-1 وجود القادر المتعال:
إننا نعتقد بأن الله تعالى هو الذي خلق عالم الوجود، حيث تتجلى آثار عظمته وعلمه وقدرته في جميع الكائنات؛ في عالم الإنسان، وفي عالم الحيوان والنبات، وفي نجوم السماوات والعوالم العليا، وفي كل مكان.
إننا نعتقد أنه كلما تدبرنا في أسرار الكائنات أدركنا عظمة ذاته المنزهة وسعة علمه وقدرته، وكلما تقدم العلم البشري فتحت أمامنا أبواب جديدة من علمه وحكمته وانطلق تفكيرنا إلى مديات أوسع وآفاق أعظم؛ وهذا التفكير سيزيد من حبنا لذاته المقدسة ويقربنا منه ويحيطنا بنور جلاله وجماله.
قال تعالى: (وفي الأرض آيات للموقنين * وفي أنفسكم أفلا تبصرون) الذاريات/20و21.
وقال جل من قائل: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً…) آل عمران/190-191.
-2 صفاته الجمالية والجلالية:
إننا نعتقد أن ذاته منزهة عن كل عيب ونقص، وتتصف بجميع الكمالات، بل هو الكمال المطلق ومطلق الكمال. وبعبارة ثانية: أن كل كمال وجمال في هذا العالم مستل من ذاته المنزهة: (هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون * هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم) الحشر/23-24.
والصفات المذكورة في هاتين الآيتين الكريمتين تمثل بعض الصفات الجمالية والجلالية الإلهية.
-3 ذاته المنزهة غير متناهية:
إننا نعتقد أنه وجود غير متناه من حيث العلم والقدرة والحياة الأبدية؛ ولهذا لا يمكن حصره في الزمان والمكان، لأنهما محدودان، وإنما هو حاضر في كل زمان ومكان لأنه فوقهما: (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم) الزخرف/84.
(وهو معكم أينما كنتم وإنه بما تعملون بصير) الحديد/4.
إنه أقرب إلينا من أنفسنا، فهو في أعماق نفوسنا، وفي كل مكان، ومع ذلك فهو لا يحد بمكان: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) ق/16.
(هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم) الحديد/3.
ولا تعني بعض الآيات الكريمة من قبيل: (ذو العرش المجيد) البروج/15، و (الرحمن على العرش استوى) أن له مكاناً خاصاً به تعالى، وإنما تثبت هذه الآيات حاكميته وسلطته على كل العالم المادي وعالم ما وراء الطبيعة؛ لأننا إذا حددنا له مكاناً خاصاً فقد حددناه ووصفناه بصفات المخلوقات، واعتبرناه مثل سائر الأشياء، والحال أنه ليس مثلها، كما قال تعالى عن نفسه: (ليس كمثله شيء) الشورى/11.
و (لم يكن له كفؤاً أحد) التوحيد/4.
-4 نفي التجسيم عنه:
إننا نعتقد بأنه تبارك وتعالى لا يمكن رؤيته، لأن الشيء الذي يرى بالعين هو جسم ولا بد له من مكان ولون وشكل وجهة، وهذه كلها من صفات المخلوقات، والله تعالى أعظم من أن يتصف بصفات مخلوقاته؛ وعليه فإن الاعتقاد بإمكان رؤية الله هو نوع من الشرك: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) الأنعام/103.
ولهذا فإن موسى (عليه السلام) لما طلب منه بنو إسرائيل رؤية الله شرطاً للإيمان: (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرةً) البقرة/55، أخذهم موسى إلى جبل الطور، فسمع من الله تعالى الجواب التالي: (لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) الأعراف/143؛ إذ تكشف الآية الكريمة عن أنه لا يمكن رؤية الله تعالى مطلقاً.
إننا نعتقد أن المراد من بعض الآيات والروايات التي تتحدث عن رؤية الله تبارك وتعالى، هي الرؤية القلبية والشهود الباطن؛ ذلك أن القرآن يفسر بعضه بعضا.
ويقول أمير المؤمنين علي عليه السلام في جواب من سأله: (يا أمير المؤمنين، هل رأيت ربك…؟)، يقول: (أأعبد ما لا أرى؟). ثم قال: (لا تدركه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان).
إننا نعتقد أن وصف الله بصفات المخلوقات من قبيل المكان والجهة والجسمية والمشاهدة والرؤية، يؤدي إلى الابتعاد عن معرفة الله تبارك وتعالى، وإلى الشرك به. أجل، فهو تعالى أعظم من كل صفات المخلوقات، وليس كمثله شيء.
