Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

Lebanese Communist Students Web Community

Established on November, 16th 2002

   
Main Documents Gallery Links & Contacts Activities Downloads
   

ما الأجدى؟ التظاهر أم الاعتزال؟

   

شهدت شوارع بيروت الاول من امس تظاهرتين معاديتين للحرب على العراق. انطلقت الاولى من البربير الى الاسكوا، اما الثانية فكان خط سيرها يبدأ من تقاطع المتحف وينتهي في ساحة الشهداء.
يتساءل من مر صدفة في كلتا المنطقتين عن السبب الذي يحول دون الاكتفاء بتظاهرة واحدة. الجواب يأتي سريعا من منظمي كل من المسيرتين: ان ثمة خطابان متمايزان مختلفان جوهريا يعبران عن نفسيهما في شعارات مختلفة لا يمكن ان يلتقيا ابداً.
فالطرف الاول يخرج تحت شعار محدد وواضح <<لا للحرب>> في حين يبادر الطرف الآخر الى شعار مختلف <<لا للحرب لا للديكتاتورية>> للوهلة الاولى يخال المرء ان هنالك اختلافا عميقا بين الشعارين، فالاول معاد للحرب فقط بمعزل عن طبيعة النظام الحاكم في العراق، اما الشعار الثاني فهو اكثر جاذبية، ذلك انه يعارض الحرب كما يعلن معارضته لطبيعة النظام السياسي القائم في العراق، الذي اقل ما يقال فيه انه نظام ديكتاتوري. وبذلك يحاول اصحاب هذا الخطاب ان يرفعوا الصوت عاليا في وجه كل من الغازي الاميركي والمستبد العراقي.
نعم، للوهلة الاولى انهما شعاران متمايزان يخفيان في طياتهما خطابين متناقضين ظاهرياً وجوهرياً.
لكن ما سأحاول القيام به هو تقديم قراءة نقدية لمحتوى كل من الخطابين عبر تفكيك الشعاران الذان يطلقانهما، وذلك بغية تبيان ان الادعاء ان هنالك تمايز وتباين جوهري بين الاثنين انما هو تمايز ظاهري يخفي تماثلاً وتطابقاً جوهرياً يفضي الى نفس النتائج.
ان قراءتنا النقدية ستبدأ عبر توسيط الشعارين اللذين يعبران عن محتوى كل من الخطابين.
فما هي دلالة الشعارات؟
نجد بداية، ان الخطاب الذي يقوم على شعار <<لا للحرب>> يتغاضى كليا عن طبيعة النظام الحاكم في العراق، وهو كناية عن قضية سالبة تحمل في طياتها قضية موجبة غير ظاهرة ابتداء الا وهي <<نعم للديكتاتورية>> او الاصح قولا <<نعم لصدام>>. ذلك ان معارضة الحرب تعني تأكيداً ضمنيا على بقاء الوضع في العراق على ما هو عليه الآن. اما مقولة ان التغيير في العراق لا بد وان يكون تغييراً داخلياً نابعاً من الشعب العراقي، فما هي إلا خرافة يطلقها اصحاب هذا الخطاب متناسين ان النظام القائم في بغداد منذ ثلاثة عقود انما يستمد شرعيته من قوة اجهزته المخابراتية والعسكرية، التي لم توفر لا شيعة الجنوب ولا اكراد الشمال من حرب الابادة المستمرة منذ عشرات السنين ان الخطاب المكتفي ب<<لا الحرب>> يبقى خطاباً متعالياً يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة فهو يكفر من يخالفه بحجة ان اي كلام حول الدكتاتورية العراقية في الوقت الحاضر انما هو خيانة عظمى تؤدي الى التحالف مع اميركا، وهو يستعيد مفردات قاموس بال مني، يذكرنا بشعار <<لا صوت يعلو فوق صوت المعركة>>.
ان المهمة الاساسية بنظره هي الدفاع عن العراق ونفطه بمواجهة الهجمة الاميركية، متناسياً ان الدولة الاميركية تسيّر وتدير اغلبية دول الخليج منذ زمن طويل، متناسياً ايضا ان النظام العراقي وفي تاريخه المديد لم يكن يوماً عدواً للنظام الاميركي.
