إن الأئمة من آل البيت عليهم السلام علموا من ذي قبل أن دولتهم لن تعود إليهم فى حياتهم ، وأنهم وشيعتهم سيبقون تحت سلطان غيرهم ممن يرى ضرورة مكافحتهم بجميع وسائل العنف والشدة.
فكان من الطبيعي من جهة أن يتخذوا التكتم " التقية " دينا وديدنا لهم ولأتباعهم ، ما دامت التقية تحقن من دمائهم ولا تسيء إلى الآخرين ولا إلى الدين ، ليستطيعوا البقاء في هذا الخضم العجاج بالفتن والثائر على آل البيت بالأحن.
وكان من اللازم بمقتضى إمامتهم من جهة أخرى أن ينصرفوا إلى تلقين أتباعهم أحكام الشريعة الإسلامية ، والى توجيههم توجيها دينيا صالحا ، والى أن يسلكوا بهم مسلكا اجتماعيا مفيدا ، ليكونوا مثال المسلم الصحيح ( العادل ).
وطريقه آل البيت في التعليم لا تحيط بها هذه الرسالة ، وكتب الحديث الضخمة متكلفة بما نشروه من تلك المعارف الدينية ، غير أنه لا بأس أن نشير هنا إلى بعض ما يشبه أن يدخل في باب العقائد فيما يتعلق بتأديبهم لشيعتهم ، بالآداب التي تسلك بهم المسلك الاجتماعي المفيد ، وتقربهم زلفى إلى الله تعالى ، وتطهر صدورهم من درن الآثام والرذائل ، وتجعل منهم عدولا صادقين . وقد تقدم الكلام في ( التقية ) التي هي من تلك الآداب المفيدة اجتماعيا لهم ، ونحن ذاكرون هنا بعض ما يعن لنا من هذه الآداب.
قال النبي صلى الله عليه وآله: (الدعاء سلاح المؤمن وعمود الدين ونور السموات والأرض)، وكذلك هو، أصبح من خصائص الشيعة التي امتازوا بها، وقد ألفوا في فضله وآدابه وفي الأدعية المأثورة عن آل البيت ما يبلغ عشرات الكتب من مطولة ومختصرة. وقد أودع في هذه الكتب ما كان يهدف إليه النبي وآل بيته صلى الله عليهم وسلم من الحث على الدعاء والترغيب فيه. حتى جاء عنهم (أفضل العبادة الدعاء) و(أحب الأعمال إلى الله عز وجل في الأرض الدعاء) بل ورد عنهم (إن الدعاء يرد القضاء والبلاء) و(انه شفاء من كل داء).
وقد ورد أن (أمير المؤمنين) صلوات الله عليه كان رجلا (دعّاء) أي كثير الدعاء. وكذلك ينبغي أن يكون فهو سيد الموحدين. وقد جاءت أدعيته كخطبه آية من آيات البلاغة العربية كدعاء كميل بن زياد المشهور، وقد تضمنت من المعارف الإلهية والتوجيهات الدينية ما يصلح أن يكون منهجا رفيعا للمسلم الصحيح.
وفي الحقيقة إن الأدعية الواردة عن النبي وآل بيته عليهم الصلاة والسلام خير منهج للمسلم - إذا تدبرها - تبعث في نفسه قوة الإيمان، والعقيدة وروح التضحية في سبيل الحق، وتعرفه سر العبادة، ولذة مناجاة الله والانقطاع إليه، وتلقنه ما يجب على الإنسان أن يعمله لدينه وما يقربه إلى الله تعالى زلفى. ويبعده عن المفاسد والأهواء والبدع الباطلة. وبالاختصار، إن هذه الأدعية قد أودعت فيها خلاصة المعارف الدينية من الناحية الخلقية والتهذيبية للنفوس، ومن ناحية العقيدة الإسلامية، بل هي من أهم مصادر الآراء الفلسفية والمباحث العلمية في الإلهيات والأخلاقيات.
ولو استطاع الناس - وما كلهم بمستطيعين - أن يهتدوا بهذا الهدى الذي تثيره هذه الأدعية في مضامينها العالية، لما كنت تجد من هذه المفاسد المثقلة بها الأرض أثرا، ولحلقت هذه النفوس المكبلة بالشرور في سماء الحق حرة طليقة ولكن أنى للبشر أن يصغي إلى كلمة المصلحين والدعاة إلى الحق، وقد كشف عنهم قوله تعالى: (إن النفس لأمارة بالسوء) (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين).
نعم إن ركيزة السوء في الإنسان اغتراره بنفسه وتجاهله لمساوئه ومغالطته لنفسه في أنه يحسن صنعا فيما اتخذ من عمل: فيظلم ويتعدى ويكذب ويراوغ ويطاوع شهواته ما شاء له هواه، ومع ذلك يخادع نفسه أنه لم يفعل إلا ما ينبغي أن يفعل، أو يغض بصره متعمدا عن قبيح ما يصنع ويستصغر خطيئته في عينه. وهذه الأدعية المأثورة التي تستمد من منبع الوحي تجاهد أن تحمل الإنسان على الاختلاء بنفسه والتجرد إلى الله تعالى، لتلقنه الاعتراف بالخطأ وأنه المذنب الذي يجب عليه الانقطاع إلى الله لطلب التوبة والمغفرة، لتلمسه مواقع الغرور والاحترام في نفسه، ومثل أن يقول الداعي من دعاء كميل بن زياد:
"إلهي ومولاي! أجريت عليّ حكماً اتبعت فيه هوى نفسي ولم أحترس فيه من تزيين عدوي، فغرني بما أهوى، وأسعده على ذلك القضاء، فتجاوزت بما جرى عليّ من ذلك بعض حدودك، وخالفت بعض أوامرك".
ولا شك أن مثل هذا الاعتراف في الخلوة أسهل على الإنسان من الاعتراف علانية مع الناس، وإن كان من أشق أحوال النفس أيضا، وإن كان بينه وبين نفسه في خلواته، ولو تم ذلك للإنسان فله شأن كبير في تخفيف غلواء نفسه الشريرة وترويضها على طلب الخير. ومن يريد تهذيب نفسه لا بد أن يصنع لها هذه الخلوة والتفكير فيها بحرية لمحاسبتها، وخير طريق لهذه الخلوة والمحاسبة أن يواظب على قراءة هذه الأدعية المأثورة التي تصل بمضامينها إلى أغوار النفس، مثل أن يقرأ في دعاء أبي حمزة الثمالي-رضوان الله تعالى عليه: "أي رب! جللني بسترك، واعف عن توبيخي بكرم وجهك!".
فتأمل كلمة "جللني.." فإن فيها ما يثير في النفس رغبتها في كتم ما تنطوي عليه من المساوئ، ليتنبه الإنسان إلى هذه الدخيلة فيها ويستدرجه إلى أن يعترف بعد ذلك حين يقرأ بعد ذلك: "فلو اطلع اليوم على ذنبي غيرك ما فعلته ولو خفت تعجيل العقوبة لاجتنبته".
وهذا الاعتراف بدخيلة النفس وانتباهه إلى الحرص على كتمان ما عنده من المساوئ يستثيران الرغبة في طلب العفو والمغفرة من الله تعالى لئلا يفتضح عند الناس لو أراد الله أن يعاقبه في الدنيا أو الآخرة على أفعاله، فيلتذ الإنسان ساعتئذ بمناجاة السر، وينقطع إلى الله تعالى ويحمده أنه حلم عنه وعفا عنه بعد المقدرة فلم يفضحه، إذ يقول في الدعاء بعدما تقدم: " فلك الحمد على حلمك بعد علمك وعلى عفوك بعد قدرتك".
ثم يوحي الدعاء إلى النفس سبيل الاعتذار عما فرط منها على أساس ذلك الحلم والعفو منه تعالى، لئلا تنقطع الصلة بين العبد وربه، ولتلقين العبد أن عصيانه ليس لنكران الله واستهانة بأوامره إذ يقول: "ويحملني ويجرئني على معصيتك حلمك عني، ويدعوني إلى قلة الحياء سترك على. ويسرعني إلى التوثب على محارمك معرفتي بسعة رحمتك وعظيم عفوك".
وعلى أمثال هذا النمط تنهج الأدعية في مناجاة السر لتهذيب النفس وترويضها على الطاعات وترك المعاصي. ولا تسمح الرسالة هذه بتكثير النماذج من هذا النوع، وما أكثرها.
ويعجبني أن أورد بعض النماذج من الأدعية الواردة بأسلوب الاحتجاج مع الله تعالى لطلب العفو والمغفرة، مثل ما تقرأ في دعاء كميل بن زياد: "وليت شعري يا سيدي ومولاي! أتسلط النار على وجوه خرت لعظمتك ساجدة، وعلى ألسن نطقت بتوحيدك صادقة وبشكرك مادحة، وعلى قلوب اعترفت بإلوهيتك محققة، وعلى ضمائر حوت من العلم بك حتى صارت خاشعة، وعلى جوارح سعت إلى أوطان تعبدك طائعة وأشارت باستغفارك مذعنة، ما هكذا الظن بك ولا أخبرنا بفضلك".
