناس السردية التي استطاعت أن تعطي لتعاملها مع اللغة  بعدا مهما. فلكونها  قصيرة مقارنة مع الرواية و المسرحية, و تحمل فكرة أساسية  تكون السبب و الدافع الرئيسي وراء عملية   الكتابة, فالقصة مطالبة باستغلال اللغة إلى أبعد الحدود. ولذلك فقد تنوعت الأساليب و طرق استعمال اللغة في  القصة باختلاف الكتاب و رؤاهم وتوجهاتهم.

 

1                          -  اللغة العادية

        بما أن القصة القصيرة تهدف إلى بعث الحياة في لقطة من لقطات الحياة العادية، فإن الكثير من كتابها  يفرضون على أنفسهم لانتماء إلى منهج الواقعية .هذا الانتماء يدفع إلى استعمال لغة عادية . و حتى لا نظلم  أحدا فإننا نقول بان  هذا التوجيه يمكن أن يكون اختياريا أو إجباريا . فهو إجباري عندما يكون كاتب القصة غير ملم باليات اللغة و أغوارها رغم توفره على المادة الخام التي هي الفكرة الأساسية للقصة.وهو اختياري بالنسبة لأدباء متمكنين,لكن انتماءاتهم الأدبية و السياسية تفرض عليهم سلوك هذا النوع من التعبير , ربما  ليكونوا اقرب من جمهور القراء .

                و يعترف سهيل  إدريس بضعف لغته في محاولاته الأولى حين يقول :" إني ابتسم الآن لدى قراءتي لكثير من هذه الأقاصيص الأولى...و أحزن أحيانا لما في بعضها من سذاجة أو فجاجة و أتململ لما في بعضها الآخر من تكلف في الأسلوب و تقعر في اللغة و حشو وإطناب, حتى لأنكر أني كاتبها"1)). وفي نفس الإطار يؤاخذ هناوي احمد الشياظمي محمد إبراهيم بوعلو حول مجموعته "السقف" قائلا: "لن يجد القارئ صعوبة في وضع أصابعه على كثير من الأخطاء اللغوية منها ما حصل سهوا و منها ما حصل عن اقتناع"(2 ). و نفس المؤاخذة نجدها عند عبد القادر الشاوي في تقديمه لمجموعة الميلودي شغموم " أشياء  تتحرك" ," في دائرة اللغة, يقول الشاوي, تنفجر كل لقطات المجموعة مرة واحدة , لغة عادية إلى حد التقرير الساذج, ذلك التبسيط الذي يوحي بالعذر المسبق, لعل القصة في نظر شغموم هي هذه : من حيث تبدأ الفكرة تنتهي اللغة, لكن نفس هذا الفهم يسقط في خواء الشكل المجرد, ولا بد من إيجاد محتوى يتسع لوسيلة التعبير بطريقة جد إضافية , في هذه الحال"(3).

              ورغم هذا فإننا مقتنعون بأن اللغة العادية يمكن أن تحمل جمالية خاصة إذا استطاع القاص أن يشحنها بفكرة قصته و يضبط بها عناصر المتخيل.و هذا ما لمسته في قصة هشام بن الشاوي " الطيور تهاجر لكي لا تموت"( 4 ).فالكتابة السردية و جمالية الرؤية حلت محل الجمالية اللغوية و أعطت للغة العادية نوعا من القوة الأدبية.

 

2                    - اللغة الشاعرة

               تقترب اللغة الشاعرة من لغة الشعر, لكنها تحتمل الاندماج - على عكس لغة الشعر- مع لغة الواقع, فتقبل الاسترسال و التقطيع وتقف موقف الوسط بين الرمز ولغة الكلام العادي. هذا المستوى من اللغة في القصة يستعمل أساليب البلاغة بشكل مكثف يوحي في بعض الأحيان للقارئ أنه أمام قصيدة نثرية.و تجدر الإشارة إلى أن اختيار الأسلوب الشاعري في كتابة القصة يحمل موقفا أدبيا يؤكد ابتعاده بشكل أو بآخر عن التناول الواقعي للقصة.

                يقول عبد الله أبو هيف, قاص من سوريا : " في قصتي "قطرات الشعاع"- و اخترتها عامدا لأن خطابها القصصي مشوب بخطاب شعري يوغل في اللغة حينا وفي الحكمة حينا آخر- تقوم القصة على  تحفيز جمالي ناتج عن توهم الواقع الذي يجعل مرض الحنين إلى الماضي سبيلا لتوليد حوافز ذهنية تحل محل الحوافز الواقعية. ويضيف:" إن استخدام التحفيز الجمالي يعزز التقاليد الأدبية ولا يصادمها , ويتيح للسرد أن يغتني بالمفارقة اللغوية و التعبيرية بحد ذاتها.ثم من يقول أن هناك خطابا قصصيا صافيا في ظل  وسائل الاتصال بالجماهير و علاقة التبادل بين الفنون"(5 ).

