Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

حركة إحياء النثـــــر العربي

إعداد الدكتورة : سوسن رجب

 

بلغ النثر في أخريات العصر العثماني الغاية في الركاكة والضعف، فكانت عباراته سقيمة، مقيدة بقيود ثقيلة من الحلي والزخارف المصطنعة المتكلفة، لتخفي ما وراءها من معنى مرذول، وفكرة تافهة ضحلة، وكثيرا ما كانت تغلب العامية والكلمات التركية على كتابات الكتاب، فيأتي الكلام أشبه بالرموز والأحاجي. ومن كان من الكُتّاب على قدر يسير من اللغة، نهج  أسلوب المقامات في كتاباته فالتزم السجع في كل ما يصطنع من كتابة، بل منهم من كان يتلاعب بالألفاظ  والتحريف ، وقد أورد الجبرتي أمثلة عديدة في كتابه:( عجائب الآثار في التراجم والأخبار)، سنسوق منها نموذجين:

·     المقامة التصحيفية: للشيخ عبد الله الإدكاوي،الذي أهدى منها نسخة للشيخ عبد الله التلباني فرد عليه بما نصه:1- (عبد الله  عند الله وجيه، وحبه محتم مخيم بقلوبنا تعلو بنا سماته، سما به عمله عم له التواب والثواب،ولا حرمنا ولاء حرمنا الأبهج الأنهج...)

 

2- وقال مصطفى الدمياطي: ( حكى البديع بشير بن سعيد قال: حدثني الربيع بن رشيد قال: هاجت لي دواعي الأشواق العذرية، وعاجت بي لوا عج الأتواق الفكرية، على ورود حمى مصر المعزية البديعة؛ ذات المشاهد الحسنة والمعاهد الرفيعة؛ لأشرح بمتن حديثها الحسن صدري، وأروح بحواشي نيلها الجاري روحي وسري، وأقتبس نور مصباح الطرف من ظرفائها؛ واقتطف نور أرواح الظرف من لطفائها، وأستجلي عرائس بدائع معاني العلوم، على منصات الفكر محلاة بالمنثور والمنظوم، واستمد من حماتها السادة أسرار العناية، واسترشد بسراتها القادة أنوار الهداية...)

ولا يخفى على القارئ هنا هذا الطائل من الكلمات العبثية، التي تؤكد ما وصلت إليه اللغة من الضعف والركاكة، الكلام متكلف مصنوع، لا يفضي إلى غاية ولا ينبئ عن فكرة سليمة، وإنما هو لإظهار البراعة في اقتناص السجعات، وإيراد المحسنات.

 

ومن الذين اشتهروا بالأدب في دمشق قبيل النهضة محمد خليل الدمشقي يقول في رسالة كتبها إلى صديق له بمصر:

(أهدي السلام العاطر الذي هو كنفح الروض باكره السحاب الماطر، والتحايا المتأرجة النفحات الساطعة اللمحات، الشامخة الشميم، الناشئة من خالص صميم، وأبدي الشوق الكامن وأبثه، وأسوق ركب الغرام وأحثه، إلى الحضرة التي هي مهب نسائم العرفان والتحقيق، ومصب مزن الإتقان والتدقيق. ومطلع شمس الإفادة والتحرير، ومنبع مياه البلاغة والتقرير...)

وإذا كانت لهذه  العبارات قوة بعض الشيء ، إلا أننا  نجد فيها تقليدا وافتعالا وتكلفا،إضافة إلى ضحالة المعنى.

وقد نرى بعض الكتاب يجاهدون مجاهدة مريرة للتخلص من السجع وقيود البديع مثل:

عبد الرحمن الجبرتي ، ولكنه أيضا  لا يستطيع التخلص من بعض العبارات الممزوجة بخليط بين العربية والتركية ، فإن سلمت له بعض العبارات ، نرى البعض الآخر منها يتعثر .

من ذلك على سبيل المثال: قال  مشيدا بما قام به علي بك الكبير من منشآت:

( ومن إنشائه أيضا العمارة العظيمة التي أنشأها بشاطئ النيل ببولاق حيث دكّك الحطب تحت ربع الخرنوب، وهي عبارة عن قيسارية عظيمة ببابين يسلك منها ما يجري إلى قبلي وبالعكس، وخانا عظيما يعلوه مساكن من الجهتين وبخارجه حوانيت وشونة غلال حيث مجرى النيل ومسجد متوسط ، فحفروا أساس جميع هذه المارة حتى بلغوا الماء، ثم بنوا خنازير مثل المنارات من الأحجار والدبش والمؤن، وغاصوا بها في ذلك الخندق حتى استقرت على الأرض الصحيحة)

هذا ما وصلت إليه اللغة  والكتابة في أخريات العصر العثماني وبداية العصر الحديث:

1-        تهافت في العبارة.

2-        ركاكة في الأسلوب.

3-        استعجام في الألفاظ.

4-        عامية فاشية.

5-        ضحالة في المعاني.

6-        قيود ثقيلة من السجع والمحسنات البديعية.

 

ومن هنا يتضح لنا أن الشوط الذي قطعته الكتابة منذ أوائل القرن التاسع عشر حتى اليوم ، لم يكن سهلا هينا، والتخلص من العقبات في الكتابة واللغة لم يكن ميسرا .