بسم الله الرحمن الرحيم

|
التائبــون من المخــدرات |
|
استطلاع فوزية بنت ناصر النعيم - القصيم * حينما يأتيك اتصال هاتفي "من شخص يقول: إنه مدمن تائب.. قد ينتابك الشك وتبدأ بالتحري والسؤال.. ولكن حينها تنهال عليك الاتصالات من مجموعة من الشباب المدمنين الذين منّ الله عليهم بالهداية ولم يجدوا من يحتضنهم ويساعدهم في تخطي هذه الظروف والبعد عن مرحلة الاشتياق.. ساعتها سوف تقرع أجراس كثيرة وكلها تتفق على قرب وقوع الخطر!! وهذا ما حدث معنا في جريدة "الرياض" فوجئنا بأشخاص اتفقوا على إيصال أصواتهم المبحوحة للمسؤولين وللمجتمع حتى يقفوا معهم وينتشلونهم من الضياع ويقطعون عليهم طريق العودة إلى ذلك السم القاتل الذي دمرعقولهم وانهارات على يديه أسرهم وحياتهم العملية. ترى هل نستطيع من خلال هذا الاستطلاع إيصال رسالتهم.. وهل ستجد صدى في الجهات المسؤولة.. وهل ستحرك عاطفة المجتمع وتغير نظرتهم القاصرة.. وهل نستطيع من خلاله إيجاد بند من البنود المهمة في إدارة المستشفيات الخاصة لعلاج الإدمان أو بإدارة السجون والأحداث؟!!! الورطة في الطفولة يقول الشاب محمد عبدالله " 35سنة" أوقعتني رفقة السوء بهذا المخدر.. علما بأننا من أسرة طيبة ووالدي لم يبخل علي بشيء على الإطلاق ولكن أصدقاء السوء لا يتركون شخصا مستقيما.. فتناولت الحبوب المنشطة كتجربة بحجة أنها تساعدني على الاستذكار وكان عمري وقتها " 15سنة" أدمنتها حتى تكاد لا تفعل شيئاً بجسدي الذي تعوّد عليها.. فبدأت "بالحشيش" وكانت هذه بداية الانهيار.. وخرجت من المدرسة ولم أكمل تعليمي.. حاول والدي علاجي في مستشفيات الأمل ولكن دون فائدة.. وفي يوم من الأيام تمكّنت السلطات الأمنية منا ونحن نبتاع الحشيش من أحد المروجين وحكم علي بالسجن " 5سنوات". وخرجت بعد انتهاء محكوميتي مثقلاً بالهموم.. مرفوضاً من قبل الأسرة والأقرباء وليس لدي شهادة تؤهلني للعمل الشريف، والكل يرفضني بسبب هذا الماضي المشين واتساءل ماهو مصيري وهل سيظل المجتمع يرمقني بنظرته الدونية وهو ان حاصرتني الهموم وتركت بهذا الوضع.. هل سأعود إلى الإدمان.. انني أبحث عن إجابات كثيرة!!! السبب والدي ويقول الشاب محمد بن صالح السليمان: إن والدي هداه الله هو سبب وقوعي بالمسكر.. فلقد كان يفرق بيني وبين اخواني في المعاملة وكان يتهمني دائما بالفشل وعدم الرجولة.. مما اضطرني للخروج من المنزل ومحاولة الاعتماد على النفس لكي أثبت له رجولتي.. وفي هذه الظروف ما أكثر الذي يتلقفونك من أصدقاء السوء، عملت مستخدما في أحد المؤسسات وكان عمري " 18سنة" وكان رئيسي في العمل يستضيفني في بيته رأفة في حالي.. حتى استغل هذه الأوضاع أسوأ استغلال وكان يرسلني إلى المروجين لشراء المخدرات دون ان أعلم ما هي.. وحينما علمت بها اعترضت عليه وغضبت من استغلاله لي.. فأوقعني بها حتى أخدمه في صمت إلى ان أصبحت حالتي ميؤوساً منها فزجت بي الظروف إلى السجن وبقيت بها سنوات عمري الجميلة حتى انتهى الحكم فقذفني السجن في أحضان مجتمع لا يرحم.. وبدأت أصابع