خطاب متهالك يدافع بطريقة غير مباشرة (او مباشرة) عن نظام متهالك. وشعاره لا للحرب لا يمكن ان يقرأ إلا على ضوء ما يتضمنه من مقولة <<نعم للديكتاتورية>>.
اما الخطاب المتمايز عن الاول فشعاره <<لا للحرب لا للديكتاتوريات>> لكن إذا سعينا الى تحويل شعاره الى قضية منطقية، فنحن نجد ان طرفي المعادلة سالبين. ان <<لا للحرب>> هي قضية سالبة و<<لا للديكتاتوريات>> هي قضية سالبة، وابسط قواعد المنطق الرياضي تؤدي الى تحويل هذه المعادلة الشعار الى قضية موجبة، ذلك ان قضية سالبة قضية سالبة قضية موجبة.
وبالتالي فالقضية الموجبة التي تظهر في النهاية لا يمكن ان تقرأ إلا <<نعم للديكتاتورية>> او الاصح قولاً <<نعم لصدام>>.
ونحن بذلك نرى ان رفض الحرب كشعار لا يمكن ان يتلازم مع رفض الديكتاتورية ذلك ان انتفاء الحرب ما هو إلا تأييد للنظام القائم.
ويكون بذلك اصحاب هذا الخطاب قد وقعوا في التناقض بين ما يصرحون عنه من رفض للديكتاتورية وبين النتيجة المنطقية لشعارهم إلا وهي نعم للديكتاتورية. قد يقول البعض ان النتيجة المنطقية الموجبة قد تكون <<نعم للسلام>>، لكننا هنا لن نجيب على هذه الفرضية كوننا جميعا نعرف طبيعة كل من النظامين العراقي والاميركي.
والجدير ملاحظته هنا ان النتيجة التي توصلنا إليها هنا تعيدنا الى النتيجة التي توصلنا إليها سابقا مع اصحاب الخطاب الاول.
ورب قائل ان النتيجة <<نعم للديكتاتورية>> هي نتيجة مؤقتة، حتى يحين موعد خروج اهل العراق على الحكم القائم، وذلك يعيدنا مباشرة الى مقولة ان التغيير في العراق لا بد وان يكون تغييراً داخلياً يقوم به العراقيون المتضررون من النظام، لكننا سرعان ما نحيل اصحاب هذا الرأي الى <<على الكيماوي>> الذي اثبت للاكراد العراقيين في <<موقعة حلبجة>> ان اي محاولة تغيير لا بد وان تواجه بالاسلحة المناسبة.
ان الخطابين الآنفي الذكر قد يصح اولهما في الطريق من البربير الى الاسكوا كما قد يصلح ثانيهما لتظاهرة ما بين المتحف وساحة الشهداء. لكنهما حتما لا يصلحان في بغداد او النجف او الموصل.
قد يفهم مما سبق ان هذا الخطاب ما هو إلا اعادة او اجترار لخطاب يعتبر الاميركي الوافد الى بلاد ما بين النهرين فاتحاً ومحرراً محولاَ الجيش الاميركي الى <<جيش التحرير الاميركي>> او انه يدعو الى عدم اتخاذ موقف، وفي كلتا الحالتين فهو خطاب متواطئ او اقله، مؤيد لدخول المغول الجدد الى بغداد. ان قراءة كهذه انما هي قراءة مجتزأة، ذلك ان ما سلف ذكره لا يزعم انه يقدم جواباً الى المواطن كما العسكري العراقي، انما هو محاولة تفكيكية لخطابين سائدين.
بعد مقتل الخليفة الراشدي عثمان بن عفان واحتدام الصراع على الخلافة ما بين علي بن ابي طالب ومعاوية بن ابي سفيان، وفي خضم المعارك الدموية التي جرت بين الطرفين، ظهرت اول فرق المعتزلة وهي مؤلفة من الناس الذين احتاروا في صف من يقفون، وقد فضلوا اخيراً ارجاء الامر وتعليقه الى يوم الدين، فلا ينصرون علياً او معاوية.
ان البعض قد يشبه خطابنا هذا بالخيار التاريخي؟ للمعتزلة الاوائل، ربما قد يصلح هذا الخيار في بيروت لكنه حتما لا يصلح في العراق، فالخيار الفعلي هو خيار العراقيين، الذين سيجيبون عليه في الايام القادمة اما قتالاً او ترحيباً. واذا كان خيار المعتزلة ارجاء الامر الى يوم الدين فما عسانا نفعل سوى ارجاء الامر الى <<يوم بغداد>> حيث سينثر الارز او القنابل على الجيوش الوافدة.

مازن ابراهيم

 

Back To Documents