Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

Lebanese Communist Students Web Community

Established on November, 16th 2002

   
Main Documents Gallery Links & Contacts Activities Downloads
   

الانتقال إلى ذمة الله

   

كان المطر ينهمر بغزارة، عندما كنت أشاهد ريبورتاجا مصورا عن مبنى الدوما الروسي، جدران شاهقة، قاعات فارهة تؤدي الى أماكن ضيقة جدا، حيث كانت تتخذ القرارات لتترك بمفاعيلها ترددات في أقاصي المعمورة.
كون البرد قارصا اندثرت في ملآءة صوفية لأتابع احداث التقرير الصاخب بكل أبعاده، ومع الدفء غفوت او هكذا خيل لي...، لا أدري، فقد بدأت أسير في ساحة الكرملين المزخرفة بالحجارة المربعة الأنيقة، التي تقودك الى كنيسة القديسة سانت بازيل... دخلت بعدها شارع ضيق أفضى بي الى <<الداون تاون>> قرب ساعة العبد. كان رياض الصلح يقف على زاوية شارع المعرض كشرطي سير صارم يعتمر قبعة <<الكولاك>> الشهيرة أرشدني بحزم الى الاتجاه المتوجب عليّ اتباعه، فخضعت له دون تردد، مشيت فإذ بي أجد نفسي مجددا قرب مبنى الدوما وقد تغير اسمه فصار <<اللونغ بيتش>>...، وبينما كنت سائرا، غارقا في الاستهجان استوقفني احد الحراس ومنعني من تجاوز الحدود.
وقفت حائرا مصابا بالدهشة حينها مر أمامي <<يلتسين>> وقد تغيرت ملامحه قليلا، ابيض الشعر، يسير متثاقلا، بطنه مكورة، متأبطا ملفا ضخما يعاونه احد مساعديه في حمله. همس لي الحارس وهو يهز برأسه واثقا إن هذا الملف يحتوي اضافة الى فنون القفز البهلواني، الإرشادات الضرورية لمحاربة الرأسمالية المتفلتة من عقالها. استرقت النظر، فلاحظت بعض الكلمات، قرأتها بلكنة روسية غريبة بعض الشيء. <<القفز على الزانة.. والحل يكمن بالفودكا>> تمعنت اكثر بما أقرأ، فشدني صراخ قادم من الخلف، انه <<سوسلوف>> مجرجرا قدميه يحاول اللحاق بمعلمه، كان غاضبا من المرأة المتشحة بالسواد، فقد تجاوزته وانسابت بسرعة كالطيف مستقلة المكنسة السحرية الى داخل القاعة، ناثرة خلفها قصاصات من الورق كتب عليها <<الحتمية التاريخية ستقودنا حتما الى الانتصار...>>
تتبعت تلك القصاصات وتمتمات سوسلوف المؤكدة على أن العصر هو عصر الانتقال الى الاشتراكية، فوجدت نفسي في بهو يشرف على تنظيمه <<شبيبة الثورة>>.
قاطع اندهاشي شخص يتحدث بغضب لافت وهو يغرس أصابعه في لحيته المهملة بعض الشيء تيمنا بتشي... إنا لن ننصاع لهذا المبلغ الضئيل الذي يقدمه لنا <<محسن>> كريم فقد تدلل وزاد بدلاله.. إن البث لم يجهز بعد ولذلك نحن سنتأخر عن البدء في أعمالنا وستتأجل الثورة. وقفت متأملا... لا أصدق ما أرى... أغمضت عيناي، ثم فتحتهما مجددا! على مقربة من المنصة يجلس الحاج أسامة بن لادن واضعا رشيشا بلاستيكيا بجانبه وقد علق على صدره بطاقة كتب عليها مندوب قطاع النقل الطائر والسيارات العمومية.. على يساره كان بول بوت متكورا في كرسيه مشمئزا من المكان فهو مصاب بحساسية من حرف الراء والأسماك لاحتوائها على اليود وبالمناسبة إن اليود ضروري لشحذ الطاقة الفكرية. على كل حال كان يجهز مداخلته كي يوضح ان موقفه من الديموقراطية ليس بسبب شخصي إنما بسبب احتوائها على حرف الراء اللعين.
في زاوية مظلمة كانت تقف مجموعة من الشباب في مقتبل العمر لم يتجاوزوا الخمسين بعد، متحلقين حول رجل يلبس بزة عسكرية تشبه بزة صدام حسين الى حد بعيد... اقتربت منهم فوجدتهم يناقشون توصية حول الاسم المفترض للمقاومة العراقية ضد العدو الاميركي الغاشم.
دق جرس الكنيسة، ساد صمت الحاضرين.. صدح النشيد... بدأت تمر من أمام المنصة الرئيسية المطلة على الساحة الحمراء... قطع مختلفة من الجيش الأحمر... تقدمت.. فتقدمت أكثر... فعلى الحماس بي... صفقت فصفق الحاضرون وقفز احدهم الى المنصة مرحبا بالحضور وبضيوف الشرف السادة ممثلي الرؤساء والاجهزة الثورية والقطاعات المختلفة... بعد صمت لثوان ونظرات متفحصة من تحت النظارات تابع بصوت متهدج ان التجديد أيها الرفاق يلزمنا بتغير بعض الصيغ القديمة البالية... ان العصر اليوم هو عصر الانتقال الى ذمة الله.
دبت الفوضى وأصبح النواح هو السائد، تعانق الحاضرون والدموع تنهمر طلبا للمغفرة من بعضهم البعض فوقف احدهم ملتحيا بعض الشيء يطمئن الجمع بأن ساعة الحساب لم تقترب بعد وبأن مصادره تتجاوز عنجر بأميال عدة... علمت فيما بعد بأنه مندوب الحزب بالشيشان، فساد صمت حذر وعلت بعض الوجوه ابتسامات صفراء وعلق احد الخبثاء انه عليم بأمور ما بعد الحدود الدولية عامة والاقليمية خاصة هكذا صحح احدهم.
ولضيق الوقت وكون الافكار لا تنتهي ويمكن نقاشها لاحقا، صرخ شخص لم أتمكن من رؤيته فقد كنت أرى قدمين صغيرتين يقف عليهما رجل بالغ الآن وليس غدا... نعم يجب ان نقترع الآن، زادت الغمغمة في القاعة برتابة بالغة... فلنصوت.. نعم فلنصوت بالدم.. لا بل بالروح والجسد فبدأ الجميع بطلي أجسادهم بمادة زيتية لزجة أعدت خصيصا للمناسبة من اجل تسهيل عملية ولوجهم من فتحة صندوق الانتخاب من غير ألم، شاركهم في ذلك الضيوف لإبداء المساندة والدعم.
فرقعة فظيعة أيقظتني من الحلم، وإذ بها دراجة نارية تمر مسرعة من قرب المبنى الذي أقطن فيه، بدأت اللعنات تنهال على المحافظ والمجلس البلدي ووزارة الداخلية ومجلس الأمن وعلى كل من له صلة بالقرارات التي تتخذ والتي لا ترى النور.

زياد صعب

 

Back To Documents