-5 التوحيد روح التعاليم الإسلامية:
إننا نعتقد أن التوحيد من أهم الأمور التي يمكن من خلال معرفتها التوصل إلى معرفة الله؛ والتوحيد ليس أصلاً من أصول الدين فحسب، وإنما هو روح جميع العقائد الإسلامية وجوهرها، ويمكن القول بتمام الصراحة: أن أصول الإسلام الناصعة تتضمن كلاماً عن التوحيد والوحدة؛ وحدة ذاته المنزهة وتوحيد صفاته وأفعاله، وبتفسير آخر: وحدة دعوة الأنبياء ووحدة الدين الإلهي، ووحدة القبلة والكتاب، ووحدة الأحكام والقوانين الإلهية لجميع بني البشر، وأخيراً وحدة صفوف المسلمين ووحدة يوم المعاد.
وما يؤكد أهمية هذه الوحدة وهذا التوحيد هو التعبير القرآني الذي يعدّ الانحراف عن التوحيد والاتجاه نحو الشرك ذنباً لا يغفر: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً) النساء/48.
وقال تعالى: (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) الزمر/65.
-6 شُعب التوحيد:
إننا نعتقد أن للتوحيد شعباً كثيرة، من أهمها الأربعة التالية:
أ- توحيد الذات:
بمعنى أن ذاته عز وجل واحدة لا نظير لها ولا مثيل ولا شبيه.
ب- توحيد الصفات:
بمعنى أن صفات العلم والقدرة والأزلية ونحوها مجموعة في ذاته وعين ذاته الواحدة، وهي ليست كصفات المخلوقات المستقلة عن بعضها، والمنفصلة عن ذواتهم؛ وبطبيعة الحال فإن عينية ذاته تعالى مع صفاته تتطلب نوعاً من الدقة الفكرية.
ج- توحيد الأفعال:
بمعنى أن أي فعل وحركة وأثر في عالم الوجود ناجم عن إرادة الله ومشيئته: (الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل) الزمر/62. و (له مقاليد السماوات والأرض) الشورى/12.
نعم؛ فلا مؤثر في الوجود إلا الله، ولكن هذا لا يعني أننا مجبرون على أفعالنا التي نقوم بها، بل إننا أحرار في الإرادة واتخاذ الموقف: (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا) الإنسان/30.
(وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) النجم/39
تبين الآيتان الكريمتان بوضوح أن الإنسان حر في إرادته، ولكن الله تبارك وتعالى هو الذي أعطى هذه الحرية والقدرة على أداء العمل واتخاذ الموقف؛ وعليه فإن أعمالنا تسند إليه دون أن يقلل ذلك من مسئوليتنا إزاء هذه الأعمال.
بلى، فهو أراد لنا أن نؤدي أعمالنا بحرية ليبتلينا ويضعنا على طريق التكامل؛ لأن الإنسان لا يتكامل إلا بحرية الإرادة وسلوك طريق الطاعة بمحض الاختيار؛ ذلك أن العمل القسري الخارج عن حرية الاختيار لا يمكن أن يدل على صلاح المرء أو فساده.
فلو كنا مجبرين على أفعالنا، لانتفى أي معنى ومفهوم لبعثة الأنبياء ونزول الكتب السماوية وفرض التكاليف الدينية، ولفقد الثواب والعقاب الإلهي أي محتوى له؛ وهذا هو ما تعلمناه من مدرسة أهل بيت النبي عليهم السلام: (أنه لا جبر ولا تفويض، ولكن أمر بين أمرين).
د- توحيد العبادة:
ويعني أن العبادة خاصة لله، وليس هناك من معبود سوى ذاته المقدسة، وتعتبر هذه الشعبة من أهم شعب التوحيد وأكثر ما شغلت اهتمام الأنبياء: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء… وذلك دين القيمة) البينة/5.
وعندما يطوي الإنسان مراحل التكامل الأخلاقي والعرفان يتعمق عنده مفهوم التوحيد، ويصل إلى مستوى لا يفكر فيه إلا بالله ويطلبه أينما حل وارتحل، ولا يشغل نفسه بما سواه: (كلما شغلك عن الله فهو صنمك).
إننا نعتقد أن شعب التوحيد غير محدودة بما ذكرنا، وإنما هناك فروع أخرى منها توحيد الملكية مثلا: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) البقرة/284.
-7 معجزات الأنبياء بإذن الله:
إننا نعتقد أن مبدأ التوحيد الأفعالي يؤكد حقيقة مفادها أن المعجزات الصادرة عن الأنبياء والأفعال الخارقة للطبيعة كلها بإذن الله تعالى، كما ورد في القرآن الكريم حول السيد المسيح عليه السلام: (وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني) المائدة/44.
وأيضاً ورد في أحد وزراء سليمان: (وقال الذي عند علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربي) المائدة/110.
وعليه فإن إبراء السيد المسيح عليه السلام للأكمه والأبرص وإخراج الموتى بإذن الله تعالى هو عين التوحيد.
