البابُ الأَوَل :
سِماتُ الحُسين عليه السلام
2 - تواريخُ وأرقام
4 - الخُلُقُ العظيم
6 - القوّةُ الغيبيّة
7 - شؤون خاصّة
اسمه : الحُسَيْن :
[16] عن عليّ عليه السلام : لمّا وُلِدَ الحسنُ سمّاه حمزة , فلمّا وُلِدَ الحسينُ سمّاه بعمّه جعفر.
قال عليّ : فدعاني رسولُ الله صلّى الله عليه واَله وسلّم فقال : إنّي اُمرتُ أن اُغيّر اسمَ ابنَيَّ هذين . فقلت : اللهُ ورسولُه أعلم . فسمّاهما حسناً و حسيناً ( 1 ) .
وإذا كان عليٌّ يُحاول أنْ يُخَلّدَ باسمي ابنيه ذكر عمّه حمزة ، و أخيه جعفر ،وتفاؤلاً أنْ يخلفاهما في النضال والهمّة والمجد ، فإنّ الوحيَ الذي لا ينطقُ الرسولُ إلّا عنه ، قد حكمَ لهما باسمين آَخرين ، وأمَرَ الوحيُ الرسولَ الكريمَ أنْ يُبلّغَ هذا الحكمَ ، فلم يجدْ من عليٍّ غير التسليم لأمر السماء .والاسمان السماويّان هما : الحسن والحسين ، اسمان من أسماء أهل الجنّة ، لم يكونا في الجاهلية ( 2 ) .
ويؤكّد الرسولُ على هذه التسمية فيُعْلِنُ عن أسباب اختيارها ، في ما رواه سلمان ، قال [22] : قال رسول الله : سَمّى هارونُ ابنيه شَبَراً و شُبَيْراً , وإنّي سَمَيتُ ابنَيَ الحسنَ والحُسَيْنَ بما سمّى به ابنيه : شَبَراً ، وشُبَيْراً .
إنّ الرسولَ إذْ يعلّلُ تسمية الحسن والحسين ، بما فعل هارونُ ، يذكّر بما لاسم هارون من ربطٍ بشأن أبي الحسن والحسين ، وما جاء عن الرسول من حديث المنزلة , حين أعلنَ فيه النبيّ صلّى الله عليه واَله وسلّم يقول : عليُّ منّي بمنزلة هارونَ من موسى ، إلاّ أنّه لا نبيَ بعدي . الذي خرّجه بعض الحّفَاظ من ( 500) طريق ، وعُدّ في المتواتر (3 ) . فإذا كان عليّ بمنزلة هارون في الخلافة ، والوزارة، فليكن اسما ابنيه كاسمي ابني هارون ، ليدلاّ على التنزيل منزلته في جميع الشؤون ، بلا استثناء سوى النبوّة التي ختمت بالرسول صلّى الله عليه واَله وسلّم .
كنيته : أبو عبد الله :
اتّفق على ذلك المؤرّخون والمحدّثون ، وما كنّي بغيرها( 4 ) .ألقابه :
سبط رسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم : كذا ذكره ابن عساكر (5) وجاء في المأثور عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام تلقيب الإمام الحسين به ، وكذلك باللقب التالي (6) :
سيّد شباب أهل الجنّة : وهذا اللقب مأخوذ من حديث رسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم لما قال في الحسين وفي أخيه الحسن : ... سيّدا شباب أهل الجنّة . وسيأتي في الفقرة [11] .
ريحانة رسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم : كذا ذكره ابن عساكر( 7 ) وهو كذلك مأخوذ من حديث رسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم حين قال فيه وفي أخيه الحسن : هما ريحانتاي من الدنيا , وسيأتي في الفقرة[11] .
أبوه : أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلّب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ ، القرشيّ ، الهاشميّ ، المطّلبيّ ، الطالبيّ ، عليه السلام .
أُمّه : الزهراء فاطمة بنت رسول الله محمّد صلّى الله عليه واَله وسلّم . وأُمّها : خديجة بنت خويلد بن أسَد بن عبد العزّي بن قصيّ( 8 ) .
