ربط الرياضيات بالمجتمع والبيئة
بقلم د.عبد الفتاح الشرقاوي
حدد "ماكنيل" أربعة أنماط للمناهج المعاصرة تتبع فلسفات مختلفة وهي : النمط الإنساني، والنمط الأكاديمي والنمط الاجتماعي وأخيرا النمط التكنولوجي. حيث يسمي المنهج منهجا إنسانيا إذا ركز الانتباه على الانجاز الفردي، وشجع على تنمية القوى التحرريةالموجهة نحو إمداد التلاميذ بتجارب متكاملة ، أما نمط المناهج الذي يمكن أن يطلق عليه اسم المنهج الأكاديمي فهو الذي يركز على المعرفة ويسعى أساسا إلى المساعدة على تنمية التراكيب المعرفية، ويمكن أن يوصف المنهج بأنه منهج اجتماعي أو موجه نحو التغير الاجتماعي إذا كانت المتطلبات الاجتماعية تأخذ الأولوية على الاحتياجات الشخصية.
وأخيرا ، فإن المنهج يمكن أن يوصف بأنه منهج تكنولوجي إذا وجه العمل نحو تطوير نظم للتدريس الفعالة وذات الكفاءة.
وكل نمط من هذه الأنماط الأربعة يتناول العلاقة بين الإنسان وبيئته على وجه الخصوص، ويحدد أهدافا تربوية من وجهة نظره الخاصة. فالمنهج الإنساني يرى البيئة كمصدر لتحقيق الذات، والعلاقة بين التلميذ وبيئته ينبغي أن تتم في جو متسامح، وعلى ذلك تصبح البيئة مصدرا للأهداف أو مجالا للأعمال التطبيقية إلى الحد الذي يجعل التلميذ قادرا على الإفادة منها في تدريبه الشخصي، وبهذا يشجع هذا النمط ثلاثة أنشطة هي : التجريب، والملاحظة،وتطبيق المعرفة.
أما في المنهج الأكاديمي فتكون الثقافة هي مصدر الأهداف، والمواضيع هي التي تحدد المسار الذي يتبع، والإنسان يتوجه إلى الطبيعة أو البيئة لكي يصل إلى الفهم ويضع افتراضاته موضع الاختبار. وهنا تكون العلاقة بين البيئة ومنهج الرياضيات علاقة بعيدة إلى حد ما، ومع ذلك تصبح المظاهر الشكلية للرياضيات مهمة.
أما بالنسبة للمنهج الاجتماعي فإن العلاقة بين الإنسان والبيئة تصبح ذات أهمية أساسية. فلن يكون هناك تصرف بشري ما لم يكن هناك حقيقة موضوعية؛ عالم خارج عن ذات الإنسان وقادر على تحديها. والمهم هنا هو التفاعل النشط ، أي تفكير الإنسان وتصرفه في العالم المحيط به سعيا وراء تغييره. وستكون العلاقة بين الإنسان والبيئة علاقة تأملية ديناميكية حيث تتحدى البيئة الإنسان فتدعوه للعمل والتصرف.
وأخيرا في المنهج الأكاديمي ينبغي أن تركب البيئة بحيث تخلق ظروفا خارجية تساعد عملية التعلم والتعليم، وفي هذه الحالة فإن تطوير الوسائل يحل محل التوجه المباشر إلى البيئة.
مما تقدم يمكن استخلاص الاستنتاجات الآتية:
بيئة التلميذ مصدر غني وفعال لنقاط بدء يمكن استخدامها في بناء منهج الرياضيات.
عملية ترييض البيئة أو خلق نماذج مجردة مبنية على تحليل الحقيقة مهمة معقدة تحتاج إلى تدريب ومعرفة.
من المهم تحديد المهارات التي يحتاجها المدرس ليتمكن من التعرف على التراكيب الرياضية في البيئة واستخدامها في الإعداد لاستكمال المنهج.
تطوير النماذج الرياضية هي عادة تدريب استنباطي يتسم بالمحاولة والخطأ، وبالمراجعة وإعادة الصياغة.
في أي محاولة لاستخدام البيئة كمصدر للرياضيات ، ينبغي الاهتمام بتحديد الطريقة التي من خلالها سيتم مصاحبة العملية الاستكشافية والتطبيقية والتجريبية بالتأمل والتشكيل اللازمين.
انتقاء الأهداف والطرق هو تدريب تقوم فيه القيم بعمل رئيسي ، ويعني هذا أن أي استخدام للبيئة لأغراض الرياضيات المدرسية يلقي مسئولية هامة على عاتق المعلم.
على ضوء ما تقدم بات من الضروري لتطوير الرياضيات المدرسية الانطلاق من الخبرات الواقعية وإعطاء أهمية للبيئة والاحتياجات المحلية وأن يرتبط تدريس الرياضيات بحاجات المجتمع وقضاياه.