كرر قراءة هذه الفقرات، وتأمل في لطف هذا الاحتجاج وبلاغته وسحر بيانه، فهو في الوقت الذي يوحي للنفس الاعتراف بتقصيرها وعبوديتها، يلقنها عدم اليأس من رحمة الله تعالى وكرمه، ثم يكلم النفس بابن عم الكلام ومن طرف خفي لتلقينها واجباتها العليا، إذ يفرض فيها أنها قد قامت بهذه الواجبات كاملة، ثم يعلمها أن الإنسان بعمل هذه الواجبات يستحق التفضل من الله بالمغفرة، وهذا ما يشوق المرء إلى أن يرجع إلى نفسه فيعمل ما يجب أن يعمله إن كان لم يؤد تلك الواجبات.
ثم تقرأ أسلوبا آخر من الاحتجاج من نفس الدعاء: "فهبني يا سيدي ومولاي وربي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك! وهبني صبرت على حر نارك فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك".
وهذا تلقين للنفس بضرورة الالتذاذ بقرب الله تعالى ومشاهدة كرامته وقدرته، حبا له وشوقا إلى ما عنده، وبأن هذا الالتذاذ ينبغي أن يبلغ من الدرجة على وجه يكون تأثير تركه على النفس أعظم من العذاب وحر النار، فلو فرض أن الإنسان تمكن من أن يصبر على حر النار، فإنه لا يصبر على هذا الترك، كما تفهمنا هذه الفقرات أن هذا الحب والالتذاذ بالقرب من المحبوب المعبود خير شفيع للمذنب عند الله لأن يعفو ويصفح عنه. ولا يخفى لطف هذا النوع من التعجب والتملق إلى الكريم الحليم قابل التوب وغافر الذنب.
ولا بأس في أن نختم بحثنا هذا بإيراد دعاء مختصر جامع لمكارم الأخلاق ولما ينبغي لكل عضو من الإنسان وكل صنف منه أن يكون عليه من الصفات المحمودة.
" اللهم ارزقنا توفيق الطاعة وبعد المعصية، وصدق النية وعرفان الحرمة"،" وأكرمنا بالهدى والاستقامة، وسدد ألسنتنا بالصواب والحكمة، واملأ قلوبنا بالعلم والمعرفة، وطهر بطوننا من الحرام والشبهة، واكفف أيدينا عن الظلم والسرقة، واغضض أبصارنا عن الفجور والخيانة، واسدد أسماعنا عن اللغو والغيبة"،" وتفضل على علمائنا بالزهد والنصيحة، وعلى المتعلمين بالجهد والرغبة، وعلى المستمعين بالاتباع والموعظة"،" وعلى مرضى المسلمين بالشفاء والراحة، وعلى موتانا بالرأفة، وعلى مشايخنا بالوقار والسكينة وعلى الشباب بالإنابة والتوبة والرحمة"،" وعلى النساء بالحياء والعفة، وعلى الأغنياء بالتواضع والسعة، وعلى الفقراء بالصبر والقناعة"،" وعلى الغزاة بالنصر والغلبة، وعلى الأسراء بالخلاص والراحة، وعلى الأمراء بالعدل والشفقة، وعلى الرعية بالإنصاف وحسن السيرة"،" وبارك للحجاج والزوار في الزاد والنفقة، واقض ما أوجبت عليهم من الحج والعمرة"،" بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين".
وإني لموص إخواني القراء ألا تفوتهم الاستفادة من تلاوة هذه الأدعية، بشرط التدبر في معانيها ومراميها وإحضار القلب والإقبال والتوجه إلى الله بخشوع وخضوع، وقراءتها كأنها من إنشائه للتعبير بها عن نفسه، مع اتباع الآداب التي ذكرت لها من طريقة آل البيت، فإن قراءتها من القلب صرف لقلقة في اللسان، لا تزيد الإنسان معرفة، ولا تقربه زلفى، ولا تكشف له مكروبا، ولا يستجاب معه له دعاء. (إن الله عز وجل لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساه، فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثم استيقن بالإجابة.(1)
(1) باب الإقبال على الدعاء من كتاب الدعاء من أصول الكافي عن الإمام الصادق عليه السلام.
بعد واقعة الطف الأليمة، التي أوغل فيها بنو أمية في الاستبداد وولغوا في الدماء واستهتروا بكل القيم بقي الإمام زين العابدين وسيد الساجدين عليه السلام جليس داره ثاكلا، لا يتصل به أحد ولا يستطيع أن يفضي إلى الناس ما يجب عليهم وما ينبغي لهم.
فاضطر أن يتخذ من أسلوب الدعاء (الذي قلنا أنه أحد الطرق التعليمية لتهذيب النفوس) ذريعة لنشر تعاليم القرآن وآداب الإسلام وطريقة آل البيت، ولتلقين الناس روحية الدين والزهد، وما يجب من تهذيب النفوس والأخلاق. وهذه طريقة مبتكرة له في التلقين لا تحوم حولها شبهة المطاردين له، ولا تقوم بها عليه الحجة لهم، فلذلك أكثر من هذه الأدعية البليغة، وقد جمعت بعضها (الصحيفة السجادية) التي سميت (بزبور آل محمد)، وجاءت في أسلوبها ومراميها في أعلى أساليب الأدب العربي وفي أسمى مرامي الدين الحنيف وأدق أسرار التوحيد والنبوة، وأصح طريقة لتعليم الأخلاق المحمدية والآداب الإسلامية. وكانت في مختلف الموضوعات التربوية الدينية، فهي تعليم للدين والأخلاق في أسلوب الدعاء أو دعاء في أسلوب تعليم للدين والأخلاق. وهي بحق بعد القرآن ونهج البلاغة من أعلى أساليب البيان العربي وأرقى المناهل الفلسفية في الإلهيات والأخلاقيات.
فمنها ما يعلمك كيف تمجد الله وتقدسه وتحمده وتشكره وتتوب إليه، ومنها ما يعلمك كيف تناجيه وتخلو به بسرك وتنقطع إليه، ومنها ما يبسط لك معنى الصلاة على نبيه ورسله وصفوته من خلقه وكيفيتها، ومنها ما يفهمك ما ينبغي أن تبر به والديك، ومنها ما يشرح لك حقوق الوالد على ولده أو حقوق الولد على والده أو حقوق الجيران أو حقوق الأرحام أو حقوق المسلمين عامة أو حقوق الفقراء على الأغنياء وبالعكس، ومنها ما ينبهك على ما يجب إزاء الديون للناس عليك وما ينبغي أن تعمله في الشؤون الاقتصادية و المالية، وما ينبغي أن تعامل به أقرانك وأصدقاءك وسائر الناس ومن تستعملهم في مصالحك، ومنها ما يجمع لك بين جميع مكارم الأخلاق ويصلح أن يكون منهاجا كاملا لعلم الأخلاق.
ومنها ما يعلمك كيف تصبر على المكاره والحوادث وكيف تلاقي حالات المرض والصحة، ومنها ما يشرح لك واجبات الجيوش الإسلامية وواجبات الناس معهم.. إلى غير ذلك مما تقتضيه الأخلاق المحمدية والشريعة الإلهية، وكل ذلك بأسلوب الدعاء وحده.
وتمتاز أدعية الإمام في عدة أمور:
(الأول) التعريف بالله تعالى وعظمته وقدرته وبيان توحيده وتنزيهه بأدق التعبيرات العلمية، وذلك يتكرر في كل دعاء بمختلف الأساليب، مثل ما تقرأ في الدعاء الأول: (الحمد لله الأول بلا أول كان قبله والآخر بلا آخر يكون بعده، الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين، وعجزت عن نعته أوهام الواصفين. ابتدع بقدرته الخلق ابتداعا واخترعهم على مشيئته اختراعا) فتقرأ دقيق معنى الأول والآخر وتنزه الله تعالى عن أن يحيط به بصر أو وهم، ودقيق معنى الخلق والتكوين.
ثم تقرأ أسلوبا آخر في بيان قدرته تعالى وتدبيره في الدعاء 6: (الحمد لله الذي خلق الليل والنهار بقوته وميز بينهما بقدرته، وجعل لكل منهما حداً محدوداً، يولج كل واحدٍ منهما في صاحبه ويولج صاحبه فيه، بتقدير منه للعباد فيما يغذوهم به وينشئهم عليه، فخلق لهم الليل ليسكنوا فيه من حركات التعب ونهضات النصب، وجعله لباساً ليلبسوا من راحته ومقامه، فيكون ذلك لهم جماماً وقوة لينالوا به لذة وشهوة) إلى آخر ما يذكر من فوائد خلق النهار والليل وما ينبغي أن يشكره الإنسان من هذه النعم.
وتقرأ أسلوباً آخر في بيان أن جميع الأمور بيده تعالى في الدعاء 7: "يا من تحل به عقد المكاره ويا من يفثأ به حد الشدائد، ويا من يلتمس به المخرج إلى روح الفرج، ذلت لقدرتك الصعاب، وتسببت بلطفك الأسباب، وجرى بقدرتك القضاء، ومضت على إرادتك الأشياء فهي بمشيئتك دون قولك مؤتمرة، وبإرادتك دون نهيك منزجرة".(الثاني) بيان فضل الله تعالى على العبد وعجز العبد عن أداء حقه، مهما بالغ في الطاعة والعبادة والانقطاع إليه تعالى، كما تقرأ في الدعاء 37: (اللهم إن أحداً لا يبلغ من شكرك غاية إلا حصل عليه من إحسانك ما يلزمه شكرا، ولا يبلغ مبلغاً من طاعتك وإن اجتهد إلا كان مقصراً دون استحقاقك بفضلك، فأشكرُ عبادك عاجزٌ عن شكرك وأعبدهم مقصرٌ عن طاعتك).
