Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

مقدمة
يأخذ الإنسان ما عمله غيره ويزيد عليه، وكيفية الأخذ ومقدار الزيادة يختلفان ويتبعان عوامل كثيرة. وهذه السنّة التي سار عليها الإنسان هي التي تميزه عن الحيوان. فالإنسان منذ القدم يعتمد على غيره ويحاول الإتيان بشيء جديد، وعلى هذا فالاعتماد والابتكار هما من العوامل اللازمة لتقدم المدنية وارتقائها، بل لا تقوم حضارة ولا تزدهر ثقافة الا عليها. فلقد اعتمد المصريون على البابليين والكلدانيين والفينيقيين، واعتمد الاغريق على المصريين كما اعتمد الرومان والهنود على من سبقهم من الإغريق وغيرهم وأخذ العرب عن هؤلاء، واقتبست أوربا عن العرب وعن الذين سبقوهم، وهكذا فالجهود الفكرية ملك عام يمكن لمن يريد أن يعتمد عليها ويقتبس منها ما يعود عليه بالنفع والتقدم.
ولقد أثبتت التحريات الحديثة أن العلوم الرياضية ميدان اشتركت فيه القرائح المختلفة وأن النتاج فيها لا ينحصر في أمة من الأمم أو شعب من الشعوب؛ فللبابليين نصيب في ميدان الابتكار والإنتاج، وكذلك للمصريين والإغريق والهنود والعرب وغيرهم أنصبة هامة في حقول العلم، وقد ساهموا في تنميتها وتنشئتها حتى وصلت الى ما وصلت إليه.
لقد ثبت لدى الباحثين أن أقدم الآثار الرياضية وصلت إلينا من بابل ومصر، وهناك دلائل كثيرة لا يحيطها شك تشير الى إنتقال هذه الآثار إلى الإغريق وقد أخذوها وزادوا عليها. وأبان الأستاذ لويس كاربنسكي
Karpinski. L  أن الاتصال بين بابل ومصر واليونان كان موجودا، وأن هناك نظريات وبحوثا كانت تنسب لعلماء اليونان ثبت أنها من وضع علماء بابل ومصر. وأنكر الأستاذ نفسه ما يدعيه  بعضهم من عدم وجود اتصال بين رياضيات الأمم القديمة كما دحض القول بأن رياضيات المصريين القدماء هي ابتدائية من النوع الأولى البسيط.

دوافع نشوء الرياضيات:
لقد كان لنشوء الحساب والجبر والهندسة عند الأمم القديمة دوافع كثيرة؛ منها ما هو رغبة خالصة في الوقوف على أسرار العلوم، ومنها ما هو متصل بالحياة قد أوجدته الضرورة وأحدثته الحاجة. حاول الانسان أن يعرف العدد والشكل والمكان والزمان وأن يجد العلاقة بينها فنتج عن ذلك تقدم العلوم الرياضية والتوسع في بعض نواحيها. وبينما كان الإغريق يرون قبسا من القداسة في الرياضيات يحول دون استغلالها لمصالح الإنسان ومنافعه الدنيوية نجد أن المصريين وغير المصريين كانوا يمسحون الأراضي ويبنون الأبنية الضخمة ويكيلون المحصولات ويوزعونها ; وهذا كله من العوامل الفعالة التي ساعدت على نمو العلوم الرياضية وارتقائها. أي أن نشوء الرياضيات لا يرجع لعوامل مادية فقط. بل إن هناك عوامل أخرى تتعلق برغبة الإنسان في الوقوف على الحقيقة وكشف أسرار الأنظمة الكونية خطت بالعلوم الرياضية خطوات واسعة. فكم من قانون أو ناموس كشفه العلماء بدافع كشف الحقيقة وحب الاستطلاع قبل أن يجرى استغلاله للنفع المادي، وكم من معادلات ابتكرها الرياضيون بحوافز اللذة العقلية استعملهاالعلماء فيما بعد في ترقية الصناعة وتركيب الآلات وإنشاء المعامل.ويمكن القول بأن الغاية من دراسة العلوم والتعمق فيها شريفة ونبيلة ما دامت تتوخى الإخلاص للحقيقة والرغبة في الوقوف على سنن الله في الكون وما يسيطر عليه من أنظمة وقوانين.