مَلَك حَفْنِي ناصِيف
( باحثة البادية )
عمل الطالبة : نـــــدى موسى
إشراف الأستاذ : خالد فراج
حياتها ونشأتها :
ولدت ملك حفني ناصف
في القاهرة يوم الاثنين في 25 كانون الأول سنة 1886 . وتلقت مبادئ العلوم في مدارس
أولية مختلفة، والتحقت بالمدرسة السنية رغبة من والدها الذي أراد أن يخرج عن عادة
الوجهاء في ذلك العصر. وبهذا شجع والد ملك زملاءه على الاقتداء به بإلحاق بناتهم
إلى التعليم. وقد سميت ملك بـ( باحثة البادية )؛ لأنها كانت توقع مقالاتها في
الصحف بهذا الاسم.
وحصلت ملك على
الشهادة الابتدائية سنة 1900م ، وهي أول سنة تقدمت فيها الفتيات لأداء الامتحان
للحصول على تلك الشهادة، وكانت ملك أول فتاة مصرية نالت هذه الشهادة، ثم انتقلت
إلى القسم العالي بالمدرسة نفسها، فتفوقت على أقرانها فما كان من وزارة التعليم
إلا أن عينتها معلمة ممتازة. وحصلت على شهادتها العالية ثم اشتغلت بالتعليم في
مدارس البنات الأميرية، فقامت بعملها على أحسن قيام.
وكانت الباحثة تطوف
منازل صاحباتها ومعارفها؛ لتقنعهم بإرسال بناتهن إلى المدارس، وكانت خير مثال
لقريناتها حيث كانت تتحلى بأخلاق سامية، وسريرة صافية، ونفس أبية، ومثابرة على
العمل.
وفي سنة 1907م تزوجت
بعبد الستار الباسل، وتركت التعليم بالمدارس واشتغلت بالتعليم العملي، في بيت
زوجها، فكانت تباشر أكثر أعمال بيتها بنفسها، وكانت إذا فرغت من شؤون منزلها عكفت
على قراءة الكتب، وأيضا كانت مهتمة على تعرف أحوال السيدات وزيارة مدارس البنات وفحص
مناهج التعليم. ولكن زواج ملك لم يكن ناجحا، فعانت منه أشد المعاناة، وراحت تعالج
بقلمها آلامها وآلام المرأة الشرقية في أبحاث ومقالات نشرتها في الصحف، وراحت، منذ
عينت مدرسة، تدعو إلى تعليم البنات، وتهيب بالآباء أن يرأفوا ببناتهم ويخرجوهن من
ظلمة الجهل، وظلمة الكبت، وأيضا كان من رأيها في تربية المرأة أن تباشر من أعمال
الرجل ما لا ينافي الإسلام، وألا تكون زينتها مشغلة لها ولا عبئا ثقيلا ينوء به
عملها. وكانت ملك ناصف أول امرأة مصرية مسلمة جاهرت بالدعوة العامة إلى تحرير
المرأة، وظلت كذلك حتى وفاتها. وكان بيتها ناديا يقصده كثير من السيدات الغربيات والشرقيات،
وجمعت ملك بين العقليتين العربية والإفرنجية. وكانت تجيد اللغتين الإنجليزية والفرنسية
وتعرف شيئا من اللغات الأخرى، وهذا ما ساعدها في عملها.
أدبها :
لملك حفني ناصف
مقالات نشرتها في( الجريدة) ثم جمعتها في كتاب أسمته ( النسائيات) يقع في جزأين، وقد
طبع الجزء الأول منه وظل الثاني مخطوطا. ولها كتاب آخر بعنوان ( حقوق النساء )
حالت وفاتها دون إنجازه. وكانت خطيبة تخطب في السيدات، وخطبت فيهن خطبتين نفسيتين
ظهر فيهما العدل والاعتدال، وفي نفس الوقت حرصها على جنسها، وإجهاد نفسها للبحث
عما يهمه من الأمور.