وبسبب عظم نعم الله تعالى على العبد التي لا تتناهى يعجز عن شكره فكيف إذا كان يعصيه مجترئاً، فمهما صنع بعد إذٍ لا يستطيع أن يكفّر عن معصية واحدة. وهذا ما تصوره الفقرات الآتية من الدعاء 16: (يا إلهي لو بكيتُ إليك حتى تسقط أشفار عيني، وانتحبتُ حتى ينقطع صوتي، وقمتُ لك حتى تتنشر قدماي، و ركعتُ لك حتى ينخلع صلبي، وسجدتُ لك حتى تتفقأ حدَقتاي، وأكلتُ تراب الأرضِ طول عمري وشربتُ ماء الرماد آخر دهري وذكرتكَ في خلال ذلكَ حتى يكلُّ لساني، ثم لم أرفع طرفي إلى آفاق السماء استحياءً منك، ما استوجبتُ بذلك محو سيئةٍ واحدةٍ من سيئاتي).(الثالث) التعريف بالثواب والعقاب والجنة والنار وأن ثواب الله تعالى كله تفضل، وأن العبد يستحق العقاب منه بأدنى معصية يجتري بها، والحجة عليه فيها لله تعالى. وجميع الأدعية السجادية تلهج بهذه النغمة المؤثرة، للإيحاء إلى النفس الخوف من عقابه تعالى والرجاء في ثوابه. وكلها شواهد على ذلك بأساليبها البليغة المختلفة التي تبعث في قلب المتدبر الرعب والفزع من الإقدام على المعصية.
مثل ما تقرأ في الدعاء 46: "حجتك قائمة لا تدحض، وسلطانك ثابت لا يزول، فالويل الدائم لمن جنح عنك، والخيبة الخاذلة لمن خاب منك، والشقاء الأشقى لمن اغترَّ بك. ما أكثر تصرفه في عذابك، وما أطول تردده في عقابك! وما أبعد غايته من الفرج! وما أقنطه من سهولة المخرج! عدلاً من قضائك لا تجور فيه، وإنصافا من حكمك لا تحيف عليه، فقد ظاهرت الحجج وأبليت الأعذار..".
ومثل ما تقرأ في الدعاء 31: "اللهم فارحم وحدتي بين يديك، ووجيب قلبي من خشيتك، واضطراب أركاني من هيبتك، فقد أقامتني -يارب- ذنوبي مقام الخزي بفنائك، فإن سكتُّ لم ينطق عني أحد، وإن شَفَعتُ فلستُ بأهل الشفاعة".
ومثل ما تقرأ في الدعاء 39: "فإنك إن تكافني بالحق تهلكني وإلا تغمَّدني برحمتك توبقني،..، وأستحملك من ذنوبي ما قد بهظني حمله وأستعين بك على ما قد فدحني ثقله، فصل على محمد وآله وهب لنفسي على ظلمها نفسي، ووكل رحمتك باحتمال إصري..".(الرابع) سوق الداعي بهذه الأدعية الى الترفّع عن مساوئ الأفعال وخسائس الصفات؛ لتنقية ضميره، وتطهير قلبه، مثل ما تقرأ في الدعاء 20: " اللّهمَّ وفِّرْ بلطفك نيّتي، وَصَحِّحْ بما عندكَ يقيني، واستصلِحْ بقدرتكَ ما فسدَ منّي…". "اللّهمَّ صلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّد ومتِّعني بهدىً صالحٍ لا استبدلُ به، وطريقةِ حقٍّ لا أزيغُ عنها، ونيّةِ رشدٍ لا أشكُّ فيها.اللّهمَّ لا تدعْ خصلةً تُعابُ منّي إلاّ أصلحتَها، ولا عائبةً أؤنَّبُ بها إِلاّ حسَّنتَها، ولا أكرومةً فيَّ ناقصةً إلاّ أتممتَها"
(الخامس) الإيحاء إلى الداعي بلزوم الترفُّع عن الناس وعدم التذلّل لهم، وألاّ يضع حاجته عند أحد غير الله، وأنّ الطمع بما في أيدي الناس من أخسِّ ما يتّصف به الاِنسان، مثل ما تقرأ في الدعاء 20: " ولا تفتنِّي بالاستعانةِ بغيركَ إذا اضطررتُ، ولا بالخشوع لسؤالِ غيركَ إذا افتقرتُ، ولا بالتضرُّع إلى منْ دونكَ إذا رهبتُ، فأستحقَّ بذلكَ خذلانَكَ ومنعَكَ وإعراضك".
ومثل ما تقرأ في الدعاء 28: " اللّهمَّ إنّي أخلصتُ بانقطاعي إليكَ وصرفتُ وجهي عمَّنْ يحتاجُ إلى رفدكَ، وقلبتُ مسألتي عمّنْ لمْ يستغن عن فضلكَ، ورأيتُ أنّ طلبَ المحتاجِ إلى المحتاجِ سفةٌ من رأيهِ، وضلَّةٌ من عقلِهِ".
ومثل ما تقرأ في الدعاء 13: " فَمنْ حاوَلَ سدّ خلّتِهِ من عندِكَ، ورامَ صرفَ الفقرَ عَنْ نفسِهِ بكَ، فقدْ طلبَ حاجَتَه في مظانِّها، وأتى طلبتَهُ من وجِهها. ومنْ توجَّهَ بحاجتِهِ إلى أحدٍ منْ خلقِكَ، أو جعلَهُ سببَ نُجحِها دونَك، فقدْ تعرَّضَ للحرمانِ، واستحقَّ منكَ فوتَ الإحسان ".(السادس) تعليم الناس وجوب مراعاة حقوق الآخرين، ومعاونتهم، والشفقة والرأفة من بعضهم لبعض، والإيثار فيما بينهم، تحقيقاً لمعنى الاَخوّة الإسلامية، مثل ما تقرأ في الدعاء 38: " اللّهمَّ إنّي أعتذرُ إليكَ منْ مظلومٍ ظُلِمَ بحضرتي فَلمْ أنصرْهُ، ومِنْ معروفٍ أُسديَ إليَّ فلمْ أشكْرهُ، ومِنْ مسيءٍ اعتذرَ إليَّ فلمْ أعذرْهُ، ومِنْ ذِي فاقةٍ سألني فلمْ أؤثرْهُ، ومِنْ حقِّ ذي حقٍّ لزمني لمؤمنٍ فلمْ أوفِّرْهُ، ومِنْ عيب مؤمنٍ ظهرَ لي فلمْ أستْرهُ.. " إِنّ هذا الاعتذار من أبدع ما ينبِّه النفس إلى ما ينبغي عمله من هذه الأخلاق الإلهية العالية.
وفي الدعاء 39 ما يزيد على ذلك؛ فيعلِّمك كيف يلزمك أن تعفو عمَّن أساء إليك، ويحذِّرك من الانتقام منه، ويسمو بنفسك إلى مقام القدّيسين: " اللّهمَّ وأيُّما عبدٍ نالَ منِّي ما حظرتَ عليهِ، وانتهكَ منِّي ما حجرتَ عليهِ، فمضَى بظلامتِي ميّتاً، أو حصلتْ لي قِبَلَهُ حَيّاً، فاغفرْ لَهُ ما ألمَّ بهِ منِّي، واعفُ لهُ عمّا أدبرَ بهِ عنِّي، ولا تقفهُ على ما ارتكبَ فيَّ، ولا تكشفهُ عمّا اكتسبَ بي، واجعلْ ما سمحتُ بهِ منَ العفوِ عنهمْ، وتبرَّعتُ من الصدقةِ عليهمْ أزكى صدقاتِ المتصدِّقينَ، وأعلى صِلاتِ المتقرِّبينَ، وعوِّضني منْ عفْوي عنهُمْ عفوَكَ، ومنْ دعائِي لهمْ رحمتَكَ؛ حتّى يسعَدَ كلُّ واحدٍ منّا بفضلِكَ".
وما أبدع هذه الفقرة الاَخيرة، وما أجمل وقعها في النفوس الخيِّرة؛ لتنبيهها على لزوم سلامة النيّة مع جميع الناس، وطلب السعادة لكلّ أحد حتّى من يظلمه ويعتدي عليه. ومثل هذا كثير في الأدعية السجادية، وما أكثر ما فيها من هذا النوع من التعاليم السماوية المهذِّبة لنفوس البشر لو كانوا يهتدون.
ومما امتازت به الإمامية العناية بزيارة القبور " قبور النبي والأئمة عليهم الصلاة والسلام " وتشييدها وإقامة العمارات الضخمة عليها ، ولأجلها يضحون بكل غال ورخيص عن إيمان وطيب نفس .
