مقدمة كتاب "الشروع في الجريمة"

 

من موضوعات القانون الجنائي ما هو واضح و محدد، و منها ما يشوبه بعض الغموض و التداخل. و لعل مشكلة الشروع في الجريمة هي من أبرز صور هذه الموضوعات الأخيرة، نتيجة لما تتصف به هذه الصورة من خواص سيأتي ذكرها لاحقاً.

        و المهم في الأمر هو تأثير ذلك الغموض على التطبيقات العملية عند العمل على إقرار مستهدفات

 القانون من عملية التجريم و العقاب. فهو يفتح الباب واسعاً للجدل و تعارض الآراء، و بالتالي يفتقد التطبيق العملي المرتكزات العلمية الواضحة و المحددة، التي من شأنها العمل على تقارب تلك التطبيقات و حصرها في مجال منظور عام و محدد. مما قد يترتب عليه إفلات حالات ذات صلة من نطاق التطبيق، و زج بأخرى ليست على تلك الدرجة من الصلة فيه.

كما أن من شأن هذا الغموض أن يواري دقائق الأمور في الموضوع، رغم ما يمكن أن يكون لها من شأن في تلك التطبيقات العملية. فينتهي الأمر إلى صورة من العشوائية يتنامى فيها دور الآراء و التقديرات الشخصية فيما يفترض أن يحكمه القانون.

        و أجد في كل ذلك الدافع وراء إخراج هذا المؤلف، و الأمر الذي يبين أن اختيار الشروع في الجريمة كموضوع له لم يأتِ من فراغ، بل هو اختيار أملته مقتضيات الحد من الإبهام و قلة الوضوح الذي يشوب موضوع الشروع. حيث أنه من خلال الدراسات التفصيلية المتضمنة طرحا للآراء و وجهات النظر المختلفة، يمكن إلقاء الضوء على جوانب المشكلة مما تتضح به الصورة و تتحدد المعالم بقدر أكبر.

        و ليست محاولتي هذه بمنأى عن التأثر بصعوبة الموضوع و غموضه، مما استلزم عرضها من خلال تقسيم معين يحقق التسهيل و الإيضاح سعيا وراء الحد من ذلك التأثير. كما حاولت أن تكون ذات خطابٍ عام، لا يقتصر على المنشغلين بالقانون فحسب، و إنما لكل مهتم و ساعٍ للثقافة العامة في مجال القانون و موضوعاته. و من هذا المنطلق ارتأيت البدء بفصل تمهيدي يوضح الأساسيات الأولية التي تقتضيها مثل هذه الدراسة.

ثم نقسم الدراسة إلى ستة أبواب، فنعرض في الباب الأول إلى تعريف الشروع في الجريمة، و ذلك من منظور قوانين العقوبات و فقه القانون الجنائي. ثم نتناول في الباب الثاني الأنواع المختلفة للشروع، و الموضوعات ذات العلاقة بكل من تلك الأنواع. و في الباب الثالث نبين نطاق الشروع، و المجال الذي يمكن أن تقوم فيه حالاته. بعد ذلك، و في الباب الرابع سنتطرق بإسهاب لموضوع عنصر العدول عن التنفيذ، و أنواع هذا العدول و آثاره المتباينة فيما يتعلق بمساءلة الجاني. أما الباب الخامس فنطرح من خلاله تفصيلاً لأركان جريمة الشروع، و الموضوعات المتعلقة بكل ركن من تلك الأركان. ثم نتناول في الباب السادس الحكمة من تجريم الشروع، و ما يستتبع ذلك التجريم من عقوبة جنائية

الرجوع للصفحة الرئيسية