الكاتبة
الاجتماعية :
أهم
أعمالها :
أسست اتحاد النساء
التهذيبي، ووضعت برنامجا لمشغل هام لم تتمكن من تنفيذه، وجمعت كثيرا من التبرعات
لمنكوبي طرابلس، وأسست مدرسة في بيتها لتعليم التمريض بمناسبة الحرب العالمية
الأولى، وقد حاكت بيدها 100 بذلة كاملة للهلال الأحمر المصري. ولم يكن شيء من ذلك
كله ينسيها ما يجب عليها لذوي رحمها، ومن يقع تحت ظهرها- ممن أجهدهم الفقر وأعوزتهم
الحاجة- وأشد ما كان برها لوالدها
فكانت تألم أشد الألم لألمه.
أما في الخارج فكان
لها صاحبات ومكاتباتها كثيرات منهن، ولها كثير من الرسائل التي لم تنشر. وقامت ملك
بإهداء كتابها ( المرأة المصرية ) للأمريكية اليزابيث كوبر التي مدحتها. وقد
اشتغلت بالسياسة ونشرت مقالا حماسيا في جريدة الشعب. وكانت باحثة البادية متدينة
ورعة، إذ كانت ترتب كثيرا من الإعانات للفقيرات وتعنى بإرشادهن إلى النظافة والتعليم.
آثارها العلمية والأدبية
:
1)
النسائيات : مجموع ما خطبته وكتبته في الجريدة خاصا
بالمرأة.
2)
حقوق النساء : لم يطبع بعد أن أنجزت منه ثلاث مقالات.
3)
رسالة ضافية قدمتها للمؤتمر المنعقد في مايو سنة 1911
بمصر الجديدة.
خصائص في كتابتها
النثرية :
إنَّ الناظر في
كتاباتها المختلفة يرى عبارة سهلة صحيحة الألفاظ
عربية خالية من تصنع السجع. وكان أسلوبها في المعالجة فهو أسلوب التحليل والتعليل ومن ثم الإقناع في غير قسوة ولا عنف ولا
تطرف. وقد بينت حالة التخلف التي كان الشرق يتخبط فيها، وبينت حالة
المجتمع المصري في عهدها، وما كان عليه من التفكك والبؤس، وراحت بلباقة جذابة، وصراحة
حافلة بالعذوبة، وعاطفة جياشة، وحب صادق
لوطنها، وتطلق صوتها في كل أذن وفي كل قلب، ولا سيما وإنها تحارب العادات السيئة، ولا تتنكر للتقاليد النافعة،
وتتمسك بتعاليم الشريعة الإسلامية في إخلاص، كما تتمسك بشرف العروبة ومصر في غير
مهادنة ولا اضطراب.
شعرها :
قالت الشعر وهي في
الحادية عشرة من عمرها، وكان بدء أمرها فيه أن تقوله معارضة لما تحفظه في المدرسة
تارة جدا وتارة هزلا. ثم كان لها من حسن استعدادها وكثرة قراءتها ونبوغ والدها فيه
خير معوان على تعبيد سبيله. وأكبر ما كانت تتناوله من الأغراض غرض واحد وهو ترقية
المرأة الشرقية. وشعرها حسن الديباجة جميل الأسلوب يعد في الدرجة الوسطى من شعر
هذا العصر. فمن شعرها قالت تخاطب المرأة المصرية:
سيري
كسير السحب لا تأني ولا
تتعجلـــــــــــي
لا تكنسي
أرض الـشوا رع
بالإزار الــــــــــمبسل
أما
السفور فحكمه فـــي في
الشرع ليس بمــعضل
ذهب
الأمة فيـــــــــــــه
بين محرم ومحـــــــلل
ويجوز
بالإجماع منهــم عند قصد
تــــــــــــــــأهل
من بعد
أقوال الأئمــــــة
لا مجال لمقولـــــــــــــــي
لا أبتغي
غير الفضيــــلة للنساء
فأجملــــــــــــــــــي
خلاصة آراء ملك في :
·
الزواج، الحجاب والسفور.
