Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

Lebanese Communist Students Web Community

Established on November, 16th 2002

   
Main Documents Gallery Links & Contacts Activities Downloads
   

نظرة متفائلة لبناء مجتمع جديد

   

انه صباح يوم الخميس، استقليت سيارتي متوجهاً إلى جامعتي، "البعيدة" نسبياً عن بيروت، مكان اقامتي، اشتريت جريدة السفير من البائع المتجول على جسر الدورة، ووصلت إلى الجامعة الواقعة ما بعد نهر الكلب، الذي يحمل لوحة الجلاء!

بدأت بتصفح الجريدة لأصل إلى أكثر ما أحبه فيها، يوم الخميس بالتحديد، وهي صفحة الشباب. وقرأت مقالة بعنوان "شرقية غربية، اعترافات طائفية"، تتحدث المقالة عن تجربة في جامعة "لا تشبه" كاتبها، على حد تعبيره. وكنت اعكف على كتابة مقالتي هذه منذ فترة، حيث تتناول ايضاً تجربتي في جامعة ربما تكون هي نفسها، التي تم الحديث عنها في المقال المذكور، والتي اتابع فيها تعليمي الجامعي حالياً، فأعدت صياغتها بصيغة الرد، وذلك لأن بعض الأمور الواردة في تلك المقالة ربما وحسب وجهة نظري، قد تكون خاطئة أو مغالطة لبعض الحقائق والأمور.

ومما دفعني للردّ على المقالة، أن كاتبها، الذي أكن كامل الاحترام لرأيه في التعبير والتقدير، قال انه يساري علماني، من دون ان يحدد، طبعاً، لأي يسار ينتمي تاركاً الشكوك تدور حول هذا الأمر، خصوصاً بعد قراءتي للمقالة التي يوجد فيها الكثير من الالتباسات حول هوية اليسار المذكور فيها، فتبين لي أنه يسار لا يشبه اليسار، أو علمانية لا تبت إلى العلمانية بصلة، أو ان هذه الاعتقادات الخاطئة التي يتمتع فيها الكاتب ربما قد اندثرت مع مرور الزمن.

أما عني انا، فانني وبعد انتهاء دراستي الثانوية، وبعد ان تعذر علي دخول الجامعة الوطنية بسبب عدم وجود اختصاصي فيها، دأبت على البحث عن جامعتي تلبي اختصاصي، وهو علم الكومبيوتر (computer science)، وتلبي ايضاً مدخولي المادي، مع الحفاظ على المستوى الأكاديمي الجيد، وقد وجدتها وانتسبت اليها غير سائل ان كانت هذه الجامعة عند "المسيحيين" أو عند "المسلمين".

وفيها تعرفت على مجموعة كبيرة من الأصدقاء، ربما اكثر ما يميز صداقتنا هو تناقضاتنا في الانتماء والهوية والخلاف على التاريخ، لكنني ايقنت بعد فترة ان أكثر ما يجمعنا حقيقة هو لبنان المتعدد بالوانه وبمعتقداته وهي من ابرز مميزاته.

في العودة إلى المقالة، والى كاتبها، فأنا لا افاخر بالاشارة إلى طائفتي التي لم اخترها، ولا إلى منطقتي لأني لا اريدها متميزة على حساب المناطق الأخرى، لأنني اشعر بل أؤمن بأن لبنان كله ارضي، وبناء على معتقدي هذا، فانني لا اعبر "البيروتين" لأصل إلى جامعتي لأن هناك بيروتاً واحدة، ولا تقع جامعتي في "العمق الانعزالي" بل تقع في جزء لا يتجزأ من أرض وطني لبنان، ولا أجلب أصدقائي إلى منطقتي لأنها ليست منطقتي بل هي جزء من بلدنا أجمعين.

وأما ما أفاخر به من معتقد هو انني يساري بل شيوعي أحمل فكري الواسع بشجاعة إلى العالم متخطياً الحدود كل الحدود المصطنع منها والحقيقي.

أما بعد قضاء سنة ونصف السنة في هذه الجامعة لم أسمح بأن يقال لي بأن "اليساري هو اللي بدو يكب الناس بالبحر" ولم اسمح بأن انعت بابن أحد الأحزاب الطائفية. وقد أعلمت من لا يعلم بان مجرد الحكم عليّ يجب ان يكون من خلال شخصيتي وفكري وليس من خلال تلك الأمور، وبالمقابل لم أحكم على أحد من خلال طائفته، لينعتني بالمثل كما حدث في التجربة المشار اليها في المقال المذكور أعلاه. واستطعت بهذه الطريقة التي لم اخترعها بل اكتسبتها بالممارسة ان اكون الشخص المتميز ليس

باسمه ولا بطائفته ولا بمنطقته بل بالفكر الذي احمله وبروح التعاطي والحوار مع كل من يملك فكراً آخر ومعتقداً آخر.

