نعتقد أن الله تعالى واحد حد ليس كمثله شيء ، قديم لم يزل ولا يزال ، هو الأول والآخر ، عليم حكيم عادل حي قادر غني سميع بصير . ولا يوصف بما توصف به المخلوقات ، فليس هو بجسم ولا صورة ، وليس جوهرا ولا عرضا ، وليس له ثقل أو خفة ، ولا حركة أو سكون ، ولا مكان ولا زمان ، ولا يشار إليه . كما لا ندّ له ، ولا شبه ، ولا ضدّ ، ولا صاحبة له ولا ولد ، ولا شريك ، ولم يكن له كفوا أحد . لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار.
ومن قال بالتشبيه في خلقه بأن صور له وجها ويدا وعينا ، أو انه ينزل إلى السماء الدنيا ، أو أنه يظهر إلى أهل الجنة كالقمر ، ( أو نحو ذلك ) فانه بمنزلة الكافر به جاهل بحقيقة الخالق المنزه عن النقص ، بل كل ما ميزناه بأوهامنا في أدق معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلنا مردود إلينا ( على حد تعبير الإمام الباقر عليه السلام ) وما أجله من تعبير حكيم ! وما أبعده من مرمى علمي دقيق !
وكذلك يلحق بالكافر من قال انه يتراءى لخلقه يوم القيامة ، وإن نفى عنه التشبيه بالجسم لقلقلة في اللسان ، فان أمثال هؤلاء المدعين جمدوا على ظواهر الألفاظ في القرآن الكريم أو الحديث ، وأنكروا عقولهم وتركوها وراء ظهورهم . فلم يستطيعوا أن يتصرفوا بالظواهر حسبما يقتضيه النظر والدليل وقواعد الاستعارة والمجاز.
ونعتقد بأنه يجب توحيد الله تعالى من جميع الجهات ، فكما يجب توحيده في الذات ونعتقد بأنه واحد في ذاته ووجوب وجوده ، كذلك يجب ـ ثانيا ـ توحيده في الصفات ، وذلك بالاعتقاد بأن صفاته عين ذاته كما سيأتي بيان ذلك ، وبالاعتقاد بأنه لا شبه له في صفاته الذاتية ، فهو في العلم والقدرة لا نظير له وفي الخلق والرزق لا شريك له وفي كل كمال لا ندّ له.
وكذلك يجب ـ ثالثا ـ توحيده في العبادة فلا تجوز عبادة غيره بوجه من الوجوه ، وكذا إشراكه في العبادة في أي نوع من أنواع العبادة ، واجبة أو غير واجبة ، في الصلاة وغيرها من العبادات . ومن أشرك في العبادة غيره فهو مشرك كمن يرائي في عبادته ويتقرب إلى غير الله تعالى ، وحكمه حكم من يعبد الأصنام والأوثان ، لا فرق بينهما.
أما زيارة القبور وإقامة المآتم فليست هي من نوع التقرب إلى غير الله تعالى في العبادة ، كما توهمه بعض من يريد الطعن في طريقة الإمامية ، غفلة عن حقيقة الحال فيها ، بل هي من نوع التقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة كالتقرب إليه بعيادة المريض وتشييع الجنائز وزيارة الإخوان في الدين ومواساة الفقير ، فان عيادة المريض ـ مثلا ـ في نفسها عمل صالح يتقرب به العبد إلى الله تعالى . وليس هو تقربا إلى المريض يوجب أن يجعل عمله عبادة لغير الله تعالى أو الشرك في عبادته . وكذلك باقي أمثال هذه الأعمال الصالحة التي منها زيارة القبور ، وإقامة المآتم ، وتشييع الجنائز ، وزيارة الإخوان.
