الباب الثالث
سيرة الحسين عليه السلام في كربلاء
30- يَوْمُ عاشوراء
[ص207] ولمّا خرج الحسين ُ، وبلغ يزيد خروجه كتبَ إلى عُبيد الله بن زياد عامله على العراق يأمره بمحاربته وحمله إليه إنْ ظفرَ به , فوجّه اللعينُ عُبيد الله الجيش إلى الحسين عليه السلام مع عمر بن سعد .
وعدل الحسينُ إلى كربلاء، فلقيه عمر هناك ، فاقتتلوا ، فقُتلَ الحسينُ رضوانُ الله عليه ورحمته وبركاته ، ولعنةُ الله على قاتليه .
وكان قتلهُ في العاشر من المحرّم سنة إحدى وستّين ، يوم عاشوراء(152)
وهو يوم في تاريخ المسلمين عظيمٌ، وهو على آل الرسول أليمٌ .
أمّا عظمتهُ ، فهي من أجل اقترانه بالحسين عليه السلام ، ذلك الإمام العظيم الذي مثّل الرسول في شخصه ، لكونه سبطه الوحيد ذلك اليوم ، ولكونه كبير أهل بيته ، وخامس أهل الكساء المطهَرين من عترته ، والذي مثّل الرسالة في علمها وسموّها وخلودها .فكانتْ معركةُ عاشوراء معركةَ الإيمان الذي تمثّل في الحسين عليه السلام ، والكفر الذي حاربه ، ومعركة الحقّ الذي تجسّد في الحسين عليه السلام ، والباطل الذي قاومه ، ويعني ذلك أنّه قد تكرّرت في هذا اليوم معاركُ الأنبياء ومشاهد الصالحين ، عَبْرَ التاريخ ، وبخاصّة مغازي النبيّ محمّد صلّى الله عليه واَله وسلّم في بدرٍ وأُحُد والأحزاب وغيرها ، ومشاهد عليّ عليه السلام في الجمل وصفّين والنهروان .
فكلّ الأنبياء والأئمّة والأولياء والصالحين ، والشهداء والمجاهدين ، يشتركون بأهدافهم وآمالهم وبدمائهم ، وتشخَصُ أعيُنهم على نتائج المعركة في عاشوراء .
وكلّ جهود الكفر والنفاق والفجور والفسق والرذيلة والخيانة ، والجهل والغرور والإلحاد ، تركّزتْ في جيش بني أُميّة ، تُحاول أنْ تنتقم لكلّ تاريخها الأسود ، من هذه الكوكبة التي تدور حول الحسين عليه السلام ,يريدون ليُطفئوا نور الله بسيوفهم وأسنّة رماحهم !
وأمّا ألَم عاشوراء ، الذي أقرحَ جفونَ أهل البيت ، وأسبلَ دموعَهم ، وأورثهم حُزْناً ، فهو من التوحُّش الذي أبداه الأعداء مع تلك الأبدان الطاهرة ومن الظلم الذي جرى على ممثّل الرسول والرسالة ، في وَضَح النهار المضيىء ، وأمامَ أعين الأُمّة المدّعية للإسلام ، من دون نكيرٍ ، بل استهلّوا فرحاً بالتهليل والتكبير.
وما أفظع الظلم والقهر والألم بأنْ يُعتدى على ابن بنت رسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم ، وعلى يد أُمّته ، من المسلمين كما يتظاهرون ، ومن العرب كما يزعمون ، وبأمر من الخلفاء والولاة كما يدّعون !
إنّها الردّةُ الحقيقيّةُ ، لا عن الإسلام فحَسْبُ ، بلْ عن كلّ دين مزعومٍ ، وعن كلّ معنىً والتزام إنسانيّ ، أو قوميّ ، أو وطنيّ ، أو انتماء طائفيّ ، أو تبعيّة ، أو أيّ معنىً آخر معقول .
بل ليس ما جرى في يوم عاشوراء قابلاً للتفسير إلاّ على أساس الجاهليّة ، والعمى ، والغَباء ، والغرور ، والغطرسة ، والحماقة ، وحُبّ سفك الدم الطاهر ، وروح الاعتداء والانتقام ، والرذالة ، والخسّة ، والعناد للحقّ الظاهر ، وركوب الرأس ، والعنجهية ، وخُسران الدنيا والاَخرة .
فحقّاً كانت معركةُ عاشوراء ، معركة الفضيلة كلّها ضدّ الرَذيلة كلّها .لكن لم ينته الظلم على آل محمّد بانتهاء عاشوراء ، بل امتدّ مدى التاريخ الظالم ، على يد حكّامه ، وعلى يد كُتّابه ، وعلى يد الأشرار الّذين ناصبوا آل محمّدٍ العداءَ والبغضَ والكراهيةَ ، وورثوا كلّ ذلك من أسلافهم ، الّذين صنعوا مأساة عاشوراء .