وقد فاخرت بيساريتي وشيوعيتي ولم أفاجأ "بجحافل اقليم قنوبين وبشري" بل تفاجأت بطيبة قلب كل شخص جبلي من تلك المناطق يدعوني لقضاء ايام عنده لكي أرى واحدة من جماليات مناطق بلدي، التي أكثر ما منعني عنها ليست الصواريخ ولا المتاريس بل بعض العقول المتحجرة التي لم تخرج من عقالها بعد!!!

ثم إنني لم اواجه "محبي بشير الجميل" بوابل من صواريخ الاتهامات، التي لا اريد الجدال ان كانت صحيحة أم لا، ولكن منطق الحوار يتطلب تآخياً ومرونة وتقبل الآخر لا توجيه اتهامات كأن كل شخص منا يملك الحقيقة.

أما ما قرأته في المقالة واثار استغرابي "حول بعض التهديدات بالطرق المباشرة وغير المباشرة" فان الحق يجب ان يقال بأن من يواجِه بـ "طائفيته الدفينة" مجتمعاً آخر بمعتقدات أخرى من الطبيعي ان تستيقظ الطائفية الدفينة عند الآخرين لترد على مطلقي النار عليها.

ثم لا يجوز تصنيف الأشخاص ووضعهم في خانة واحدة "المسيحيين مثلاً" وأن يضع الشخص نفسه في خانة أخرى، فهذا تصنيف خاطئ بالجملة وبالمفرق، فان هناك تعددية كبيرة للآراء خصوصاً في مجتمع له وضعه الخاص كما في لبنان.

أما بأن يلجأ الشخص للتسلح بالطائفة أو بالمناطقية فانه يجعل الأمر اسوأ مما كان، فلقب "الشيعي من الشياح" لن يحمي الإنسان بل ان قوة ايمانه بمعتقده هي التي تحميه. ثم أريد التذكير وللتاريخ فقط بأن من كان "سيزرع في الشياح مليون اقحوانة" لم يكن طائفياً بل انه دفع الدماء ثمناً لايمانه بمحاربة الطائفية، ولا ينتمي إلى طائفة معينة، بل انتمى إلى ما هو اسمى من ذلك، إلى لبنان.

ثم ان للعلمانية ثمنها الباهظ هذا صحيح، ولكن لم ولن يكون الثمن هو الانضواء بمجتمع ضيق ولا العودة إلى ما يعتقده المرء المكان الآمن حيث العشيرة والقبيلة والطائفة، بل هو مناقض لهذه الأمور بالتحديد وهو ينطلق من الانفتاح على الآخر وتقبل الآخر كما هو ومحاولة تغييره.

فالذي يهاجم الطائفية ويتحدث عن الضغوط التي واجهها في جامعة "مسيحية" كما ذكرها، ثم اضطراره للانتقال إلى "الغربية" ايضاً كما سماها، قد وقع في الخطأ عينه، ولكن هذه المرة تجاه القوى التي تسلح بطائفيتها في السابق. وما يزيد الطين بلّة هو اتهام الآخرين بالغرباء.

وانني لأستغرب بانه بعد تجربته التي تحدث عنها قد تكوّن عنده انطباع مخيف لا اتمناه لأحد غيره، وذلك أملاً مني بانطباعات أخرى للبنان الجديد الذي يشكل خميرة ثقافات غنية ومتنوعة، لبنان المقاومة، لبنان الذي اعطى دروساً لجميع الدول في التضحية ومقاومة الاحتلال وتحقيق الانتصار!!!

أما انطباعي أنا فهو انني أرى لبنانَ جديداً يولد، أرى قاعدة شعبية تسعى لتبلور جملة تساؤلات حول حقيقة الوطن وانتمائه وهويته، أرى شباباً يجتمعون ضد الجوع والاستعمار.

وفي خضم تجربتي في جامعتي والتي ما أزال في بدايتها، استنتجت ان مرض الطائفية الفتاك غير موجود في المناطق ولا في الطرقات ولا في الجامعات، انما هو موجود في عقول البشر. مما يؤكد انتمائي بثورية غيفارا عندما قال فور وصوله إلى بوليفيا: "انني آت اليكم لكي أحرر عقولكم قبل تحرير ارضكم".

حسن قاسم

 

Back To Documents