أمّا الهالةُ التي تكتنفُ الحسين عليه السلام من طرفي أُمّه وأبيه ، وما لتلك العائلة الكريمة من الشرف في النسب والحسب فلنقرأ عنها الحديث :
[173] عن ربيعة السعدي ، قال : لمّا اختلف الناس في التفضيل ، رحلتُ راحلتي ، وأخذتُ زادي حتّى دخلتُ المدينة ، فدخلتُ على حُذيفة بن اليمان ، فقال لي : ممّن الرجلُ ? قلتُ : من أهل العراق .
فَقال : من أيّ العراق ? قلتُ : رجل من أهل الكوفة .
قال : مرحباً بكم ، يا أهل الكوفة .
قلتُ : اختلف الناسُ في التفضيل ، فجئتُ لأسألك عن ذلك ?فقال لي : على الخبير سَقَطْتَ ، أما إنّي لا أحدّثك إلاّ بما سمعتْهُ أُذنايَ ووعاهُ قلبي وأبصرتْه عيناي : خرج علينا رسولُ الله صلّى الله عليه واَله وسلّم - كأنّي أنظر إليه كما أنظر إليك الساعة - حاملَ الحسين بن عليّ على عاتقه - كأني أنظر إلى كفّه الطيّبة واضِعَها على قدمه يُلصقها بصدره - فقال : يا أيّها الناسُ ، لأعرفنّ ما اختلفتم - يعني في الخيار - بعدي . هذا الحسينُ بن عليّ : خير الناس جدّاً ، وخير الناس جدّةً : جدّه مُحمّدٌ رسول الله ، سيّد النبيّين . وجدّته خَديجة بنت خويلد ، سابقة نساء العالمين إلى الإيمان بالله ورسوله .
هذا الحسينُ بن عليّ : خير الناس أباً ، وخير الناس أُمّاً : أبوه : عليّ بن أبي طالب ، أخو رسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم ووزيرُه ، وابن عمّه ، وسابق رجال العالمين إلى الإيمان بالله ورسوله .وأُمّه فاطمة بنت محمّد ، سيّدة نساء العالمين .
هذا الحسينُ بن عليّ : خيرُ الناس عمّاً ، وخير الناس عمّةً : عمّه جعفر بن أبي طالب ، المزيَن بالجناحين يطيرُ بهما في الجنّة حيثُ يشاء . وعمّته أُمّ هانى بنت أبي طالب .
هذا الحسين بن عليّ : خير الناس خالاً ، وخير الناس خالةً : خالُهُ القاسمُ بن محمّد رسول الله . وخالته زينب بنت محمّد رسول الله .
ثمَ وضعه عن عاتقه ، فدرج بين يديه ، وحَبا. ثم قال : يا أيّها الناس : هذا الحسين بن عليّ : جدّه وجدّته في الجنّة ، وأبوه وأُمّهُ في الجنّة ، وعمّه وعمّتهُ في الجنّة ، وخاله وخالته في الجنّة ، وهو وأخوه في الجنّة . إنّه لم يُؤْتَ أحدٌ من ذرّيّة النبيّين ما أُوتي الحسين بن عليّ ما خلا يوسف بن يعقوب(9)
(1) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور( 7/ 116)
(2) تاريخ دمشق ، ترجمة الإمام الحسن عليه السلام (ص17 رقم22) .
(3) اُنظر الحديث بطرق ابن عساكر في تاريخ دمشق ، ترجمة الإمام عليّ عليه السلام الأحاديث المرقّمة (336 - 456) المجلّد الأول (ص306 - 394) وما علّق عليه محقّقه
(4) لاحظ تاريخ دمشق ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام (ص22) ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور (7/117) .
(5) لاحظ تاريخ دمشق ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام (ص5) ومختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور( 7 /115).
(6) تاريخ أهل البيت عليهم السلام ، فصل الألقاب (ص130) .
(7) تاريخ دمشق ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام (ص5) ومختصر تاريخ دمشق ،لابن منظور( 7 /115).
(8) تاريخ دمشق ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام (ص23) .