·
البيت والمدرسة.
·
الأمراض والعلل التي تتعرض لها نفيسة الرجل والمرأة
الزواج : تهيئة
المجتمع الراقي تكون أولا عن طريق الزواج الموفق، وأسباب إخفاق الزواج كثيرة أهمها
الجهل الذي يجعل الفتاة تقترن بمن لا تعرفه، وتعدد الزوجات الذي يثير الأحقاد ويهدم
الأسرة، وعدم الاهتمام للسن في الزواج مما يشفي الزوجين ويضر بالأبناء، والزواج
بالأجنبيات يخلق الخلافات. والجهل هو أساس التخلف الذي هيمن على الشرق بمجمله . وهو
في الزواج داء مريع، و" نتيجة شقاء الزوجين وعدم الوفاق بينهما مقدماتها جهل
أحد الزوجين بالآخر، وزواج مختلفي الطباع، متعلم وجاهلة بالعكس، أو غني وفقيرة، ومختلفي
الدين والبلد، والطمع في الغنى بغير نظر في الأخلاق، والزواج القسري، وتأويل الدين
الحنيف على غير ما أريد منه في أحكام الزواج والطلاق" .
وأما تعدد الزوجات فهو أمر
فضيع في نظر الباحثة، " هو عدو النساء الألد، وشيطانهن الفرد، كم قد كسر
قلبا، وشوش لبا، وهدم سرا،وجلب شرا. وكم من برئ ذهب ضحيته، وسجين كان أصل بليته، واخوة
لولاه لما تنافروا، ولا تناثروا ... انه لا سم فضيع ممتلئ وحشية وأنانية ...
"
وأما في شأن سن الزواج فقالت الباحثة :
" على ملاءمة سن الزوجين يتوقف شيء كثير من الوفاق والمحبة، والواجب ألا
تتزوج الفتاة إلا متى صارت أهلا للزواج، كفؤا لتحمل مصاعبه، ولا يكون ذلك قبل السادسة عشرة ... وزواج
مختلفي السن إضعاف للنسل، وشقاء للزوجين، وقلب لنظام الطبيعة الدقيق" .
وأما الزواج بالأجنبيات
فترفضه الباحثة بشدة لأن الأم تغذي الطفل بميولها وطباعها ولغتها كما تغذيه
بلبنها، وقد تضيع الوطنية عن طريق مصاهرة الأجانب .
الحجاب
والسفور : تذهب الباحثة في هذا الموضوع مذهب اعتدال ؛فتؤيد فكرة
السفور ولكن بعد المجتمع الشرقي قد انتقل من مرحلة الجهل إلى مرحلة النور . وهي
تقول في ذلك : " مجموع رجال مثل مجموعنا الحالي لا يصح بحال ما أن يوكل إليه
أمر المرأة وتترك عرضه لسبابه وقلة حيائه، ومجموع نساء كنسائنا الآن لا يفهم ألا
ما يفهمه الرضيع يصبح سفورهن واختلاطهن بالرجل بدعة لا انتهاء لشرها".
البيت والمدرسة
: ترى الباحثة أن الأسرة الواحدة يجب أن
تكون تامة الامتزاج، مرتبطة بالحب الصحيح؛ وهي تقول: " كما يتوارث الأولاد
اللون والخلقة عن والديهم يجب أن يتوارثوا عنهم أيضا أخلاقهم الحسنة ومميزاتها
". وهي تطلب من الزوجين أن يتجنبوا الكلفة فيما بينهما، وتطلب من الزوجة أن
تظهر في عيني زوجها بمظهر البشاشة واللطف والأنوثة، وأن تتجنب التدخين والمسكرات، وأن
تحافظ على رشاقتها بممارسة بعض أنواع الرياضة البدنية، وإلى جانب ذلك كله تحذر ملك
حفني ناصف الزوجة من الغيرة الشديدة الجامحة، لان مبدأ عدم الثقة هدام للحياة
الزوجية، وتقول: " الغيرة القليلة ممدوحة؛ لأنها تدل على حب الشخص للآخر وعلى
اهتمامه به ... وأما إذا استعملت الزوجة الغيرة في غير موضعها فإنها تشقي زوجها، وتشقي
أهله وأهلها".
