وراء كل أمة
عظيمة تربية عظيمة ...ووراء كل
تربية عظيمة معلم متميز |
المعلم مجلة تربوية ثقافية جامعة |
على الرغم من اهتمام
التربية الحديثة بجوانب النمو
الوجداني والمهاري إلى جانب
النمو العقلي المعرفي ، إلا أن
المعرفة لاتزال -وسوف تظل - ذات
أهمية خاصة للمعلم ولعمله في
المدرسة. |
القيم الجمالية في الأدب والحياة وتقريبها من مفاهيم الأطفال
* يقول ابن مالك :
أيها الشاكي وما بك داء ***** كيف تبدو إذا غدو ? عليلا
إن شر الجناة في الأرض نفس ***** تتوقى قبل الرحيل رحيلا
وترى الشوك في الأرض وتعمى ***** أن ترى فوق الندى إكليلا
أيها الشاكي ? ما بك داء ***** كن جميل تر الوجود جميلا
*********************
*ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف :الله جميل ويحب الجمال فخذوا زينتكم عند كل مسجد !
الجمال موضوع إشكالي ? أي تدور حوله أراء وأفكار كثيرة ? يتفق بعضها ويختلف بعضها ?ويتناقض بعضها الأخر . وسؤالنا : كيف نعرّف الجمال ؟؟ وكيف نحدد جوهره وأسسه الموضوعية ؟؟ فهل الجمال هو كل ما
ترتاح إليه عيني ? ..هل هو كل ما يعجبني ويفرحني ويشدني إليه ؟؟ أم أن ما ترتاح إليه العين وما يثير الإعجاب ويشدنا إليه ? لا يكفي لتعريف الجمال وتحديد جوهر الجمال الحقيقي السامي؟ فربما أخفى" الجمال" الظاهري الذي تراه العين ? بشاعة تثير الاشمئزاز والتقزز؟؟ هذا ما سنناقشه معكم أعزائي الأطفال في هذا اللقاء ? فمن خلال رأيي وآرائكم ? يمكن أن نضيء جانبا مهما في هذا الموضوع الذي يهمنا جميعا !
**وننطلق أحباءنا الأطفال من الطبيعة ? لأنها نبع الجمال . فإذا جف هذا النبع، لا يجف أو يموت الجمال فقط ? إنما تفنى الحياة وتموت الكائنات كلها ? أي لا حياة إذا ماتت الطبيعة .إذن الحياة.مرتبطة بالجمال ? والجمال مرتبط بالحياة ? فالله (عز وجل ) جميل ? وهو الذي خلق الحياة (الكون ) ?و يريد أن تكون الحياة (الكون ) جميلة ــ بديعة ! ونأتي هنا إلى سؤال آخر مهم : هل كل( كائن ) قادر على تذوق الجمال والإحساس بالجمال وتعرف الجمال الحقيقي الأصيل ؟؟ أم أن الإحساس بالجمال وتعرف الجمال ? يحتاج إلى طاقة وقدرات، وملكات رفيعة عالية ؟؟ { في كل لقاء ? توجه هذه الأسئلة إلى الأطفال للاستماع إلى إجاباتهم وآرائهم } .. ونعتقد أن ليس كل كائن يملك القدرة لاستيعاب وإدراك الجمال ? فتذوق الجمال يحتاج منا أولا:
ــ إلى عقل نشط نضج ( فالعقل الخامل لا يملك القدرة على تعرف ميزات الجمال ? ومن ثم الإحساس به، وتحديد جوهره ) . ? يحتاج الجمال ثانيا إلى :
ـــ قلب محب ( فالمحبة ? هي التي تنير لنا الطريق إلى عالم الجمال . فإذا لم نحب المدرسة ? لا نستطيع أن ندرك جمال المدرسة ? ونتعرف قيمها الجمالية ? وإذا لم أكن أحب اللغة العربية ? أو الرياضيات ? أو التاريخ أو أي مادة أخرى ?فلن أكون قادرا على اكتشاف جمالها )! ويحتاج الجمال ثالثا إلى :
ـــ عين نشطة ومشاعر مرهفة حساسة ( فالكائن الذي اعتاد أن يقضي حياته بين جدران أربعة ? لا يدرك جمال نهر تعانقه المروج والبساتين ) . ويحتاج الجمال رابعا إلى :
ــ إلى ? أخلاق رفيعة وروح سامية نبيلة ( فالفرد ــ ولا أقول الإنسان ? لأن الإنسان أخلاقي ــ وأقول الفرد العدواني المخرب المتوحش ? لا يهمه الجمال ? ولا القيم الجمالية ? بل يهمه فقط ? أن يروي نزعته العدوانية ? ? يلبي مآربه التخريبية . فهل يرى الجنود الصهاينة ? أو يفكرون بجمال شجرة أو نهر أو بهاء وبراءة طفل ? أو امرأة ? وهم يقاتلون شعبنا العربي الأعزل ? بكل ما يملكون من أسلحة متطورة ? وبكل ما يضمرون من عدوانية وشر وحقد ?!?!) أعتقد أن الجواب واضح ! ويحتاج الجمال خامسا إلى :
ـــ جهد وطاقة ( فالإنسان الخامل البليد الذي يقضي ? كثر أوقاته في النوم ? لا يعرف طعما للجمال ) .