(9) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور (7/ 5 - 126) .
الولادة : عامها وشهرها ويومها :
أجمع المؤرّخون على ولادته في سنة أربع من الهجرة . و محدّثو الشيعة وعلماؤهم اثبتوا ولادته سنة ( ثلاث ) من الهجرة . ونقل ابن عساكر عنهم ولادته في شهر شعبان ، لِليالٍ منه أو لخمس ليال بالضبط ، والمشهور في الثالث منه .ولكنّ التحقيق يدلّنا على أنّ ولادته كانت في آخر ربيع الأوّل , لإجماع الرواة على ولادة الحسن أخيه في النصف من شهر رمضان(10) . وإجماع أهل البيت على ولادة الحسين بعده بستّة اشهر وعشرة أيّام (11) .
مكان الولادة : المدينة المنوّرة :
وبالضبط في بيت عليّ وفاطمة الزهراء ، المجاور لدار الرسول صلّى الله عليه واَله وسلّم ، والواقع في داخل المقصورة الشريفة ، وسط المسجد النبويّ الشريف ثاني الحرمين الشريفين ، من أفضل بقاع الأرض .الشهادة : عامها وشهرها ويومها :
قال ابن عساكر : أجمع أكثر أهل التاريخ أنّه قتل في المحرّم سنة إحدى وستّين ، يوم عاشوراء يوم السبت( 12 ) وقيل : الجمعة( 13 )مكان الشهادة : نَهر كربلاء :
وبالضبط جنبَ الفُرات المارّ بمدينة كربلاء المقدّسة ، والتي تسمّى نينوى ، والغاضرية ، والحائر ، قريباً من الكوفة في أرض العراق .مدّة عمره : ستّ وخمسون عاماً وتسعة أشهر وعشرة أيّام( 14 ) .
فكان مقامُه مع جدّه رسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم : سبع سنين إلاّ شهراً . وأقامَ مع أبيه أمير المؤمنين عليه السلام ثلاثين سنة إلاّ خمسة أشهر وأيّام . ومع أخيه الحسن عليه السلام عشر سنين إلاّ ستّة أشهر وعشرين يوماً . وإمامتهُ بعد أخيه عشر سنين وعشرة أشهر إلاّ عشرة أيّام( 15 ) .خرج من المدينة ، بعد ما جاء خبر موت معاوية في النصف من رجب سنة ستّين( 16 ) . وخرج من مكّة متوجّهاً إلى العراق يوم الاثنين في عشر ذي الحجّة سنة ستّين( 17 ) . وورد كربلاء في الثاني من المحرّم سنة إحدى وستّين( 18 ) . وكان قتله في العاشر من المحرّم يوم عاشوراء من تلك السنة( 19 ) .
(10) تاريخ دمشق ، ترجمة الإمام الحسن عليه السلام (ص10) الأحاديث (8 - 12) وانظر ترجمة الإمام الحسين عليه السلام (ص295 رقم395) و (ص282 رقم364) .
(11) اُنظر تاريخ أهل البيت عليهم السلام (ص76) .
(12) تاريخ دمشق ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام (ص282) .
(13) تاريخ دمشق ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام (ص288) ومختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور (7/116 و156) .
(14) قال ابن عساكر : وستّ وخمسون في سنّهِ أثبت . وقد رواه عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (رقم356). ومن المعلوم أنّ ذلك بإهمال الأشهر والأيّام الباقية ، كما أنّ من قال بأنّ عمره سبع وخمسون , استثنى الشهرين والعشرين يوماً .
(15) انظر : تاريخ أهل البيت عليهم السلام (ص76) .
(16) تاريخ دمشق ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام (ص199 - 200) ومختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور ( 7/138 ) .
(17) تاريخ دمشق ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام (ص205) .
(18) أنساب الأشراف للبلاذري ( 3/176 ) .
(19) تاريخ دمشق ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام (ص207) .
كان الحسين عليه السلام يُشبَهُ بجدّه الرسول في الخِلْقة واللونِ ، ويقتسمُ الشَبَهَ به صلّى الله عليه واَله وسلّم مع أخيه الحَسَن .