أليس من الظلم البيّن والخيانة المفضوحة أن يُفْصَلَ يوم عاشوراء ومجرياته التاريخيّة ، عن تاريخ الإمام الحسين عليه السلام؟
هذا الذي وقع - فعلاً - في كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر.ونحنُ نربؤ بابن عساكر نفسه ، ذلك المؤرّخ الشهير ، أن يكون قد أغفلَ ذكر أحداث كربلاء ويوم عاشوراء بالذات ، عن تاريخه الكبير ، إذ لا يخفى عليه أنّ تاريخ الحسين عليه السلام إنّما يتركّز في عاشوراء ، ويعلم أنّ مثل ذلك العمل سيؤدّي إلى أنْ يُنتقدَ بلا ريب من قبل المؤرّخين ، والفضلاء ، والنبلاء .
لكنّ يداً آثمة امتدّتْ إلى هذا الكتاب العظيم ، لتفرّغه من ذكر أحداث يوم عاشوراء , إذْ ليس في ذكر تلك الأحداث ، إلاّ ما يَكشف عن مدى الألم والظلم والاعتداء الذي جرى على أهل البيت ، ممّا لا يمكن إنكارهُ ولا دفعُه ولا توجيهُه ولا تفسيرهُ إلاّ على أساس ما قُلنا .
وتلك اليد الآَثمة الخائنة للعلم والتراث تريد أنْ تبرّىء ساحة بني أُميّة ، أسلافها ، من الجرائم المرتكبة يومذاك ، تلك الجرائم السوداء البشعة ، التي لم يغسل عارَها مرورُ الأيّام ,ولا ينمحي بحذف هذه الأحاديث من هذه النسخة أو تلك !
ولئن امتدّت يدُ الخيانة إلى تاريخ ابن عساكر ، فحذفتْ منه حوادثَ يوم عاشوراء ، فإنّ مؤرّخي الإسلام ، ومؤلّفي المسلمين ، قد أفعموا كتب التاريخ بذكر تلك الحوادث ، وجاء ذكر ذلك في العديد من الكتب التاريخيّة واُلّف لذلك ، خاصةً ، ما يُسمّى بكتب المقاتل .
ولعلّ نسخةً من أصل تاريخ ابن عساكر توجدُ هناك أو هنا ، فيعرّفها مطّلعٌ ، أو يطّلع عليها منصِفٌ ، فيُخرجها إلى النور ، فيَبْهَتُ الخائنون الّذين ظلموا الإسلام ، وظلموا آل محمّد ، وظلموا التاريخ ، وظلموا التُراث ، وظلموا المسلمين بالتعتيم عليهم ، وكتمان ما جرى على أرض الواقع عنهم .
كما فعلوا مثل هذا الحذف والتحريف في كثير من كتب التُراث والحديث والدين ، فأبادوها بالدفن والإماثة بالماء ، والإحراق(153)
ولكن الحقائق ، وإنْ خالوها تخفى على الناس ، فإنّها لابُدّ وأن تُعْلَم مهما طال الزمن(154).
ونحن - لمّا التزمنا في كتابنا هذا بإيراد ما رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة الإمام الحسين عليه السلام , فقطْ - لا نحاولُ أنْ نخرجَ عن هذا الالتزام ، فلا نَستعرض حوادث السيرة ، اكتفاءً بما جاء في المقاتل القديمة والحديثة من ذكرها ، وأملاً في أنْ نوفّق لعرضها في كتاب مستقلّ بعون الله .
ولكنَا نورد في ما يلي ما رواه ابن عساكر من خُطب الإمام في يوم عاشوراء ، وفيها من العِبَر ما هو كفاية للمعتبرين .