الاتهام تتجه نحوي.. ولا أحد يريد ان يوظّفني ووالدي يرفض عودتي إلى البيت.. وأتساءل ماهي النهاية لهذه المأساة وهل ستبقى حياتي على كف الظروف؟!! أين إدارة السجون ويقول الشاب.. سليمان بن محمد العبدالعزيز كنت لا أجد من أبث له شكواي وأحزاني فلقد صنعت مني سياط زوج والدتي إنساناً مجرماً يفكر بهمجية ولا يشغله إلا الانتقام فهربت من واقعي إلى واقع أشد ألما وأعمق حزنا ووقعت بالمخدر وأوقعت معي أخي الصغير انتقاما من زوج والدتي الذي كان يسومني أشد أنواع العذاب فكانت نهايتي السجن وأخي في المؤسسات الإصلاحية حيث انه لم يتجاوز السن القانوني لتطبيق العقوبات.. وبعد سنوات السجن.. أشعر بالضياع والانهيار.. ولدي رغبة قوية في التوبة والاستقامة ولكن الظروف لا تساعدني فزوج والدتي يرفض ان أعود للمنزل.. ولا أحد يريد مساعدتي على الإطلاق ولا أدري هل سوف تستمر حياتي في بحر الضياع أم ماذا.. واقترح على إدارة السجون متابعة السجين حتى بعد خروجه ودعمه من خلال إيجاد وظيفة مناسبة مع التدريب الذي يحصل عليه داخل السجن. يتعاملون معنا كمجرمين ويقول عبدالرحمن الفواز تمنيت أنني لم أخرج من السجن.. فلقد خرجت إلى سجن أكبر وأعظم وطأة على الأقل داخل السجن نجد عناية واهتماما وتوجيها.. أما في المجتمع فلا نجد إلا السخرية والاستهزاء والنظرة الدونية.. انهم لا ينظرون للمدمن على انه مريض وبالإمكان ان يشفى.. بل يتعاملون معه على انه مجرم خطير لا يجوز الاقتراب منه أو مرافقته.. وأقسم بالله أنني أرغب العودة إلى السجن بسبب نظرة المجتمع وقسوته. أشعر بالانهيار ويقول الشاب فيصل العبدالله.. والذي وقع في الوحل وعمره " 12سنة" وهذا العمر يدل دلالة واضحة على غياب الرقابة الأسرية والتوجيه.. يقول لقد وقعت في شرب السجائر "والتشفيط" وعمري "12" سنة فأنا أغيب عن المنزل ساعات طويلة ولا أحد يسأل عني ومدلل في أسرتي وأحصل على ما أريده بسهولة حتى تحوّلت هذه الرفاهة إلى نقمة عظيمة ومرض عضال.. وحينما علم والدي بمصيري أصيب بجلطة دموية أجلسته على فراشه مدى الحياة.. اسودت الدنيا في وجهي وشعرت بالذنب تجاه والدي وأسرتي ومستقبلي وتم علاجي في مستشفى الأمل وخرجت أكثر إقبالا على الحياة وقررت ان أعوض والدي عن ما سببته له من أذى.. ولكن نظرات الاتهام تطاردني من جميع المحيطين بي.. انني أتمنى ان شخصاً يحتضنني ويسمع مني فأننا أشعر بالانهيار. أين اليد الحانية ويقول الشاب أحمد العبدالرحمن انني أشعر بالضياع بعد خروجي من مستشفى الأمل.. فلم تساعدني الظروف على البعد عن رفقاء السوء فأنا عاطل بلا عمل وليس لدي من يوجهني إلى الطريق الصواب.. بل على العكس تماما تعرّفت في مستشفى الأمل على أصدقاء سوء آخرين يستخدمون أنواعا أشد من الأنواع التي استخدمها.. وبعد خروجي دعوني اليهم للتجربة ونسيان الهموم وبالفعل كنت مهيأ لذلك فأنا أشعر بتحطيم كل الآمال والأحلام ولا أستطيع ان أبتعد عن المخدر على الإطلاق وأنا اقترح بعد هذه التجربة القاسية.. ان يكون هناك تصنيف في مستشفيات علاج