Lebanese Communist Students Web Community |
Established on November, 16th 2002 |
||||
Main | Documents | Gallery | Links & Contacts | Activities | Downloads |
حالات لسقوط الياسمين |
|||||
قرب مدخل المنزل، على السور الحجري، أو على سلسلة الصخور التي
سيّج بها البيت العتيق، تلك الصخور التي صفت كقصيدة فوق بعضها البعض وإلى جانب
بعضها البعض. الفلاح الذي رتبها أراد أن يصنع وهماً صلباً يظّن أنه يحمي به بيت
الطين. هذا البيت الطيني الوحيد الذي ما زال مسكونا في التي كانت تدعى قرية...
بيت مبني بالطين والقش. من الأرض بناه من يعشقها... من يعرف كيف ينحت كل ما
يحتاج مما لديه. كان الطين أكثر صلابة من الاسمنت والحديد. كانت الياسمينة تعيش
في التراب وفي جدار المنزل. الجدار لم يكن للوقاية من البرد والحر فحسب، تراب
الجدار كان يصنع الفرح أيضا. والياسمينة الممتدة عبر الشقوق بين الصخور وفوقها،
كانت تنثر رائحة الحياة من حولها. الياسمينات المتشعلقات في الهواء كما القلوب لم تخذل بعد من تحب، يسهل سقوطها. فالياسمينات لم تتعود أن تخذل. كل ما يمر بقربها يجرحها، وجروح الياسمين مفضوحة كما جروح القلوب. جروح القلب مفضوحة بكلمات ودموع تنثر في حضن كل صديق، وجروح الياسمين تتناثر رائحةً يشفي بها جرحى القلوب جروح قلوبهم. الياسمينة المتعلقة على جانب السور كانت سعيدة قبل أن يمرّ فيها الحراث في الصباح الباكر فتتعلق بعضها بثوبه المغبر. الياسمينات يحسن اختيار من يستحقهن، الحرّاث ذهب إلى السهل ومعه أكثر من زوّادة الطعام. الصبية التي استيقظت في الصباح ودهشت بأنوثتها، وقفت طويلا أمام المرآة تعبث بشعرها، لمست شفتيها بلطف تتأكد أنهما ما تزالان نبعاً للندى. ارتدت قميصها الوردي ذا القبة المفتوحة وخرجت نحو موعدها المبكر. مرت الصبية قرب الياسمينة العتيقة، الصبية الجميلة كانت سببا آخر لسقوط الياسمين، مرت الصبية الندية قرب الياسمينة لتسقط بعض الياسمينات في شعرها وفتحة قميصها. بسقوط الياسمين حولها استكملت اسباب سقوط قلوب كثيرة على الطريق. صبيّان بعمر الورد أحدهما شرس جدا والآخر حنون جداً. كانا سبباً آخر للسقوط. الشرس اقترب من الياسمينة وقطع منها غصنا لم يكفه قط. رمى الغصن على الأرض ومضى. الفتى الحنون أخذ ياسمينة واحدة ومضى نحو والدته ليوقعها في فرح ستضطر أن ترده له العمر كلّه. التعبير الجميل عن الحب معروف يصعب ردّه فكيف إن كان بنقاء الياسمين وقلب الطفل؟ الياسمينات المتشعلقات في الهواء كنَّ سعيدات بالمطر. الشتوة الأولى تخرج رائحة التراب ليعرف معناه الجميع. رائحة التقاء التراب بالماء ليس كمثلها رائحة، فهي أصل كل الروائح الأخرى. رائحة الياسمين في الأصل كانت نتيجة لالتقاء الماء بالتراب لتنشأ الحياة. الحياة في الأصل التقاء. الحياة في الاصل لقاء. لقاء الصلب بالغض، لقاء بين متناقضات، بعض اللقاءات يكسر بعض الجمال. قطرة قاسية من قطرات المطر لطمت ياسمينة على وجهها فأسقطتها أرضا. إحدى السقطات هي تلك التي تقرر فيها الياسمينة أنها أنهت واجبها. أنها بدأت تصفرّ وعليها أن تخرج من اللوحة لتفسح المكان لغيرها. الياسمينة تلك تقرر أنها لن تسقط لإرادة أحد غيرها. تقرر الرحيل قبل أن يبدأ الأخرون بالنظر إليها كعنصر شاذ في المشهد العام. هذه التي تنسحب وحدها. تلك الياسمينة ليست مثلها. أكثر الياسمين يحب التسمك بحياته حتى اللحظة التي يقطفه فيها من يحتاجه. من يدري أي الياسمينات أجمل؟ أتلك التي تترك لتسقط وحدها، أم تلك التي تقطف قبل أوانها؟ |
|||||
مثنى غرايبة |
|||||