Lebanese Communist Students Web Community |
Established on November, 16th 2002 |
||||
Main | Documents | Gallery | Links & Contacts | Activities | Downloads |
شهر أيار... ما زال قاتما |
|||||
في لوحة التاريخ المزركشة ترتدي الارقام والايام ثوباً اسطورياً يجعلها قادرة على ترميز الذاكرة ومن ثمّ اختزالها. فتصبح هذه الاعداد المعبّر الوحيد عن الانتصارات والمجد، او ربما عن الهزائم والانكسارات. ويبدو ان شهر أيار ابى ان يشذ عن زملائه. فكان، ولحكمة رقمية او لصدفة التاريخ العبثية ان طبع ذاكرتنا بأبعاد سوداء حزينة. ففي هذا الشهر اعدم جمال باشا خيرة وطنيي لبنان وسوريا، كما حصلت فيه نكبة فلسطين واعلان دولة اسرائيل، وتم توقيع اتفاق 17 أيار المشؤوم بين لبنان والعدو الصهيوني... الا ان لكل لوحة استثناء. وكان يمكن تاريخ 25 أيار ان يعطي هذا الشهر نكهة من الفرح فيخلع "أيارنا"، ولو قليلاً، ثوب الهزيمة الدائمة ويجعلنا تالياً نشم، مع رائحة الصيف، بعضاً من غارٍ نسينا لونه ونكهته ورائحته. لكن يبدو ان قوة الارقام وسلطانها أعتى من ان تهزها حسابات المستقبل فما زال هذا الشهر عنواناً للانكسار مانعاً كل محاولة للتفكير في اعادة خلط ألوان... التاريخ. كنا طوال 22 عاماً ننتظر تلك اللحظة العظيمة حين يتحرّر الوطن عبر جنوبه ويشعر الشهداء، كل الشهداء، بالراحة في سباتهم المجيد. كما تعود الحياة الطبيعية جداً لآلاف الجنوبيين. لكن وبعد سنتين من التحرير نرى كيف فقد "العيد" نكهته التي لم يُسمح له أن يأخذها اصلاً. لقد كان متوقعاً ان يساهم التحرير في اعادة رسم الهوية اللبنانية على أسس وطنية جامعة، وان يشكل رافداً اساسياً في الحوار الوطني، وتالياً حجر ارتكاز لمصلحة وطنية "لما بعد الطائف"، لم يكتب لها النجاح. لقد افرغت عملية التحرير من محتواها السياسي في المدى الاستراتيجي، وبُددت عناصر الانتصار. وبدل ان يتحوّل فعل التحرير للعب دور حصار مكامن الخلل في المجتمع اللبناني تحوّل في اتجاه محاصرة الحالة السياسية في لبنان، باستخدام التحرير في الحسابات السورية بدل ان يوظف لتحصين الحالة اللبنانية الهشة. وشكّل "التسويق" السيء لتحرير مزارع شبعا بالمقاومة ضربة للديبلوماسية اللبنانية (المغيبة اصلاً منذ الطائف). فمن الواضح من ناحية القانون الدولي ان الحجة اللبنانية التي كانت تستند الى القرار 425 قد فقدت الصدقية الدولية. كما انه في الجمهورية الاولى والثانية لم تطالب أي من الحكومات اللبنانية المتعاقبة بتلك البقعة. لقد تمت تحت شعار تحرير مزارع شبعا اعادة ربط المسارين في شكل خاطئ، أدى الى منع لبنان عملياً من التمسك المبدئي برفض توقيع اتفاق سلام مع "اسرائيل". وجرت عملية ربط لـ: "اعلان تحرير لبنان" وأصبح لبنان تالياً مربوطاً بتوقيع اتفاق سلام لم نكن يوماً مضطرين لتوقيعه فالسوريون سيبادلون السلام بالارض. اما نحن فبماذا نبادل السلام؟ بلا شيء! يمكن استمرار ربط المسارين دون الحاجة لربط تحرير الجنوب بتحرير الجولان. وهنا لا بد من ملاحظة انه وان تحررت مزارع شبعا فهناك تلال كفرشوبا وكروم حولا وبيادر عيترون... ولا انفي لبنانية هذه الاراضي، الا انه علينا البحث عن استراتيجية مقاومة جديدة تستفيد من الانتصار لتطور العمل وتكثفه دون الادعاء بأن التحرير مؤجل في انتظار تحرير مزارع شبعا. ومن جهة أخرى يمكننا القول جهاراً ان الشعب اللبناني ليس بحاجة الى درس في النضال، ويحق له التقدم على كل الانظمة العربية "الصامدة". ويحق له المطالبة بالكف عن المتاجرة بانتصار هو ملك له ولكل الشعوب الاخرى. ومن اراد ان يستفيد من تجربة التحرير فليتعلم من التجربة اللبنانية ولينقل العدوى الى حدوده حيث اثبتت المقاومة كيف تعاد الارض دون اتفاقات سلام. لسنا ضد توظيف هذا الانتصار لخدمة قضايا الشعوب العربية عموماً والشعب السوري خصوصاً في نضاله المشروع لاستعادة الجولان المحتل. لكن ذلك لا يمكن ان يتم الا ضمن سياسة لبنانية - سورية واضحة تحدد دور كل بلد بطريقة شفافة وديموقراطية وتالياً تسمح لنا بالاعداد لمتابعة كل أشكال الصراع مع العدو الصهيوني ضمن استراتيجية تتعاطى مع لبنان كقضية شعب ووطن، وليس كساحة لتسديد الفواتير الثانوية، او توجيه الرسائل، او تنفيس احتقانات التناقض بين المزايدات السياسية والعجز العملي عن تحقيق شيء. ان الايحاء الدائم بأن استمرار لبنان في لعب دور عربي نضالي مرتبط باستمرار "الوصاية" السورية سياسياً وامنياً هو استخفاف بتضحيات اللبنانيين واجماعهم على المقاومة، كما انه يثبت فشل السوريين في تنفيذ ما كلفوا أنفسهم بتنفيذه. اما، بالنسبة الى الواقع المحلي للمناطق المحررة فهي تبدو أحوج من اي منطقة اخرى، الى حوار وطني داخلي تديره الدولة والاحزاب وقوى المجتمع بعد كل أعوام التهميش السياسي والاجتماعي بفعل ممارسات الاحتلال وعملائه. لقد ترك الاحتلال المكان لترسبات الكره الطائفي الاعمى الذي تسعى كل القوى لاخفائه، والذي ينذر بانفجار الوضع امام اي "هزّة". لقد كانت هذه القرى مركزاً لحركة سياسية متقدمة، استطاعت ان توجه الضربات الاولى لهيمنة الاقطاع وزعمائه الا ان سنوات الاحتلال الطويلة حوّلت سكان هذه القرى اشخاصاً يخفون آراءهم في شكل مطلق!! لقد "دجّنوا" طوال عقدين على عدم الحديث في أي شأن عام (ولو كان تزفيت طريق) يتعدى حدود الفرد والعائلة. وكان يمكن الانتخابات البلدية ان تشكل فرصة لاستعادة معنى الحياة العامة ودور المجتمع في هذه القرى. لكن، ويا للاسف، فتحت شعار خطورة الوضع والخوف من العملاء اسقطت اللوائح على المواطنين الذين قبلوا التعليب دون اعتراض. إن محاربة الحالة الاسرائيلية ورواسب الاحتلال لا تتم الا بأكبر قدر من حرية التعبير واعادة اشراك المواطنين في الشأن العام وهموم الوطن كله. وهنا يأتي دور الدولة في اعادة احياء المجتمع بدخول مؤسساتها، بما فيها الجيش اللبناني الى الجنوب المحرر. فهل الجيش السوري المرابط في الجولان يحمي اسرائيل!! ام ان لعنة التشكيك بصدقية شعبنا ومؤسساته ستظل تلاحقنا الى الأبد؟ ستمر الاعوام الطوال قبل ان يحالف اللبنانيين الحظ مجدداً فيحصلوا على فرصة تاريخية جديدة لتحقيق ما عجزت كل الوفاقات والاتفاقات عن تحقيقه. وربما علينا انتظار أيام الشهور المتعاقبة بحثاً عن أرقام جديدة لغدٍ ما فتئ الضباب يجتاحه... |
|||||
علي مراد |
|||||