يمهل ولا يهمل

أنهى دراسته الجامعيه.. عمل موظفاً .. تزوج وكون أسره صغيره ..
هو صديق صدوق لي منذ الطفوله .. دراسة ..جيرة .. عمل .. زارني في منزلي ذات ليله .. وما أكثر زياراتنا لبعض .. وأخبرني أنه مسافر غذاً إلى ديرته القرويه لأمر هام ، وسيعود بعد أيام يحمل أموالاً كثيرة لأنه ورث .. هنأته وأنصرف مبتسماً .
عاد .. وبدأ بشراء محلات تجارية فخمة وفي مواقع جيدة ، وذلك بعمالتها وسجلاتها التجارية .
... كثر المال والجاه ، وبعد أشهر إزدادت شهرة المؤسسات التجاريه له وزاد الخير أضعاف .. وأصبحت زياراتنا قليلة بسبب إنشغاله .. ( بينما كنا من قبل لا نفترق سوى سويعات ).. وإذا حان لقاءنا المرتقب كان الحديث عن العمائر التي يمتلكها والفنادق والمؤسسات .. وهكذا.. فلقد تغيرت الحياة المركوب الفخم .. والسكن في أرقى الأحياء.. والسائقين .. والخدم ... بعد مرور أربعة أعوام وأشهر ساءني خبر إصابته بشلل نصفي تقريباً .. زرته وأديت حق الصداقة والواجب ولم أتخلف عن منزله يوماً واحداً .. وبعد شهرين من المعاناة سافر إلى أحد الدول الغربية للعلاج ، ومكث ثلاثة أشهر وعاد .. كما هو .. وبعد أشهر وفجأة زارني مع السائق بمنزلي الذي هو مسقط رأسي ( الساعة الحادية عشر مساءاً ) ، عجبت لهذا الأمر لأنه أكثر من خمس سنوات لم يزرني ..دار الحديث وكان حديثه في حزن وألم يعلمه الله ، ناهيك عن القدرة على الحديث إلا بصعوبة.. من هذا المرض .. مكثنا ساعتين تقريباً يشرح لي فيها حصوله على الأموال .. فقال .
كنت مسافراً إلى بلد يبعد 350 كم من هنا .. وأثناء السفر هذا حان وقت صلاة العصر ، وعلى الطريق وتحت كوبري كنت أصلي وفجأة سمعت صوت حادث سيارتان وأثناء التصادم المروع سقطت أمامي ( حقيبة صغيرة ) ، بعد إنتهاء الصلاة ، وضعت الحقيبة في المقعدة الخلفيه لسيارتي على أمل الصعود للمتابعة وتسليم الأمانه ..وجدت الشرطه والمصابون أمواتاً والناس من حولهم ، وقليلاً من الوقت تفرق الجمع ، وواصلت سيري وكلي ألم على من أسأل الله لهم الرحمه .. وصلت محطتي التي أقصدها ، وعند النزول وجدت الحقيبة التي لم أسلمها لأحد .. فكرت في أن أعيدها .. ولكن .. فقلت في نفسي عند عودتي .
بعد مرور يومين عدت ، ولكني نسيت أن أعيدها ،ولم أتذكر ذلك إلا عند منزلي وحين شاهدت الحقيبه .. قلت في نفسي عندما أسافر المرة القادمة أعيدها لمركز الشرطه .. مرت ثلاثة أيام ، وفكرت بفتح الحقيبه لربما يكون فيها شيء مهم أو .. ممنوع لا سمح الله .. فتحت الحقيبه ... يا للمفاجأة .. نقود ، ونقود من عملة بلدي جزء وآخر بالدولار ... ولكنها كثيرة وكثيرة جدا ... بدأ الشيطان يتمكن مني ، وزرتك ليلة وأخبرتك بأني ورثت مالاًً ... أتذكر .. فقلت نعم .. ( وبدأت أفهم ) ...
دار الحديث وكان في حزنِ شديد ويقول أريد إعادة هذه الأموال .. كيف .. كيف ..؟ .. كنت أهَوّنُ عليه وأخبره بأن الله تعالى يقبل توبة عبده ، والحمدلله الذي ردك إلى الصواب .. إنتظر لغدِ ، ولنفكر سويا في طريقة تُعيد المال لأهله ..
ودعته بعد منتصف الليل بساعتين .. وخلدت للنوم ... وفي اليوم الثاني وبعد عودتي من العمل ،أجد أم أولادي تعزيني في صديقي هذا ... ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) .
ذهبت إلى أهله وذويه ، وكان العزاء .. أسأل الله أن يرحمه .... سبحان الله .. سبحان الله .. سبحان الله . إنه يمهل ولا يهمل .