               ونمثل لهذه اللغة بالمقاطع التالية المأخوذة من قصة "طريق إلى البحر"للقاص الفلسطيني فاروق  وادي :"و نعبر "بيتونيا" يتلاشى الأزيز ويبقى الصمت سابحا يغشى القرية المتناثرة بيوتها على يمين  الشارع وأشجار حقولها على اليسار, و أرى المساحة الواسعة الغائرة تحت سفح الجبل تمتد مثخنة بجراح.. شقوق مزقتها الشمس في ارض امتصت ماء البحر.

              تتجمع الشظايا نتفا تلتقي في الذاكرة, وتمطرني بأيام البحر الصغير. كانت مياه الأمطار تأتي من كل مكان إلى هذا المكان..تهمي من السماء.. تتدفق من قمة الجبل.. يقذف بها الشارع (...) ونظل نسبح حتى يداهمنا المساء. ثم تعود أقدامنا منهكة تتسلق الجبال. وتصرخ أمي وهي تراني قادما إليها من بعيد:

                         -    أين كنت؟ قلبي عليك مثل النار.أين كنت؟(...)

                               -     كنت في البحر(...)

        -         أي بحر هذا..وهل في هذه البلاد بحر!أخذوا كل البحار..طين..طين..انظر إلى الماء تحت  قدميك..كله طين"(6).

               تعمدت من خلال هذه المقاطع أن أمثل السرد والوصف والحوار لأبرز أن الشاعرية يمكن أن توجد في كل أجزاء البناء القصصي.فكلام الأم الأخير بمكن أن يصبح قصيدة لو أعيد ترتيبه عموديا. في حين أن السرد و الصف اعتمدا على مجموعة من الأساليب البلاغية كالمجاز والتشبيه وغيرهما.

 

3                       - اللغة الموازية.

                إذا كانت هناك قصة الفكرة فهناك قصة الموقف. و هي تعبير عن وجهة نظر أكثر منها طرح  لفكرة ما, إذ يصبح المهم بالنسبة للقاص هو إبراز موقفه اتجاه واقع معين يقبله, ربما,لكن يرفضه في كثير من الأحيان. وغير خاف علينا الصراع السياسي أو الإيديولوجي الذي يضع في المواجهة, في وطننا العربي, المثقف,   و الإنسان بشكل عام,من جهة, والسلطة من جهة أخرى ليصبح الأديب الناطق الرسمي باسم الفئات العريضة من الشعب, و تفاديا للسقوط في الصراع المباشر فإنه يعمد إلى ما أسميه ب اللغة الموازية. لغة تخفي خلفها لغة أخرى. وتكون القراءة المتفحصة هي السبيل للوصول إلى الموقف الأصلي للقاص. و يفرض هذا عدم أخذ اللغة الأولى بأولوية التحليل لأنها يمكن أن تكون عادية أو شاعرة دون أن تكون حاملة للمعنى المطلوب للتواصل.

              و كمثال على هذا نأخذ قصة "ديمو" " قراط" للجيلالي جلوفات . يحكي القاص قائلا:"ديمو" و" قراط" أخوين توأمين لم تفصل بينهما أناء الولادة إلا أربع دقائق ". و يواصل:" هكذا يجد "ديمو" و " قراط" نفسيهما كل في طرف من الأرض يحدث نفسه نفس الحديث:" الأرض يمكن اتسامها بالتساوي, و النفوذ...؟ هل من سبيل لاقتسامه؟ كيف يكون ذلك وحب أخي للنفوذ و السلطة لا يقل عن حبي؟"(7 )

         من خلال تسمية الشخصين " ديمو" و " قراط" و من خلال الصراع بين قط الأول وثعبان الثاني كما تطرح القصة يمرر الخطاب حول علاقة الإخوة الأعداء ؛ و نشير إلى أن القصة من انتاجات سنة 1991 .

 

 

4                         - الفصحى والعامية.

        تعتمد القصة أساسا على اللغة الفصحى. لكن مجموعة من الكتاب استطاعوا أن يعطوا للعامية-لغة التواصل اليومية- بعدا جماليا رفيعا في كتاباتهم. وتستعمل العامية أساسا لنقل الحوارات, وتكون في بعض الأحيان أبلغ من الفصحى لأنها تقدم كل حمولة الخطاب اليومي الذي لا يمكن ترجمته دون إضعاف قوته التعبيرية. فلا أعتقد أن لعنة الأم لولدها في قصة " وامتلأ الجو برائحة غريبة" لمحمد الشيخ موسى :" أجي يا قلبي... أجي يا ملعون... غده العيد... ما يجي عليك عيد..."(8 )

           وفي بعض الأحيان يعمد الكاتب الى دمج الفصحى بالعامية مما يعطي ما سماه سعيد علوش "اللغة الثالثة"  ( 9 )و هو شكل تحفل به قصة " بيصارة حمروش لمحمد الدغمومي  الذي كتب " جمعوه,  أخذوه إلى الحبس" ثم "الملعوق أعماه الشيطان, من قال له أن يخطب في السياسة"(10).