أما كون زيارة القبور وإقامة المآتم من الأعمال الصالحة الشرعية فذلك يثبت في علم الفقه وليس هنا موضع إثباته. والغرض أن إقامة هذه الأعمال ليست من نوع الشرك في العبادة كما يتوهمه البعض. وليس المقصود منها عبادة الأئمة، وإنما المقصود منها إحياء أمرهم، وتجديد ذكرهم، وتعظيم شعائر الله فيهم ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ).
فكل هذه أعمال صالحة ثبت من الشرع استحبابها ، فإذا جاء الإنسان متقربا بها إلى الله تعالى طالبا مرضاته ، استحق الثواب منه ونال جزاءه.
ونعتقد أن صفاته تعالى الثبوتية: الحقيقية الكمالية التي تسمى بصفات (الجمال والكمال)، كالعلم والقدرة والغنى والإرادة والحياة، هي كلها عين ذاته وليست هي صفات زائدة عليها. وليس وجودها إلا وجود الذات، فقدرته من حيث الوجود حياته، وحياته قدرته، بل هو قادر من حيث هو حي، وحي من حيث هو قادر، لا إثنينية في صفاته ووجودها. وهكذا الحال في سائر صفاته الكمالية.
نعم هي مختلفة في معانيها ومفاهيمها، لا في حقائقها و وجوداتها، لأنه لو كانت مختلفة في الوجود -وهي بحسب الفرض قديمة و واجبة كالذات- للزم تعدد واجب الوجود ولانثلمت الوحدة الحقيقية، وهذا ما ينافي عقيدة التوحيد.
وأما الصفات الثبوتية الإضافية، كالخالقية والرازقية والتقدم والعلية، فهي ترجع في حقيقتها إلى صفة واحدة حقيقية وهي القيومية لمخلوقاته، وهي صفة واحدة تنتزع منها عدة صفات باعتبار اختلاف الآثار والملاحظات.
وأما الصفات السلبية التي تسمى بصفات (الجلال)، فهي ترجع جميعها إلى سلب واحد هو سلب الإمكان عنه، فإن سلب الإمكان لازمة، بل معناه سلب الجسمية والصورة والحركة والسكون والثقل والخفة وما إلى ذلك، بل سلب كل نقص. ثم إن مرجع سلب الإمكان في الحقيقة إلى وجوب الوجود، ووجوب الوجود من الصفات الثبوتية الكمالية، فترجع الصفات الجلالية (السلبية) آخر الأمر إلى الصفات الكمالية (الثبوتية). والله تعالى واحد من جميع الجهات لا تكثر في ذاته المقدسة ولا تركيب في حقيقة الواحد الصمد.
ولا ينقضي العجب من قول من يذهب إلى رجوع الصفات الثبوتية إلى الصفات السلبية، لما عز عليه أن يفهم كيف أن صفاته عين ذاته، فتخيل أن الصفات الثبوتية ترجع إلى السلب ليطمئن إلى القول بوحدة الذات وعدم تكثرها، فوقع بما هو أسوأ، إذ جعل الذات هي عين الوجود ومحض الوجود، والفاقدة لكل نقص وجهة إمكان، جعلها عين العدم ومحض السلب، أعاذنا الله من شطحات الأوهام وزلات الأقلام.
كما لا ينقضي العجب من قول من يذهب إلى أن صفاته الثبوتية زائدة على ذاته، فقال بتعدد القدماء ووجود الشركاء لواجب الوجود، أو قال بتركيبه تعالى عن ذلك. قال مولانا أمير المؤمنين وسيد الموحدين عليه السلام: (وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، بشهادة كل صفة أنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصفه سبحانه وتعالى فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله..).
ونعتقد أن من صفاته تعالى الثبوتية الكمالية أنه عادل غير ظالم ، فلا يجور في قضائه ولا يحيف في حكمه ، يثيب المطيعين ، وله أن يجازي العاصين ، ولا يكلف عباده ما لا يطيقون ولا يعاقبهم زيادة على ما يستحقون . ونعتقد أنه سبحانه لا يترك الحسن عند عدم المزاحمة ولا يفعل القبيح ، لأنه تعالى قادر على فعل الحسن وترك القبيح مع فرض علمه بحسن الحسن وقبح القبيح وغناه عن ترك الحسن وعن فعل القبيح ، فلا الحسن يتضرر بفعله حتى يحتاج إلى تركه ، ولا القبيح يفتقر إليه حتى يفعله . وهو مع كل ذلك حكيم لابد أن يكون فعله مطابقا للحكمة وعلى حسب النظام الأكمل.
