شيخة الناخي
شيخة مبارك الناخي

شيخة مبارك الناخي

رائدة القصة القصيرة في الإمارات العربية المتحدة

إشراف الأستاذ : خالد خميس فراج

 

 

 

السيرة الذاتية :

 

-                                  مواليد الشارقة بالإمارات العربية المتحدة عام 1952م.

-                                  ليسانس آداب جامعة الإمارات عام 1985م.

-                                  دبلوم عام في التربية  جامعة الإمارات العربية المتحدة

-                                  عضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات

-                                  رئيسة رابطة أديبات الإمارات بأندية الفتيات بالشارقة.

-            تعمل بوزارة التربية والتعليم والشباب منذ 11/9/1971م، وهي حالياً مديرة مدرسة الغبيبة الثانوية بمنطقة الشارقة التعليمية.

-                                  عدة جوائز في كتابة القصة داخل الإمارات.

-                                  حصلت على جائزة خليفة بن زايد للمعلم المتفوق .1997م

-                                  تعد من رائدات كتابة القصة في الإمارات .

 

مؤلفاتها القصصية :

            تعد الأديبة شيخة الناخي من رواد القصة القصيرة في الإمارات العربية المتحدة عن قصتها الرحيل، وتحمل قصص شيخة الناخي هموم المرأة الإماراتية وقضاياها ، وتطلعاتها إلى غد أفضل، وللمرأة الخليجية دور كبير في نظر الأديبة شيخة الناخي ؛ لأنها المدرسة الأولى التي يتربى على يديها جيل المستقبل، فهي تحمل رسالة مقدسة في بناء الشخصية المتوازنة للمواطن الخليجي والعربي، وتبرز في قصصها القضايا الاجتماعية العالقة في المجتمع والبيئة والمحلية، وقصة الرحيل ، تلك القصة الرائدة في مجال القصة القصيرة في الإمارات هي قصة حب تعيشها علياء مع سعيد في حياة حائرة تتكالب عليها المادية ، وتنتهي برحيل علياء من الحياة .

-                     الرحيلقصص -  منشورات اتحاد أدباء وكتاب الإمارات – الشارقة 1992م  

-                     رياح الشمال – قصص – منشورات اتحاد أدباء وكتاب الإمارات – الشارقة 1999م      

 

نماذج من كتابات شيخة الناخي القصصية :

1- انكسارات روح:

ارتمت في حضن اللحظة المخذولة، ما بداخلها يصرخ رافضا كل الممارسات المجنونة. وقد تسمرت عيناها على الجدار الأخرس، وهذيان الركض الملهوف إلى ما لا نهاية تنزلق قدماها إلى قاع حفر نارية، حين امتدت يد العاصفة الهوجاء.. جرت مهرولة تبحث عن خلاصها، وحين تسللت أذرع الغول الوحشي لتغرس مخالبه القذرة في عنقها العاجي الجميل، انتزعت من أعماقها صرخة تلاشت ضمن أسراب هائلة من قطع ليل بهيم يمر مثقلا بتراكمات واقع غارق في الضياع…

كل شيء حولها تراه يتحول فجأة إلى لوحات مهشمة تظل واحدة منها تتمسك بحقها في الحياة .. من هنا مرت ذات الرداء المزهر … بصعوبة بالغة بلعت ريقها وقد جفت حنجرتها من صرخة استغاثة يائسة.

من خلف التلال البعيدة يأتيها صوته مواسيا:

- قاومي محاولات العبث الجنوني.

- صوتك يا أبا ذر أعرفه جيدا وأنا عند وعدي سأدافع عن كرامتك المجروحة.

بحركة من يد مثخنة بالجراحات النازفة مسحت على وجهها الملطخ بعصارات العذاب القسري ورددت في سرها دعاء خافيا .. يخفف نبض جرحها وهي تتوسد أحزان الليل وجدائل شعرها الطويل.

