قارئ الكف - مبارك عبدالسلامي

يا قارىء الكف أما زلت لم تهاجرْ ؟

لقد انتحر الحب وشيعته الخواطرْ
بعدما تهاوت معالم الكفوفْ
وانمحت خطوطها و المساطرْ
وأعدمت في راحتها كل الحروفْ

تلك الكفوف التي شيدت الحاضْر
وحولت الغريب من الأمور إلى مألوفْ
ودونت الأسفار التي هذبت المشاعـرْ
و سطرت أبياتا للشعر مثل القطوفْ
وأقامت القواعد و مدت فوق الوديان القناطرْ
ولونت حياة الناس بالحرير أو بالصوفْ
وأسعدت قلوب الأطفال بالحكايات و بالنوادرْ
وليس لها في الأصل اسم معروفْ

الآن موروثها في كل مكان يتطايرْ
و أصحابها اليوم يموتون بالألوفْ

ماذا دهاك يا قارىء الكف؟ هل أنت مقامرْ؟
أم هل جهلت أن للدهر صروفْ ؟
قم واستعد كي تسافرْ
فلم تعد الظروف نفس الظروفْ

يا قارئ الكف ارحل و لا تخاطرْ
فلم يعد هناك ما يقرأ في الكفوفْ
فقد تقرأ فيها ما كنت منه تحاذرْ
أمست كما الأرجل تستعمل للوقوفْ

الكف الذي خطط للدمار في الدفاترْ
و الذي صمم أو ألقى على الناس القنابلْ
هل اخفاهما عن التاريخ الكسوفْ ؟

والكف الذي لغم الممرات والمعابرْ
و الكف الذي زرع الحب وسقى السنابلْ
هل تتشابه في راحتيهما الحروفْ ؟

و الكف المثابر والمجاهد و المغامرْ
و الكف الذي كان رحيما وبالضعفاء رءوفْ
و الكف الذي بالجهل في الأسواق يجاهرْ
هل تدعي أن كل تلك الكفوف كفوفْ؟

و الكف الأمين والصادق و الصابرْ
والكف الذي طغى في الأرض مفسدا و هو جائرْ
والكف الذي تاه في الدنيا مثل الحائرْ
كلها تحت الأرض في القبور صفوفْ

كف الأمس يا عزيزي أتقن صنع المآثـرْ
وكف اليوم على نسف المآثـر قادرْ
اختلطت لديك الأرقام بالحروفْ
وبارت أفكارك و جفت منك المصادرْ
حينما تهاوت على رؤوس الأبرياء السقوفْ

كفوف الأولين روضت المخاطرْ
بالفؤوس وبالرماح وبالنبال وبالسيوفْ
و أغلب كفوف اليوم أصبحت للعرض في المتاجرْ
وظيفتها ليست أكثر من ضرب الدفوفْ

يا قارئا للكف كف. لماذا تكابرْ ؟
ارحل فليس لك ما تجني سوى العزوفْ
حان الوقت لكي ترخي الستائرْ
و تنسى أنك في يوم من الأيامْ
كنت حول الكفوف تطوفْ

هاك الكفوف التي بالكره و الحقد تفاخرْ
أما الحب الذي كان حرف عطف بين الحروفْ
وكانت في ألفاظه للمتفائلين بصائرْ
أمسى على كل حروف العنف... معطوفْ