* ونعود ثانية إلى موضوع الطبيعة التي أعتقد أننا لا نختلف حولها ? لأنها هي الأهم في حياتنا ? بل هي جوهر حياتنا .. هي قلبنا جميعا ? فإذا مات هذا القلب ? مات الجسم كله ? ومات كل شيء ! ومع الطبيعة نحاول أن نحدد أسس وعناصر الجمال ؛و نبحث في إشكالية مفاهيم الجمال ? أي لماذا سمينا الجمال موضوعا إشكاليا؟ !
*إذا سألنا الناس عن أجمل ? أحب الفصول إلى قلوبهم ? سمعنا أجوبة مختلفة . فمنهم يقول : فصل الربيع ? وبعضهم يرى أن فصل الخريف ? هو أجمل الفصول ? ومنهم يرى أن فصل الشتاء ? أو الصيف ? هو أجمل فصول السنة..الخ ولكل حجته ومبرراته . فمن يعجبه فصل الشتاء ? يرى في الأمطار أجمل ما يحب . فعندما ننظر إلى الغيوم ? تموج بألوانها الساحرة ? ونسمع صوت الريح والرعود ? ونرنو إلى البرق يلمع ويمزق الغيوم الداكنة ? تهتز قلوبنا طربا ? ونستبشر خيرا ? بموسم عميم . فالفلاح ينتشي عندما يرى الغيوم تغطي سماء حقله، لأن هذه الغيوم تحمل معه أحلامه وأماله . فالفلاح ينام وعيونه معلقة بالسماء . أما هذه الغيوم ? فلن تبدو لإنسان عادي ? جميلة ? كما تبدو لعيون الفلاح ? المتعطش إليها ! فإذا أردنا أن نحدد عناصر الجمال،نقول أن العنصر الأول ينطلق من اهتماماتنا وطموحاتنا ? ومن حاجاتنا الأساسية ! فإذا كنت مهتما باللغة العربية ?على سبيل المثال ? فإنني سأرى فيها كنوزا لا حصر لها من الجمال ? وإذا لم أكن مهتما باللغة أو بالموسيقى ? أو الرسم ? او الرياضة ? فلن أرى أي أثر للجمال في أي مكان أو في أي كائن ! نفسر هذه الفكرة بمثال آخر : لو أخذنا شخصا عاد إلى منزله بعد غياب طويل ? ورأى منزله البسيط المتواضع ? بعد شوق مضن وحنين حميم ? فهل يمكن أن نصف ذلك الجمال الذي يراه ذلك الرجل في منزله المتواضع البسيط، في عيون ذالك الرجال ?! ألا نعتقد أن صورة هذا المنزل ? مهما كان متواضعا وبسيطا ? سيبدو للرجل أجمل ما تراه عيناه ?!