فلو كان يفعل الظلم والقبح ـ تعالى عن ذلك ـ فان الأمر في ذلك لا يخلو عن أربع صور:ـ
1ـ أن يكون جاهلا بالأمر فلا يدري أنه قبيح.
2ـ أن يكون عالما به ولكنه مجبور على فعله وعاجز عن تركه.
3ـ أن يكون عالما به وغير مجبور عليه ولكنه محتاج إلى فعله.
4ـ أن يكون عالما به وغير مجبور عليه ولا يحتاج إليه فينحصر في أن يكون فعله له تشهيا وعبثا ولهوا.
وكل هذه الصور محال على الله تعالى وتستلزم النقص فيه وهو محض الكمال ، فيجب أن نحكم أنه منزه عن الظلم وفعل ما هو قبيح.
غير أن بعض المسلمين جوز عليه تعالى فعل القبيح تقدست أسماءه ، فجوز أن يعاقب المطيعين ويدخل الجنة العاصين بل الكافرين ، وجوز أن يكلف العباد فوق طاقتهم وما لا يقدرون عليه ومع ذلك يعاقبهم على تركه ، وجوز أن يصدر منه الظلم والجور والكذب والخداع وأن يفعل الفعل بلا حكمة وغرض ولا مصلحة وفائدة وبحجة انه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
فرب أمثال هؤلاء الذين صوروه على عقيدتهم الفاسدة ، ظالم جائر سفيه لاعب كاذب مخادع يفعل القبيح ويترك الحسن الجميل ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا . وهذا هو الكفر بعينه . وقد قال الله تعالى في محكم كتابه : ( وما الله يريد ظلما للعباد ) وقال: ( والله لا يحب الفساد ) وقال: ( وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ) وقال: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) إلى غير ذلك من الآيات الكريمة . سبحانك ما خلقت هذا باطلا.
نعتقد أنه تعالى لا يكلف عباده إلا بعد إقامة الحجة عليهم ، ولا يكلفهم إلا ما يسعهم وما يقدرون عليه وما يطيقونه وما يعلمون ، لأنه من الظلم تكليف العاجز والجاهل غير المقصر في التعليم.
أما الجاهل المقصر في معرفة الأحكام والتكاليف فهو مسؤول عند الله تعالى ومعاقب على تقصيره ، اذ يجب على كل إنسان أن يتعلم ما يحتاج إليه من الأحكام الشرعية.
ونعتقد أنه تعالى لابد أن يكلف عباده ويسن لهم الشرائع وما فيه صلاحهم وخيرهم ليدلهم على طرق الخير والسعادة الدائمة ويرشدهم إلي ما فيه الصلاح ، ويزجرهم عما فيه الفساد والضرر عليهم وسوء عاقبتهم ، وإن علم انهم لا يطيعونه ، لان ذلك لطف ورحمة بعباده وهم يجهلون أكثر مصالحهم وطرقها في الدنيا والآخرة ، ويجهلون الكثير مما يعود عليهم بالضرر والخسران . والله تعالى هو الرحمن الرحيم بنفس ذاته وهو من كماله المطلق الذي هو عين ذاته ويستحيل أن ينفك عنه . ولا يرفع هذا اللطف وهذه الرحمة أن يكون العباد متمردين على طاعته غير منقادين الى أوامره ونواهيه.