الإدمان لكي لا تتسع المشكلة ويتم التعارف من خلال المخدرات.. بحيث تعزل الحالات حسب نوع المخدر وحسب الأعمار.. وهذه للأسف مشكلتي التي استوعبتها بعد فوات الأوان.. وأنا الآن عازم على التوبة ولكن أين اليد الحانية التي تستطيع انتشالي من بحر الضياع؟!!! الفصل من الوظيفة ويقول الشاب يوسف العبدالعزيز وعمره " 27سنة" كنت أعمل موظفا في أحد المرافق الحكومية وتعرّفت على مجموعة من أصدقاء الليل وخرجت معهم إلى رحلة برية اقنعوني خلالها بشرب المسكر ومره تلو الأخرى حتى دخلت في تعداد المدمنين وتم القبض علي وأنا في حالة سكر وأحاول السطو على بيت أحد الأقارب للسرقة.. لأن راتبي البسيط لم يعد قادرا على توفير هذا المشروب القاتل .. ودخلت السجن وعزمت على التوبة. وخرجت بهذه النية ولكن للأسف كل شيء حولي يدفعني إلى العودة أصبحت منبوذا في نظر الجميع وفصلت من وظيفتي وهرب مني الأصدقاء الأسوياء وأصبحت عالة على الأسرة وكل يوم أسمع من الإهانات الشيء الكثير.. علما بأنني خضعت للعلاج في مستشفيات الأمل مرتين ولكن دون جدوى.. والحقيقة أنني تألمت جدا متألم لما آلت إليه حالتي وأطلب من المسؤولين النظر في بعض الأحكام.. مثل عملية الفصل من الوظيفة للشخص الذي يخطىء أول مرة قد تكون دافعا للعودة والانهيار .. أيضا لابد من مستشفيات الأمل ان يكثفوا الأساليب التوعوية للأسرة لتأهيلها بعد خروج الإبن وتعريفهم على أفضل الأساليب التي تمنع الإبن التائب من العودة إلى المخدرات. فقدت مالي وزوجتي وعيالي يقول الأخ سعد فالح وعمره "45" سنة لقد ضاعت من يدي كل عوامل النجاح والاستقرار وانفصلت عن زوجتي وأولادي بسبب هذا السم اللعين وفقدت مالي ووظيفتي بعد ان ضاع من عمري ما يقارب "25" سنة قضيتها بسبب المخدرات.. والآن مهدد بإقامة الحد الشرعي.. لقد كرهت الحياة وسئمت منها وليس لدي ما يؤهلني للعيش السليم.. وأتمنى ان يكون هناك جهة معينة لتبني أولئك الذين يرغبون بالتوبة ولا يجدون القدرة وأعتقد ان مثل هذا المطلب ليس بصعب في ظل اهتمام حكومتنا الرشيدة وجهودها في مكافحة المخدر الذي قضى على شبابنا وضيّع أعمارنا وجعلنا بلا هوية!!! لماذا لا تقفون معي ويقول الشاب عبدالله السليمان.. لقد توفيت والدتي بسببي حيث ارتفع عليها الضغط فجأة وأنا أحاول إيذاءها بالضرب وكنت في حالة سكر وحينما صحوت من سكري فوجئت برحيل أمي التي فارقت الحياة بسببي وحسرة علي.. شعرت بالكآبة والحزن وبدلا من التوبة والعودة إلى الله هربت إلى المخدرات لكي أنسى همومي وأحزاني.. وضيّعت إخواني وأخواتي الذين أنا كبيرهم ومن المتوقع مني إعالتهم.. ولكني في الحقيقة كنت علتهم وسبب شقائهم في هذه الحياة.. أقنعني أصدقاء السوء بصحة ما عزمت عليه من إدمان حتى وجدت نفسي بين قضبان السجن أقضي سنوات عمري التي كان لابد لي من استغلالها فيما ينفعني وينفع أسرتي.. ولم أجد أحداً في تلك الهوة يقف معي.. ورجعت إلى الله طمعا بعفوه ورحمته وكانت صورة أمي لا تفارق خيالي وفي كل مرة أجدها تتهمني وتقذف الحمل على عاتقي.. وبعد