Lebanese Communist Students Web Community |
Established on November, 16th 2002 |
||||
Main | Documents | Gallery | Links & Contacts | Activities | Downloads |
حيث كان عُشّاقٌ يتسارّون وطلاّب "يتآمرون"
ومثقّفون يدارون خيباتهم |
|||||
متثاقلين خائبين
وعلى مرأى عيونٍ حبيسة الدموع، رفع عمّال المودكا عند الثانية بعد منتصف ليل
الجمعة - السبت الكراسي والطاولات الى مثواها المرتجل داخل المقهى، وهم يعرفون
انها لن تعود فجراً الى الرصيف الذي افرد نفسه لها طوال 32 عاماً. وامس ظهراً، جاءت أجيال الرواد مفعمة بالغيظ والخيبة والرجاء، لتدير مع المستثمر الجديد، باسم اصحاب المودكا، مفاوضات للابقاء على النَفَس الأخير لشارع الحمراء بعدما كمّ الضمان الاجتماعي بيده على قلب المقهى ورفاقه. والنتيجة انتظار للأيام الخمسة الآتية التي قد تحمل ما يبشّر، أو تروح الأمور الى السقوط الأليم. عام 1971 افتُتح مقهى المودكا عند تقاطع في شارع الحمراء بات يعرف لاحقاً بـ"المثلث" الذي تصبّ فيه مواعيد المثقفين والكتّاب والصحافيين والشباب والصبايا من طلاب وعشاق ومتخاصمين وهائمين على وجه الحياة. "المودكا" و"الويمبي" و"الكافيه دو باري" حيث صَنَع شارع الحمراء تألّقه الذي بات رديفاً لذكره، وحيث صارت بيروت هي الحمراء، قبل ان تنقلب على نفسها وتسقط في مكان آخر، مضرّجة بحنين لماضٍ بعيد. عرف المودكا طوال سنيّه وجوهاً كثيرة تعاقبت على زواياه المختلفة، خارجه وداخله، سفلاً وعلواً، ومعظمها اتخذ مكاناً ثابتاً بات جزءاً من مشهد المكان، حيث تسير الحياة في الشارع وتفرعاته بوتيرة عجلى، والناس ينسلّون بين كراسي المقهى الرصيفية الى شؤونهم في دائرة جغرافية صغيرة تجمعت فيها أهمّ المراكز الاقتصادية والاعلامية. آخر ما رغب فيه رواد المقهى في ليلته الاخيرة اول من امس، هو أوّل ما اعتادوه منذ عرفوا الطريق اليه. هذا يقرأ الرواية الأخيرة، وذاك يكتب المقال الأخير على طاولته، وآخرون أداروا آخر جلسات الشؤون العامة بما يتخللها من نميمة يقولون انها "لطيفة" ومن دونها لا تستقيم السهرة. اكتظ رصيف المودكا امس بعشرات من رواده الذين وفدوا يحدوهم الأمل في ألا يروا المكان بلا ناسه وبلا أماكنهم. لكن المشهد ظُهراً خيّب بعض الآمال، اذ تراكمت الكراسي داخل المقهى على بعضها معلنة نفاذ قرار الاقفال. وخارجاً، وقف بعض الشباب من ابناء صاحب المودكا والعمّال يحاولون مع اصدقاء ورواد قدامى البحث في الاحتمالات الممكنة بعدما شاع الحديث عن امكان الاتفاق مع مستثمر على صيغة تحفظ المودكا بهويته الجغرافية والمعنوية. شباب المودكا عادة ما يُربط الحديث عن مقاهي الأرصفة في شارع الحمراء بالمثقفين المعروفين ذوي الانتاجات الادبية، أو بالاعلاميين الشهيرين الذين يتبادلون مع زملائهم وخصومهم الآراء والاستفزازات ليقعوا في مكائد بعضهم للبعض الآخر، فيتخاصمون أياماً يغيّر اثناءها واحدهم المقهى، ليعود الى الجلسات نفسها كأن شيئاً لم يكن، يدارون خيباتهم الأكبر والأقسى. ربّما ان مقاهي الارصفة تلك، بمقدار ما تحمل من ايحاءات أن روادها نمّامون وعاطلون عن عمل آخر غير النميمة، هي في الوقت نفسه باعثة دفء داخلي لولاه لما تآلفت تلك الوجوه "النمّامة" مع المكان وبعضها مع البعض الآخر طوال اعوام. لكن الأهم في المودكا كان تلك المجموعات الشبابية التي دأبت على احتلال القسم الأكبر من المقهى، وتصوغ حياتها السياسية والطالبية على فنجان قهوة. يساريون في معظمهم، لحى وكوفيات ودخان سجائر وكتبٌ على الطاولة، كفيلة بأن تقول لك من هم. يتخذون عادةً لأنفسهم المقاعد الخارجية وجزءاً من الداخلية في القاعة