**************
* أصدقائي الأعزاء ! نأتي إلى مثال آخر ? تعرفونه جميعا . فلو أخذنا "الجلاء " الذي يستلمه كل تلميذ في آخر العام الدراسي ? وبعد الامتحانات ? تصوروا كيف يبدو هذا الجلاء بالنسبة لتلميذين ــ واحد ?مجتهد جدا وآخر كسول جدا . فلو سألنا الكسول : ما هو أكره شيء بالنسبة إليك ? في هذه اللحظات لقال ? من دون شك : ( هذا الجلاء ) لأن هذا الجلاء يعبر عن إخفاقه وفشله وتقاعسه وضعفه . وهذا " الجلاء " وثيقة إدانة تؤكد أنه فاشل وجاهل ? وأن الناس تنظر إليه نظرة استخفاف . فالناس لا تحترم الكسالى والمتقاعسين!أما المجتهد ? فيقول باعتزاز : أن هذه (الجلاء ) هو أجمل ما تراه عيناه ? في هذه اللحظات ? لأن هذا الجلاء ? هو ثمرة انتصاره وتفوقه ? هل هناك أجمل وأبدع من ثمار النصر ورايات التفوق ؟؟ تصوروا معي أمَّ التلميذ الكسول المتقاعس وهي تنظر إلى ابنها وهو يستلم جلاءه ? وتصوروا معي والدة التلميذ المجتهد وهي تنظر إلى ابنها وقد حمل معه ثمار نصره وتفوقه . فالحزن والغضب والأسى يملأ قلب أمِّ الكسول ? بينما يفيض قلب أمِّ المجتهد بالإعجاب والفخر والاعتزاز والنشوة . فأم الكسول ترى ابنها في أبشع صوره ? وأم المجتهد ترى ابنها في أجمل وأبهى صوره . فمن منا يحب أن تراه أمه في أبشع صوره ? ! فالمجتهد يلبي حاجة ماسة في قلب أمه ? ويروي طموحها ? ويحقق لها أحلاما ? أم الكسول المتقاعس ? فيطعن أحلام أمه ويحرق طموحها، ويحرما من أن ترى ابنها في عداد المتفوقين ? لأنها ترى تفوقها ونجاحها ? في تفوق ونجاح ابنها . أي أنه يحرمها من أحلامها وآمالها !
* إذن ? الجمال يلبي ويروي لنا حاجة إنسانية سامية . وعلينا هنا أن نميز بين الحاجات الإنسانية السامية للإنسان ? وبين الحاجات الوضيعة . ونعود هنا لموضوع الطبيعة ونأخذ الشجرة ـــ على سبيل المثال ? لندخل عالها الجمالي . فالشجرة رمز من رموز الطبيعة ? لنتصور أسراب العصافير ? تحط على أغصانها ? تزقزق ? والبلابل تشدوا وترقص فهل نتصور حياة البلابل والعصافير ? إذا لم تجد هذه الشجرة ? لاشك أن العصافير والبلابل تعيش في جحيم إذا لم تجد هذه الأشجار ? لتغرد على أغصانها وتملأ الدنيا مرحا وحبورا وجمالا !
*أمّا إذا اقتربت هرة من هذه الشجرة ? فهل يمكن أن تشعر بجمال وروعة هذه الشجرة ? كما تشعر به العصافير والبلابل ?! فالهرة ? لا يهمها جمال الشجرة ? كما يهم العصافير والبلابل . لأن الهرة مسيرة بغريزتها فقط ? في نظرتها إلى الشجرة والعصافير . فالهرة تبحث عما يسد جوعها .. لذا ? فاهتمامها محصور في الطريقة التي تمكنها من اصطياد العصفور . فالهرة لا تتعامل مع العصفور إلا من خلال معدتها . وهذا لا يكفي لإدراك جمال الشجرة والعصفور . أّمّا الإنسان الذي يدرك أهمية الشجرة ? وأهمية العصافير بالنسبة للشجرة ? فإنه ينظر إلى الشجرة بروحه وعقله وعينيه وأحاسيسه ومشاعره . وهنا أعزائي الأطفال نأتي إلى العنصر الثاني الذي يساعدنا على تحديد مفهوم الجمال ? ألا ? هو:
** الإدراك المعرفي لقيمة ما أرى . فإذا لم أعرف ودرك وأقدر قيمة الشجرة والعصافير ? فلن أرى جمالها . فهل يستطيع كل إنسان أن يميز الحصى عن الأحجار الكريمة ؟؟ نعتقد جميعا أن هذا التمييز، يحتاج إلى معرفة وتقدير، لقيمة هذه الأحجار الكريمة ?!
