Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

أحمد بن راشد المعلا

 

      

ينحدر نسب صاحب السمو أحمد بن راشد المُعلا من عائلة ضاربة بجذورها في تاريخ المنطقة من قبيلة المُعلا التي تعرف أيضاً باسم آل على. كانت تقطن منطقة تسمى ( الدور) ثم نقلـوا عاصمتهم إلى وسط جزيرة السينية ، وكانت تسمى (ملاح) ، ثم رحلوا إلى المكان الحالي واتخذوه مستقراً وعاصمة لهم في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، ويرجع تاريخ الإمارة الحديث إلى ما يفوق المائتي عام .

        تبين مصادر التاريخ أن إمارة أم القيوين كانت منذ نشأتها راسخة في تقاليدها النبيلة متميزة بإستقرارها وهدوئها وبالتعاون الوثيق بين أفراد أسرتها الحاكمة . وكان أول من حكم الإمارة هو ماجد المعلا مؤسس حكم آل المعُلا في أم القيوين وخلفه بعد ذلك ابنه راشد بن ماجد ، المؤكد أنه في عام 1820 م كان الشيخ عبدالله بن راشد هو حاكم الإمارة الذي وقع معاهدة السلام العام مع بريطانيا باسم إمارة أُم القيوين كما وقع معاهدة الهدنة الدائمة في ذلك التاريخ .

        وخلف الشيخ عبدالله ابنه علي الذي ترك الحكم لأخيه أحمد بن عبدالله الذي تولى حكم الإمارة سنة 1873 م واستمر حتى توفي سنة 1904 م ، ثم خلفه في الحكم ابنه الشيخ راشد بن أحمد الذي اشتهر بقوة الشخصية والخلق ، وقد استمر في الحكم حتى عام 1929 م ، ليخلفه بعد ذلك إبنه الشيخ أحمد بن راشد المُعلا الذي تولى الحكم وأثبت جدارة وقدرة فائقة في إدارة شؤون الرّعية .

        وحسب الوثائق البريطانية الخاصة بالمنطقة فإن صاحب السمو الشيخ أحمد بن راشد تولى الحكم عام 1929 م ، وكان يبلغ من العمر 18 سنة ، ومنذ استلامه الحكم حسب تلك الوثائق . أصبح "تاريخ المشيخة هادئاً ولا تعتريه أحداث مهمة .. وهو ( أي الشيخ أحمد ) مشهور بصدقه ونزاهته وبعده عن حبّ الذات إلى حدّ يجعله مرغوباً في كل الإمارات كوسيط في الخلافات ، وهو يدير إمارته بحكمة وفعالية ضمن إمكانياته .. "

        لقد شهدت الإمارة في عهده قدراً عالياً من الاستقرار وتوجّهاً طموحاً نحو تجاوز كل خلاف وفتح الآفاق أمام مستقبل كان سموه ينظر إليه بعيون التفاؤل وبإيمانه المطلق بخيرات أرضه التي أحبها وبقدرة إخوانه وأهله في الالتفاف من أجل غد أفضل ، فقد تمتع سموه برجاحة عقل ورحابة صدر وحسن معاشرة جعلت منه مرجعاً موثوقاً في النظر والحكم في بعض أمور المنطقة .

        وعرفت الإمارة التي كان يدير شؤونها خطوات جريئة نحو التنمية رغم إمكانياتها المحدودة ومواردها الشحيحة ، وكان لا يثني سموه أي عائق مادي أمام حلم كان يداعب طموحه وخياله في أن يرى في كل يوم جديد لبنة تضاف هنا أو هناك .

        وبناء على توجيهات سموه لتنظيم الإمارة وتحديث طرق تسيير شؤونها تأسست في مايو من عام 1968 دائرة البلدية التي تولت تحقيق المصلحة العامة ورعاية أمور المواطنين وتحسين ظروفهم الصحية والتعليمية والمعيشية بإنشاء المرافق الضرورية وشق الطرقات والسهر على متابعة المشاريع التي بدأت تضع أقدامها في إمارة أُم القيوين .

        وانطلاقاً من حرص سموه على إشاعة الأمن والطمأنينة داخل الإمارة وبين المواطنين جعل من الشرطة والأمن العام من أهم المنجزات التي توجت خطوات التقدم والتحديث والتي كان لها الدور الفعال في الحفاظ على المكتسبات وفرض النظام العام الذي كان ينشده الجميع .

        كما أنه لا يمكن أن نتحدث عن التربية والتعليم والصحة اليوم في إمارة أم القيوين دون الحديث على البذور الأولى التي تولى غرسها وتعهدها بالرعاية في هذا المجال صاحب السمو الشيخ أحمد بن راشد المعلا الذي كان إيمانه مطلقاً بحتمية توافر هذه الخدمات الأساسية للمواطنين وتقديمها في سُلَّم الأولويات عما سواها لاعتبارها تعكس قوة حاضر المجتمع وتحدد ملامح مستقبله .

        ففي مجال التعليم عام 1972 م كان في أم القيوين عدّة مدارس للبنيين والبنات تشمل مختلف الأطوار التعليمية من الابتدائية إلى الثانوية ، واقترب عدد الطلاب وقتها من ألف طالب إضافة إلى حوالي 20 طالبا  يتلقون تعليمهم العالي في جامعات دول العربية الشقيقة .

