لـقـد كـنـا -بلا فخـر- السبب الرئيـس في تأخـرنـا حتى لا نلقي التهـم على الغيـر. ألـم نكن إمبراطـورية لا تغـرب عنـهـا الشمس. و كنـا الأمة الـوحيـدة التي تتكلم أكـبـر عـدد من الألسـن. لا بـد أننـا فـرطنـا في أسبـاب تلك القـوة التـي كـانت يـد الحـق التـي يبطـش بهـا؛ وكـانت الصولجـان الذي يهـابه العـدو. لم يعـد للحـق أي مـدافع عنه بعـد أن تـركنـا السـاحة للأجلاف يحكمـون على الضعيف بالمـوت لأنه لا يستحق الحيـاة. و من غبـائنـا و سـذاجتنـا ننعت ذلك ب "الكيـل بمكيـالين". فمتى كـان للظلم مكيـال حتى يكيـل أو لا يكيـل؛ فأهـل الظلم أمة واحـدة و لـو اختلفت أجنـاسهـم. ومبـدؤهـم في الحيـاة هـو
" العالـم لا يكفينا جميعا! فالمـوت للضعفاء والبقاء لنا. و الضعفاء مجـرد عبء إضافي على الأرض يجـب أن يزولـوا و لو كانـوا يدعـون إلى الحق و الإنصاف. و لأنهـم في الواقـع كذلك؛ فهـم أهل الإرهاب و التخـريب وأعـداء العالم الحـر و المتحضر. إنهـم ورم يجب التخلـص منـه."
إن هـذا الكلام هـو الـوجه الحقيقي لأي خطـاب من خطـابات الديمـوقـراطيـون الجـدد. أي نسبة الى ديموقـراطية مـا بعـد سقـوط جـدار بـرلين. ففيه نـرى أنهـم يـرشدونـا إلى مـا يجب فعله. إمـا ان نكـون منهـم و إمـا المـوت و الزوال مصيـرنـا. إلا أن هناك حـل ثـالث و هـو أن نفطـن إلى مـا يبيتـون له و ننتفظ من رقدتنـا التي طـال أمـدهـا و نكـون لهـم بالمـرصـاد فنحمي أنفسنـا و معنـا كل ضـعـاف العـالم و نقـول لهـم بأن العـالم يتسـع للجميـع. و لأننـا أهـل الحق و الساهـرون عليه فإن "الحق" سيكـون إلى جـانبنـا.
لقـد ثبـت لدينـا بمـا لا يـدع مجـالا للشك أن المـال لا سلطـة له إذا لـم يكن مقـرونـا بالـعلم؛ و العلم لا ريب هـو كـل مـا نحتـاجه للتغلب على ضعفنـا الذي لـم يـزده غنـانـا المـادي إلا رسـوخـا. فبالعلـم يمكننـا أن تقـول للتخلـف : " لقـد ولـى زمـانك فالـوداع وإلى الأبـد! ".. إن الجهـل قـد كـان العـامل الأساسي الذي رسـخ التخلف فينـا وجعلنـا نعشقـه الى حد الغبـاء و نحـرص كل الحـرص على أن يكـون لنـا السبق الى كل مطـاهـر التخلف و الغبـاء المستطيل و كذلك المـربع و المستديـر .. مثـل الصفـر الذي أوجده جـدودنـا وسـاهـم في رفع العلـم إلى مستوى يصعب علينـا في وضعنـا الحـالي حتى تخيـله. لقد وضعنـا تخلفنـا في مـرحلة متقدمة على كـل شعـوب العـالم.. في التفـاهة و البلاهة. قد يقـول قـائل إن الأمـر ليس بهذه الصـورة القـاتمة. فهنـاك شعـوبـا أكثـر تخلفـا منـا في بقـاع كثيـرة من العـالم. لا مقـارنة مع وجـود الفـارق. إن تلك الشعـوب لم تدل بدلـوهـا في صنـع التـاريخ. أمـا نحن -على العكس من ذلك- صنعنـا الجزء الأهـم من التـاريخ. و الآن نلقي بالتهـم على الإستعمـار و أشيـاء أخـرى ولا نجرؤ أن نقـول أن الإستعمـار كـان نتيجة لتخلينا عن الأمـانة و انغمـاسنـا في مـا لا فـائدة تـرجى من ورائه. لاأريـد هنـا أن أعـود بكـم إلى الوراء لأحـدثكـم عن مجدنـا التليـد ؛ أريد فقط أن أشيـر إلى أن هـذه المـرحلة التي تعيشهـا الأمة اليـوم في غيـر مكـانهـا ولا زمـانهـا فلـربمـا سيكـون الأمـر أفضل لو أنهـا كـانت قبـل عهد "نـوح" عليه السلام أو بعـد الطـوفـان بفترة قصيـرة.
يـا أمة قـد ضحكت من جهلهـا الأمـم ..........
والآن هـل نحـن قـادرون عـلى إستـرداد مكـانتنـا بين الأمم؟ ليس للإنتقـام لأنفسنا ولكن فقط للإنصاف و العدل لأننا الوحيدون الموكـول لهـم فعـل ذلك. وهذا ليس إفتـراءا على التاريخ و لكنها الحقيقة التي يعلمهـا الجميع .. حتى حلف الناتو.
إن للمـال سلطة جـد محدودة رغـم أنهـا قـوية ولكنهـا بليـدة في أحيـان كثيـرة. أمـا العلـم فيبقى سيد المـوقف في جميـع الحـالات. و لكي لا نتيه في المقـارنة بين المـال و العـلم يستحسن أن نقـول فقط بأنهـمـا وجهـان لعملة واحدة إسمهـا التقدم. نتمنى أن نفطن بذكـاء الى هذه العلاقـة فنـوظفهـا ببطء ولكن بشكـل مستمـر لنقضي عـلى أسبـاب الضعف فينـا -ومـا أكثـرهـا- لنصل في النهـاية الى قطيعة دائمة مع التخلـف.
وإلى ذلك الحيـن أتمنى أن ينتهـي حرصنـا على تخلفنـا الذي أردنـا له أن يلازمنـا دائمـا."لا يغيـر الله مـا بقـوم حتى يغيـروا مـا بأنفسـهـم"
صـدق الله العظيـم