***********
· * ونأتي هنا إلى السؤال الأهم : ـــ إذا لم ندرك ونقدر ونعرف قيمة الوطن ?· فهل يمكن أن نشعر بجمال الوطن ؟؟ وقد نختلف حول العديد من القضايا ?· إلا أننا لا يمكن أن نختلف حول الوطن الذي نعتبره أسمى وأرقى وأنبل مراتب الجمال . فإذا كنا متفقين حول هذه النقطة الأساسية ?· فعلينا أن نتوقف أمام كل ما يضمه هذا الوطن ?· لنتعرف دوره ?· وأهميته في تكوين جمال الوطن الذي نعتز ونفخر به جميعا ! فلو أخذنا الأنهار ? على سبيل المثال ? لنتعرف أهميتها الجمالية والحياتية ( ونحن متفقون حول أن الحياة مرتبطة بالجمال ?· والجمال مرتبط بالحياة ) فالأنهار هي شرايين الحياة ــ شرايين الطبيعة . فهل يمكن أن يكون وطننا جميلا إذا كانت أنهاره (شرايينه ) ملوثة ؟؟ وهل يكن أن نحلم بوطن جميل ?· إذا لم نكن نقدر تقديرا صحيحا ?· أهمية الأنهار في حياتنا ?! وإذا كنا نقدر وندرك أهمية الأنهار ? فهذا يعني أننا معنيون بالمحافظة عليها من أيدي الجاهلين والعابثين المعتدين ? لمسيئين إليها،· بأي شكل من الأشكال ! فمن الذي يسمح بأن تلوث شرايينه ؟؟ إذن الجمال بحاجة إلى حماية ! فمن لا يدرك قيمة الأنهار وأهميتها ?· ولا يعمل على المحافظة عليها بكل ما يملك من قوة وحرص وحذر،· فلا يمكن أن يدرك الجمال ?· ولا يهتم بالجمال ? ولا يبرهن على صدقه وحبه لوطنه ! فعندما أسمح بتلوث الأنهار ? أفتح الأبواب للأمراض لكي تدخل إلى وطني . والمرضى لا يهتمون بالجمال؟. والجمال بعيد عن المرضى . والجمال لا يراه إلا الأصحاء ?· والأمراض تغلق في وجه الإنسان عالم الجمال . وقد اعترضت إحدى مديرات المدارس على هذه الفكرة ?· فقالت أن المريض يشعر بالجمال ?· لأن الجمال يخفف وينسي الآلام التي يعاني منها المريض . هذه الفكرة تحتاج إلى مناقشة . أولا ?· فالأمراض أنواع ?· تختلف في تأثيرها السلبي ?· وقدرة هذه الأمراض على شل إمكانيات المريض وإبعاده عن أسباب وجوهر الحياة . لاشك أن الجمال ?· النابع من الطبيعة ?· بصورة خاصة ?· يمكن أن يكون دواءً للمريض ?· في مرحلة من المراحل ?· وفي بعض الأمراض . ولكن عندما يشتد المرض ?· لا ينفع معه أي دواء بما في ذلك الطبيعة ? التي نريدها أن تكون وقاية ?· وسدا منيعا ?· لا يحمينا من الأمراض فقط ?· بل ويساعدنا على التطور والارتقاء ! فالمعادلة تقول : ( درهم وقاية خير من قنطار علاج ) فلماذا لا نجعل من الطبيعة قناطير من الوقاية الفعالة ؟؟. وهذا ?· يمكن إذا عرفنا وأدركنا قيمة الطبيعة وأهميتها في حياة الإنسان ?· صحيحا معافى ! طبعا لا ننكر أن جمال الطبيعة وسحرها وبهاءها ?· يمكن أن يكون علاجا ?· أو مسكنا للآلام ? لكن هذا ممكن في حد من الحدود . فهناك العديد من الأمراض ( ومنها الأمراض السرطانية الخبيثة ) تحيل الحياة إلى جحيم ?· وتقطع علاقة الإنسان بالحياة . أي أن علاقة الإنسان ?· تصبح غير صحيحة ?· وغير طبيعية ؛بكل ما يحيطه ?· حتى الأشياء الجامدة ?· فكيف يمكن أن يكوّن الإنسان علاقة صحية وصحيحة بأي مرتبة من مراتب الجمال ?· الذي ربطناه بشكل ?· أو بآخر ?· بالحياة،· بصورة عامة ?· · · !