ولا غَرْوَ ، فهما فِلقتان من ثمرةٍ واحدة من الشجرة التي قالَ فيها رسولُ الله صلّى الله عليه واَله وسلّم : [164] أنا الشجرة ، وفاطمة أصلها - أو فرعها - وعليّ لقاحها، والحسن والحسين ثمرتها، وشيعتنا ورقها ، فالشجرة أصلها في جنّة عَدْن ، والأَصل والفرع واللقاح والثمر والورق في الجنّة (20) .
روى ذلك عبد الرحمن بن عوف قائلاً : ألا تسألوني قبل أن تشوبَ الأحاديثَ الأباطيلُ . فالحسنُ أشبَهَ جدَه ما بين الصدر إلى الرأس ، والحسين أشبهه ما كان أسفل من ذلك من لدن قدميه إلى سرّته .
وكان الإمام عليّ عليه السلام يُعلنُ عن ذلك الشَبَه ، ويقول :
[47] : من سرّه أنْ ينظر إلى أشبه الناس برسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم ما بين عنقه وثغره ، فلينظر إلى الحسن . ومن سرّه أنْ ينظر إلى أشبه الناس برسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم ما بين عنقه إلى كعبه خَلقاً ولوناً ، فلينظر إلى الحسين بن عليّ .[45] وقال في حديث آخر : اقتسما شَبَهَهُ (21) . ليكون وجودهما ذكرى ، وعبرةً :
استمراراً لوجود النبيّ صلّى الله عليه واَله وسلّم في العيون ، مع ذكرياته في القلوب ، وأثره في العقول . وعبرةً للتاريخ ، يتمثّل فيه للقاتلين حسيناً ، والضاربين بالقضيب ثناياه ، أنهم يقتلون الرسول ويضربون ثناياه . ولقد أثار ذلك الشَبَهُ خادِمَ الرسول : أنسَ بن مالك لَمّا رأى قضيبَ ابن زياد - حين أُتي برأس الحسين - يَعْلو ثنايا أبي عبد الله الحسين، فجعلَ ينكتُ فيها بقضيب في يده ، فقال أنس :
[48] أما إنّه كانَ أشبههما بالنبيّ صلّى الله عليه واَله وسلّم .(20 ) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور (3/7 - 124) .
(21 ) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور (3/7 - 124) .
حِجْرُ الزهراء فاطمة بنت الرسول ذي الخلق العظيم ، هو خير مهد لتربية أولادها على ذلك الخلق ، وأكرم به . ولكن لمّا رأت الزهراء والدها الرسول محتضراً ، وعلمتْ من نبئهِ بسرعة لحوقها به ، هبّتْ لتستمدّ من الرسول لأولادها الصغار المزيدَ , واجتهدتْ أن تطلبَ من أبيها علانية - حتّى يتناقلَ حديثَها الرواةُ - أنْ يُورث ابنيها .
فقالوا: [55 - 57] أتَتْ فاطمةُ بنتُ النبيّ صلّى الله عليه واَله وسلّم بابنيها إلى رسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم - في شكواه التي توفّي فيها - فقالت : يا رسول الله ، هذانِ ابناكَ ، تورّثهما شيئاً ? - أو قالت : - ابناك وابناي ، انحلهما .
قال صلّى الله عليه واَله وسلّم : نعم . أمّا الحسن : فقد نحلتُه هَيْبتي وسُؤددي . وأمّا الحسين : فقد نحلتُه نَجدتي وجُودي .
قالتْ : رضيتُ ، يا رسول الله( 22 ) .لقد ذكّرت الزهراءُ فاطمة أباها الرسولَ بالإرث منه . فوافقها بقوله : نعَم . ولم يقل لها : إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث !!!