ذهب قوم وهم ( المجبّرة ) إلى أنه تعالى هو الفاعل لأفعال المخلوقين فيكون قد أجبر الناس على فعل المعاصي وهو مع ذلك يعذبهم عليها ، وأجبرهم على فعل الطاعات ومع ذلك يثيبهم عليها ، لأنهم يقولون إن أفعالهم في الحقيقة أفعاله وإنما تنسب إليهم على سبيل التجوز لأنهم محلها ، ومرجع ذلك إلى إنكار السببية الطبيعية بين الأشياء وأنه تعالى هو السبب الحقيقي لا سبب سواه.
وقد أنكروا السببية الطبيعية بين الأشياء إذ ظنوا أن ذلك هو مقتضى كونه تعالى هو الخالق الذي لا شريك له ، ومن يقول بهذه المقالة فقد نسب الظلم إليه تعالى عن ذلك.
وذهب قوم آخرون وهم ( المفوضة ) إلى أنه تعالى فوض الأفعال إلى المخلوقين ورفع قدرته وقضاءه وتقديره عنها ، باعتبار أن نسبة الأفعال إليه تعالى تستلزم نسبة النقص إليه ، وإن للموجودات أسبابها الخاصة وإن انتهت كلها إلى مسبب الأسباب والسبب الأول ، وهو الله تعالى . ومن يقول بهذه المقالة فقد أخرج الله تعالى من سلطانه ، وأشرك غيره معه في الخلق.
واعتقادنا في ذلك تبع لما جاء عن أئمتنا عليهم السلام من الأمر بين الأمرين ، والطريق الوسط بين القولين ، الذي كان يعجز عن فهمه أمثال أولئك المجادلين من أهل الكلام ، ففرط منهم قوم وأفرط آخرون . ولم يكتشفه العلم والفلسفة إلا بعد عدة قرون.
وليس من الغريب ممن لم يطلع على حكمة الأئمة عليهم السلام وأقوالهم أن يحسب أن هذا القول ، وهو الأمر بين الأمرين ، من مكتشفات بعض فلاسفة الغرب المتأخرين ، وقد سبقه إليه أئمتنا قبل عشرة قرون.
فقد قال أمامنا الصادق عليه السلام لبيان الطريق الوسط كلمته المشهورة : ( لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين ).
ما أجل هذا المغزى وما أدق معناه . وخلاصته : إن أفعالنا من جهة هي أفعالنا حقيقة ونحن أسبابها الطبيعية ، وهي تحت قدرتنا واختيارنا ومن جهة أخرى هي مقدورة لله تعالى وداخلة في سلطانه لأنه هو مفيض الوجود ومعطيه ، فلم يجبرنا على أفعالنا حتى يكون قد ظلمنا في عقابنا على المعاصي لان لنا القدرة والاختيار فيما نفعل ، ولم يفوض إلينا خلق أفعالنا حتى يكون قد أخرجها عن سلطانه ، بل له الخلق والحكم والأمر ، وهو قادر على كل شئ ومحيط بالعباد.
وعلى كل حال ، فعقيدتنا إن القضاء والقدر سر من أسرار الله تعالى ، فمن استطاع أن يفهمه على الوجه اللائق بلا إفراط ولا تفريط فذاك ، وإلا فلا يجب عليه أن يتكلف فهمه والتدقيق فيه لئلا يضل وتفسد عليه عقيدته ، لأنه من دقائق الأمور بل من أدق مباحث الفلسفة التي لا يدركها إلا الأوحدي من الناس ولذا زلت به أقدام كثير من المتكلمين . فالتكليف به تكليف بما هو فوق مستوى مقدور الرجل العادي . ويكفي أن يعتقد به الإنسان على الإجمال اتباعا لقول الأئمة الأطهار من انه أمر بين الأمرين ليس فيه جبر ولا تفويض . وليس هو من الأصول الاعتقادية حتى يجب تحصيل الاعتقاد به على كل حال على نحو التفصيل والتدقيق.