* ناقشت هذه الفكرة مع أحد الشعراء ? فقال : عندما تأتيني نوبة " رمل " أترك الشعر والكتب والفن ? وأنا أكاد أختنق من الآلام . فأي جمال يمكن أن يصل للإنسان إذا مزقته مخالب الآلام وأنياب المرض ؟؟! وهنا نقول أن أي خلل في إدراكنا لقيمة الأنهار وأهميتها ? يؤدي إلى خلل في قدرة الإنسان على استيعاب ? وتفهم الجمال وتذوقه . ونؤكد ? أن من لا يتواصل مع جمال الحياة ? فهو من الأموات ? من دون شك .
* نأتي إلى نقطة أخرى ? تنطلق من فكرة :
أيها الشاكي وما بك داء كن جميلا تر الوجود جميلا
** ونسأل : كيف يمكن أن يكون الإنسان جميلا ? وهل يستطيع الإنسان أن يكون جميلا ؟؟ ( السؤال يوجه للأطفال ) طبعا ? يستطيع أن يكون جميلا ! ? لكن ? هل تستطيع الكائنات الأخرى أن تكون جميلة كما الإنسان ؟؟ { هذه الأسئلة ? توجه إلى الأطفال لتعرف آرائهم ودفعهم إلى التفكير } طبعا ? الإنسان هو الوحيد من بين الكائنات ? قادر على التطور ? أي أنه قادر على استكمال ميزاته وأسسه الجمالية ? لأنه يملك العقل والإرادة . فالعصفور ? لا يملك القدرة على التطور، وكذلك القنفذ ? والسمك ? والنمر ? والفيل ...الخ لأن هذه الكائنات تعيش ضمن دائرة غرائزها ? وهنا لابد من التمييز بين نوعين من الغرائز. فبعض الكائنات تملك غرائز نبيلة نافعة، كالعصافير والبلابل ? (تغرد وتشدو ) وبعض الكائنات تملك غرائز عدوانية مؤذية ? كالعقارب ? مثلا ( في اللدغ ) وأفق تطور هذه الحيوانات ? جميعها محدود جدا ? أما آفاق تطور الإنسان ? فغير محدودة ? إذا تسلح الإنسان بالإرادة والعقل . والإنسان يملك غرائز نبيلة سامية نافعة ? ويملك غرائز عدوانية وحشية مخربة ضارة . ويستطيع الإنسان أن يكون أكثر وأشد الكائنات فائدة في الواقع الذي يعيشه ? ويستطيع أن يكون أشد الكائنات فتكا وضررا على من يحيطه من الكائنات الأخرى ! وقد استطاع الإنسان أن يمتلك مَلَكات ( أي قدرات ) العديد من الكائنات الأخرى ? فهو قادر الغناء والشدو (كالبلابل والعصافير ) ويستطيع أن يكون ضارا بأذاه ? أكثر من لدغة العقرب وعضة الأفعى ! نتصور الفائدة التي يقدمها إنسان يزرع شجرة ? وبين الضرر الذي يسببه شخص يدخن السجائر! فالأول يساهم في جعل هذا الكون جميلا ? والثاني يساهم في تلوث الهواء ? الذي يعتبر من أهم عناصر حياة الإنسان وصحته . فتلوث الهواء يفتح الطريق إلى الهلاك والموت . والمدخن يلوث الهواء ? بينما تساهم الشجرة في جمال الكون ? تنقية الهواء وتلطيف الأجواء والطقس .