السجن وجدت الحياة أكثر مرارة.. فأنا معدم وليس لدي دخل شريف وأسرتي لا يمكنها تحمل أعبائي.. وأتطلع إلى النظرة الحانية والوقفة السامية من الجهات المختصة التي تعتبر مسؤولة عن توجيهنا ورعايتنا ان تمتد رعايتها بعد انتهاء مدة السجن وان تقف معنا حتى نتمكن من وجود الوظيفة والبعد عن رفقاء السوء. يجب ان نفكر بالأسباب أولا وفي نهاية المطاف رغبنا ان نتعرف على الأساليب العلمية من واقع التخصص التي توعي المجتمع والأسرة والمدرسة بأنواع الأساليب المجدية التي نستطيع من خلالها بناء ما تهدم في كيان "الفرد المدمن" فكان لنا لقاء مع الدكتور فهد بن حمد المغلوث أستاذ الخدمة الاجتماعية المشارك بجامعة الملك سعود بالرياض والكاتب المعروف فقال: من المهم جدا ونحن نبحث عن كل ما يشجع التائب عن المخدرات وغيرها ويساعده على الاستمرار في التوبة والمداومة عليها، من المهم جدا ان نفكر في الأسباب التي دعته لممارسة السلوك غير السوي قبل التوبة. وأقصد بذلك البيئة الاجتماعية بكل ما فيها وبكل ما حولها. بداية من الأسرة مرورا بالمدرسة أو الجامعة أو رفقاء السوء نهاية بكل ما في المجتمع من مغريات ودوافع تشجعه على العودة لممارسة العادات السيئة الشاذة صحيح ان الأسرة بمفردها غير قادرة على القيام بدور كهذا خاصة إذا عرفنا ان هذا الشاب يقضي جُل وقته خارج المنزل ولا تعرف الأسرة مع من يذهب أو متى يعود. ولكن هناك بعض الأمور التي تشعره بالرضا النفسي ومنها ان تحاول الأسرة مؤاخاته أو مصادقته بكل افرادها وأؤكد على ذلك، وعدم تذكيره باستمرار لتلك الأيام التي يخرج منها ولا يريد التحدث فيها، التقرب منه قدر الإمكان وبالذات في الأيام الأولى من التوبة. متابعة من يصادقهم عن بعد دون ان يحس بذلك وتهيئة كل الأجواء المحيطة به قدر الإمكان لتكون عاملاً مساعداً ومشجعاً على الاستمرار في التوبة. ويفضل ان أمكن السفر معه خارج المدينة التي يسكن فيها من أجل نسيان الماضي والبعد عن الأجواء التي قد تشجعه على العودة للأشياء التي لا نريده ان يعود إليها عدم تذكيره بالذنب بشكل متواصل أو ان أشعاره ولو بشكل غير مباشر أنه سوف يعود حتما لوضعه السابق. هذا بالنسبة للأسرة أو المنزل أما المدرسة أو الجامعة فلها دور كبير في ذلك. ومن هذا مثلا نقله إلى مدرسة أخرى منعا للاحراج الذي يواجهه من زملائه خاصة إذا كان قد حكم عليه والجميع يعرف ذلك. البحث عن مدرسة تمتاز بأنشطة مكثفة تنسيه التفكير في الأمور السيئة وتعرف كيف تشغل وقته. المشاركة في المعسكرات الصيفية التي يقوم عليها أشخاص أكفاء ويخافون الله. البعد عن الأسلوب القائم على النصيحة المباشرة لأنه قد ينفر الشاب وقد يأتي نتيجة عكسية غير مرضية. إنه لا شك أمر صعب جدا لا يدركه إلا المحيطين بهذا الانسان التائب العائد للمجتمع بثوب جديد وقلب صاف. والمسألة تحتاج إلى تضافر جهود الجميع من أسرة ومدرسة ومجتمع كما تحتاج إلى نوع من المتابعة خاصة في الأيام الأولى حينما تكون عزيمته قوية ورغبته أكيدة في التوبة. |
| بداية الصفحة |