جاءت لتنقذني من أحلك أوقات الركود
لم يكن لي بد من فتح تلك الأبواب
لملمت نفسي و حملت قلبي الوجل السقيم...
وجدتها بالباب ككل شيء ثمين مستعاد
ومن دون سـابق إشعـار
ولأنها لم تتكلم بل لم تستطع الكلام
على كاهلي الممزق بالنسيان حملتها
سلمت نفسي للزائرة وحاولت طي النسيان
باتت تحدثني بكلمات
استرسلت تحكي وإطنابها في ألحكي جميل
حديثها الشيق هذا
و هل عرفتم كيف عرفتها من خلال ظلام الليل
تنجداد : عبد السلامي مبارك Poems in Arabic
و أنا ماكث في خلوتي
أحملق في وجه العذاب
أجمع ما تبقى من ذهني المشتت
في مسـالك اليأس...
اعد العنـاكب وأطيـاف السـراب
حيث الليل و الوحدة وأحـاسيس الصدود
وجحافل الأحزان متربصة بي
تجمع من حولها المآسي بالحشود.
تناور قلبي وتذكي نار الحيرة
بطبـول اليأس التي تدوي
من حولي كالرعود.
فلعله زائر الليل يوزع الأنس بالأكواب
أو لعله طـارق يبحث لليله عن ضياء
أو عابر سبيل يحتاج إلى بعض الماء
لكن جسمي صار ينزف عرقـا،
يرتعد، تخترقه رعشة باردة
كالسهم في رداء.
فحفرت في تلك العتمة الكثيفة كالسد يم
سردابا مشيت فيه نحو الباب أهيم
لأجدها هناك بذلك الوجه المرح الوسيم
واقفة أمامي مشرقة
كالقمر الجميل لما يزين
حلكة الليل البهيم.
وعيونها الداكنة الغارقة في لون السواد
تنغلق رموشها الوارفة كالسنابل
لما تهوي ثقيلة على الأرض في أيام الحصاد
و ذاكرتي المسكينة ليس في أركانها
من الماضي إلا أفراحا، ضئيلة، هزيلة، متقادمة
أصاب سوقها الكساد.
ابتسمت في وجهي الكالح بسمة
لم أتبين ملامحها فقد كنت محتار
ذكرني وجهها القادم من الماضي بأحداث
لم يعد لها في ذاكرتي أي اعتبار
ألقت بنفسها بين أحضاني دفعة واحدة
و من عينيها يشع وابل من الإصرار.
اختطفت عيناي من وجهها المشرق نظرة
تجاوزت الشوق و الحنين و الهيـام
وقوافي القصائد الطويلة العـصمـاء
بين شفتيها المنغلقة على شكل برعم
وردة ساحرة قرأت سعـادة الأمس
تتحول الى أشبـاح بأردية حمراء.
فادلهم السقف الأبيض وغابت العناكب
و تشتت في الضباب بيوتها.
أحسست كأنه قد أصابني دوار
فتوالت آهاتي، الحقيقي منها و المستعار
و تأكد لي أنه لابد من فتح تلك الأبواب
و النوافذ... و حتى الجدار!
ولا زال قلبي في خلوتي
يصارع النوم و الهذيان
ولكن للأسف الشديد انتصر الاثنان.
فائقة الروعة و الرونق و الحنان
بلسان ذو لوثة أعذب من صوت الكروان
و أنا بين كل الذي يجري
ممزق بين الأمس و الغد و الآن
طفقت تحدثي عن السواقي و الروابي و الجنان.
في إيقاع حزين متواصل رنان.
تلاشى في أعمـاقي شعوري بضيق المكان
و أصبح اليأس لدي مثل الوقت
قد طواه الزمان.
تحكي عن الحب الذي جربته
وعن كل ركاب من الخيل امتطيته
و عن تطلعاتي التي أحبطتها شروط المستحيل.
تحكي عن كلاب الحي التي كانت ترافقني
وعن الحمار الذي ركل صاحبه وقرر ألا يستقيل
بعث الصبا في جوانحي من جديد
و تجلد به قلبي في حربه ضد أشباح الضياع
حتى أمسى من حديد.
وهي بين أحضاني في انصياع
تحكي هادئة وديعة مثل الوليد
فهل عرفتم زائرتي والليل قرر ألا يحيد؟
وحلكة الماضي البعيد؟
من دون كثيـر شرح هي تلك التي
لا تؤمن بالشيء إذا ما ولى فات
إنها منقذتي ...و اسمها الذكريات.
27 فبـرايـر 2004
N.B.:Arab {Windows} Required