في مساء ذلك اليوم انطلقت مهرولة حين انفجر البركان يقذف حممه النارية، فإذا بأجساد ممزقة، وطيور مهاجرة… وعالم يضج بالعويل والنحيب، كان مساء مشئوما طعنها في الصميم.

تكورت بجسدها الواهن، تحتضن قلبها المحطم وروحها المعذبة وأنفاسها المرتجفة تمر حذرة لتسقط على وجهها المحزون.

-وهل سيطول ليلنا يا أماه؟

هل تراه سيعود كعادته في الساعة ذاتها أبي؟

أشاحت برأسها وهي تتلقى تساؤلاتها وأكملت الاخرى بقية التساؤلات المتواترة .. في الصباح الآتي سيحمل لكنّ البشرى، وفي انتظار الصباح، شخصت ببصرها نحو الأفق وغرقت في تأملاتها الكسيرة، واستدار الليل مهزوما، من خلف أسوار نفسها الممزقة يأتي صوت محدثا:

- اذا كانوا قد سلبوك حقك في الدفاع عن كرامتك فما عليك إلا الصمود.

- لكنهم يصادرون أحلامي .. يلوثون مساحاتي.

المطر لا يزال ينهمر، سيغسل بواباتك المخلوعة وزجاج نوافذك المهشمة .. وسيطوي الليل رذاذ أنفاسهم القذرة.. وعندها ستمدين يدك نحو القمر مصافحة ويمتد الفرح ليغمر مساحة روحك وأنت تودعين كآبتك الجنائزية.

تذكرت ساعتها يوم تركها مغادرا إلى هناك وقد استقر في جيب سترته مصحفه الصغير ومسبحته، كان جبينه متوهجا كعادته بنفحات إيمانية وإصرار على المقاومة .. دوت انفجارات، وعمّ الصخب والضجيج واختلطت الأصوات البربرية المحمومة بلهيب بركانها الجهنمي .. تطايرت الأشلاء شذرا .. تسقط قطعا تغطي مساحات واسعة .. تتحول الأشلاء زهورا تعبق بشذى عطر المسك المعتق .. تحملها رياح قادمة من فضاء الله الرحب في انتظار ساعة انكسار الأرواح الشريرة.

 

2- هواجس  


خلفان عبيد،

 نعم أستاذ ..

ماذا تقول .. أستاذ ؟

 يهتف صوت بداخله .. لست في الصف .. أنت في دائرة البريد ، قرأ في عيونهم علامات الدهشة وهو يتقدم في ارتباك نحو الرجل الجالس أمام المكتب ..

خلفان عبيد ..تقدم قليلا ثم عرض عليه كشف أسماء موظفي دائرة البريد وأشار بيده قبالة اسمه المدرج في الكشف وهو يقول :يمكنك التوقيع هنا .

تناول من محدثه القلم وخط توقيعه في ارتعاش حيث أشار الرجل .

ثلاثة آلاف درهم عدها قبل أن تنصرف .شرع يعدها في خجل ليقول له :كاملة سيدي ..بإمكانك الانصراف ، امتثل للأمر كطالب مجتهد يتلقى أوامر أستاذه ليستدير إلى الباب المغلق وه يصطنع ابتسامة خاطف ، تغلب على هواجسه المشوشة وهو يجتاز المبنى لتحمله أقدامه إلى الشارع المزدحم بكتل الأجساد البشرية التي يعج بها شارع العروبة وهي تمعن توغلا في حدقتيه ، شعور بالوحدة يغرس خنجره في عظيمات قفصه الصدري لتزيد من دوائر الضيق التي تطوق رئتيه وهو ينتقل بناظريه بين كل الوجوه المترقبة ، تنهشه بحدة على طول الطريق وهو قائم ينتظر..