ومرد كل ذلك إلى وصايا الأئمة ، وحثهم شيعتهم على الزيارة ، وترغيبهم فيما لها من الثواب الجزيل عند الله تعالى ، باعتبار أنها من أفضل الطاعات والقربات بعد العبادات الواجبة ، وباعتبار أن هاتيك القبور من خير المواقع لاستجابة الدعاء الانقطاع إلى الله تعالى . وجعلوها أيضا من تمام الوفاء بعهود الأئمة ، ( إذ أن لكل إمام عهدا في عنق أوليائه وشيعته ، وان من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم ، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا بما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاؤهم يوم القيامة ) (1).
وفى زيارة القبور من الفوائد الدينية والاجتماعية ما تستحق العناية من أئمتنا ، فإنها في الوقت الذي تزيد من رابطة الولاء والمحبة بين الأئمة وأوليائهم ، وتجدد في النفوس ذكر مآثرهم وأخلاقهم وجهادهم في سبيل الحق تجمع في مواسمها أشتات المسلمين المتفرقين على صعيد واحد ، ليتعارفوا ويتآلفوا ، ثم تطبع في قلوبهم روح الانقياد إلى الله تعالى والانقطاع إليه وطاعة أوامره ، وتلقنهم في مضامين عبارات الزيارات البليغة الواردة عن آل البيت حقيقة التوحيد والاعتراف بقدسية الإسلام والرسالة المحمدية ، وما يجب على المسلم من الخلق العالي الرصين والخضوع إلى مدبر الكائنات وشكر آلائه ونعمه ، فهي من هذه الجهة تقوم بنفس وظيفة الأدعية المأثورة التي تقدم الكلام عليها ، بل بعضها يشتمل على أبلغ الأدعية وأسماها كزيارة ( أمين الله ) وهى الزيارة المروية عن الإمام " زين العابدين " عليه السلام حينما زار قبر جده " أمير المؤمنين " عليه السلام.
كما تفهم هذه الزيارات المأثورة مواقف الأئمة عليهم السلام وتضحياتهم في سبيل نصرة الحق وإعلاء كلمة الدين وتجردهم لطاعة الله تعالى ، وقد وردت بأسلوب عربي جزل ، وفصاحة عالية ، وعبارات سهلة يفهمها الخاصة والعامة ، وهى محتوية على أسمى معاني التوحيد ودقائقه والدعاء والابتهال إليه تعالى . فهي بحق من أرقى الأدب الديني بعد القرآن الكريم ونهج البلاغة والأدعية المأثورة عنهم ، إذ أودعت فيها خلاصة معارف الأئمة عليهم السلام فيما يتعلق بهذه الشئون الدينية والتهذيبية.
ثم إن في آداب أداء الزيارة أيضا من التعليم والإرشاد ما يؤكد من تحقيق تلك المعاني الدينية السامية ، من نحو رفع معنوية المسلم وتنمية روح العطف على الفقير ، وحمله على حسن العشرة والسلوك والتحبب إلى مخالطة الناس . فان من آدابها ما ينبغي أن يصنع قبل البدء بالدخول في ( المرقد المطهر ) وزيارته.
ومنها ما ينبغي أن يصنع في أثناء الزيارة وفيما بعد الزيارة . ونحن هنا نعرض بعض هذه الآداب للتنبيه على مقاصدها التي قلناها :
1- من آدابها أن يغتسل الزائر قبل الشروع بالزيارة ويتطهر ، وفائدة ذلك فيما نفهمه واضحة ، وهى أن ينظف الإنسان بدنه من الأوساخ ليقيه من كثير من الأمراض والأدواء ، ولئلا يتأفف من روائحه الناس (2) ، وأن يطهر نفسه من الرذائل . وقد ورد في المأثور أن يدعو الزائر بعد الانتهاء من الغسل لغرض تنبيهه على تلكم الأهداف العالية فيقول : ( اللهم اجعل لي نورا وطهورا وحرزا كافيا من كل داء وسقم ومن كل آفة وعاهة ، وطهر به قلبي وجوارحي وعظامي ولحمى ودمى وشعري وبشري ومخي وعظمى وما أقلت الأرض منى ، واجعل لى شاهدا يوم حاجتي وفقري وفاقتي ).
2- أن يلبس أحسن وأنظف ما عنده من الثياب ، فان في الأناقة في الملبس في المواسم العامة ما يحبب الناس بعضه إلى بعض ويقرب بينهم ويزيد في عزة النفوس والشعور بأهمية الموسم الذي يشترك فيه . ومما ينبغي أن نلفت النظر إليه في هذا التعليم أنه لم يفرض فيه أن يلبس الزائر أحسن الثياب على العموم ، بل يلبس أحسن ما يتمكن عليه . إذ ليس كل أحد يستطيع ذلك وفيه تضييق على الضعفاء لا تستدعيه الشفقة فقد جمع هذا الأدب بين ما ينبغي من الأناقة وبين رعاية الفقير وضعيف الحال.
3- أن يتطيب ما وسعه الطيب . وفائدته كفائدة أدب لبس أحسن الثياب.
4- أن يتصدق على الفقراء بما يعن له أن يتصدق به . ومن المعلوم فائدة التصديق في مثل هذه المواسم ، فان في معاونة المعوزين وتنمية روح العطف عليهم.
5- أن يمشى على سكينة ووقار غاضا من بصره . وواضح ما في هذا من توقير للحرم والزيارة وتعظيم للمزور وتوجه إلى الله تعالى وانقطاع إليه ، مع ما في ذلك من اجتناب مزاحمة الناس ومضايقتهم في المرور وعدم إساءة بعضهم إلى بعض.
6- أن يكبر بقول : " الله أكبر " ويكرر ذلك ما شاء . وقد تحدد في بعض الزيارات إلى أن تبلغ المائة . وفى ذلك فائدة إشعار النفس بعظمة الله وانه لا شيء أكبر منه . وأن الزيارة ليست إلا لعبادة الله وتعظيمه وتقديسه في إحياء شعائر الله وتأييد دينه.
7- وبعد الفراغ من الزيارة للنبي أو الإمام يصلى ركعتين على الأقل ، تطوعا وعبادة الله تعالى ليشكره على توفيقه إياه ، ويهدي ثواب الصلاة إلى المزور . وفى الدعاء المأثور الذي يدعو به الزائر بعد هذه الصلاة ما يفهم الزائر ، أن صلاته وعمله إنما هو لله وحده وإنه لا يعبد سواه ، وليست الزيارة إلا نوع التقرب إليه تعالى زلفى ، إذ يقول :
" اللهم لك صليت ولك ركعت ولك سجدت وحدك لا شريك لك ، لأنه لا تكون الصلاة والركوع والسجود إلا لك ، لأنك أنت الله لا إله إلا أنت . اللهم صل على محمد وآل محمد ، وتقبل منى زيارتي وأعطني سؤلي بمحمد وآله الطاهرين ".
وفى هذا النوع من الأدب ما يوضح لمن يريد أن يفهم الحقيقة عن مقاصد الأئمة وشيعتهم تبعا لهم في زيارة القبور ، وما يلقم المتجاهلين حجرا حينما يزعمون أنها عندهم من نوع عبادة القبور والتقرب إليها والشرك بالله . وأغلب الظن إن غرض أمثال هؤلاء هو التزهيد فيما يجلب لجماعة الإمامية من الفوائد الاجتماعية الدينية في مواسم الزيارات ، إذ أصبحت شوكة في أعين أعداء آل بيت محمد ، وإلا فما نظنهم يجهلون حقيقة مقاصد آل البيت فيها . حاشا أولئك الذين أخلصوا لله نياتهم وتجردوا له في عباداتهم ، وبذلوا مهجهم في نصرة دينه أن يدعوا الناس إلى الشرك في عبادة الله.8- ومن آداب الزيارة ( أن يلزم للزائر حسن الصحبة لمن يصحبه وقلة الكلام إلا بخير ، وكثرة ذكر الله (3) ، والخشوع وكثرة الصلاة والصلاة على محمد وآل محمد ، وأن يغض من بصره ، وأن يعدو إلى أهل الحاجة من إخوانه إذا رأى منقطعا ، والمواساة لهم ، والورع عما نهى عنه وعن الخصومة وكثره الإيمان والجدال الذي فيه الإيمان ) (4).
ثم أنه ليست حقيقة الزيارة إلا السلام على النبي أو الإمام باعتبار أنهم " أحياء عند ربهم يرزقون " ، فهم يسمعون الكلام ويردون الجواب : ويكفى أن يقول فيها مثلا : ( السلام عليك يا رسول الله ) غير أن الأولى أن يقرأ فيها المأثور الوارد من الزيارات عن آل البيت ، لما فيها ـ كما ذكرنا ـ من المقاصد العالية والفوائد الدينية ، مع بلاغتها وفصاحتها ، ومع ما فيها من الأدعية العالية التي يتجه بها الإنسان إلى الله تعالى وحده.
(1) من قول الإمام الرضا عليه السلام. راجع كامل الزيارات لابن قولويه ص177
(2) قال أمير المؤمنين عليه السلام: "تنظفوا بالماء من الريح المنتنة وتعهدوا أنفسكم، فإن الله يبغض من عباده القاذورة الذي يتأفف من جلس إليه". تحف العقول ص24
(3) ليس المراد من كثرة ذكر الله تكرار التسبيح والتكبير ونحوهما فقط، بل المراد ما ذكره الصادق عليه السلام في بعض الحديث في تفسير ذكر الله كثيرا أنه قال: "أما إني لا أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وإن كان هذا من ذاك ولكن ذكر الله في كل موطن إذا هممت على طاعة أو معصية".