فإنّ الزهراءَ الوارثة أوْلى بأنْ يُذكر لها عدمُ الإرث من النبيّ ، لو كان ؟ ومع أنّ ابنيها الحسنين لا يرثان من حيث الطبقة من جدّهما ، مع وجود أمّهما بنت النبيّ - فالنبي كذلك لم يعارض ابنته في طلبها ، بل قال لها : نعم . لكن الذي يخلُد من إرث النبيّ هو الخلُق العظيم ، دون حُطام الدنيا الزائل ، وهو أشرف لهما ، ولذلك رضيت الزهراءُ لابنيها من الرسول إذ نحلهما - أيضاً - أهمّ الصفات الضروريّة للقيادة الإلهيّة :
الحلم، والصبر على الشدائد ، والهيبة ، والسؤدد ، والجلالة ، للحسن الممتَحَن في عصره بأنواع البلاء ،فأعطاه ما يحتاجه الأئمّة الصابرون .
والشجاعة ، والجرأة ، والنجدة ، والجود ، للحسين الثائر في سبيل الله ، لإعلاء كلمته ، فأعطاه ما هو أمسّ للأئمة المجاهدين .(22 ) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور : (7/118) .
وإذا تقرّرَ في اللوح أن يكونَ الإمامُ الحُسَين عليه السلام من الأئمّة الّذين تجب طاعتهم ، فإنّ الوحيَ الذي عاش الحسينُ في ظلّه ، حيث كان بيتُ الرسالة مهبطَهُ ، تنزلُ آياتُه على جدّه ، وهو يحبُو في أفنانه حتّى شبّ في ظلاله ، لا بُدّ وأن يؤكّد ما تقرّر في اللوح .
وكذلك كان ، فهذه أُمّ المؤمنين أُمّ سلمة تقول :
[102] نزلت هذه الاَية في بيتي : ( إِنَما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهرَكُمْ تَطْهِيراً ) [ الآية 33 من سورة الأحزاب 33] وفي البيت سبعةٌ : جبريل، وميكائيل ، ورسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم، وعليّ، وفاطمة، والحسن ، والحسين .
قالت : وأنا على باب البيت ، فقلتُ : يا رسول الله ألستُ من أهل البيت ?
قال : إنّك على خيرٍ ، إنّك من أزواج النبيّ صلّى الله عليه واَله وسلّم, وما قال : إنّك من أهل البيت ( 23 ) .وفي حديث آخر [105] : إنّ رسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم كان عند أُمّ سلمة ، فجعَل الحسنَ من شقّ ، والحسين من شقّ ، وفاطمة في حجره ، فقال : (رحمةُ اللهِ وبركاتُه عليكم أهلَ البيتِ إِنَه حَمِيد مَجِيد) [الآية 73 من سورة هود 11].
وكان موعدُ المباهلة ، عندما أمر الله رسولَه بقوله : ( فَقُلْ تَعَالَواْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَعْنَةَ اللهِ عَلَى
الكَاذِبِينَ ) . [الآية 61من سورة آل عمران3 ]فإنّ الإمام عليّاً عليه السلام قال : [162] خرج رسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم - حين خرج لمباهلة النصارى - بي وبفاطمة والحسن والحسين (24) .
ثم قال النبي : هؤلاء أبناؤنا ، يعني : الحسن والحسين ، وأنفسنا ، يعني : عليّاً . ونساؤنا ، يعني فاطمة .وإذا وقفوا مع النبيّ في هذا الموقف الخاصّ العظيم ، فلا بُدّ أن يتّسمَ الواقفون معه بما يتّسم به النبيّ من الطهارة والقُدس والعظمة .
(23) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور (7/ 120).
وُلِدَ الحسينُ ، ونَما وعاشَ طفولته في مهبط الملائكة ، حيث تترى صعوداً ونزولاً على جدّه رسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم ترفده بالوحي ، وأنباء السماء ، ومغيّبات الأرض .
وإذا حطّتْ طيور الوحي أو طارتْ ، فإنّ زَغَبَ أجنحتها لابُدّ أنْ يتناثر في أروقة هذا المكان ، وإنّ أهل البيت لابُدّ أنْ يحتفظوا بهذا الزغب ليجدّدوا به ذكريات الرسول والنبوّة .