لماذا الشعور بالغربة لماذا يسكنه الخوف أبواق السيارات تنقذه من شروده ، لم يمتلك غير الاستسلام ، ألقى بنفسه في سيارة الأجرة وبدأت مساومة الأسيوي له ، ضاق ذرعا بغلظته وعجرفته واخذ ينظر شزرا إلى السيارة المتهالكة كتهالك الكلمات المنطلقة من لسان صاحبها وحاصرته غربة اللغة وهي تنطلق به في سرعة وقد استغرقه تفكير عميق وهو يمتطي ذاكرته لتحمله إليهم . قاعة الدرس وقد أخذت الألوان والأشكال تغيم وتتمازج أمامه وبصور الكلمات والرسوم تتطاير وتتداخل ، تسقط مهشمة، تذروها رياح حلم مهيض .

سرعة السيارة تعيد له وعيه من جديد ، ألقى ببصره خارج زجاج نافذتها، الواجهات الزجاجية ، الوجوه الملونة ، اختناق حركة المرور وهي في قمة ذروتها ، شباك الملاعب المتناثرة هنا وهناك ، محطات البنزين المتقاربة ، أشجار النخيل الممتدة قامتها وسط الشوارع الطويلة .. شعور غامض غريب اخذ يتزاحم بداخله ، يضرب جدران فلبه الخافق ، زفر زفرة حارة ، وقد أنهك ذاكرته استرجاع اللحظات الجميلة معهم ، شعر في هذه اللحظة بانطفاء بريقها المتوهج ، صوت المذياع يقتحم سمعه عنوة ، يضاعف من توتره ، يتقدم بطلبه إلى السائق قائلا :

اغلق المذياع من فضلك، وكرر طلبه حين لم يجبه ، ثم لزم الصمت منزويا على نفسه ، استفزه السائق بسؤاله الغريب :

أنت ليش ما يحب أغاني ؟ هذا مغني كبير واجد زين ، كل مكان ، كل مكان هنا يسمع هذا المطرب ، أنت لازم تتعلم أردو ، تسمع أرباب الأردو كله زين ، شي ضروري ، شيء مهم .

حرك كلامه في نفسه مشاعر حزينة ورغبة في التمرد على الواقع وعلى كل الأصوات الغريبة التي تحكم الحصار حوله، غير أن الحياة تجري لاهثة تصادر هويته وتحفز للحظة الانقضاض .
بدا خوف من نوع آخر يتسلل إلى أعماقه ، انتشله من ذلك الخوف صوت السائق يقول له :
الشعبية..نحن الحين في الشعبية .زوين مكان أنت تريد ؟ اعتدل في جلسته ليجيبه قائلا :
تابع السير يمينا ثم قف عند ذلك المنزل ، أشار بيده نحوه ثم ترجل منتصبا ودس يده في جيبه ليخرج ورقة من فئة العشرة دراهم وكانت الأولى في محطات العد التنازلي . ثمة شيء ما أخذ يتزاحم على صدره وهو في طريقه إليهم ، توقف قليلا قبل أن يدلف إلى الداخل ليسوي من هندامه .. مسح على شاربيه الصغيرين لتستقر أقدامه في حضن الدار ، أدار بصره في كل الاتجاهات شعر بالأشياء تقف شاهدة حزينة تشاطره همه وبخطوات متأنية تقدم نحوها حيث تجلس ، احتضنته بنظراتها الدافئة من بعد ، كانت لا تزال في جلستها المعتادة ، رسم ابتسامة على وجهه وبصوت مرتفع قال زافا لها البشرى :

استلمت أول راتب ، ألا تباركين؟ ثم تقدم نحوها ليطبع قبلة حارة على رأسها ، وقبل أن يأتيه ردها سارعت يده لتخرج محفظته من داخل جيب ثوبه ، هاهو أول راتب يستلمه ابنك .

نظرت إليه في حنان ممزوج بهم خفي لتقول له :كبرت يا خلفان ، صرت رجل البيت ،

انفرجت أساريره وأطربه مديحها ن سحابة حزن تقطر بعض نداها في أعماقها ، أحس بما تعانيه من خلف برقعها النيلي ، سقطت دمعة ، سارعت إلى مسحها كي لايراها .