************
* نعود إلى الإنسان الذي نعتبره سيد الكون ? ونحن متفقون على أن الجمال ليس كل ما يريح العين فقط . فإذا نظرنا إلى شخص ورأيناه جميلا وأنيقا ? فهذا عنصر من عناصر الجمال ? لكن هذا ليس الجمال كله ! فبعد أن رأينا شكل هذا الشخص ? وأعجبنا ? نسير خطوة أخرى ? أكثر أهمية ? ونحن نذكر الحديث الشريف للرسول (?) : " المرء بأصغريه ــ قلبه ولسانه " ? قول عمر بن الخطاب (رض) : " أهاب الرجل حتى يتكلم " . نأخذ أولا موضوع جماليات اللسان (اللغة) . فلو شاهدنا أجمل تلميذ وأكثرهم وسامة وأناقة ? يقف أمام معلمته متلعثما مرتبكا ? عاجزا عن الإجابة عن أبسط الأسئلة الموجهة إليه ? في درس من الدروس ? فماذا نقول عن هذا الشخص وجمال شكله وأناقته ?! طبعا ? سيهبط إعجابنا بهذا التلميذ إلى أدنى حد . إذن ? اللسان يعبر عن جانب مهم في الإنسان ? يعبر عن قدراته وإمكانياته، ويعبر عن الجهود التي قام بها هذا التلميذ في الدراسة ? ? يعبر عن حبه لهذه المادة ( اللغة ? الرياضيات ? التاريخ . الخ ). فاللسان كشف لي جانبا مهما من هذا التلميذ ــ فإما أن يثير هذا الجانب إعجابي ? وإما أن يثير مشاعر الانزعاج ? أو الغضب ? أو الحزن ? والأسف على هذا التلميذ . سأقول أنه لا يستحق ولا يستأهل هذا الشكل الجميل ? سأقول إنه لا يقدر جماله ووسامته ? ولا يفكر بحمايتهما بعقل وجهد نشيطين ? لأن الجمال والوسامة تذويان وتذبلان ? إذا لم نحمهما بالعقل والجهد ! إذن للجمال الظاهري ــ جمال الشكل ? يحتاج مني إلى مستلزمات أخرى ? إذا فقدها الشخص ?لا ينال هذا الشخص التقدير والإعجاب . وأقول أننا نرفضه ? لأنه يشكل خطورة على جسم المجتمع ? قوة المجتمع ? وجمال المجتمع . فالضعيف عرضة للأمراض ــ الروحية والفكرية والجسمية . وقد قلنا أن الأمراض تفتح للإنسان طريق الآلام ومن ثم الهلاك !
*********************
* ثم نأتي إلى نقطة هامة أخرى من خلال المثال التالي :
ــــ لو فرضنا أن شخصا ما أثار إعجابي بشكله ? وسامته ? ولسانه وأخلاقه؛ فهل هذا يكفي كي أحكم
على هذا الشخص أنه استطاع أن يكون جميلا ? ليكون قادرا على أن يرى الوجود جميلا ؟؟!! فالله
يأمرنا في القرآن الكريم بعد بسم الله الرحمن الرحيم :( كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )
فمن حقنا أن نسأل عن الفعل (العمل ) فالله عز وجل يأمرنا : (وقل اعملوا ? فسيرى الله ورسوله ?
والمؤمنون أيكم ? أ حسن عملا) فالعمل هو الأساس ? وهو الجوهر . وبالعمل استطاع الإنسان أن يرتفع إلى أعلى مراتب الجمال والسمو (ضمن الإطار الإنساني ) ومازال يسير ? يصعد إلى قمم الإبداع في فن العمارة ? ? الزخارف ? وفي فنون الرياضة ? والغناء ? والأدب والمسرح والشعر ?
والصناعة ? والحرف اليدوية ? والمهن بصورة عامة ? وفي مجالات عديدة لا حصر لها ? يستطيع أن يكون الإنسان جميلا ? في لسان وأخلاق وفكر ? وإيمان ? يصدقهم عمل متقن رفيع ? يسحر الألباب ? ويثير الإعجاب ? ويرفع قدر الإنسان إلى أعلى المستويات .
*********************
*إذن الإنسان هو الوحيد من بين الكائنات كلّها، قادر على مجاراة الطبيعة ( التي اعتبرناها نبع الجمال ) في أن يكون جميلا ? وهو القادر على حماية الطبيعة لتكون مصدر قوته وإلهامه . فالإنسان قادر أن يرفد ينابيع الجمال في الطبيعة . وقدرته هذه ? تنبع من طموحه وأحلامه . فطموح الإنسان وأحلامه تعبر أيضا عن جانب مهم للكشف عن القيم الجمالية والتواصل معها؛وتعبر عن جانب مهم من طموح الإنسان وسعيه واجتهاده لكي يكون جميلا . فقد قال الشاعر ذات يوم :
ومن لا يحب صعود الجبال **** يعش أبد الدهر بين الحفر
*وأنا قول : احك لي عن أحلامك ? أقل لك من أنت . لأن الأحلام تعبر وتكشف عن أهداف الإنسان في الحياة . فالشاعر يقول :
همم الفتى في الأرض أغصان الغنى **** ُغرستْ ? ولكن ليس كل حين تورق
* دعونا نقول معا :
أحلامنا ( في الأرض أغصان الغنى **** غرستْ لكن ليس كل حين تورق)
* فلماذا قلنا : ( غرست، لكن ليس كل حين تورق ) فإذا كانت الأحلام تحتاج إلى همم ? فالهمم تحتاج إلى أحلام ?والأحلام تحتاج إلى همم . إذن ? الأحلام والهمم متلازمان متفاعلان . فالأحلام لا تورق إلا بالهمم ? والهمم لا تورق بالأحلام . ومن حرمته الحياة من الأحلام (أو، من حرم نفسه من الأحلام ) فقد حرم نفسه من الحياة نفسها ?! ومن أحلامه بالهمم ? يبست أحلامه ? وجف عقله ? وذوى بدنه !