السفلى، وفيها طالما حاكوا "مؤامرات" هزلية وخاضوا في المقابل نقاشات طويلة حول شؤون تنظيمية في الحزب الشيوعي والمعارضة والمجموعات اليسارية التي توالدت فطرياً من المودكا في مرحلة ما، لتعود في الفترة الاخيرة وتطرح من المكان نفسه شؤون التوحيد في ما بينها. وبوتيرة أخف، يرتاد المودكا بعض الشباب من تيارات قومية عربية غالباً ما يتداولون شؤوناً ذات علاقة بنشاطات آنية تراوح في معظمها حول دعم فلسطين والعراق، وآخرها التحضير لرحلة شبابية تضامنية الى بغداد. وفي الفترة الأخيرة، اجتذب اليساريون الى المودكا بعض الشباب العونيين اذ عقدت اجتماعات طالبية عدّة "طُبخت" فيها المعركة الانتخابية للجامعة الاميركية قبل ثلاثة أشهر، حيث تحالف العونيون مع مجموعة "بلا حدود" اليسارية، لتعود المفاوضات وتفشل في المكان نفسه في المرحلة الانتخابية اللاحقة، كجزء من "المؤامرات" الطالبية التي اتخذت على مدى تاريخ المودكا طابعاً خاصاً بهذا النمط من العلاقات بين اطراف الحركة الطالبية. اعتاد العونيون الذين خاضوا تلك المناقشات الانتخابية في المودكا ارتياد المكان بوتيرة متفاوتة لينخرطوا أكثر في الاجواء الطالبية والسياسية التي تطبع رواد المقهى. وحرص الشيوعيون ولا سيما منهم الذين يعملون في اطار المعارضة للحزب، على اجتذاب صداقة هؤلاء بعد تقاطعات عدة في مسائل سياسية لم تصل الى مرحلة التوافق في أمور مختلفة. لكن المرحلة الأكثر جمعاً للشباب في جلسات سياسية كانت أثناء الاعداد لاطلاق "المنبر الديموقراطي" عقب الانتخابات النيابية الأخيرة عام ،2000 مع الاشارة الى ان المودكا شهدت في الفترة الاخيرة ولادة مجموعة "طلاب شيوعيون" المنشقة عن "اتحاد الشباب الديموقراطي" التابع للحزب الشيوعي، وكذلك كانت المكان الذي منه انطلقت الخطوات التنفيذية لتحركات شبابية منها الاعتصام امام مكاتب محطة "سي ان ان" الاميركية للتلفزيون، والاعتصام المفتوح في ساحة الشهداء أثناء مجازر جنين وحصار الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. المودكا كانت ملجأ لكثير من الشباب الذين وفدوا من المناطق الى بيروت لاكمال تعليمهم او العمل او الاثنين معاً، اذ فيها تمكّن معظم من نسج علاقات سياسية وثقافية وشبابية وبعضهم بهرته بداية رفقة الاسماء اللامعة وجيرتها بين طاولة وأخرى، وسرعان ما بات له عالمه الخاص وانخرط في اجواء "المثلث" المفتوحة على كثير من الأسرار... والأوهام. لكن الطبقة العليا من المودكا كان لها بدورها عالمها الخاص، الأكثر حميمية وانصرافاً الى الشؤون الشخصية. فلطالما تلمح من خلف زجاجها السميك عشاقاً يتسارّون ويتبادلون الهدايا السريعة، او يخوضون في شؤون مستقبلهم وهمومه، التي غالباً ما تصير في المودكا نوعاً من الاشياء الدخيلة، فيعود الحبيبان الى لحظتهما، يترصدان من علٍ حركة الناس في شارع الحمراء، حيث الوجوه نفسها تروح وتجيء بلا ملل، تصير كثيفة احياناً وتخف احياناً أخرى، لكنها تحمل دائماً في مشيها وركونها تارة الى فيء وطوراً الى اتقاء المطر، علامات تيه من حياة شارع تاهت هويته تحت وطأة الاهمال المتعمّد واغراقه بمحلات حوّلته مرتعاً للاستهلاك اليومي، حتى صار شارعاً موقوفاً للمطاعم ومحلات الاحذية. شارع الحمراء بقي الى أمس قريب القرية الخاصة لكل من لم تبق له ظروفه قرية تبعث فيه طمأنينة نفسية، وكانت المودكا لكثيرين تلك الشجرة التي في فيئها استظلوا، اتقاءً لوهج المدينة وهرباً من ضجيجها، ذلك ان ضجيج شارع الحمراء يبقى مختلفاً تماماً عن كل ضجيج... لكن بسقوط المودكا، يسقط الرصيف الأخير الذي اسندت عليه ظهور المتعبين. |
|||||
02/03/2003 | Annahar | ||||