تنهد في حرقة وهو يقول لا تحملي هما يا أمي ، سأكون الرجل الذي يعتمد عليه . استيقظ الصغير من غفوته ليشاركهما الحديث :الحمد لله ( قالها وهو يتنفس الصعداء ) ستحل محل والدي يا خلفان ،وستحضر لنا ما نطلبه ، كان والدي رحمه الله لم يبخل علينا بشيء ، مسكين والدي ، كم نحتاجه .

وقع كلامه على خلفان موقع الحسرة وتذكر هو الآخر أباه ، فسارع بضم أخيه إليه في حنان وهو يطمئنه قائلا : لا تخف يا خالد .. سأعمل جهدي كي ألبي لكم ما تطلبونه ولن ابخل عليكم بشيء .

تعلق الصغير بأخيه يستشعر حنان الأب الغائب وقال في فرحة بالغة :

هل حقا ستحضر لي ما أطلبه ؟

نعم هذا شيء مؤكد يا عزيزي وماذا تريد أن احضر لك ؟

فكر الصغير برهة قبل أن يجيب ن كمن تذكر شيئا غاب عنه ثم قال في اعتداد الواثق من تلبية طلبه :
- أريد شراء جهاز أل.. أل..

- جهاز ، جهاز ماذا ؟

-       جهاز القنوات الفضائية يسميه الأولاد في المدرسة الدش .. مثل جهاز جارنا علي .
كانت مفأجاة غير متوقعة ، تبادل خلفان مع أمه النظرات ، ولاذا بالصمت فترة والصغير يتابع شرح مزايا الجهاز وهما يستمعان إليه باستغراب وعندما لم يجد الصغير تجاوبا قال موجها كلامه إلى أخيه :

-                      هل غيرت رأيك يا خلفان ؟

-                      أفكر في طلبك المفاجئ

-                     ولماذا ؟

-                      أن ما تطلبه لا يمكن شراؤه.

-                      لماذا ؟

-                      أولا : لأن ثمنه غال ،

-                     ثانيا: أنه خطير يهدم الأخلاق ،

لم يستوعب خالد مبررات رفض أخيه لطلبه بل اكمل شرح مزايا الجهاز :
جميع الأولاد في المدرسة يتحدثون عنه ويقصون علينا قصصا مسلية ومسلسلات جميلة مثل المسلسل المكسيكي ، أريد مشاهدة المسلسل المكسيكي مثلهم ، لا أريد أن أكون غبيا لا أفهم شيئا من المسلسلات ، وقد ظهر التأثر على قسمات وجهه الصغير مما دفع بالأم لأن تحضنه قائلة :

خلفان يعرف مصلحتنا جميعا ولن يبخل علينا بشيء، ولما لم يقتنع بكلامهما انزوى على نفسه منكفئا ولزم السكوت .. حاول خلفان تغيير دفة الحديث بعرض شراء جهاز حاسوب لأنه مفيد ومسل وأضاف : وعندما تكبر سأشترى لك شيئا آخر ،مار أيك لو نذهب إلى المتحف العلمي ، سترى أشياء مفيدة

-                     أريد الذهاب إلى الهارديز احب تناول وجبة الهارديز

-                      لا بأس سآخذك هذه المرة ولكن لابد من زيارة المتحف العلمي .

-                      أعدك بزيارته.

-                     إذن استعد للذهاب بعد صلاة المغرب سنصلي في المسجد معا.

-                     نظرت إليهما الأم وهي تقاوم مشاعرها وعندما التقى ناظراها به قال لها مشجعا : دعيني استمد القوة منك.