(4) راجع كامل الزيارات ص 131
37- عقيدتنا في معنى التشيع عند آل البيت:
إن الائمة من آل البيت عليهم السلام لم تكن لهم همة ـ بعد أن انصرفوا عن أن يرجع أمر الامة إليهم ـ إلا تهذيب المسلمين وتربيتهم تربية صالحة كما يريدا الله تعالى منهم ، فكانوا مع كل من يواليهم ويأتمنونه على سرهم يبذلون قصارى جهدهم في تعليمه الاحكام الشرعية وتلقينه المعارف المحمدية ، ويعرفون ماله وما عليه.ولا يعتبرون الرجل تابعا وشيعة لهم إلا اذا كان مطيعا لامر الله مجانبا لهواه آخذا بتعاليمهم وإرشاداتهم . ولا يعتبرون حبهم وحده كافيا للنجاة كما قد يمنى نفسه بعض من يسكن إلى الدعة والشهوات ويلتمس عذرا في التمرد على طاعة الله سبحانه . انهم لا يعتبرون حبهم وولاءهم منجاة إلا اذا اقترن بالاعمال الصالحة وتحلى الموالى لهم بالصدق والامانة والورع والتقوى .
" يا خيثمة ! ابلغ الينا انه لا نغنى عنهم من الله شيئا إلا بعمل ، وانهم لن ينالوا ولايتنا إلا بالورع ، وإن أشد الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلا ثم خالفه إلى غيره " (1).
بل هم يريدون من أتباعهم أن يكونوا دعاة للحق وأدلاء على الخير والرشاد ، ويرون أن الدعوة بالعمل أبلغ من الدعوة باللسان : " كونوا دعاة للناس بالخير بغير ألسنتكم ، ليروا منكم الاجتهاد والصدق والورع " (2).
ونحن نذكر لك الآن بعض المحاورات التى جرت لهم مع بعض اتباعهم ، لتعرف مدى تشديدهم وحرصهم على تهذيب أخلاق الناس :
1- محاورة أبى جعفر الباقر عليه السلام مع جابر الجعفى (3) :
" يا جابر ! أيكتفى من ينتحل ( التشيع ) أن يقول بحبنا أهل البيت ! فوالله ما ( شيعتنا ) إلا من اتقى الله وأطاعه "
. " وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع ، والتخشع ، والامانة ، وكثرة ذكر الله ، والصوم والصلاة ، والبر بالوالدين ، والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والايتام ، وصدق الحديث . وتلاوة القرآن وكف الالسن عن الناس إلا من خير ، وكانوا أمناء عشائرهم في الاشياء " . فاتقوا الله واعملوا لما عند الله ! ليس بين الله وبين أحد قرابة. أحب العباد إلى الله عزوجل أتقاهم وأعملهم بطاعته (4) ".
" يا جابر والله ما نتقرب إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة ، وما معنا براءة من النار ، ولا على الله لاحد من حجة من كان لله مطيعا فهو لنا ولى ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدو . وما تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع " .2- محاورة أبى جعفر أيضا مع سعيد بن الحسن (5) :
أبوجعفر : أيجيء أحدكم إلى أخيه فيدخل يده في كيسه فيأخذ حاجته فلا يدفعه ؟
سعيد : ما أعرف ذلك فينا .
أبوجعفر : فلا شيء إذن .
سعيد : فالهلاك إذن
أبوجعفر : أن القوم لم يعطوا أحلامهم بعد.3- محاورة أبى عبدالله الصادق ( ع ) مع أبى الصباح الكنانى (6) :الكنانى : لابى عبدالله : ما نلقى من الناس فيك ؟
أبوعبدالله : وما الذي تلقى من الناس ؟
الكنانى : لا يزال يكون بيننا وبين الرجل الكلام ، فيقول : جعفري خبيث .
أبوعبدالله يعيركم الناس بى ؟
الكنانى : نعم !
أبوعبدالله : ما أقول والل من يتبع جعفرا منكم ! إنماأصحابى من اشتد ورعه ، وعمل لخالقه ، ورجا ثوابه . هؤلاء أصحابي!4- ولأبي عبدالله عليه السلام كلمات في هذا الباب نقتطف منها ما يلى :
أ ـ ( ليس منا ـ ولا كرامة ـ من كان في مصر في مائة ألف أو زيدون ، كان في ذلك المصر أحد أورع منه ) .
ب ـ ( إنا لا نعد الرجل مؤمنا حتى يكون لجميع أمرنا متبعا ومريدا ألا وإن من اتباع أرمنا وارادته الورع . فتزينوا به يرحمكمالله).
ج ـ ( ليس من شيعتنا من لا تتحدث المخدرات بورعه في خدورهن ، وليس من ألويائنا من هو في قرية فها عشرة آلاف رجل فيهم خلق الله أورع منه ) .
د ـ ( إنما شيعة " جعفر " من عف بطنه وفرجه واشتد جهاده وعمل لخالقه ورجا ثوابه وخاف عقابه . فاذا رأيت أولئك فاولئك شيعة جعفر )( 1 ) أصول الكافى كتاب الايمان باب زيارة الاخوان .
( 2 ) نفس المصدر باب الورع .
( 3 ) نفص المصدر باب الطاعة والتقوى .
( 4 ) وبهذا المعنى قال أمير المؤمنين في خطبته القاصعة : " ان حكمه في أهل السماء واهل الارض واحد ، وما بين الله وبين أحد من خلقه هوادة في اباحة حمى حرمه على العالمين " .
( 5 ) اصول الكافى كتاب الايمان : باب حق المؤمن على اخيه .
( 6) نفس المصدر باب الورع .
38 ـ عقيدتنا في الجور والظلم
من أكبر ما كان يعظِّمه الأئمة عليهم السلام على الإنسان من الذنوب العدوان على الغير والظلم للناس، وذلك اتّباعاً لما جاء في القرآن الكريم من تهويل الظلم واستنكاره، مثل قوله تعالى: (وَلا تَحسَبَنَّ اللهَ غفِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّـلِمونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُم لِيَوْمٍ تَشخَصُ فيه الاْبصرُ)(1).
وقد جاء في كلام أمير المؤمنين عليه السلام ما يبلغ الغاية في بشاعة الظلم والتنفير منه، كقوله ـ وهو الصادق المصدَّق ـ من كلامه في نهج البلاغة برقم 219.
«واللهِ لَو أُعطِيتُ الأقاليم السَّبعةَ بما تَحتَ أَفلاكِها على أنْ أَعصِي اللهَ في نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جِلْبَ شَعِيرةٍ ما فَعَلْتُ»(2).
وهذا غاية ما يمكن أن يتصوَّره الإنسان في التعفُّف عن الظلم، والحذر من الجور، واستنكار عمله.
إنّه لا يظلم نملة في قشرة شعيرة وإن أُعطي الأقاليم السبعة، فكيف حال من يلغ في دماء المسلمين، وينهب أموال الناس، ويستهين في أعراضهم وكراماتهم؟! كيف يكون قياسه إلى فعل أمير المؤمنين؟! وكيف تكون منزلته من فقهه صلوات الله عليه؟
إنّ هذا هو الأدب الإلهي الرفيع الذي يتطلَّبه الدين من البشر.
نعم، إنّ الظلم من أعظم ما حرَّم الله تعالى، فلذا أخذ من أحاديث آل البيت وأدعيتهم المقام الأول في ذمّه وتنفير أتباعهم عنهوهذه سياستهم عليهم السلام، وعليها سلوكهم حتّى مع من يعتدي عليهم، ويجترئ على مقامهم.
وقصّة الإمام الحسن عليه السلام معروفة في حلمه عن الشامي الذي اجترأ عليه وشتمه، فلاطفه الإمام وعطف عليه، حتّى أشعره بسوء فعلته(3).
وقد قرأت آنفاً في دعاء سيد الساجدين من الأدب الرفيع في العفو عن المعتدين، وطلب المغفرة لهم، وهو غاية ما يبلغه السموَّ النفسي، والإنسانية الكاملة، وإن كان الاعتداء على الظالم بمثل ما اعتدى جائزاً في الشريعة(4) وكذا الدعاء عليه جائز مباح، ولكن الجواز شيء، والعفو ـ الذي هو من مكارم الأخلاق ـ شيء آخر، بل عند الأئمة أنّ المبالغة في الدعاء على الظالم قد تعدّ ظلماً، قال الصادق عليه السلام: «إنّ العبد ليكون مظلوماً فما يزال يدعو حتى يكون ظالماً»(5) أي حتّى يكون ظالماً في دعائه على الظالم بسبب كثرة تكراره.
يا سبحان الله! أيكون الدعاء على الظالم إذا تجاوز الحد ظلماً؟ إذن ما حال من يبتدئ بالظلم والجور، ويعتدي على الناس، أو ينهش أعراضهم، أو ينهب أموالهم، أو يشي عليهم عند الظالمين، أو يخدعهم فيورّطهم في المهلكات، أو ينبزهم ويؤذيهم، أو يتجسّس عليهم؟ ما حال أمثال هؤلاء في فقه آل البيت عليهم السلام.
