الفصل السابع
هل مسألة المهديّ، من العقائد?
إنّ بعض شيوخ أهل السُنّة حشروا الاعتقاد بالمهديّ ضمن عقيدة المسلم، فقال من اعترض عليهم: كان ينبغي استبعاده. لأنّ الشيعة يعتبرونه من العقيدة، لأنّه إمام، والإمام منها. وإن كان من أشراط الساعة، فكان عليه أن يتذكّر أنّ أحاديثها من أخبار الاَحاد التي لا تثبت بها عقيدة[ تراثنا وموازين النقد (ص198)]
نقول: إنّ الدليل الأوّل المذكور لاستبعاد كون أمر المهديّ من العقائد حسب عقيدة أهل السُنّة، جيّد: فأهل السُنّة يرون الإمامة من فروع العمل الواجب على الأُمّة، لا من أُصول الاعتقاد الذي يُبتنى عليه الايمان، والمهديّ على فرض ثبوته وصحّة خبره إنّما هو خليفة، لا أكثر.
ولكن إذا صحّت الأخبار بمعنى المهديّ وتكاثرت إلى حدّ التواتر المفيد للعلم، فهي خارجة عن الاَحاد. وقد عرفت دعوى التواتر من عدّة من أعلام الحديث، فلماذا لا تثبت به العقيدة العلميّة?
وإذا لم يتمّ التواتر، لكن صحّت الأخبار، وبرئت أسانيدها من الغلط والسهو، وفرضنا أنّه لا يدخل مضمونها في العقيدة، فهل يجوز للمسلم أن يرفضه، ويحكم بوضعه وبطلانه?
إنّ العلماء قرّروا في مثل هذا أنّه: إذا لم يكن حديث المهديّ من العقائد، فهو ملحق بما يجب الالتزام به لا كمعتقد، بل باعتبار صدور الخبر الصحيح به. كما قال الشيخ محمّد الخضر حسين: إذا ورد حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنّه يقع في آخر الزمان كذا، حصل العلم به ووجب الوقوف عنده، من غير حاجة إلى أن يكثر رواة هذا الحديث حتى يبلغ مبلغ التواتر[ نظرة في أحاديث المهديّ، في مجلّة التمدّن الإسلامي - الدمشقيّة].
ولا أقلّ من عدّ هذه الأحاديث مثل أحاديث العمل التي يلتزم بها العلماء والفقهأ وجميع المسلمين باعتبارها صادرة من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حجّةً معتبرة، ودليلا شرعيا على مداليلها، فيجب الالتزام بها على مَنْ يعتقد بالإسلام دينا، وبمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم نبيّا. أمّا ردّها ونبذها وتسفيه الملتزم بها، فهذا ما لم يلتزم به مسلم لا قديما ولا حديثا، إلاّ من قبل هذه الشرذمة ابن خلدون ومن لفّ لفّه، بأدلّة واهية.