-       اغمض عينيه بتثاقل ، ماالذي يمكنها أن تفعله من اجله ،منذ شهور وهو يعيش حلم الذهاب إلى الجامعة وحين رحل والده تمدد حلمه في العراء سرابا يحاول اللحاق به . رنين جرس الباب انتشله من اللهاث خلف السراب ، هب مسرعا واتجه نحوه يفتحه :
منزل عبيد خلفان ؟

-                     نعم

-                      فاتورة الكهرباء

-       تفحص الرجل وهو يتناول منه الورقة ، وقد طبعه الاستسلام بطابعه الحزين في حيت تحجرت أنظاره على الورقة التي يمعن فيها تحديقا ودون أن يرفع نظره عنها قال له : حسنا سأراجع الدائرة غدا ، وقبل أن ينصرف الموظف قال له كمن يحذره : لا تتأخر حتى لا تعرض التيار الكهربائي للقطع .

امتص غضبه وهو يستمع إلى تحذيره بعربية مهشمة .. مابال الوجوه الغريبة تقتحم عليه كل الأمكنة وفي الساعة ذاتها تذكر قول والده ه ذات يوم وهو يصطحبه إلى مصلى العيد

- لم تعد المدينة نقية أصابها التلوث ، حاول أن يطرد صرخات الأعماق بالتحديق في الخانة الخيرة من ورقة الفاتورة ، باقي الحساب أربعمائة درهم ، بلع ريقه وهاوده هاجس الخوف والصوت الهامس تجلد ياخلفان عليك بالصبر .. الطريق طويل .. أنت رب الدار

3- أحزان ليل

’’ادخلوا مساكنكم قبل أن تطأكم أقدامهم‘‘

        قالت ذلك وهي تتعجل الخطا نحو الداخل،شخصت أبصارهم وهم يتلقون هذا الإنذار الخطر،صاحوا في صوت واحد:

-       ماالأمر؟

ردت في اقتضاب:

-   لاأدري،وكررت ذلك مراراً.

وقع الجميع في حيرة من أمرها،وسادت لحظة سكون..جاء صوت أحدهم ليكسر من حدة الوجوم والترقب..

-   هل سنبقى طويلاً في الداخل؟ وهل سيتوقف عملنا؟ وماذا عن القوات؟

دارت تلك الأسئلة لتعصف بالرؤوس الصغيرة،تبحث عن أجوبة شافية..

        في عتاب ممزوج بقلق قالت إحداهن :

-   هاهي أحلامك ياأم صخر في طريقها أن ترى النور،لقد بقيت طوال الأشهر السابقة تقصين علينا رياك المرعبة..

ردت أم صخر في صوت لايخلو من نبرة متسائلة:

-   أليس من حقكم علي أن أنقل ماأراه؟ الحيطة واجبة،والحذر مطلوب،هل أنا مخطئة؟ أفدنا ياشيخنا الجليل..

-   أنت محقة،ولا لوم عليك،ثم أكمل حديثه (سننظر في الأمر فلعل هناك خيراً) والتفت إلى الخفير مناديا:

-   أسرع وآتنا بالخبر اليقين،عجل في خطاك،تلطف،حتى لا يشعر بك أحد.

-   أمرك ياشيخ

انطلق خارجاً وغاب عن الأنظار.

        بدأت الأشياء تكبر وتتسع…تقبل وتدبر،ومعها كبر الهم..وضاق الحال بالشيخ ورفقته،وشعروا بوطأة الأمر وصعوبته،أطرق مفكراً،وقد أحس بالدنيا من حوله تضيق…وتضيق،والمكان يزداد كآبة ووحشة..مرت الدقائق مسرعة لاهثة كمرور الموت الخاطف للأحياء…

        أدرك ضرورة تجميع قواه ومن معه…وامتصاص الصدمة المؤلمة. كانت لحظات صامتة،التزم خلالها الجميع أماكنهم…وقافلة الليل تجري سراعاً،وسط خيط من سواد مظلم مخيف غطى وجه المينة الغارقة في الذهول:

-   ماذا يدور في الخارج؟

-   أصوات …اهتزاز..