وتتوجه
باحثة البادية إلى الرجل فتطلب منه أن يتجنب الطمع، وظلم المرأة، والازدراء بها؛
لأن طمع الرجل مهواة لا قعر لها، وظلمه
للمرأة استبداد لا يطاق، وازدراؤه لها حقارة ما بعدها حقارة، وهي تقول: " إن الدين لم يسمح بتعدد الزوجات وبالطلاق هكذا من غير
شرط كما يفعل الآن رجالنا، وإنما جعل لهما شروطا وقيودا لو اتبعت لما أن منها
النساء البائسات" . وهي تقول أيضا : " ما جعل الله لرجل من قلبين
في جوفه، فكيف ورجالنا على هذا الاستبداد يأملون إصلاح الأمة، وتربية أبنائها على
حب الاستقلال والدستور. أما والله لو
أرانا رجالنا عناية واحتراما لكنا لهم
كما يحبون، فما نحن إلا مرآة تنعكس علينا صورهم، ولنا قلوب تشعر كما يشعرون. فان
أردوا إصلاحنا فليصلحوا من أنفسهم وإلا فلينظروا ماذا هم فاعلون" .
أما في شأن
تعليم المرأة فالباحثة تطالب به بكل قوة، لأن العلم يوسع آفاقها، ويجعل منها أماً
صالحة لتربية أبنائها تربية تؤدي إلى رقي المجتمع وتقدم الأمة.
وفاتها:
توفيت ملك
باحثة البادية في 12 تشرين الأول 1918 بعد أن عاجلتها الحمى الأسبانية . فمشى في
مشهدها كثيرات من الكبيرات وتلميذاتها وصديقاتها وعارفات فضلها. ودفنت في مدفن
عائلتها بالإمام الشافعي. وعلى أثر وفاتها اجتمعت طائفة من النساء لتأبينها يوم
الأربعين لوفاتها في الجامعة المصرية برئاسة هدى هانم شعراوي . واجتمعت طائفة من
الأدباء لتأبينها يوم الأربعين في نفس القاعة التي حاضرت فيها.
ورثاها أبو
الوفاء محمد فقال:
يا
مصر قد أفل القمر
فسجا ظلامك واعتكر
لم
يبق في فلك السما
من كوكب إلا انكدار
وتكدرت
شمس الضحى والجو
أظلم واكفهر
أسفا
على ذات العفا
ف وربة الفضل الأبر
يا
روضة الأدب التي
غاضت كلمح البصر
فاضت
لموتك عبرة
حرى هتون كالمطر
جرعتنا
مر الأسى
وأذاقتنا الثكل الأمر
لما
وردت مناهلاً
للموت ليس لها صدر
يا
ربة القلم الذي
أحيا القرائح والفكر
لك
في النظيم قصائد
تزري بمنظوم الدرر
لك
في النثير رسائل
رقت كأنفاس السحر
عقد
تحلى جيد مصر بحسنه ثم
انتثر
عمر
النوابغ لمحة
تمضي كأعمار الزهر
وكذاك
أوقات السرو
ر مجرب فيها القصر
رحم
الله ملك ناصيف وغفر لها.
المراجع :
1.
ذكرى باحثة
البادية، باسم عبد الملك.
2.
الجامع في
تاريخ الأدب العربي ـ الأدب الحديث، حنا الفاخوري. دار الجيل ، بيروت.
3.
أساطين النهضة
الحديثة في النثر.