إتمام الحُجّة :
وإذا كان الحسين عليه السلام يمثّل الرُسُلَ والرسالات الإلهيّة ، فلابُدّ أنْ ينحوَ منحاهم في تبليغها ، فلقد كانوا يقضون أكثر أوقاتهم في إبلاغها ، وإتمام الحجّة على أقوامهم ، قبل أنْ ينزلوا معهم إلى المعارك الحاسمة, وهكذا فعل الحسين عليه السلام .فإذا كان في المحلّلين التاريخيين مَنْ يعتذر لجيش الكوفة ويزعم : أنّ شعبَ الكوفة الذي حاربَ الحسين ، لم يكنْ يعرفه ، ولا يعرفُ عن أهدافه شيئاً فإنّ ذلك ليس إلاّ تحريفاً للحقائق من وجهٍ آخر ، فكيفَ يدّعى على أُمّة أنّها لم تعرفْ سبط نبيّها بعد خمسين سنة ,فقط من وفاته ? فعليها العفاءُ من أُمَةٍ غبيّة! و بالخصوص أهل الكوفة الّذين عاشَ الحسين عليه السلام بينَهم طوال خمس سنين ، مدّة وجود أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام في الكوفة (36 - 40 ) فما أغباهم من أُمّةٍ لو نَسوا ابنَ إمامهم ? وجاءوا يقاتلوه بعد عشرين سنة فقط؟! إنّه عذرٌ أقبحُ من الجرم ، بمرّاتٍ !
ومع هذا ، فإنّ الإمام الحسين عليه السلام قطعَ أوتار هذا العُذْر ، فوقفَ كما وقفَ الأنبياء ، والدعاة إلى الله ، ناصحاً ، ومعرّفاً بنفسه ، ومتمّاً للحّجة عليهم .
قال الرواة : لمّا نزلَ عمر بن سعد بحسين ، وأيقنَ أنّهم قاتلوه ، قامَ الحسينُ عليه السلام في أصحابه خطيباً ، فحمدَ الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :
[271] قد نزل بنا ما ترونَ من الأمر ، وإنّ الدنيا قد تغيّرتْ وتنكّرتْ وأدبرَ معروفُها ، واستمْرَتْ حتّى لم يبقَ منها إلاّ صبابةٌ كصبابة الإناء ، إلاّ خسيسُ عيشٍ (155) كالمرعى الوبيل, ألا ترونَ الحقَ لا يُعمل به ، والباطلَ لا يُتناهى عنه؟! ليرغبَ المؤمنُ في لقاء الله . وإنّي لا أرى الموتَ إلاّ سعادةً ، والحياةَ مع الظالمين إلاّ بَرَماً(156)
ففي أقصر عبارة ، وأوفاها في الدلالة ، جمعَ الإمامُ بينَ الإشارة إلى الماضي والتعريف بالحاضر . فذكر الحقَّ وترك الأمّة له ، والباطلَ والالتزام به . وذكّر بلقاء الله منتهى أمل المؤمنين ورغّبهم فيه . وذكرَ السعادة ، وجعل الحياة مع الظالمين ضدّها ,وأهمّ ما في الخطبة التذكيرُ بالتغيّر الحاصل في الدنيا ، و إدبار المعروف ? ألا يكفي السامعَ أنْ يتنبّهَ إلى الفرق بين دُنيا يوم عاشوراء ، عن الدنيا قبلها ، وما هو التغيّر الحاصل فيها ? الذي يؤكّد عليه الإمامُ كيْ يعتبرَ ؟
وأظنّ أنّ كلّ مفردةٍ من المفردات التي أوردها الإمامُ في خطبته هذه , تكفي لأنْ يعيَ السامعون ، ويبلغوا الرشدَ , إنْ لم تكنْ على القلوب أقفالُها
وفي غداة يوم عاشوراء ، خطب الإمامُ أصحابه: [272] فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثمّ قال : عبادَ الله ، اتّقوا الله ، وكونوا من الدنيا على حَذَرٍ ، فإنّ الدنيا لو بقيتْ لأحدٍ ، أو بقي عليها أحدٌ ، كانت الأنبياءُ أحقَ بالبقاء ، وأولى بالرضا ، وأرضى بالقضاء . غير أنّ الله تعالى خلقَ الدنيا للبلاء ، وخلق أهلها للفناء ، فجديدُها بالٍ ، ونعيمُها مضمحلّ ,وسرورُها مُكْفَهِرٌّ . والمنزلُ بُلْغةٌ ، والدارُ قلعةٌ ( وَتَزَوَدُواْ فَإِنَ خَيْرَ الزَادِ التَقْوَى وَاتَقُونِ يَا اُوْلِي الأَلْبابِ)
فهو عليه السلام ذكر الدنيا، وحذّر منها ، وذكر الأنبياء، ليدلّ على حضورهم في الأهداف معه. وذكر البلاء والفناء و البلى واضمحلال نعيمها واكفهرار سرورها لعلّ كلماته تبلغ مسامعَ أهل الكوفة فتندكّ بها ، فيرعوون عمّا هم عليه مقدمون .
