أثر الصحبــة
الصحبة لها أثر واضح في حياة الإنسان ، فهي تصقل شخصيته ، وهي التي تمده في ثقافته ، وهي التي تؤثر في سلوكه وانفعالاته وتوجهاته ، وقد تمثل هذا بمثال ضربه لنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إنما مثل الجليس الصالح ، والجليس السوء ، كحامل المسك ، ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك - أي يعطيك - أو إما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحا طيبا ، ونافخ الكير ، إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة " رواه البخاري .
(وجليس) صيغة مبالغة من كثرة المجالسة والملازمة ، وبيّن الحديث الأثر البالغ للجليس في مستويات متدرجة ، مثّل له الرسول صلى الله عليه وسلم بمثال حسّي يتضح فيه التأثير ولو كان قليلا ، حيث جعل المثل في المشمومات من الروائح الطيبة والكريهة .
وقد نبه بهذا الحديث على أن حق الإنسان أن يتحرى بغاية جهده مصاحبة الأخيار ، ومجالستهم فهي قد تجعل الشرير خيّرا ، كما أن صحبة الأشرار قد تجعل الخيّر شريرا .
" فالمرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل " حديث شريف .
ويقول الشاعر :
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يفتدي
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم
ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
فحذار من مجالستهم والإختلاط بهم ، إن طبعك يسرق منهم وأنت لا تدري وليس إعداء - من العدوى - الجليس جليسه بمقاله وأفعاله فقط ، بل بالنظر إليه! والنظر في الصورة يورث في النفوس أخلاقا مناسبة لخلق المنظورة إليه ، فإن دامت رؤيته للمسرور سر ، أو للمحزون حزن ، وليس ذلك في الإنسان فقط ، بل في الحيوان والنبات ، فالجمل الصعب يصير ذلولا بمقاربة الجمل الذلول ، والذلول قد ينقلب صعبا بمقاربة الصعاب ، والريحانة الغضة تذبل بمجاورة الذابلة .
ومن المشاهد أن الماء والهواء يفسدان بمجاورة الجيفة ، فما الظن بالنفوس البشرية التي موضعها لقبول صور الأشياء خيرها وشرها ؟ فقد قيل سمي الإنسان إنسانا لأنه يأنس بما يراه خيرا أو شرا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عودة للصفحة السابقة عودة للصفحة الرئيسية