 

 

5                         - الحكمة والقول المأثور.

 

       كما أشرنا سابقا يمكن أن تكون القصة تعبيرا عن فكرة أو عن موقف و لذلك فهي تحتاج الى ضبط العبارة و تدقيقها.و هذا يعطي في بعض الأحيان إما صبغة الخطابية و إما صبغة الخطابية وإما صبغة الكلمة-الحكمة أو ما يسمى بالقول المأثور. وفي الغالب ينتبه القصاصون لكي لا يقعوا في مزالق الخطابة ألا أنهم يعملون على إغناء إبداعاتهم بنوع من العبارات التي تقترب من المثال أو الحكمة. ونسوق فيما يلي بعض الأمثلة على ذلك:

      يكتب عبد الغني سيدي حيدة: "السحر يرادف الشعوذة... و عندما تختلط مقاييس السحر بالعلم, و الشعوذة بالواقع الى درجة يتعذر معها التمييز في أيهما يستقي من الآخر, أ هو السحر من العلم أو العكس, أهي الشعوذة من الواقع أم النقيض, عندها نلجأ الى العقل... نفكر... ثم لا نلبث أن نختار... أما عندما تلجأ المثقفة إلى طريق السحر و تؤمن بجدوى الشعوذة من غير أن تفكر, تكون المقولة قد طرحت من جانب آخر... و عندها يولد المشكل"(11).

      ويكتب الميلودي شغموم :" فكرت في الموت, لن يموت إلا الرجال, أما أشباه الرجال- النعاج- فلن يموتوا لأنهم ميتون.. ما أبشع موت الحية بل ما أروع موت العصفور!"(12).

        ويكتب محمد بيدي :" إن التدحرج إلى الهاوية لا يأتي بسهولة". و يضيف حقيقة هذا العالم ليست هي الموت, بل هي أن تموت مسروقا ولا تجد من ينصفك"(13).

           نلاحظ ختاما أن القصة رغم قصرها تحتمل انفتاحا كبيرا على بوابات اللغة, لتحصل بذلك على إمكانيات هائلة في التعبير. فهي تمتح من كل اللغات المتداولة في الأوساط الشعبية والمثقفة, وتأخذ من لغة الشعر, ومن لغة المسرح, ومن لغة الرواية, ومن لغة الخطابة, ومن لغة النقد, وتخلق مزجا بينها لا لتخرج بلغتها الخاصة فقط, ولكن لترتبط كشكل أدبي بكل مجالات الحياة, ولتبقى أيضا وسيلة تعبيرية بأسلوبها الخاص.   

                     ------------------------------

1            - سهيل إدريس: قصص سهيل إدريس-أقاصيص أولى- دار الآداب . ط 1-1971 ص 5

2            - هناوي احمد الشياظمي:" شعب تحت السقف" نقدد, مجلة أقلام يونيو/يوليو1977117

3            -عبد القادر الشاوي, مقدمة ل"أشياء تتحرك"و بدون تاريخ , ص10.

4            - خليفة ببا هواري , "الطيور تهاجر لكي لا تموت...و الكتابة من أجل شيء",نقد,

                 الميثاق الوطني 6 و 7 دجنبر1999.

5            - عبد الله أبو هيف,"سيرورة التقاليد الأدبية في القصة العربية الحديثة",

                        مجلة الحدة ع58/59 يوليو-غشت 1989 ,  ص83.

               

6            - فاروق وادي ," طريق إلى البحر", مجلة الطريق ع5 أكتوبر1979 ص 267.

7            -   الجيلالي جلوفات," ديمو" "قراط",الثقافة المغربية, ع4نونبر 1991 46.

8            -احمد الشيخ موسى,"و امتلأ الجو برائحة غريبة", مجلة أقلام,ع4,فبراير1977120.

9           - سعيد علوش, تشكلات  الخطاب الأدبي في القصة العربية المعاصرة ذات الموضوع القومي,

                مجلة آفاق,يونيو 1980  52.

10            -محمد الدغمومي,"بيصارة حمروش", الثقافة المغربية, ع4, نونبر199143.

11            - عبد الغني سيدي حيدة," شرخ الجدار",قصص1988.86-

12            -الميلودي شغموم, "أشياء تتحرك", مجموعة قصص, بدون تاريخ,ص14.

13            - محمد بيدي, "البحر", الثقافة المغربية, ع 4 ,نونبر1991 , ص44.

 

 

 

 

 

 


 

 

 



عنوان المراسلة

kababama@gmail.com

kababama@yahoo.fr



 

 

 


إصدارات
 






مناقشات




ورشات
 


همسات