ولّما لم يجدْ منهم أُذناً صاغيةً ، وكان صباح عاشوراء , توجّه بهذا الدعاء :
[270] لمّا صبّحت الخيلُ الحسينَ بن عليّ ، رفع يديه فقال: اللّهُمَ ، أنتَ ثقتي في كلّ كَرْبٍ ، ورجائي في كلّ شدّةٍ ، وأنتَ لي في كلّ أمرٍ نَزَلَ بي ثقةٌ وعُدّة ، فكمْ من هَمّ يضعفُ فيه الفؤادُ ، وتقلّ فيه الحيلةُ ، ويخذل فيه الصديقُ ، ويشمتُ فيه العدو ، فأنزلتُه بك وشكوتُه إليك رغبةً فيه إليك عمّن سواك ، ففرّجْتَهُ ، وكشَفْتَهُ ، وكفيتَنيه . فأنتَ وليُّ كلّ نعمةٍ ، وصاحبُ كلّ حسنةٍ ، ومنتهى كلّ غايةٍ(157)وفي هذا الدعاء توجيهٌ للسامعين إلى الله ، وإيحاءٌ بالثقة والرجاء والأمل والفرج والكشف والكفاية . وتحديد للعدوّ والصديق ، وتذكيرٌ بالنعمة والحسنة والغاية ، التي هي لقاءُ الله .
أمّا إذا لم ينفع التذكيرُ ، ولم ينجع النصحُ ، لقومٍ غفلوا عن الله ، وهم عُمي صُم بُكم ، لا يفقهون حديثاً ، ولا يعون شيئاً . فإنّ الإمام عليه السلام لمّا وَجَدَ نفسه مُحاطاً بالأعداء ، ووجدهم مصمّمين على تنفيذ الجريمة العُظمى لا يرعوون ، كاشفهم بكلّ الظواهر والبواطن ، وأوضح لهم الواضحات ، لئلاّ يبقى عذرٌ لمعتذرٍ ، قال الرواة [273]: لما استكفَ الناس بالحسين ، ركب فرسه ، ثمّ استنصتَ الناسَ فأنصتوا له ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبي صلّى الله عليه واَله وسلّم ، فقال:
تبّاً لكم ، أيّتُها الجماعةُ ، وترحاً . أحينَ استصرختمونا وَلِهينَ ، فأصرخناكم موجِفينَ ، شحذتُم علينا سيفاً كان في أيماننا ، وحششتُم علينا ناراً قدحناها على عدوّكم وعدوّنا ، فأصبحتُم إلْباً على أوليائكم ، ويَداً عليهم لأعدائكم ? بغير عدلٍ رأيتموه بثّوه فيكم ، ولا أمَلٍ أصبحَ لكم فيهم . ومن غير حَدَثٍ كان منّا ، ولا رأيٍ يُفَيّل فينا , فهلاّ - لكم الويلاتُ - إذْ كَرِهتمونا تركتمونا ، والسيفُ مشيمٌ ، والجأشُ طامنٌ ، والرأيُ لم يستخفّ ,ولكن استصرعتم إلينا طيرة الدنيا ، وتداعيتم إلينا كتداعي الفراش . قيحاً وحكةً وهلوعاً وذلّةً لطواغيت الأُمّة ، وشذّاذ الأحزاب، ونَبَذة الكتاب، وعُصبَة الاَثام، وبقيّة الشيطان، ومحرّفي الكلام ، ومطفي السنن ، وملحقي العهر بالنسب، وأسف المؤمنين، ومزاح المستهترين، الّذين جعلوا القُرآن عضين ( لَبِئْسَ مَا قَدَمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي العَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ)
فهؤلاء تعضدون ? وعنّا تتخاذلون ؟
أجَلْ - والله - الخذلُ فيكم معروفٌ ، وشجتْ عليه عروقُكم ، واستأزرتْ عليه أُصولُكم وفروعُكم . فكنتمْ أخبثَ ثمرةِ شجرةٍ للناظر ، وأكلة للغاصب ألا فلعنةُ الله على الناكثين ( وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً)ألا ، وإنّ البَغيَ قد ركزَ بين السِلّةِ والذلّة ، وهيهات منّا الذلّة (158) أبى الله ذلك ورسولهُ والمؤمنون ، وحجورٌ طابتْ ، وبطونٌ طهرتْ ، وأُنوفٌ حميّةٌ ، ونفوسٌ أبيّةٌ ، تُؤْثِرُ مصارعَ الكرام على ظآر اللئام .