إنّ أمثال هؤلاء أبعد الناس عن الله تعالى، وأشدّهم إثماً وعقاباً، وأقبحهم أعمالاً وأخلاقاً.(1) إبراهيم 14: 42.
(2) نهج البلاغة: (من كلام له عليه السلام يتبرأ من الظلم).
(3) راجع مناقب ابن شهر آشوب: 4/ 19 فقد ذكر هذه القصة عن المبرّد وابن عائشة، قال: إنّ شامياً رآه راكباً فجعل يلعنه والحسن لا يرد، فلمّا فرغ أقبل الحسن عليه فسلم عليه وضحك وقال: «أيها الشيخ أظنك غريباً، ولعلك شبهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرّكت رحلك إلينا وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك؛ لاَن لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً». فلما سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال: اشهد أنّك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالاته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إلي، والآن أنت أحب خلق الله إلي. وحوّل رحله إليه وكان ضيفه إلى أن ارتحل، وصار معتقداً لمحبتهم.
(4) فقد قال تعالى: (فَمنِ اعْتدَى عَليْكَمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا الله وَاعْلَموُا أنَّ اللهَ مَعَ الْمُتّقِينَ) البقرة 2: 194.
(5) الكافي: 2/ 250 ح17، عقاب الأعمال: 274.
39 ـ عقيدتنا في التعاون مع الظالمين
ومن عظم خطر الظلم وسوء مغبته أن نهى الله تعالى عن معاونة الظالمين والركون إليهم (وَلاَ تَركُنوا إلى الَّذِينَ ظَلَموُا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ومَا لَكُمْ مِن دُونِ اللهِ مِنْ أَولياءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ)(1).
هذا هو أدب القرآن الكريم، وهو أدب آل البيت عليهم السلام، وقد ورد عنهم ما يبلغ الغاية من التنفير عن الركون إلى الظالمين، والاتّصال بهم، ومشاركتهم في أي عمل كان، ومعاونتهم، ولو بشق تمرة(2).ولا شك أنّ أعظم ما مُني به الإسلام والمسلمون هو التساهل مع أهل الجور، والتغاضي عن مساوئهم، والتعامل معهم، فضلاً عن ممالأتهم ومناصرتهم وإعانتهم على ظلمهم. وما جرَّ الويلات على الجامعة الإسلامية إلاّ ذلك الانحراف عن جدد الصواب والحق، حتى ضعف الدين بمرور الاَيام، فتلاشت قوّته، ووصل إلى ما عليه اليوم، فعاد غريباً، وأصبح المسلمون أو ما يسمّون أنفسهم بالمسلمين، وما لهم من دون الله أولياء ثم لا ينصرون(3) حتى على أضعف أعدائهم، وأرذل المجترئين عليهم، كاليهود الاَذلاّء، فضلاً عن الصليبيين الأقوياء.
لقد جاهد الأئمة عليهم السلام في إبعاد من يتّصل بهم عن التعاون مع الظالمين، وشدّدوا على أوليائهم في مسايرة أهل الظلم والجور وممالأتهم. ولا يحصى ما ورد عنهم في هذا الباب، ومن ذلك ما كتبه الإمام زين العابدين عليه السلام إلى محمد بن مسلم الزهري بعد أن حذره عن إعانة الظلمة على ظلمهم:"أو ليس بدعائهم إيّاك حين دعوك جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم، وسلَّماً إلى ضلالتهم، داعياً إلى غيّهم، سالكاً سبيلهم، يدخلون بك الشك على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهّال إليهم، فلم يبلغ أخص وزرائهم، ولا أقوى أعوانهم إلاّ دون ما بلغت من إصلاح فسادهم، واختلاف الخاصة والعامة إليهم، فما أقلّ ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك، وما أيسر ما عمَّروا لك في جنب ما خرَّبوا عليك. فانظر لنفسك؛ فإنّه لا ينظر لها غيرك، وحاسبها حساب رجل مسؤول…"(4).
ما أعظم كلمة «وحاسبها حساب رجل مسؤول»؛ فإنّ الإنسان حينما يغلبه هواه يستهين في أغوار مكنون سرّه بكرامة نفسه، بمعنى إنّه لا يجده مسؤولاً عن أعماله، ويستحقر ما يأتي به من أفعال، ويتخيَّل أنّه ليس بذلك الذي يُحسب له الحساب على ما يرتكبه ويقترفه إنّ هذا من أسرار النفس الإنسانية الأمارة، فأراد الإمام أن ينبِّه الزهري على هذا السر النفساني في دخيلته الكامنة؛ لئلاّ يغلب عليه الوهم فيفرط في مسؤوليته عن نفسه.
وأبلغ من ذلك في تصوير حرمة معاونة الظالمين حديث صفوان الجمَّال مع الإمام موسى الكاظم عليه السلام، وقد كان من شيعته، ورواة حديثه الموثّقين قال ـ حسب رواية الكشي في رجاله بترجمة صفوان ـ:
دخلت عليه فقال لي: «يا صفوان كلّ شيء منك حسن جميل، خلا شيئاً واحداً».
قلت: جعلت فداك! أيّ شيء؟
قال: «إكراؤك جمالك من هذا الرجل ـ يعني هارون ـ».
قلت: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً، ولا للصيد، ولا للهو، ولكن أكريته لهذا الطريق ـ يعني طريق مكة ـ ولا أتولاّه بنفسي، ولكن أبعث معه غلماني.
قال: «يا صفوان أيقع كراؤك عليهم؟»
قلت: نعم جعلت فداك.
قال: «أتحب بقاءهم حتى يخرج كراك؟»
قلت: نعم.
قال: «فمن أحبّ بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم فهو كان ورد النار».
قال صفوان: فذهبت وبعت جمالي عن آخرها(5).
فإذا كان نفس حب حياة الظالمين وبقائهم بهذه المنزلة، فكيف بمن يستعينون به على الظلم، أو يؤيدهم في الجور، وكيف حال من يدخل في زمرتهم، أو يعمل بأعمالهم، أو يواكب قافلتهم، أو يأتمر بأمرهم؟!(1) هود 11: 113.
(2) انظر: وسائل الشيعة: 183/17 ـ باب تحريم معونة الظالمين ـ.
(3) إشارة إلى الآية 113 من سورة هود. المذكورة أعلاه.
(4) تحف العقول: 275.
(5) رجال الكشي: 440 ح828.
40- عقيدتنا في الوظيفة في الدولة الظالمة:
إذا كان معاونة الظالمين ولو بشق تمرة، بل حب بقائهم، من أشد ما حذَّر عنه الأئمة عليهم السلام، فما حال الاشتراك معهم في الحكم، والدخول في وظائفهم وولاياتهم؟ بل ما حال من يكون من جملة المؤسسين لدولتهم، أو من كان من أركان سلطانهم، والمنغمسين في تشييد حكمهم «وذلك أن ولاية الجائر دروس الحق كلّه، وإحياء الباطل كلّه، وإظهار الظلم والجور والفساد»(1) كما جاء في حديث «تحف العقول» عن الصادق عليه السلام.
غير أنّه ورد عنهم عليهم السلام جواز ولاية الجائر إذا كان فيها صيانة العدل، وإقامة حدود الله، والإحسان إلى المؤمنين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر «إن لله في أبواب الظلمة مَنْ نوَّر الله به البرهان، ومكَّن له في البلاد، فيدفع بهم عن أوليائه، ويصلح بهم أمور المسلمين... أولئك هم المؤمنون حقّاً، أولئك منار الله في أرضه، أولئك نور الله في رعيته...» كما جاء في الحديث عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام(2).
وفي هذا الباب أحاديث كثيرة توضّح النهج الذي ينبغي أن يجري عليه الولاة والموظفون، مثل ما في رسالة الصادق عليه السلام إلى عبدالله النجاشي أمير الأهواز (راجع الوسائل - كتاب البيع - الباب - 78 ).
(1) تحف العقول: 332.
(2) بحار الأنوار: 75/381 ح46. عن منية المريد. وفيه الحديث عن الامام الرضا عليه السلام.
41- عقيدتنا في الدعوة إلى الوحدة الإسلامية :
عرف آل البيت عليهم السلام بحرصهم على بقاء مظاهر الإسلام ، والدعوة إلى عزته ، ووحدة كلمة أهله ، وحفظ التآخى بينهم ، ورفع السخيمة من القلوب ، والأحقاد من النفوس.
ولا ينسى موقف أمير المؤمنين عليه السلام مع الخلفاء الذين سبقوه ، مع توجده عليهم واعتقاده بغصبهم لحقه ، فجاراهم وسالمهم بل حبس رأيه في أنه المنصوص عليه بالخلافة ، حتى انه لم يجهر في حشد عام بالنص إلا بعد أن آل الأمر إليه فاستشهد بمن بقى من الصحابة عن نص ( الغدير ) في يوم ( الرحبة ) المعروف . وكان لا يتأخر عن الإشارة عليهم فيما يعود على المسلمين أو للإسلام بالنفع والمصلحة وكم كان يقول عن ذلك العهد : ( فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلما أو هدما ).