        وإذا انتقلنا إلى مجال الصحة في السنة نفسها أي عام 1972 م وجدنا في الإمارة مستشفيين أحداهما يتبع حكومة أبوظبي والآخر يتبع حكومة دولة الكويت، وقد تم تسليمها لوزارة الصحة الاتحادية .

        ولعلنا لا نقدر على عدّ كل المنجزات التي تحققت في إمارة أم القيوين تحت قيادة سمو حاكمها الشيخ أحمد بن راشد ، ولكننا نستطيع الاستدلال بشهادة جاءت في ذلك الوقت تقول إنه : "في السنوات الأخيرة تغير شكل الإمارة ، فصدرت القوانين والأجهزة الإدارية ، وتحقق كثير من الإنجازات في مجالات عديدة ، ففي مجال الصحة كان العمل يجري على تنظيف المدينة وتجميلها ، وفي مجال العمران والتطور الاقتصادي تم شق الطرق وتعبيدها ، وأقيمت الأسواق والمساكن الشعبية ومصنع للثلج ، ونشطت الأعمال التجارية ، وبذلت الجهود من أجل إقامة حاجز للأمواج يقي المدينة أمواج البحر ، وإكمال شارع الكورنيش الذي يحيط بالمدينة، وتعميق مدخل الخور ، وإقامة الحدائق العامة وتشجير الشوارع وإنارتها ، وإقامة مكتبة عامة ونادٍ حديث ، وإنشاء مزيد من المساكن الشعبية، وإنشاء المدارس بكل مراحلها ، وإنشاء المستشفيات، وتوفير المياه العذبة للمواطنين، وتطوير وتحسين الخدمة العامة بتنفيذ مشروع محطة الكهربـاء الجديـدة في آخر أغسطس 1972 ".

        لم يكن صاحب السمو الشيخ أحمد بن راشد المُعلا (رحمه الله) يحب الحديث عن أعماله وإنجازاته وكان يردد :" إنه من غير اللائق أن يتحدث المرء بنفسه مفاخراً بإنجازاته الشخصية ، ولكن لندع غيرنا يحكمون على أفعالنا " ، لقد آثرت الإنجازات نفسها أن تحكي عن سموه وتفاخر به حاكما يوصل ليله بنهاره متجشماً صعاب الزمان والمكان لصناعة غدٍ واعدٍ يعيش في كنفه أبناء الإمارة .

        لم تكن روية سموه ضيقة تنطلق من الإمارة وتنتهي عندها ، أو غير آبه بما يتجاذب المنطقة من أحداث وتطورات ، فقد كانت ثقافته العربية والإسلامية تعطي للمكان في نفسه دلالة خاصة تتجاوز الحدود والأقاليم وتطبع مواقفه بشيم العزّة والإباء العربي ، وهو ما حدث معه حين أرادت جامعة الدول العربية تقديم المعونات لإمارات الساحل ، فلم يتردد أو يتراجع أمام الضغوطات البريطانية بل على الفور كتب للأمين العام لجامعة الدول العربية في عام 1965 م رسالة هذا نصها :

حضرة صاحب السيادة الأمين العام لجامعة الدول العربية

بعد التحية والاحترام

" يسرني أن أبعث إلى سيادتكم مُرحباً بمساعدة جامعة الدول العربية التي تنوي تقديمها لنا ولإخواننا أبناء ساحل عمان، ونشكركم على ما أبديتم لنا من عطف واهتمام زائد ونسأل المولى عز وجل أن يوفق الجميع إلى ما فيه الخير " . وتفضلوا بقبول فائق الاحترام

المخلص

( أحمد بن اشد المُعلا )

حاكم أُم القيوين

        إن بعد رؤية سموه وصواب تقديره للمستقبل جعله يعمل بإخلاص وتفان كبيرين ويمد يده بكل الفخر والاعتزاز لصاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة وإخوانه حكام الإمارات لجمع شمل الإمارات ولإقامة دولة الإمارات العربية المتحدة وتثبيت أسسها ورفع شأنها ، ودفع بإخلاص مع كل الجهود الخيّرة في هذا الاتجاه يحدوه الأمل في وطن عزيز وشامخ يكون جزءاً لا يتجزأ من كيان أمتنا العربية والإسلامية .

        وبعد مشوار عمر طويل ورحلة في دروب الكفاح والصبر ملؤها الخير والعطاء والوفاء للإنسان والأرض، توفي صاحب السمو الشيخ أحمد بن راشد المعلا يوم 21 فبراير من عام 1981 تاركاً وراءه أثراً طيباً ونهجاً واضحاً أصيلاً في القيادة العادلة الحكيمة .. وتلقى صاحب السمو الشيخ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة برقيات تعزية في الراحل من ملوك ورؤساء الدول العربية والإسلامية وعدد كبير من زعماء العالم ، وأعلنت دولة الإمارات الحداد الرسمي لمدّة ثلاثين يوماً وتعطيل العمل في المؤسسات الحكومية وتنكيس الأعلام لمدة أسبوع ، كما أعلنت أم القيوين الحداد لمدة أربعين يوماً .

... الرجوع ...