ألا ، وإنّي زاحِفٌ بهذه الأُسْرة ، على قِلّة العدد ، وكثرة العدوّ ، وخذلة الناصر
فإنْ نَهْزِمْ فهزّامون قِدْماً * وإن نُهْزَم فغير مُهَزَمينا
وما إنْ طِبنا جُبْنٌ ولكنْ * منايانا وطعمة آخرينا
ألا ، ثمّ لا تلبثون إلاّ ريثما يُركبُ فرس، حتّى تدار بكم دورَ الرحا ، ويُفلق بكم فلقَ المحور ، عهداً عهده النبي إلى أبي ( فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَ كُمْ ، ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَةً ثُمَ اقْضُواْ إِلَيَ وَلاَ تُنْظِرُونِ ) . [ سورة يونس :71]
(إِني تَوَكَلْتُ عَلَى اللهِ رَبي وَرَبكُم مَا مِن دَابَةٍ إِلاَ هُوَ آخِذ بِنَاصِيَتِهَا إِنَ رَبي عَلَى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)فإنْ كان في سامعي هذه الخطبة مَنْ عنده مثقالُ ذرّة من خيرٍ ، اكتسَبه بعرفٍ أو تعلّمه من درسٍ أو دينٍ ، أو كان له ضميرٌ ووجدانٌ ، أو من يرجع إلى عقلٍٍ ونظرٍ لنفسه ، لكانتْ له مُرشدةً إذْ أنّ الإمام عليه السلام قد استعملَ كلّ ذلك , فحرّك الأعراف القائمة على الوفاء بالعهد ، والإحسان بالمثل . وبصّرهم بالبؤس الذي غمرهم ، فهم في غمرته ساهون ، فلا عدلَ ولا أملَ في الحكم الذي تحت نيره يرزحون ، وهم لا يشعرون , وقرأ لهم الشعر الحماسيّ الذي تمثّل به أبطال العرب ، وسارت به الأمثال , وأوضح لهم مفاسد الموقف من خلال عروض البغيّ ابن البغيّة ، كيْ تتحرّك عندهم خيوط الوجدان ، ويتبصّروا مواقع أقدامهم ، وأهدافهم لَعلّهم يهتدون , كما عرّفهم - بأقوى نصٍّ - بنفسه وأصله وفصله ، والجماعة الّذين معه ، الّذين عبّر عنهم بهذه الأُسرة , تعبيراً عن اندماجهم وتكتّلهم ووحدتهم ، في المسير والمصير ، وأنّهم ليسوا مّمن يتوقّع نزولهم على رغبة الأعداء ، هيهات !
وذكر في خُطبته الأنبيَاء ، والنبيّ ، وأباه .
وقرأ لهم الآَيات مستشهداً بها . ألم يكن الجمع قد سمعوا آيات القرآن ? وهم الاَن يسمعون الإمام يتلوها عليهم ؟
فإن لم يقرأوا القرآن فكيف يدّعون الإسلام؟
وإن قرأوه ، فهل حجّة أتمّ عليهم من آياته ؟ومن أعظم المواقف إثارةً ، وأتمّ الخُطَب حجّةً ، ما نقله الرواة ، قالوا : [274 - 275] إنّ الحسين بن عليّ لمّا أرهقه السلاحُ ، قال : ألا تقبلون منّي ما كان رسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم يقبل من المشركين ؟
قالوا : وما كان رسول الله يقبل من المشركين ؟
قال : إذا جنحَ أحدُهم ، قبِلَ منه قالوا : لا .
قال : فدعوني أرجع قالوا : لا .
قال : فدعوني آتي التُركَ ، فأُقاتلهم حتّى أموت(159)وبدلاً أن يتعاطفوا مع هذا العرض ، تمادوا في الغيّ . . فأخذَ له رجلٌ السلاحَ ، وقال له : أبشر بالنار فقال الحسينُ عليه السلام : بل - إن شاء الله - برحمةِ ربّي عزّ وجلّ، و شفاعة نبيّي صلّى الله عليه واَله وسلّم .
إنّها منتهى الضراوة والوحشية من جيش الكوفة ، ولكنّها منتهى الغاية في إتمام الحجّة عليهم من الإمام الحسين عليه السلام .
لقد كشفَ الإمامُ بعرض هذه الأُمور ، عن مدى قساوة هؤلاء ، كما كشفَ عن جهلهم بسُنّة الرسول ، التي يدّعون الانتماء إليها والدفاع عنها .
وحين رفضوا الخيارات التي عرضها بكلمة النفي (لا ) فإنّ الخيار الثالث - مهما كانت صيغته - فإنّه لم يقابَلْ إلاّ بالسلاح (160)، وهذا لا يصدرُ ممّن له وجدانٌ ، وضميرٌ ، وإنسانيةٌ ، فضلاً عن الّذين يدّعون الانتساب إلى الإسلام دين الرحمة والسلام والحقّ والعدل .
