Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

الفصل الثاني

هل أحاديث المهديّ مختصّة بالشيعة؟

 

إنّ أحاديث المهديّ لم تختصّ بروايتها طائفة من المسلمين، بل هي من أكثر الأحاديث اشتراكا بين المسلمين، كافّة.

ومن المؤكَد أنّ الأحاديث في المهديّ المنتظر المرويّة بطرق أهل السُنّة، والمبشرة بالمهديّ لا تقلّ عن التي رواها الشيعة.

ولكن بعضهم يُحاول - بشتّى الطرق والأساليب - أن ينسبها إلى الشيعة، ويحسبهم - فقط - المسؤولين عنها، فهو يقول: <وقد تقبّل الفكر الشيعيّ سيلا من الأساطير والأحاديث <الموضوعة> عن طريق الموالي، وتسرّب <بعض> منه إلى بعض محدّثي أهل السُنّة الّذين تساهلوا في الرواية عن أصحاب الفرق المخالفة>[ تراثنا وموازين النقد (ص185)].

إنّ في هذا الكلام:
1 - الحكم على الفكر الشيعي - فقط - بتقبّل هذه الأحاديث.
2 - الحكم على من نقلها من محدّثي أهل السُنّة بالتساهل، وتسرّب بعض الأحاديث إليهم.
3 - الحكم على الأحاديث كلّها بالوضع.

إنّها أحكام قاسية، لا يحقّ لأحد - له أدنى معرفة بعلوم الحديث - أن يُطلقها بكلّ رخاء وسنجيب عن كلّ واحد من هذه الأحكام بتفصيل، إلاّ أنّا نحاول أن نظهر هنا ما في هذا الكلام القصير من التهافت الواضح:

فإذا كان الشيعة هم المتقبّلين لأحاديث المهديّ، وإنّما <البعض> منها <تسرّب> إلى <البعض> من محدّثي أهل السُنّة فلماذا يقول - بعد ثمانية أسطر فقط - : تُمكن الإشارة إلى <ضخامة> هذا <الركام> الذي رواه أهل السُنّة <وحدهم>[ تراثنا وموازين النقد (ص186)].

فكيف انقلب <البعضُ المتسرّبُ> إلى <ركامٍ ضخمٍ> بعد ثمانية أسطر فقط من الكلام الأوّل?

وإذا كانت الأحاديثُ موضوعةً فلماذا يقول - بعد صفحة واحدة فقط - :
أُشير إلى أنّ <الكثير> من هذه الأحاديث مخرّج في <الصحاح> -باستثناء البخاري ومسلم - كما خرّج بعضها الحاكم في المستدرك، وابن حنبل في مسنده، بالإضافة إلى سنن الداني، ونعيم بن حمّاد، وغيرها كثير[ تراثنا وموازين النقد (ص186)].

ولا حاجة إلى التعليق على هذا، بعد وضوح التهافت:
بين كون الأحاديث <موضوعة>، وتسرّب <البعض> منها إلى <المتساهلين> من أهل السُنّة. وبين كون <الكثير> من هذه الأحاديث، مخرّجا في <الصحاح>. لِما بين <الموضوعة> وبين <الصحاح>، وبين <البعض> المتسرّب، وبين <الكثير> المخرّج، من التهافت والتنافي.

إنّ مثل هذه التصرّفات، لا يصدر عن عارف بمصطلح الحديث، كما إنّ مثل تلك الأحكام القاسية لا يصدر ممّن يعرف ما يخرج من رأسه ويجري به قلمه.

على أنّ الحكم <بالتساهل> على أصحاب <الصحاح> ليس إلاّ جهلا بتاريخ الحديث وتاريخ المحدثين، وعدمَ وقوفٍ على ما عاناه أهل الحديث في سبيل جمعه وضبطه وتدوينه وتحريره.

إنّ من ينزل إلى هذه التخوم الدانية في المعرفة بالمصطلحات الحديثية وبتاريخ الحديث وأهله وقواعده، لا يحقّ له أن يقتحم بحر <النقد> الواسع.

وسنبيّن في الفصول التالية وجوه البطلان في أحكامه القاسية تلك.