كما لم يصدر منه ما يؤثر على شوكة ملكهم أو يضعف من سلطانهم أو يقلل من هيبتهم ، فانكمش على نفسه وجلس حلس البيت ، بالرغم مما كان يشهده منهم . كل ذلك رعاية لمصلحة الإسلام العامة ، ورعاية أن لا يرى في الإسلام ثلما أو هدما ، حتى عرف ذلك منه ، وكان الخليفة عمر بن الخطاب يقول ويكرر القول : ( لا كنت لمعضلة ليس لها أبو الحسن ) أو ( لو لا على لهلك عمر ).
ولا ينسى موقف الحسن بن على عليه السلام من الصلح مع معاوية بعد أن رأى أن الإصرار على الحرب سيديل من ثقل الله الأكبر ومن دولة العدل بل اسم الإسلام إلى آخر الدهر ، فتمحى الشريعة الإلهية ويقضى على البقية الباقية من آل البيت ، ففضل المحافظة على ظواهر الإسلام واسم الدين ، وإن سالم معاوية العدو الألد للدين وأهله والخصم الحقود له ولشيعته ، مع ما يتوقع من الظلم والذل له ولاتباعه وكانت سيوف بنى هاشم وسيوف شيعته مشحوذة تأبى أن تغمد ، دون أن تأخذ بحقها من الدفاع والكفاح ، ولكن مصلحة الإسلام العليا كانت عنده فوق جميع هذه الاعتبارات.
وأما الحسين الشهيد عليه السلام فلئن نهض فلأنه رأى من بنى أمية إن دامت الحال لهم ولم يقف في وجههم من يكشف سوء نياتهم ، سيمحون ذكر الإسلام ويطيحون بمجده ، فأراد أن يثبت للتاريخ جورهم وعدوانهم ويفضح ما كانوا يبيتونه لشريعة الرسول ، وكان ما أراد . ولولا نهضته المباركة لذهب الإسلام في خبر كان يتلهى بذكره التاريخ كأنه دين باطل ، وحرص الشيعة على تجديد ذكراه بشتى أساليبهم إنما هو لاتمام رسالة نهضته في مكافحة الظلم والجور ولإحياء أمره امتثالا لأوامر الأئمة من بعده.
ويتجلى لنا حرص آل البيت عليهم السلام على بقاء عز الإسلام وإن كان ذو السلطة من ألد أعدائهم ، في موقف الإمام زين العابدين عليه السلام من ملوك بنى أمية ، وهو الموتور لهم ، والمنتهكة في عهدهم حرمته وحرمه ، والمحزون على ما صنعوا مع أبيه وأهل بيته في واقعة كربلاء ، فانه ـ مع كل ذلك ـ كان يدعو في سره لجيوش المسلمين بالنصر وللإسلام بالعز وللمسلمين بالدعة والسلامة ، وقد تقدم أنه كان سلاحه الوحيد في نشر المعرفة هو الدعاء ، فعلم شيعته كيف يدعون للجيوش الإسلامية والمسلمين ، كدعائه المعروف ب ( دعاء أهل الثغور )الذي يقول فيه : ( اللهم صل على محمد وآل محمد ، وكثر عددهم ، واشحذ أسلحتهم ، واحرس حوزتهم ، وامنع حومتهم ، وألف جمعهم ودبر أمرهم ، وواتر بين ميرهم ، وتوحد بكفاية مؤنهم ، واعضدهم بالنصر ، وأعنهم بالصبر ، والطف لهم في المكر ) إلى أن يقول ـ بعد أن يدعو على الكافرين ـ : ( اللهم وقو ـ بذلك محال أهل الإسلام ، وحصن به ديارهم ، وثمر به أموالهم ، وفرغهم عن محاربتهم لعبادتك ، وعن منابذتهم للخلوة بك ، حتى لا يعبد في بقاع الأرض غيرك ، ولا تعفر لأحد منهم جبهة دونك ) ( 1 ).
وهكذا يمضى في دعائه البليغ ـ وهو من أطول أدعيته ـ في توجيه الجيوش المسلمة إلى ما ينبغي لها من مكارم الاخلاق وأخذ العدة للأعداء ، وهو يجمع إلى التعاليم الحربية للجهاد الإسلامي بيان الغاية منه وفائدته ، كما ينبه المسلمين إلى نوع الحذر من أعدائهم وما يجب أن يتخذوه في معاملتهم ومكافحتهم ، وما يجب عليهم من الانقطاع إلى الله تعالى والانتهاء عن محارمه ، والإخلاص لوجهه الكريم في جهادهم.
وكذلك باقي الأئمة عليهم السلام في مواقفهم مع ملوك عصرهم ، وإن لاقوا منهم أنواع الضغط والتنكيل بكل قساوة وشدة ، فانهم لما علموا أن دولة الحق لا تعود إليهم انصرفوا إلى تعليم الناس معالم دينهم وتوجيه أتباعهم التوجيه الديني العالي . وكل الثورات التي حدثت في عصرهم من العلويين وغيرهم لم تكن عن اشارتهم ورغبتهم ، بل كانت كلها مخالفة صريحة لأوامرهم وتشديداتهم ، فانهم كانوا أحرص على كيان الدولة الإسلامية من كل أحد حتى من خلفاء بنى العباس أنفسهم.
وكفى أن نقرأ وصية الإمام موسى بن جعفر عليه السلام لشيعته ( لا تذلوا رقابكم بترك طاعة سلطانكم ، فان كان عادلا فاسألوا الله بقاه ، وإن كان جائرا فاسألوا الله إصلاحه ، فإن صلاحكم في صلاح سلطانكم ، وان السلطان العادل بمنزلة الوالد الرحيم فأحبوا له ما تحبون لأنفسكم ، واكرهوا له ما تكرهون لأنفسكم ) ( 2 ).
وهذا غاية ما يوصف في محافظة الرعية على سلامة السلطان أن يحبوا له ما يحبون لأنفسهم ، ويكرهوا له ما يكرهون لها.
وبعد هذا ، فما أعظم تجنى بعض كتاب العصر إذ يصف الشيعة بأنهم جمعية سرية هدامة . أو طائفة ثورية ناقمة . صحيح ان من خلق الرجل المسلم المتبع لتعاليم آل البيت عليهم السلام بغض الظلم والظالمين والانكماش عن أهل الجور والفسوق ، والنظرة إلى أعوانهم وأنصارهم نظرة الاشمئزاز والاستنكار ، والاستيحاش والاستحقار ، وما زال هذا الخلق متغلغلا في نفوسهم يتوارثونه جيلا بعد جيل ، ولكن مع ذلك ليس من شيمتهم الغدر والختل ، ولا من طريقتهم الثورة والانتفاض على السلطة الدينية السائدة باسم الإسلام ، لا سرا ولا علنا ، ولا يبيحون لأنفسهم الاغتيال أو الوقيعة بمسلم مهما كان مذهبه وطريقته ، أخذا بتعاليم أئمتهم عليهم السلام ، بل المسلم الذي يشهد الشهادتين مصون المال محقون الدم ، محرم العرض ( لا يحل مال امريء مسلم إلا بطيب نفسه ) بل المسلم أخو المسلم عليه من حقوق الاخوة لأخيه ما يكشف عنه البحث الآتي :
( 1 ) ما اجمل هذا الدعاء . واجدر بالمسلمين في هذه العصور أن يتلو هذا الدعاء ليعتبروا به وليبتهلوا إلى الله تعالى في جمع كلمتهم وتوحيد صفوفهم وتنوير عقولهم .
( 2 ) الوسائل في كتاب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الباب 17
42 ـ عقيدتنا في حق المسلم على المسلم:
إن من أعظم وأجمل ما دعا إليه الدين الإسلامي هو التآخي بين المسلمين على اختلاف طبقاتهم ومراتبهم ومنازلهم. كما أن من أوطأ وأخس ما صنعه المسلمون اليوم وقبل اليوم هو تسامحهم بالأخذ بمقتضيات هذه الاخوة الإسلامية.
لأن من أيسر مقتضياتهاـ كما سيجيء في كلمة الإمام الصادق عليه السلام ـ أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه.
أنعم النظر وفكر في هذه الخصلة اليسيرة في نظر آل البيت عليهم السلام ، فستجد أنها من أشق ما يفرض طلبه من المسلمين اليوم ، وهم على مثل هذه الأخلاق الموجودة عندهم البعيدة عن روحية الإسلام ، فكر في هذه الخصلة لو قدر للمسلمين أن ينصفوا أنفسهم ويعرفوا دينهم حقا ويأخذوا بها فقط أن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه ـ لما شاهدت من أحد ظلما ولا اعتداء ، ولا سرقة ولا كذبا ، ولا " غيبة " ولا نميمة ، ولا تهمة بسوء ولا قدحا بباطل ، ولا إهانة ولا تجبرا.