إنّ عروضَ الحسين عليه السلام هذه تكشف بجلاء عن مدى بُعْدِ الأُمّة المسلمة ، عن دين الإسلام ، ولمّا يمضِ على وفاة النبيّ صلّى الله عليه واَله وسلّم ، نصفُ قرن ، خمسون عاماً فقطْ! وأنّ المسلمين لم يتعمّقوا في فهم التعاليم القيّمة التي جاء بها الإسلام ولم يتخلّوا تماماً من روح الجاهليّة الأُولى الكامنة في نفوسهم , فلا زالوا يتحرّّكون بها ، ولازالتْ أعراف الجاهليّة وعاداتها في حبّها لسفك الدماء، وهتك الأعراض ، وخيانة الوعود ، ونبذ العهود ، وخفور الجوار ، وهتك الذمار ، تملأ نفوسهم ، وتعشعش في عقولهم .
وأبان الإمام الحسين عليه السلام أنّ المسلمين - يومذاك - قد استولى عليهم الحكّام إلى حدّ الانقياد لهم في معصية الله وإلى حدّ الذُلّ والخضوع والطاعة لمن بيده القوّة - حبّاً للحياة الدنيا - مهما كان الحاكم في شخصه ، وفعله ، وتصرّفه ، وقوله ، وفكره : خِسّةً وضعة, وشناعةً وقباحةً ، وفسادا ًوجوراً ، وجهلاً وبطلاناً !!
وفي كلّ هذا الردّ الكافي عَلى الرأي القائل بأنّ للأُمّة عِصْمةً في تعيين مصير الحكم و رأياّ في السياسة ، التي تتعلّق بدين الناس ودنياهم ، وتبنى عليها شؤون الأعراض ، والأموال ، والنفوس.
فقد كشف الإمامُ الحسين عليه السلام بخطاباته ، ومواقفه ، وبشهادته : أنّ الأُمّة المسلمة ، إذا كانت بعد مضيّ خمسين عاماً ، لم تعِ ، ولم تدركْ ما عرضَ عليها من الحقائق الواضحة ، وقد أوغلوا في الجهل إلى حدّ الإقدام على قتل سبط نبيّهم وأسر بناته وأهله , فإذا بلغَ وَعْيُ الأُمّة بعد خمسين سنة من حكم الخلفاء باسم الإسلام , إلى هذا الحدّ المتردّي ، من الجهل والتدنّي والانحطاط والوحشيّة ، الذي هو عين اللاوعي , بالرغم من تكاثف الأعوام وتكرّر المفاهيم التي جاء بها الإسلام بقرآنه وسُنّته ، وسيرة أصحابه ، أمامَ مرأى الأُمّة ومسامعها, فكيف بهذه الأُمّة ، قبل خمسين عاماً ، وفي السنة التي توفّي فيها نبيّهم صلّى الله عليه واَله وسلّم حين يُدّعى أنّها أجمعتْ - لو تمّ ثَمّ إجماعُ - على تنصيب خليفةٍ لأنفسهم ، يقومُ مقام الرسول صلّى الله عليه واَله وسلّم ، ذلك المقام الجليل المقدّس والمهمّ؟!
فإذا كانت الأُمّة في عصر الحسين عليه السلام ، لم تبلغْ الرشد - في عامها الخمسين - أنْ تعيَ من الخليفة والولاة ، يزيد وابن زياد ، ما يبعثها على رفضهما ، والابتعاد عن خطّتهما ، أو الانعزال والتبرّؤ من أعمالهما ، بل بلغَ بها الجهلُ والغيُّ أنْ أطاعتهما إلى حدّ الإقدام على قتل سيّد شباب أهل الجنّة ، سبط النبيّ صلّى الله عليه واَله وسلّم؟
فكيف تكون راشدةً في اختيار خليفة للرسول ، فور وفاته قبل خمسين عاماً ، وهي في حال الصِغَر ؟!
إنّ إثبات هذه الحقيقة الدامغة ، كان واحداً من نتائج ما قام به الإمام الحسين عليه السلام من إتمام الحجّة ، يوم عاشوراء.
ومهما تكن آثار جهود الإمام في خُطبه ، إلاّ أنّ الأرض لا تخلو من حجّة ، وقد برز من بين تلك الجموع الكثيفة ، الغارقة في جهلها ، مَنْ وَعَى نداآت الحسين عليه السلام ، وتحرّك وجدانُه ، وأحسّ ضميرُه .
فقد جاء في نهاية حديث عرض الإمام عليه السلام للخيارات الثلاثة ومواجهة جيش الكوفة لها بالرفض والسلاح ، أنّه [ ص220] كان مع عمر قريبٌ من ثلاثين رجلاً من أهل الكوفة فقالوا : يعرض عليكم ابنُ بنت رسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم ثلاث خصال ، فلا تقبلون شيئاً منها ? فتحوّلوا مع الحسين ، فقاتلوا .