*وبقي أن نذكر ? أو نبحث عن عدو الجمال . فمن هو عدو الجمال ? وهل للجمال عدو ؟؟ والجواب يعيدنا إلى بداية حديثنا عن الجمال الذي قلنا عنه أنه موضوع إشكالي ? أي أن كل إنسان يرى الجمال من زاويته الخاصة؛أي لكل ذوقه، ووجهة نظره في الجمال ? كما رأينا لاحقا . ونحن نحترم الأذواق كلّها ? شريطة أن لا تكون ضارة ومؤذية للأخر. نسمع أحيانا من يقول لنا (مع الأسف) أن السيجارة هي أجمل ما في الحياة ?! فهل نحترم رأيه ? ونقول له أنت حر فيما تحب وتهوى ؟؟ طبعا ? سنقول له إن رأيك مرفوض ? لأنه يعبر عن ذوق مريض ? والرأي الذي لا يحترم صحة الناس ? لا يمكن أن يكون صحيحا ! السيجارة هي من أخبث الأشياء السامة الفتّاكة للإنسان ـــ المسؤول عن الطبيعة التي اعتبرناها نبع الجمال ـــ وكل شيء ضار لا يمكن أن يكون جميلا !
* ومادمنا تحدثنا عن الهِمم كقيمة إيجابية ? لابد أن نذكر التقاعس والكسل كعدوين لدودين للجمال والحياة بصورة عامة . فالإنسان يحتاج للحركة والجهد والعزيمة ? لكي يبقى قويا معافى ? عندئذ يستمتع الإنسان بثمار الحياة ويتواصل مع مباهجها وجمالها ? أما الكسول المتقاعس ? فقد حكم على نفسه بالموت قبل أن ينتقل من هذه الدنيا إلى الآخرة . فجرثومة الكسل والتقاعس ? هي من أخطر الجراثيم الفتّاكة بعقل الإنسان وجسمه . أي أن الكسل والتقاعس ــ مرض قاتل للعقل والروح والجسم . والمرض هو العدو الأول للجمال ? والحياة بصورة عامة ! ولا نبالغ ? إذا قلنا أن الكسل والخمول والتقاعس ــ هي جراثيم كل داء ? وأن العمل والنشاط والجهد والعزيمة ? هي دواء كل داء ? إذا نفع الدواء . فقد يصل المرض إلى مرحلة لا ينفع معه أي دواء ! فحبنا وعشقنا للعمل ? يفتح لنا آفاقا واسعة للتواصل مع القيم الجمالية ? وإهمالنا للعمل ? يغلق في وجهنا طرق الحياة كافة !