بلى : إن المسلمين لو وقفوا لإدراك أيسر خصال الاخوة فيما بينهم وعملوا بها لارتفع الظلم والعدوان من الأرض ، ولرأيت البشر إخوانا على سرر متقابلين قد كملت لهم أعلى درجات السعادة الاجتماعية ولتحقق حلم الفلاسفة الأقدمين في المدينة الفاضلة ، فما احتاجوا حينما يتبادلون الحب والمودة إلى الحكومات والمحاكم ، ولا إلى الشرطة والسجون ، ولا إلى قانون للعقوبات وأحكام للحدود والقصاص ، ولما خضعوا لمستعمر ولا خنعوا لجبار ، ولا استبد بهم الطغاة ، ولتبدلت الأرض غير الأرض وأصبحت جنة النعيم ودار السعادة.
أزيدك ، أن قانون المحبة لو ساد بين البشر ، كما يريده الدين بتعاليم الاخوة ـ لانمحت من قاموس لغاتنا كلمة ( العدل ) ، بمعنى أنا لم نعد نحتاج إلى العدل وقوانينه حتى نحتاج إلى استعمال كلمته بل كفانا قانون الحب لنشر الخير والسلام ، والسعادة والهناء ، لان الإنسان لا يحتاج إلى استعمال العدل ولا يطلبه القانون منه إلا إذا فقد الحب فيمن يجب أن يعدل معه ، أما فيمن يبادله الحب كالولد والأخ إنما يحسن إليه ويتنازل له عن جملة من رغباته فبدافع من الحب والرغبة عن طيب خاطر ، لا بدافع العدل والمصلحة.
وسر ذلك أن الإنسان لا يحب إلا نفسه وما يلائم نفسه ، ويستحيل أن يحب شيئا أو شخصا خارجا عن ذاته إلا إذا ارتبط به وانطبعت في نفسه منه صورة ملائمة مرغوبة لديه . كما يستحيل أن يضحي بمحض اختياره له ، في رغباته ومحبوباته لأجل شخص آخر لا يحبه ولا يرغب فيه ، إلا اذا تكونت عنده عقيدة أقوى من رغباته مثل عقيدة حسن العدل والإحسان ، وحينئذ إذ يضحي بإحدى رغباته إنما يضحي لأجل رغبة أخرى أقوى كعقيدته بالعدل إذا حصلت التي تكون جزء من رغباته بل جزء من نفسه.
وهذه العقيدة المثالية لأجل أن تتكون في نفس الإنسان تتطلب منه أن يسمو بروحه على الاعتبارات المادية ، ليدرك المثال الأعلى في العدل والإحسان إلى الغير ، وذلك بعد أن يعجز أن يتكون في نفسه شعور الاخوة الصادق والعطف بينه وبين أبناء نوعه.
فأول درجات المسلم التي يجب أن يتصف بها أن يحصل عنده الشعور بالاخوة مع الآخرين فإذا عجز عنها ـ وهو عاجز على الأكثر لغلبة رغباته الكثيرة وأنانيته ـ فعليه أن يكون في نفسه عقيدة في العدل والإحسان اتباعا للإرشادات الإسلامية ، فاذا عجز عن ذلك فلا يستحق أن يكون مسلما إلا بالاسم وخرج عن ولاية الله ولم يكن لله فيه نصيب على حد التعبير الآتي للإمام . والإنسان على الأكثر تطغى عليه شهواته العارمة فيكون من أشق ما يعانيه أن يهيئ نفسه لقبول عقيدة العدل ، فضلا عن أن يحصل عليها عقيدة كاملة تفوق بقوتها على شهواته.
فلذلك كان القيام بحقوق الاخوة من أشق تعاليم الدين إذا لم يكن عند الإنسان ذلك الشعور الصادق بالاخوة . ومن أجل هذا أشفق الإمام أبو عبدالله الصادق عليه السلام أن يوضح لسائله وهو أحد أصحابه " المعلى بن خنيس " عن حقوق الإخوان أكثر مما ينبغي أن يوضح له خشية أن يتعلم ما لا يستطيع ان يعمل به .
قال المعلى (1) :
قلت له ما حق المسلم على المسلم ؟
قال أبو عبدالله : له سبع حقوق واجبات ، ما منهن حق إلا وهو عليه واجب ، إن ضيع منها شيئا خرج من ولاية الله وطاعته ، ولم بكن لله فيه نصيب .
قلت له : جعلت فداك ! وما هي ؟
قال : يا معلى إنى عليك شفيق ، أخاف أن تضيع ولا تحفظ ، وتعلم ولا تعمل .
قلت : لا قوة إلا بالله .
وحينئذ ذكر الإمام الحقوق السبعة بعد أن قال عن الاول منها : ( أيسر حق منها أن تحب له كما تحب لنفسك ، وتكره له ما تكره لنفسك ) .
يا سبحان الله ! هذا هو الحق اليسير ! فكيف نجد ـ نحن المسلمين اليوم ـ يسر هذا الحق علينا ؟ شاهت وجوه تدعى الإسلام ولا تعمل بأيسر ما يفرضه من حقوق . والأعجب أن يلصق بالإسلام هذا التأخر الذي أصاب المسلمين ، وما الذنب إلا ذنب من يسمون أنفسهم بالمسلمين ، ولا يعملون بأيسر ما يجب أن يعملوه من دينهم . ولأجل التأريخ فقط ، ولنعرف أنفسنا وتقصيرها ، أذكر هذه الحقوق السبعة التي أوضحها الإمام عليه السلام .1- أن تحب لأخيك المسلم ما تحب لنفسك ، وتكره له ما تكره لنفسك .
2- أن تجتنب سخطه ، وتتبع مرضاته ، وتطيع أمره .
3- تعينه بنفسك ، ومالك ولسانك ، ويدك ، ورجلك.
4- أن تكون عينه ، ودليله ، ومرآته .
5- ان لا تشبع ويجوع ، ولا تروى ويظمأ ، ولا تلبس ويعرى .
6- أن يكون لك خادم وليس لأخيك خادم ، فواجب أن تبعث خادمك ، فتغسل ثيابه ، وتصنع طعامه ، وتمهد فراشه .
7- أن تبر قسمه ، وتجيب دعوته ، وتعود مريضه ، وتشهد جنازته . وإذا علمت له حاجة تبادره إلى قضائها ، ولا تلجئه إلى أن يسألكها ، ولكن تبادره مبادرة .ثم ختم كلامه عليه السلام بقوله : ( فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته وولايته بولايتك ) .
وبمضمون هذا الحديث روايات مستفيضة عن أئمتنا جمع قسما كبيرا منها كتاب الوسائل في أبواب متفرقة . وقد يتوهم المتوهم ان المقصد بالاخوة في أحاديث أهل البيت عليهم السلام خصوص الاخوة بين المسلمين الذين من أتباعهم " شيعتم خاصة " ، ولكن الرجوع إلى رواياتهم كلها يطرد هذا الوهم ، إن كانوا من جهة أخرى يشددون النكير على من يخالف طريقتهم ولا يأخذ بهداهم ويكفى أن تقرأ حديث معاوية بن وهب (2) قال :
( قلت له ـ أي الصادق عليه السلام ـ : كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا من الناس ممن ليسوا على أمرنا ، فقال : تنظرون إلى أئمتكم الذين تقتدون بهم فتصنعون ما يصنعون ، فوالله أنهم ليعودون مرضاهم ، ويشهدون جنائزهم ، ويقيمون الشهادة لهم وعليهم ويؤدون الأمانة إليهم ).
أما الاخوة التي يريدها الأئمة عليهم السلام من أتباعهم فهى أرفع من هذه الاخوة الإسلامية ، وقد سمعت بعض الأحاديث في فصل تعريف الشيعة . ويكفى أن تقرأ هذه المحاورة بين أبان بن تغلب وبين الصادق عليه السلام من حديث أبان نفسه (3).
قال أبان : كنت أطوف مع أبى عبدالله فعرض لى رجل من أصحابنا كان سألني الذهاب معه في حاجته ، فأشار إلى ، فرآنا أبو عبدالله .
قال : يا أبان إياك يريد هذا ؟
قلت : نعم ! قال : هو على مثل ما أنت عليه ؟
قلت : نعم ! قال : فاذهب إليه واقطع الطواف .
قلت : وإن كان طواف الفريضة .
قال : نعم .
قال أبان : فذهبت ، ثم دخلت عليه بعد ، فسألته عن حق المؤمن ، فقال : دعه لا ترده ! فلم أزل أرد ـ عليه حتى قال : يا أبان تقاسمه شطر مالك ، ثم نظر إلى ـ فرأى ما داخلني فقال : يا أبان أما تعلم أن الله قد ذكر المؤثرين على أنفسهم ؟ قلت : بلى ! قال : إذا أنت قاسمته فلم تؤثره ، إنما تؤثره إذا أنت أعطيته من النصف الآخر!( أقول ) : إن واقعنا المخجل لا يطمعنا أن نسمى أنفسنا بالمؤمنين حقا . فنحن بواد وتعاليم أئمتنا عليهم السلام في واد آخر . وما داخل نفس أبان يداخل نفس كل قارئ لهذا الحديث ، فيصرف بوجهه متناسيا له كأن المخاطب غيره ، ولا يحاسب نفسه حساب رجل مسئول .
(1) راجع الوسائل ، كتاب الحج ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 122 الحديث 7
(2) أصول الكافي ، كتاب العشرة ، الباب الأول .
(3) راجع الوسائل كتاب الحج أبواب العشرة الباب 122 الحديث 16 .