إنّ هؤلاء أبلغُ حجّةٍ ، علىكلّ القوم ، حيثُ دلّ تحولهم على أنّ كلام الحسين قد بلغ جيش الكوفة ، لكن رانَ على قلوبهم حبُّ الدنيا ، ونخوة الجاهليّة ، والعمى عن الحقّ ، فهم لا يهتدون .
أيَحِقُّ - بعد هذا كلّه- لهذه الجماعة ، أنْ تدّعي أنّها أُمّة محمّد رسول الله صلّى الله عليه واَله وسلّم ، وأنّها آمنت بدينه الإسلام ، وتريد أنْ تدخل الجنّة ?
وقد أشار إلى هذه المفارقة بعضهم لمّا قال : [323] لو كنتُ في من قَتَلَ الحسين ، ثمّ أُدخلتُ الجنّة ، لاستحييتُ أنْ أنظر إلى وَجْهِ النبيّ صلّى الله عليه واَله وسلّم .
ولم يصرّح ، لأنّ مثل هذا الفرض قد قيل في بيئةٍ لم يستبعد فيها لقاتل الحسين عليه السلام أن يدخلَ الجنّة , وهذا هو واحدٌ من أوجه التردّي في الضلال ، والتقهقر في الوعي ، والتخلّف في الشعور ، والبعد عن الإسلام فكيف يحتمل أن يدخلَ الجنّة قاتل الحسين - سيّد شبابها - ? بينما القرآن الكريم يقول: ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَمُ خَالِداً فِيهَا ) كما يقول القرآن?
العُريان:
وقبل أن نغادر كربلاء ، ونودعَ عاشوراء بآلامه وشجاه ، لابُدّ أن نلقي نظرة وداعٍ على تلك الجثث الطاهرة ، المضرّجة بدمائها ، في سبيل الإسلام ورسالته الكبرى , فإذا بِنا نواجه مشهداً فظيعاً ، جسمَ الحسين ، حبيبَ النبيّ ، ملقىً ، عارياً عن كلّ ما يورايه عن حرّ الشمس
ولقد جاء في الحديث أنّ الحسين نفسه كان قد توقّع من لؤم القوم أن يجرّدوه من ثيابه : [277] قال الحسين بن عليّ حين أحسَ بالقتل : ابغوني ثوباً لا يُرْغَبُ فيه ، أجعله تحتَ ثيابي ,لا أُجَرَد !!!فأخذ ثوباً ، فخرقه ، فجعله تحت ثيابه فلمّا قُتِلَ ، جُردَ صلوات الله عليه ورضوانه(161)
واحسرتاه ، على هذه الأُمّة إلى أيّ حدّ وصلت إليه من اللؤم ، والرذالة ، والخبث ، والنذالة ، وهم يدّعون الانتماء إلى أفضل دينٍ عرفتْه البشريّة بتعاليمه الإنسانية القيّمة.
أربعة آلاف في بداية القتال ، بلغوا اثني عشر ألفاً على بعض الأقوال ، وثلاثين ألفاً على أوسط الأقوال ، وأكثر على أقوال أُخر ، جنود الدولة الإسلامية ، ليس فيهم مَنْ يعرفُ من الإسلام أوّليّات واجباته الأخلاقيّة !!؟؟، حقّاً ، إنّ من المستنكَر أن يدّعي أحدهم الإسلام !
وقد ذُهلوا عن هذه الدعوى ، لمّا واجهتهم أُختُ الحسين ، بمثل هذا السؤال : أما فيكم مسلمٌ ? فلم يُجبْها أحد منهم.
وكيف يجرؤ على ادّعاء الإسلام مَنْ يُقدِمُ على هذا الإجرام ، الذي تأبى نفوس أحقر الناس وأفقرهم عن ارتكابه : تجريد ابن بنت رسول الله من ثوب ممزّق ، ملطّخ بالدم !!
ولماذا؟
إنّه أمر يقزّز الشعور ، ويجرح العاطفة ، ويستدرّ العَبْرة .لكنّهم فعلوا كلّ ذلك ، وهم يزعمون أنّهم مسلمون عَرَب !!
أمّا الحسين عليه السلام فقد فَنَدَ بمواقفه وتضحياته مزاعمهم ، كما صرّح في خطاباته بانتفائهم عن كلّ ما ينتمون إليه حين صاح بهم :ويْحَكُم ، يا شيعة آل أبي سفيان ! إنْ لم يكنْ لكم دينٌ ، وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحراراً في دنياكم ، إن كنتم عَرَباً كما تزعمُون(162)
فقد نفى عليه السلام أن يكون لهم دين يعتقدون بأحكامه ، أو يكونوا مسلمين يخافون المعاد الذي يخافُه كلّ ملّي معتقد ، فيمتنع من ارتكاب الأصغر من تلك الجرائم النكراء البشعة .