والرسول نفسه قد خَصَ الحسن والحسين بتعويذين جمعَ فيهما من زغب جناح جبريل أمين الوحي ، يحملانه معهما ، ليكونا أظهر دليل على ارتباطهما بالسماء . [172] عن عبد الله بن عمر: كان علىالحسن والحسين تعويذان فيهما من زغب جناح جبرئيل( 25 ) .وإذا كان في التعويذ دعمٌ معنويّ ، فإنّ لجبريل موقفاً آخر مع الحسين خاصّة ، إذ كان يدعمُه مادّياً ويبثّ فيه القوّة والشجاعة ، ففي الحديث : [156] أنّ الحسنَ والحسينَ كانا يصطرعان فاطّلع عليّ على النبيّ صلّى الله عليه واَله وسلّم وهو يقول : ويهاً الحسنَ . فقال عليّ : يا رسول الله ، على الحسين ?
فقال : إنّ جبرئيل يقول : ويهاً الحسين( 26 ) .
إنّه من أجمل المناظر أن يلعب الصغار ببراءة الطفولة ، ولكن الأجمل من ذلك أن يكون بمشهد النبيّ الأعظم من جانب ، و جبرئيل مَلَك السماء من جانب آخر .وإذا كان جبرئيل ينفثُ في الحسين روح القوّة والشدّة والتشجيع ، فإنّ ذلك بلا ريبٍ بأمر من السماء إذ أنّ الملائكة الكرام ( يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )[الآية 50 من سورة النحل 16 ] .
و لجبرئيل شأن آخر مع الحسين ، أعظم ، عندما كان المنبىء عن قتله وشهادته ، والمُراسِل الأوّل بأنباء السماء عن كربلاء ، بل أتى النبيَ من أرضها بتربة حمراء ، إلى آخر الحديث الذي سنذكره في الفقرة (28) .
وكان أمير المؤمنين عليه السلام يعرف ما تميّز به الحسين عليه السلام من القوّة الغيبيّة التي نفثها فيه جبرئيل، فكان يشبّهه بنفسه في الشجاعة و الإقدام ويقول: [184] وأشبه أهلي بي : الحُسينُ(27).
وكان إذا تحدّث عن الحرب يقول : [185] وأمّا أنا وحُسين ، فنحن منكم وأنتم منّا( 28). وهو البطل المقدام الذي لا تنكر ضرباته ، ولا تفلّ عزماته . والإمام الحسنُ عليه السلام يُعلن عن شدّة الحسين وصلابته حين قال له : [187 ] أي أخ، والله، لوددتُ أنّ لي بعض شدّة قلبك(29)
(24) مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ( 7/123)
(25 ) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور (7/ 125).
(26 ) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور (122/7) .
( 27) و ( 28 ) و ( 29 ) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور (7 /-128).
1- بين الحسن والحسين :
جاء في النصوص عن أهل البيت عليهم السلام أنّه : [13 و14] كان بين الحسن والحسين: طهر، وحمل(30) .وأقلّ الطهر عشرة أيّام ، وكان الحمل ستّة أشهر ، وهو أقلّ ما يُمكن منه ، وقد صرّح أهلُ البيت بأنّه لم يولد لها إلاّ الحسين وعيسى (31). فالذي كان بين ولادتي الحسن والحسين من التفاوت هو ستّة أشهر وعشرة أيام , وهو ما جاء التصريحُ به في المأثور من تاريخ أهل البيت عليهم السلام .2 - عند الولادة :
جاء في الحديث عن بشر بن غالب قال [9] كنتُ مع أبي هريرة فرأى الحسين بن عليّ ، فقال : يا أبا عبد الله ، لقد رأيتُك على يدي رسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم قد خضبتهما دماً ، حين أُتي بك ، حين وُلِدتَ ، فسرّرك ، ولفّك في خرقة ، ولقد تفل في فيك ، وتكلّم بكلام ما أدري ما هو ? ولقد فعلَ رسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم كلّ ذلك خصّيصاً بالحسين عليه السلام وهو أمر لا يخفى على الحسين أنّ جده فعله ، فلا بُدّ أنّ أخصّ أهله به قد أخبره ، ولكن ماذا في إخبار أبي هريرة به من فائدة ؟
