رجاء قبل قراءة هذا الموضوع مراجعة الإصحاح الثالث من سفر التكوين.
لقد أخطأ الإنسان الأول و كانت خطيتة ضد الله نفسه: فهو قد عصي الله و خالف وصيته و هو أيضاً أراد أن يكبر و أن يصير مثل الله عارفاً الخير و الشر (تك 5:3) و في غمرة هذا الإغراء نري أن الإنسان لم يصدق الله الذي قال له عن شجرة معرفة الخير والشر "يوم تأكل منها موتاً تموت" (تك 17:2) و علي العكس صدق الحية التي قالت لن "تموتا".
و بعد الأكل من الشجرة نري أن الإنسان بدأ يفقد إيمانه في وجود الله في كل مكان و قدرته علي رؤية كل مخفي ، وظن أنه بإختباؤه وسط الشجر يستطيع أن يهرب من رؤية الله له ، و في محاسبة الإنسان بعد الخطية ، نري أن الإنسان يتكلم بأسلوب لا يليق ، إذ يحمل الله جزءاً من مسؤلية خطيته فيقول له: "المرأة التى جعلتها معي هي أعطتني"(تك 12:3).
+ إنها مجموعة أخطاء موجهة ضد الله: عصيان الله ، و منافسة الله في معرفته ، وعدم تصديق الله في مواعيده ، و عدم الإيمان بقدرة الله ، و عدم التأدب في الحديث مع الله.
أخطأ الإنسان ضد الله ، والله غير محدود ، لذلك صارت خطيئته غير محدودة .وإن قُدمت عنها كفارة ،ينبغي أن يقوم الله نفسه بعمل الكفارة. هذا هو ملخص المشكلة كلها في إيجاز...
لقد أخطأ الإنسان و أجرة الخطية هي موت (رو 23:6). وكان لابد أن يموت الإنسان ، و بخاصة أن الله كان قد أنذره بهذا الموت من قبل أن يتعدي علي الوصية ،إذ قال له: "و أما شجرة معرفة الخير و الشر فلا تأكل منها. لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت". وهكذا إستحق حكم الموت، و كان لابد أن يموت.
أيضاً خطية أبانا الأولين أفسدت طبيعة الإنسان و هذا هو السبب الأساسي لطردهما من جنة عدن لا كقسوة من الله ، و لكن محبة منه لئلا يأكل من شجرة الحياة ( بعد أن فسدت الطبيعة الإنسانية) فيحيا إلي الأبد في هذا الفساد. دخلت الخطية في طبيعتهما بعد أن كان قد خلقهما الله في طهارة و قداسة ليعيشا علي صورته.لذلك إحتج الإنسان إلي إعادة تجديد للطبيعة.
كان موت الإنسان هو الوفاء الوحيد لعدل الله. و إن لم يمت الإنسان، لا يكون الله عادلاً، ولا يكون الله صادقاً في إنذاره السابق.
هذه النظرة يشرحها القديس أثناسيوس الرسولى في كتابه "تجسد الكلمة". و إذ يشرح لزوم موت الإنسان، يشرح من الناحية المضادة المشاكل التي تقف ضد موت الإنسان، فماذا كانت تلك المشاكل؟
1- كان موت الإنسان ضد رحمة الله، و بخاصة أن الإنسان قد سقط ضحية الشيطان الذي كان أكثر منه حيلة ومكراً (تك 3).
2- كان موت الإنسان ضد كرامة الله، إذ خلق أنه خُلق علي صورة الله ومثاله، فكيف تتمزق هذه الصورة هكذا؟!
3- كان موت الإنسان ضد قوة الله، كأن الله قد خلق خليقة و لم يستطع أن يحميها من شر الشيطان! و هكذا يكون الشيطان قد إنتصر في المعركة!!
4- كان موت الإنسان ضد حكمة الله في خلقه للبشر. و كما يقول القديس أثناسيوس الرسولي إنه كان خيراً للإنسان لو لم يُخلق، من أن يُخلق ليلقي هذا المصير!!
5- و أخيراً كان موت الإنسان ضد ذكاء الله. إذ كيف توجد المشكلة ولا يستطيع الله أن يوجد لها حل!!
إذن كان موت الإنسان ضد رحمة الله، و ضد كرامة الله، و ضد قوة الله، و ضد حكمته و ذكاءه. و كان لحكمة الله أن تتدخل لحل هذا الإشكال.
و هكذا تدخل أُقنوم الإبن لحل هذا الإشكال، و الإبن كما يقول القديس بولس هو: "حكمة الله و قوة الله"(1كو 24:1)، و يسميه سفر الأمثال "الحكمة"(أم 1:9).
و الآن نسأل: كيف أمكن لحكمة الله حل هذا الإشكال؟
كان الحل هو الكفارة و الفداء، لابد أن يموت أحد عن الإنسان، فيفديه، لإنقاذه. و لم يكن يصلح لهذا الفداء أي كائن آخر، غير الإنسان ذاته، لا ملاك، و لا حيوان، و لا روح، و لا أية خليقة أخرى.. فلماذا؟
كان لا يمكن لمخلوق أن يموت عن الإنسان لسببين:
أولاً: لأن كل مخلوق محدود، لا يمكن أن يقدم كفارة غير محدودة، توفي العقوبة غير المحدودة، للخطية غير المحدودة.
ثانياً: لأن الحكم صدر ضد الإنسان، فيجب أن يموت الإنسان.
و كان الحل الوحيد هو التجسد: أن ينزل الله إلي عالمنا مولوداً من إمرأة، فهو من حيث لاهوته غير محدود كإله، يمكنه أن يقدم كفارة غير محدودة، تكفي لمغفرة جميع خطايا الناس، في جميع الأجيال. و هو من حيث ناسوته، يمكنه أن ينوب عن الإنسان المحكوم عليه في دفع ثمن الخطية. من أجل هذا السبب كان السيد المسيح يتعمد أن يسمي نفسه "إبن الإنسان" في كثير من المجالات.
هذا إذن هو السبب الأساسي لولادة السيد المسيح من العذراء، جاء ليحمل خطيتنا، و يموت عنا، لينقذنا من عقوبتها...