-8 الملائكة:
إننا نعتقد بوجود الملائكة الذين كلف الله تعالى كلاً منهم بمهمة تخصه، فمنهم من كلف بإبلاغ الوحي للأنبياء كما ذكر في سورة النمل/40. ومنهم من كلف بتسجيل أفعال البشر (البقرة/97). ومنهم من كلف بقبض الأرواح (الانفطار/10). ومنهم من أعطي مهمة إعانة المؤمن المستقيم (الأعراف/37). ومنهم مكلف بإمداد المؤمنين في المعارك (فصلت/30). ومنهم مكلف بمعاقبة العصاة والمتمردين (الأحزاب/9)، وغيرها من التكاليف المهمة في نظام التكوين.
ولا تتنافى هذه المهام التي تؤديها الملائكة مع مبدأ التوحيد الأفعالي والتوحيد الربوبي، بل تؤكده، لأنها جارية بإذن الله وبحوله وقوته.
وهنا يتضح أن مسألة شفاعة الأنبياء عليهم السلام والمعصومين والملائكة هي عين التوحيد؛ لأنها لا تتم إلا بإذنه: (ما من شفيع إلا من بعد إذنه).
وسنوافيكم بالمزيد من الشرح حول هذه المسألة ومسألة التوسل في بحث النبوة من هذا الكتاب.
-9 العبادة لله وحده:
إننا نعتقد أن العبادة لله تعالى وحده (وقد أشرنا إلى ذلك في بحث توحيد العبادة) في الصفحات السابقة، ومن يعبد غيره فهو مشرك، وقد تركزت دعوة كل الأنبياء حول هذا المحور: (اعبدوا الله ما لكم من إله غيره)، وورد هذا التعبير القرآني في آيات عديدة من الكتاب المجيد على لسان الأنبياء (يونس/3).
وهذا الشعار الإسلامي المهم يتردد على ألسنتنا يومياً عدة مرات في الصلاة، حينما نقول في سورة الحمد: (إياك نعبد وإياك نستعين).
ومن الواضح أن اعتقادنا بشفاعة الأنبياء والملائكة بإذن الله، الأمر الذي ورد في آيات القرآن الكريم، لا يعني العبادة، كما أن التوسل بالأنبياء لا يدخل في عداد العبادة ولا ينافي توحيد الأفعال أو توحيد العبادة؛ لأنه يعني الطلب من المتوسل به أن يسأل الله تبارك وتعالى حلاً لمشكلة المتوسِل، وهذا ما سيأتي شرحه في مبحث النبوة.
-10 خفاء كنه ذاته المقدسة:
إننا نعتقد أن حقيقة الذات الإلهية المقدسة خافية على الجميع رغم كثرة آثار وجوده في العالم، ولا يستطيع أحد - أياً كان - أن يفقه كنه ذاته؛ لأن هذه الذات أزلية لا نهاية لها من جميع الوجوه، والإنسان محدود ومتناه لا يمكنه الإحاطة بالله وهو المحيط بكل شيء: (ألا إنه بكل شيء محيط) فصلت/54.
(والله من ورائهم محيط) البروج/20.
وجاء في الحديث النبوي الشريف: (ما عبدناك حق عبادتك وما عرفناك حق معرفتك) البحار 68: 23.
وهنا يجب ألا نقع في خطأ، وهو الكف عن دراسة العلم الإجمالي بالله، والتوقف عن ذكر بعض الألفاظ التي نمر عليها دون أن نتمكن من فهم المقصود منها؛ بحجة أننا محرومون من تحصيل العلم التفصيلي به تعالى، لأن ذلك هو سد لباب معرفة الله، وهو ما لا نعتقد به و لا نرتضيه؛ لأن القرآن الكريم وسائر الكتب السماوية نزلت لفتح باب معرفة الله. ولتوضيح ذلك يمكننا الاستعانة بأمثلة كثيرة، منها أننا لا نعلم حقيقة الروح، لكننا على معرفة إجمالية بها، نلاحظ آثارها ونعترف بوجودها.
يقول الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام: (كل ما ميز تموه بأوهامكم في أدق معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم).
ويبين الإمام علي عليه السلام طريق معرفة الله بتعبير جميل واضح فيقول: (لم يطلع العقول على تحديد صفته، ولم يحجبها عن واجب معرفته).
-11 لا تعطيل ولا تشبيه:
أننا نعتقد أن الوقوع في وادي (التشبيه) هو خطأ وشرك، كما أن تعطيل معرفة الله وصفاته هو خطأ أيضاً؛ بمعنى أننا لا نستطيع القول بأن الطريق إلى معرفة الله مغلق، كما لا يمكن أن نعده تعالى شبيهاً بالمخلوقات، فأحد النهجين إفراط والآخر تفريط، بل الحق هو إمكان معرفته تعالى من طريق آثاره في جميع عوالم الوجود.