ونفى أن يكونوا عرباً , لأن للعُروبة عند أهلها قوانين وسُنناً وآداباً وموازين ، أقلّها الشعورُ بالتحرّر والإباء والحميّة والمروءة والتأنف من ارتكاب المآثم الدنيئة والاعتداءات الحقيرة .
أمّا هؤلاء المسلمونَ !و العَرَبُ !! فهم الممسوخُون ، المغمُورون في الرذيلة إلى حدّ الغباء، والعمى ، لبعدهم عن الحقّ ، وانضوائهم تحت لواء الباطل .
وظلّت كربلاء ، ويوم عاشوراء ، وصمةَ عارٍٍ على جَبينِ التاريخ الإسلاميّ وعلى جبين أهل القرن الأوّل ، لا يمحوها الدهر ، ولا يغسلها الزمن .
(152)مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور ( 7 / 145 ) .
(153)إقرأ عن ذلك : تدوين السنة الشريفة للمؤلّف .
(154)مثل الطبقات الكبرى لابن سعد كاتب الواقدي ، فإنّه ذكر في ترجمة الإمام الحسين عليه السلام مقتله ، وما جرى عليه يوم عاشوراء بتفصيل وافٍ ، ولابدّ أنّ ابن عساكر قد أورده في تاريخه ، لأنه لا يغفل ما رواه ابن سعد في الطبقات ، فكيف يتجاوز هذا المقتل ? إلاّ أنّ ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من كتاب الطبقات لابن سعد ، هي الاُخرى حاولَ إغفالَها الطابعون للطبقات ، فلم يُوردوها في المطبوع - لا الطبعة الاُوروبيّة ولا البيروتيّة ؟
لكنّ الله ادّخر منها نسخةً في مكتبة أحمد الثالث في إستانبول - وهي النسخة الأصل التي اعتمدها طابع النسخة الاُوروبية - وحقّقها أخيراً سماحة صديقنا المحقّق المرحوم السيّد عبد العزيز الطباطبائيّ في نشرة تراثنا في العدد (10) ونشر مستقلاً أيضاً . كما أورد محقّق كتاب ابن عساكركلّ ما يرتبط بالمقتل منه في هامش مطبوعته من تاريخ ابن عساكر ، ليتلافى النقص في ترجمة الإمام عليه السلام منه ، فجزاهما الله خيراً .
(155) في مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور : حشيش عَلَس .
(156)مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور ( 7 / 146 ) .
(157)مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور ( 7 / 146 ) .
(158)وفي نسخة : الدنيّة ,بدل: الذلّة
(159) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور ( 7/ 146)تحتوي الروايتان اللتان رواهما ابن عساكر على طلب الإمام المسير إلى يزيد,لكنّ الروايات الصحيحة خالية من ذلك ، بل روى عُقبة بن سَمعان قال: صاحبتُ الحسين من المدينة إلى مكّة ومن مكّة إلى كربلاء، ولم أُفارقه في حالٍ من الحالات ، فما سمعتُ منه أن يقول : دعوني آتي يزيد .فلاحظ تاريخ دمشق ترجمة الإمام الحسين عليه السلام ( ص220 هامش ) مع أنّه لو أُضيفتْ تلك إلى الخيارات لكانتْ أربعةً بينما المتن ينصّ على أنّها ثلاثةٌ , ولاحظ الهامش الآَتي .
(160) لقد اختلف الرواة في صيغة الخيار الثالث الذي عبّر عنه الإمام الحسين عليه السلام فقال الأكثرون أنه عَرَضَ عليهم الرجوع إلى مدينة جدّه الرسول ، فقوبل بالسلاح ، ولكن الأُمويين افتأتوا صيغةً أخرى حاصلها أنْ يذهبَ إلى يزيد فيضع يده في يده ، أو يرى فيه رأيَه! لكن مقابلتهم لهذا الخيار بالسلاح دليل على عدم صدق هذا الافتيات ، إذْ معنى هذا الخيار هو التسليم والوقوع في أيديهم ، فما لهم لا يقبلونه منه ؟! ولم لا يقابلونه إلاّ بالسلاح ؟
(161)مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور ( 7 / 147) .
(162)رواه أصحاب المقاتل ، انظر: الإيقاد: ص 129 ومقتل الحسين عليه السلام للمقرّم:( ص 275 ).