*وهل ننسى أن قيم الجمالية هي غذاء الروح . وأعتقد أن غذاء الروح ? لا يقل أهمية عن الغذاء الطبيعي للإنسان ? إن لم نقل أن الغذاء الروحي أكثر وأشد أهمية من الغذاء الطبيعي ــ المادي للإنسان ! ومن يفصل بين غذاء الجسد عن غذاء الروح ? فلن يكون في صحة تمكنه من التواصل مع الحياة بكل أبوابها ومجالاتها . ولا نبالغ إذا قلنا أن الغذاء الروحي هو أول ? أي في المرتبة الأولى , وغذاء البدن في المرتبة الثانية ? لكننا نؤكد أن الإنسان السوي المعافى ? لا يعيش دون هذين النوعين من الغذاء ? مع الأخذ بعين الاعتبار أن الغذاء الروحي لا يضر ? بينما يمكن أن يكون غذاء الجسد ? ضارا ? إذا لم يكن مدعوما بالغذاء الروحي . فالغذاء الروحي هو الذي يجعل غذاء الجسد مفيدا . ونذكّر هنا أننا نعني بالغذاء الروحي ــ كلَّ ما يساعدنا على أن يبقى عالمنا جميلا ? يسر النظر والروح ? ويفيد الجسد . وفي إحدى لقاءاتي مع الأطفال ? قرأت تلميذة قصيدةً عن المعلم ? فسألت التلاميذ : هل للمعلم علاقة بالجمال ? وبالقيم الجمالية ؟؟ فأجاب بعض التلاميذ بنعم ? بينما بدأ بعضهم الآخر يفكر بالموضوع . طبعا ? فالمعلم هو الذي يفتح لنا الطريق إلى العلم . والعلم نور الإنسان . وكفي أن نقول أن الجاهل هو عدو نفسه ? فكيف لا يكون عدو الجمال ? وعدو الحياة بصورة عامة ؟؟
** أعزائي الأطفال أود أن أختم حديثي بعدة لوحات أرجو أن نتأملها لتحديد قيمها الجمالية :
1ــ نتصور مشاعر الإعجاب والتقدير حين نرى جرحا على صدر مقاتل في سبيل الله والوطن ? وسبيل الحق بصورة عامة !
2 ــ ونتصور مشاعر الرفض والاشمئزاز إذا رأينا جرحا في جسم لص !
3ــ تصوروا معي مشاعر الإعجاب والتقدير والفخر ? الاعتزاز ? إذا قدِّر لنا ورأينا سيف خالد بن الوليد (رض) أو سيف صلاح الدين الأيوبي رحمه الله ?!
4_وتصوروا معي مشاعر الإعجاب والفخر والاعتزاز حين نرى الأطفال العرب في فلسطين ? يقاتلون الصهيونية العالمية الغاشمة ? بالأحجار. فإعجابنا بأحجار أطفال فلسطين ? يحمل لنا أعظم وأسمى وأرفع القيم، بينما يحمل حجر آخر، في يد طفل ينوي أن يضرب عصفورا ? يزقزق على أغصان شجرة في بستان ? مشاعر الغضب والرفض والاشمئزاز.
* إذن، يستطيع الإنسان أن يستخدم كلَّ شيء ? حتى الأحجار ? من أجل الدفاع عن وطنه ( الذي اعتبرناه أرقى مراتب الجمال ) ووجوده وكيانه؛ أي في سبيل أهداف وغايات نبيلة سامية ? ويستطيع أن يستخدم الحجارة ? من أجل غايات مؤذية ? ومنها ــ اعتداؤه على عصفور ? يعتبر رمزا من أجمل رموز الطبيعة ــ نبع الجمال ?!
** الحديث عن القيم الجمالية لا ينتهي بلقاء أو لقاءين . أتمنى أن يتابع كل واحد منكم هذا الموضوع ?في كل خطوة في الحياة ? ومثلنا الأعلى أن الله جميل ويحب الجمال ?!
? وفي نهاية حديثنا نكثف ما قلناه عن القيم الجمالية بهذه الأبيات من الشعر:
قيم الجمــال كثيــــرة **** فــي الـــروح والأبـــــدان
نـــــسعى إليها منهجـــا **** بالــــحب ? الإيـمـــــان
نبني بها حيـاتنا **** وطـيدة الأركــان
فجمال أرضك صحـة **** والخير في الأغصان
قيم الجمـال مباهـج **** للعقل والوجــدان
نبع الجمال طبيعــة **** ? بديعة الألــــوان
في الروض والحقل الخصيــب كثيرة الغـــدران
في الطير يشدو هائمـا **** بصديقه الإنســـان
**************************************
أصدقاءنا الأعزاء ! أود أن أنهي حديثي بسؤال أتمنى أن تجيبوا عليه ? بعد مناقشته مع أهلكم وأصدقائكم . والسؤال هو : لماذا يكره بعضنا الأزهار الاصطناعية ولا يسمحون بدخولها إلى بيوتهم ? بينما يزين بعضنا بيوتهم بهذه الأزهار ? ويعتبرونها جميلة ؟؟؟
إعداد الأستاذ / صبحي سعيد