-   ترى متى يعود الخفير؟

-   تأخر كثيراً..

كثرت التساؤلات..وقطار الانتظار يشق دربه بلا هوادة مسرعاً في اتجاه أول محطة تستقبله،صفارة الإنذار تعلو مقبلة نحوهم.

-   سقطنا في الفخ.

-       فخ؟!

أحاب وهو يرتجف:

-   شيء مخيف.

-   ماذا تقصد؟

-       تكلّم.

-   أتقول الحقيقة.

-       …….

-   ماذا تقول؟

-       …….

-   لا،لا يمكن أن يحدث هذا.

-   إنك تلعب بأعصابنا.

لزم الصمت برهة،وسرح بعيداً…ثم تكلم متابعاً حديثه:

-   ليت الساعة تقوم.

-       الساعة؟

-   نعم الساعة..بل القيامة.

-   هاهي أحلامكم تحتضر،تسقط مصروعة في قاع نفوسكم المخدوعة،بانتصارات موهومة..لتصلب في فضاءات مشحونة بشرارات قاتلة تكوي روحكم المسلوبة.

-   كفى،حسبك ذلك…

-   إنهم يتدفقون نحونا،لا أستطيع وصف مارأيت…لقد غص حلقه بالكلمات ..كان يرتعد خوفاً،فقد تملكه جزع عظيم،جلس منزوياً ت تصاعد أنفاسه وتهبط،تدفق سيل الاستفسارات المتلاحقة من كل الأفواه..

-   دعوه يسترد أنفاسه.

-   اتركوه يهدأ.

-   لا داعي للقلق.

امتثلوا جميعاً لطلب الشيخ،وما أن استقر به الحال وهدأت نفسه حتى اعتدل في جلسته،وشعر بشيء من الاطمئنان،إلا أن نبرة صوته جاءت لتكشف عما بداخله من اضطراب وخوف.

        كان الصبح قد أخذ يزحف بطيئاً ثقيلاً،وهو يرسل ومضات من نور خافت واهن للوجوه المرتقبة الحذرة..قال لي في لهجة لا تخلو من قلق:

-   عليكم بالسكينة…وجهوا دعواتكم للسماء..لا تتحركوا ..الزموا أماكنكم..دعوني أستطلع الأمر بنفسي.

خرج دون انتظار إجابة،وقد شيعته نظراتهم الوجلة..غاب الشيخ طويلاً،وامتدت الساعات ثقيلة عصيبة،وقد أخذت الأصوات في الخارج تزداد ارتفاعاً وضجيجاً،فإذا بالقلوب تخفق،والأرض تهتز…والسماء ترسل إشارات الخطر،والدخان الكثيف يعلو ليغطي سماء المدينة.

-   من يذهب في أثر الشيخ؟

-   من يجرؤ على ذلك؟

-   الحصار محكم…

-   سَنُدَكّ تحت أقدامهم…ولن نرى النور فيما بعد.

ودار النقاش طويلاً،واحتدم الكلام،اكتوت الصدور بحرارة انتظار عودة الشيخ المهيب.

 

مراجع ومواقع اهتمت بالأديبة شيخة الناخي :

-        الرحيلقصص -  منشورات اتحاد أدباء وكتاب الإمارات – الشارقة 1992م         

-        رياح الشمال – قصص – منشورات اتحاد أدباء وكتاب الإمارات – الشارقة 1999م    

-        http://www.alsaha.com/coffe/958934447.html

-        http://shahrzad.net/htmls/nsos_arabiah/ahzan.htm

-        http://maraya.net/Stories/open17.htm

-        http://shahrzad.net/resume/shikha_alnakhy.htm

-         http://shahrzad.net/htmls/mqalat/altaqyurat.htm

-        http://shahrzad.net/htmls/nsos_arabiah/soaralaqlafah/

 

 

 

 

Email: farraj17@hotmail.com