هل يريد أن يُثبت اتّصاله بالنبيّ وحضوره معه منذ السنة الرابعة من الهجرة ؟
أو يريد أن يزعم أنّه كان من خاصّة النبيّ فكان قريباً منه إلى هذا الحدّ ? لكن : ما هو الجواب عن الأخبار الكثيرة المصرّحة بتأخّر إسلام أبي هريرة ، و لحوقه بالنبيّ صلّى الله عليه واَله وسلّم بعد مولد الحسين عليه السلام ، وبالضبط في السنة السابعة من الهجرة المباركة?3- الرضاع :
لابُدّ أنّ الحسين ارتضع بلبان المعرفة والحكمة من الزهراء أُمّه ، وقد ورد في الحديث أنّ الرسول نفسه زقّه بلسانه ، وبإبهامه يمصّ منهما ما يُنبت اللحم .لكن جاء في الحديث أنّ زوجة العبّاس عمّ النبيّ ، كانت مرضعةً له ، وهي أُمُّ الفضل بنت الحارث : [8] إنّها رأتْ - في ما يرى النائمُ - أنّ عضواً من أعضاء النبيّ صلّى الله عليه واَله وسلّم ، في بيتها . قالت : فقصصتُها على النبيّ صلّى الله عليه واَله وسلّم ، فقال : خيراً رأيتِ ، تلدُ فاطمة غلاماً فترضعيه بلبن قُثَم . فولدتْ فاطمةُ غلاماً ، فسمّاه النبيّ صلّى الله عليه واَله وسلّم حُسيناً ، ودفعه إلى أُمّ الفضل ، وكانت ترضعه بلبن قُثَم(32)ٍ.
فقُثَم بن العبّاس كان رضيعَ الحسين عليه السلام .
وله رضيع آخر جاء اسمه في مقتل الحسين عليه السلام وهو عبد الله بن يَقْطُر ، كان رسوله عليه السلام إلى الكوفة ، قتله عُبيد الله بن زياد ، قبل وقعة كربلاء (33).4- الغنّة الحُسينيّة :
جاء في الحديث : [264] عن سفيان ، عن شهاب بن حراش ، عن رجل من قومه ، قال : كنت في الجيش الذي بعثهم عبيد الله ابن زياد إلى حسين بن عليّ - وكانوا أربعة آلاف يريدون الديلم ، فصرفهم عبيد الله بن زياد إلى حُسين ابن عليّ - فلقيتُ حُسيناً ، فرأيته أسود الرأس واللحية ، فقلتُ له : السلام عليك يا أبا عبد الله . فقال : وعليك السلام - وكانت فيه غُنّة - فقال : لقد باتت منكم فينا سلة منذ الليلة - يعني : سُرِقَ - . قال شهاب : فحدّثتُ به زيد بن عليّ فأعجبه : < وكانت فيه غُنّة > . قال سفيان : وهي في الحُسينيّينَ .5- كان يصبغ بالوسمة :
جاء في الحديث [54] : عن عمر بن عطاء ، قال : رأيتُ الحُسين بن عليّ يصبغ بالوسمة ، أمّا هو فكان ابن ستّين ، وكان رأسه ولحيته شديدَي السواد .6-تواضع وكرم :
جاء في الحديث : [196] عن أبي بكر ابن حزم : مرّ الحسين بمساكين يأكلون في الصُفّة ، فقالوا : الغداءَ . فنزل ، وقال : إنّ اللهّ لا يحبُّ المتكبّرين ، فتغدّى ، ثم قال لهم : قد أجبتُكم ، فأجيبوني . قالوا : نعم . فمضى بهم إلى منزله ، فقال للرباب : أخرجي ما كنتِ تدّخرينَ (34)(30) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور( 7/ 116).
(31) تاريخ أهل البيت عليهم السلام(ص74 ).
(32 ) لاحظ تاريخ دمشق، الحديث .[232] و [231] ومختصر تاريخ دمشق، لابن منظور( 7/116 ).
(33 ) لاحظ تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام (ص152) رقم (25).
(34) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور (7/ 129).