البداء في الإنسان : أن يبدو له رأي في الشيء لم يكن له ذلك الرأي سابقا ، بأن يتبدل عزمه في العمل الذي كان يريد أن يصنعه ، إذ يحدث عنه ما يغير رأيه وعلمه به ، فيبدو له تركه بعد أن كان يريد فعله ، وذلك عن جهل بالمصالح وندامة على ما سبق منه.
والبداء بهذا المعنى يستحيل على الله تعالى لأنه من الجهل والنقص وذلك محال عليه تعالى ولا تقول به الإمامية . قال الصادق عليه السلام : ( من زعم أن الله تعالى بدا له في شيء بداء ندامة فهو عندنا كافر بالله العظيم ) وقال أيضا ( من زعم ان الله بدا له في شيء ولم يعلمه أمس فأبرأ منه ).
غير انه وردت عن أئمتنا الأطهار عليهم السلام روايات توهم القول بصحة البداء بالمعنى المتقدم ، كما ورد عن الصادق عليه السلام : ( ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني ) ولذلك نسب بعض المؤلفين في الفرق الإسلامية الى الطائفة الإمامية القول بالبداء طعنا في المذهب وطريق آل البيت ، وجعلوا ذلك من جملة التشنيعات على الشيعة.
والصحيح في ذلك أن نقول كما قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) . ومعنى ذلك انه تعال قد يظهر شيئا على لسان نبيه أو وليه أو في ظاهر الحال لمصلحة تقتضي ذلك الإظهار ، ثم يمحوه فيكون غير ما قد ظهر أولا ، مع سبق علمه تعالى بذلك ، كما في قصة إسماعيل لما رأى أبوه إبراهيم انه يذبحه ، فيكون معنى قول الإمام عليه السلام انه ما ظهر لله سبحانه أمر في شيء كما ظهر له في إسماعيل ولده إذ اخترمه قبله ليعلم الناس انه ليس بإمام ، وقد كان ظاهر الحال انه الإمام بعده لأنه أكبر ولده.
وقريب من البداء في هذا المعنى نسخ أحكام الشرائع السابقة بشريعة نبينا ( ص ) ، بل نسخ بعض الأحكام التي جاء بها نبينا صلى الله عليه وآله وسلم.
نعتقد أنه تعالى جعل أحكامه من الواجبات والمحرمات وغيرهما طبقا لمصالح العباد في نفس أفعالهم. فما فيه المصلحة الملزمة جعله واجبا، وما فيه المفسدة البالغة نهى عنه، وما فيه مصلحة راجحة ندبنا إليه ــ وهكذا في باقي الأحكام وهذا من عدله ولطفه بعباده. ولابد أن يكون له في كل واقعة حكم ، ولا يخلو شيء من الأشياء من حكم واقعي لله فيه وأن انسد علينا طريق علمه.
ونقول أيضا إنه من القبيح أن يأمر بما فيه المفسدة أو ينهى عما فيه المصلحة ، غير ان بعض الفرق من المسلمين يقولون : ان القبيح ما نهى الله تعالى عنه والحسن ما أمر به ، فليس في نفس الأفعال مصالح أو مفاسد ذاتية ولا حسن أو قبح ذاتيان.
وهذا قول مخالف للضرورة العقلية ، كما انهم جوزوا أن يفعل الله تعالى القبيح فيأمر بما فيه المفسدة وينهى عما فيه المصلحة . وقد تقدم أن هذا القول فيه مجازفة عظيمة وذلك لاستلزامه نسبة الجهل أو العجز إليه سبحانه . تعالى علوا كبيرا.
والخلاصة: أن الصحيح في الاعتقاد أن نقول إنه تعالى لا مصلحة له ولا منفعة في تكليفنا بالواجبات ونهينا عن فعل ما حرمه ، بل المصلحة والمنفعة ترجع لنا في جميع التكاليف ، ولا معنى لنفى المصالح والمفاسد في الأفعال المأمور بها والمنهي عنها فانه تعالى لا يأمر عبثا ولا ينهى جزافا وهو الغني عن عباده.